أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 6















المزيد.....

سيرَة حارَة 6


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4265 - 2013 / 11 / 4 - 21:41
المحور: الادب والفن
    



1
" الشيخ محي الدين "؛ كان اسماً معروفاً في الحارة، قبل أن يُلحق به لقب " الدكتور "؛ الذي استوفاه صاحبه على الرغم من حقيقة، أنه لا يملك سوى الشهادة الابتدائية....!
وهذا الشيخ، الذي يكبرني بعامين أو ثلاثة، كان من أصحاب الولاية فوق ذلك. ففي إحدى أماسي انتخابات الادارة المحلية ( وكان مرشحاً خائباً دوماً! )، روى كيف استدعيَ إلى احدى قرى الغوطة لقراءة القرآن الكريم على رأس الميت. فما أن دخل الدارَ، حتى قال لأهل المتوفي: " انّ صاحبكم حيّ؛ وانني والله لأسمع خفق قلبه من هنا! ". فما أن دخلوا معه إلى الحجرة التي سجيَ فيها ميتهم، حتى بوغتوا به وهو يتطامن برأسه من تحت الغطاء، ليطلبَ قدحاً من الماء....!
" الشيخ محي الدين "، اشتغل بالخطبة في " مسجد سعيد باشا "، وربما في غيره من جوامع حيّ ركن الدين أيضاً. وبما أنه خطيبٌ مفوّه ـ على أساس ـ فقد كان يتنقل بمناسبة ترشحه للادارة المحلية بين منازل المرشحين الآخرين، ملقياً الكلمات الملتهبة. ذات مرة، وقف في منزل أحد المرشحين الشيوعيين ( الموجود كالعادة على قائمة الجبهة )، فاستهلّ كلمته مخاطباً الحضور بحماسة: " اعتبروني ذخراً لكم؛ طلقة في مخزن مسدسكم "....!
ويتذكّر أبناء الحيّ، كيف دُعيَ " الشيخ محي الدين " إلى حفل أقيم بمناسبة التجديد للرئيس المقبور؛ والذي أقيم على أرض ملجأ " حارة الكيكية ". وكانوا قد جلبوا آنذاك فرقة للرقص الكردي، حيث كان من المقرر أن تقدّم بعض الوصلات عند انتهاء الحفل الخطابي. فما أن جاء دور شيخنا، حتى هدرَ صوته عبر الميكروفون في كلمة مطولة ختمها قائلاً: " وفي يوم البيعة لسيّد الوطن، فإنني سأعلي صوتي تأييداً؛ بل سأغني وأرقص أيضاً ." !..

2
" عبده كَوشي "؛ كان رجلاً عجوزاً منذ أن وعيته جاراً لنا، وحتى وفاته حينما أضحيت طالباً جامعياً. لقد كان من آخر رجال الحارة، النادرين، الذين ضمنوا بستاناً في المنطقة الزراعية، التي قام عليها لاحقاً اوتوستراد الفيحاء. في منزل جارنا، ذي الحديقة الرائعة، كان يوجد اسطبل لأغنامه ولحماره الصغير. هذا الأخير ( أنتم أكبر قدر )، كان يبدأ بالنهيق في منتصف الليل، فكنا نعلّق على ذلك بالقول: " إنه صوت ساعة بيغبن "....!
زوجة " عبده كَوشي "، وكانت بالأصل صالحانية إلا أنها تتقن الكردية، ماتت طاعنة بالسن. فبدأ الرجل الأرمل، على الفور، بالبحث عن عروس مناسبة، قائلاً لمن يعرفونه " لا يوجد أحد يغسل لي جواربي! ". إلى أن سعى له بعض المعارف بخطبة امرأة من عفرين؛ مناسبة على ما يبدو وماهرة في غسل الجوارب. عند ذلك، صار الخطيبُ زبوناً شبه دائم عند قريبنا " ابن علي حسّو "، الذي يملك محلاً للمفروشات مطلاً على جادة أسد الدين. إذ اعتاد " عبده كَوشي " على استعمال هاتف المحل يومياً تقريباً، للتكلم مع خطيبته، طالما ان قريبنا كان لا يأخذ منه ثمن المكالمات. حتى كانت ظهيرة أحد الأيام، وكنت متواجداً في محل قريبنا ذاك، عندما دلفَ إليه الخطيبُ العتيد بشرواله وحطّته ورائحة حقله. فهمَسَ لنا قريبنا وهوَ يتضاحك " انظروا ماذا سأفعل به! ". فما أن أنهى " عبده كَوشي " مكالمته بعدما ملأ أسماعنا صراخاً، وهمّ بالمسير إلى حال سبيله، حتى طلب منه صاحب المحل نصف ليرة كثمن للمكالمة. جَمَدَ العجوز في مكانه، واجماً. ثم ما لبث أن مدّ يده ببطء داخل جيب شرواله، فأخرج القطعة المعدنية المطلوبة، فرماها على الطاولة لترنّ وهيَ تتقلبُ على نفسها عدّة مرات: " لا أكلنا ولا شربنا، وحطينا نص ورقة "!..

3
" صبيح ملا "؛ هو من منطقة ساحة " شمدين آغا "، الكائنة في مدخل الحيّ من ناحية " سوق الجمعة " . لقد كان من جيل ابنة عائلتنا، البكر. وكما أذكره، فإنه كان شاباً طريفاً وغريبَ الأطوار في آن. من أصدقائنا من كانَ يَعتبرُهُ عبقرياً، فيما آخرون كانوا يَتعاملون معه بوصفه معتوهاً أخرَقَ....!
كانَ " صبيح " مَوهوباً باللغات الأجنبيّة؛ وخصوصاً الفرنسيّة. إلا أنّ حذقه لغته الأمّ، الكرديّة، كانَ مُدهشاً لناحيَة الفقه والنحو. فرنسيّته المُمتازة، كانت قد أوصلته إلى بيروت الشرقيّة. ثمّة، ما لبثَ أن تعرّف على رئيس بعثة تبشير، بابويّة ، من أصل بلجيكيّ. وعن طريقه، أعتنق" صبيح " الكاثوليكيّة، ليُسافر من بعد إلى العاصمَة الفرنسيّة، كي يَدرس هناك علمَ اللاهوت. قبل ذلك، حينما كان بعد في بيروت، عاد الى موطنه للتبشير بعقيدته الجديدة. ذات يوم، كان في زيارة لنا ( والده كان صديقاً قديماً لأبي )، فجلس في الحديقة يحدثنا بحماسة عن فوائد اعتناق المسيحية بالنسبة لقومنا؛ وأنها ستجعل الغرب يعمد لتأسيس دولة كردية على غرار اسرائيل. فما كان من والدي، الذي كان حاضراً، سوى تذكيره بمأساة الأرمن وكيف تمت ابادتهم تحت سمع وبصر الدول الأوروبية وبدعم من بعضها أيضاً....!
قبل ذلك كله، اشتهرَ هذا الفتى الطريفُ بحكايَة تخلّصه من الخدمَة العسكريّة. كانَ " صبيح "، ومُذ مُستهلّ الدورَة التدريبيّة الأولى، يدّعي فقدانَ السّمَعَ؛ بما أنه كان لديه تشوّه خلقي بإحدى أذنيه. إلا أنهم ثمّة، في المدرسة العسكرية، لم يأبهوا له. حتى حانَ مَوعدُ إحدى المُناسبات الوَطنيّة، التي تعهّدَ فيها هوَ إلقاء كلمَة باسم زملائه من تلاميذ صف الضباط. عند ذلك، أستهلّ صاحبُنا خطاباً مُدوّ، مُطوّلاً للغايَة. مديرُ المدرسة، طالبَ مُتذمّراً بوَقف الخطيب. ولكنّ هذا، مُتصنعاً الصمَم، كانَ لا يُعير التفاتاً لأصواتَ الذين يُطالبونه بإنهاء الخطبَة. وفي النتيجة، أنّ مديرَ المدرسة، المَشفق أخيراً على حال " الفتى الأطرش "، هوَ من رفع تقريراً يوصي بإعفائه من الخدمَة العسكرية...

4
" اوسو نيّو "؛ كان أحد أقاربنا، متميّزاً بالوسامة والأناقة والغندرة. وبما أن أشقاءه الثلاثة، الذين يصغرونه، كانوا حلاقين ويملكون محلاً ملتصقاً بمنزلهم، فإنه اعتاد أن يمضي نصف ساعة هناك صباحاً وهو يعتني بشعر رأسه وشاربه. فما أن يغادر المحل، متجهاً الى وظيفته، حتى يهتف شقيقه الأوسط، الملقب بـ " جحا "، في أثره: " انجحِمْ! يلعن شكلك اي والله "....!
في زمن شبابه، كان " اوسو نيّو " يتمخطر أمام ثانوية التجهيز، الخاصة بالاناث، والموجودة في مركز الشام. آنذاك، كان الشبان يستعملون مفردات طريفة في التعبير عن اعجابهن بجمال الفتاة المعنيّة؛ كأن يشبهونها بالقطايف، وهي الحلوى الشامية المعروفة، التي كانت تحشى بالجوز والقرفة وتغمّس بالقطر. وكان هؤلاء يحظون نادراً ببنت سافرة. إذ لم يكن يظهر من البنت المسلمة وقتئذٍ غير كعب قدمها، بما أنها مكتسية بالرداء الأسود اللون، المحتشم. إلا بعض الطالبات، الأكثر تحرراً بلباسهن، وخصوصاً إذا كن من النصارى أو اللواتي ينتمي أهلن للشيوعيين أو القوميين السوريين. إحدى هاته الفتيات، السافرات، اقتربت ذات مرة من قريبنا الغندور، فرشقته بنظرة حلوة ثم سألته عن الوقت مشيرةً إلى ساعة يده. فما كان منه إلا أن أجابها بنبرة تدلّه: " قطايفتين ونص "!...

5
قريبي " ابن علي حسّو "، كان يصغرني بعامين ومعروفٌ بطرافته. وقد كنت، إلى هذا الحد أو ذاك، مثله الأعلى. إذ شجعته على التخلّص من أميّته، التي كانت تسبّب له مشاكل ولا غرو. كأن يفضّل مشاهدة الأفلام الهندية، عوضاً عن الأفلام الفرنسية والطليانية، الجادة، بما أنه كان لا يستطيع قراءة شريط الترجمة إلا بصعوبة....
في أحد أيام الفتوّة الغابرة، كنت مع هذا القريب في السوق، سعياً لشراء كنزة جديدة. وأتذكّر أن المحل التجاري، الذي دخلناه، كان يقع في " ساحة الفردوس ". ما أن اشتريت غرضي وخرجت من المحل، حتى تفحصته فوجدت فيه عيباً ما. عدت لأبدّل الكنزة، ولكن صاحب البضاعة أشار الى لافتة مثبتة في صدر محله، تفيد بأن التبديل والإعادة مستحيلان. فما كان من " ابن علي حسو "، المتطبّع خلقه بجنون السلالة، سوى امساك الرجل من تلابيبه وحشكه بالجدار، صائحاً به: " ولاه! موظف تموين يتكلّم معك! ". مرعوباً، أوعز صاحب المحل لأجيره بإعادة ثمن الكنزة لي ويا دار ما دخلك شرّ. حالما خرجنا من أرض المعركة، سألت قريبي عن وظيفته المزعومة، فأجابني ضاحكاً بأنه هو نفسه لا يدري كيف تقمّصها....!
ثمّ مضت عشرة أعوام أخرى تقريباً. آنذاك، كان قريبي حينما يأتي للمنزل ويسأل عني، فإن والدتي اعتادت أن تقول له " ذهب من الصباح الباكر إلى مكتبة الأسد ". فطلب مني، ذات مرة، أن يرافقني إلى المكتبة. ثمّة، عند الباب الرئيس، نصحه الشاب المناوب ( وكان رقيباً مجنداً من القامشلي ) أن يُخرج بطاقة انتساب للمكتبة. على الاثر، توجهنا إلى الموظفة المسئولة عن استلام طلب الانتساب. فيما كانت الفتاة تملأ الاستمارة، فاجأت رفيقي بسؤاله عن مهنته. وجمَ هو متردداً، طالما أنه بلا عمل مذ استلامه مبلغاً جسيماً من المال من المتعهّد، الذي سيجعل منزل أبيه بناية حديثة. وإذاً، عندما استحثت الموظفة " ابن علي حسّو "، فإنه ما لبث أن أجابها بنبرة معتبرة: " أنا موظف في التموين..! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد
- سيرَة حارَة 3
- في عام 11 للميلاد
- سيرَة حارَة 2
- في عام 12 للميلاد
- سيرَة حارَة
- جريمة تحت ظلال النخيل
- جريمة في فراش الزوجية
- جريمة عند مدخل الرياض
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد
- جريمة على الطريق العام
- حكاية من - كليلة ودمنة - 8
- حكاية من كليلة ودمنة 7
- حكاية من - كليلة ودمنة - 6
- حكاية من - كليلة ودمنة - 5


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 6