أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - قراءة في -أسفار الفراعين-















المزيد.....

قراءة في -أسفار الفراعين-


سها السباعي

الحوار المتمدن-العدد: 4265 - 2013 / 11 / 4 - 20:20
المحور: الادب والفن
    


عندما تقف متأملاً أمام لوحة، فأنت قد تفعل لذلك لأحد ثلاثة أسباب؛ إما إعجابك بجمالها الظاهري، أو محاولتك التعمق تحت الطبقات التي أحدثتها ضرباتُ فرشاة الفنان الذي رسمها، واختراق حجب الألوان، في فضول لمعرفة ماذا يريد الرسام أن يخبرك بإظهاره بواعثَ نفسه من مكمنها الأمين لتبصرها، وهنا قد لا تنال هذه المعرفة إلا إذا كنت تسبح مع هذا الرسام في نفس الموجة أو تحلق معه على نفس الجناح. أما السبب الثالث؛ فهو فضولك تجاه بواعث نفسك أنت، التي قد تنجح هذه اللوحة في إظهارها أمام عينيك، تلك المكنونات الداخلية التي أهملتَها تحت وطأة ضغط حياتك اليومية ودورانك المستمر مع الرحى، التي تطحن أجزاءً من نفسك كل يوم، ربما لا تدري حتى أنها موجودة.

وكما قد ينجح الرسام في أن يُنَقِّب داخل نفسك بفرشاته، كذلك قد يفعل الكاتب بقلمه – أو بـ "كي بورد"ه - ! خذ مثلاً رواية "أسفار الفراعين"*، تأمل الاسم؛ الأسفار قد تكون جمع "سِفْر" بكسر السين وسكون الفاء، وهو الكتاب الكبير؛ الكبير حجمًا وثقلاً لكثرة ما كتب فيه، والكبير قيمةً وقدسيةً حيث تسبق الكلمة أسماء أجزاءٍ من الكتب المقدسة كما في العهد القديم. وهذا المعنى قد يعبر عن بعض ما جاء في الرواية، فما عُرف عن الفراعين "أو كما يطلق بالعامية على قدماء المصريين بغض النظر عما إذا كانوا من بيوت الحُكم أو من عامة الشعب"، يملأ مجلداتٍ ضخمة حتى الآن، فما بالك بما لم يُعرف بعد! كما أن عقيدتهم التي تُقدس العديد والعديد من الأشياء، بدءًا من قرص الشمس مرورًا بالنيل وحتى حشرة الجعران، تجعل لنصوصهم قداسةً خاصة، وإن آمنوا وحدهم بها. وكما نستشف من الرواية، فهم لا يزالون ضاربين في القدم، متمسكين أبدًا بأسلوب حياةٍ وردود أفعال لا تؤدي بهم إلى نقطة وصول، بل لمجرد الاستمرار، مهما صدقت نواياهم الحسنة التي تفترش دائمًا طريقهم إلى جهنم!

الكلمة ذاتها في معناها الدارج هي جمع "سَفَر" بفتح السين والباء، التنقل والارتحال، من نقطة بداية إلى نقطة نهاية، وهذا المعنى بالفعل معبَّرٌ عنه بجلاء في الرواية، فجميع أبطالها في حالة ارتحالٍ دائم ، باستخدام جميع الوسائل التقليدية كالطائرة و"الأوتوبيس" و"التاكسي و"المترو" وغير التقليدية ، كالزمن. وعندما يتوقفون عن التنقل فهم يتوقفون فقط لركوب الوسيلة التالية. المشكلة مع الأبطال أنه ليس لأحدهم نقطة نهاية، فهم لا يصلون أبدًا، ونتركهم دائمًا في حالة انتظار! وهنا قد نتساءل عن جدوى الارتحال؟! فيرد علينا كافافيس بقصيدته الرائعة "إيثاكا"** .

ترتحل بك الرواية بين ميدان الجيزة بخصائصه المميزة وشارع الهرم بطوله ونهايته أو بدايته المميزة ، بين مكاتب الوزراء والبيروقراطية الأزلية للموظفين والفساد الإداري المخلوق معهم ضمنًا، بين عربات المترو على خط حلوان- المرج حيث "يسرح" عبد العال بأي شيء يباع نهارًا ثم ينام ليلاً في إحدى العربات بعد دفع المعلوم للشاويش، وبين حوارات المثقفين الذين فقد أحدهم الأمل واستمرأ الاستمرار في فعل لاشيء "لأن الكمون واللعن أسهل من الحركة والمواجهة" حتى يتجمد بينما استمرت الأخرى في فعل أي شيء وكل شيء للنجاة ومقاومة العفن حتى تختفي، بين الجندي المشرف على الموت التائه في صحراء سيناء 67 والهارب إلى الأسر وتمثال الكاتب المصري العائد إلى الحياة والتائه بدوره في شوارع باريس والهارب على الحدود الفرنسية الإيطالية في هجرة غير شرعية إلى الوطن، وتسير بك في شارع السودان وكورنيش النيل حيث ترش الطائراتُ المطهرات لتمنع الموت الزاحف من الانتقال من بولاق الدكرور وامبابة إلى المهندسين والزمالك، ولكن الوباء لا يقرأ العنوان في بطاقتك الشخصية.

تنتقل بدورك بين أبطال الرواية في لقطاتٍ سريعة، حيث لا راوٍ يمسك بيدك ويحكي لك، كلٌّ منهم يعترف طواعيةً ويشهد على نفسه أو معها بمنتهى الصدق. في نهاية الكتاب المطبوع ثلاث صفحاتٍ فارغة، حيث ترك لك الكاتب مساحة لتروي حكايتك بالصدق نفسه، وتكتب شهادتك، لنفسك، أو عليها.

----------------

* عز الدين شكري فشير – أسفار الفراعين – دار الشروق – القاهرة ، 2012.

* * إيثاكا إحدى جزر اليونان، التي خلد ذكرها هوميروس في ملحمة الأدويسا، حيث يعود إليها ملكها أوديسيوس، صاحب فكرة حصان طروادة، بعد سنوات طويلة من مواجهة الأهوال، عقابًا له على تحديه بوسايدون، إله البحر الغاضب، ثم خلدها كافافيس، الشاعر اليوناني الأصل السكندري المولد والحياة والممات في قصيدته المسماة باسمها، وهذه إحدى ترجماتها إلى العربية:

عندما تبدأ رحلتك إلى إيثاكا

تمن أن يكون الطريق طويلا،

مليئا بالمغامرات والأشياء المثيرة.

ولتكن الرحلة فرصة لإشباع شغفك بالمعرفة

لا تخف من الغيلان والمردة آكلي لحوم البشر

الذين يظهرون في العتمة،

أو تلك المخلوقات ذات العين الواحدة.. مفتوحة في انتظار الفرصة،

وواجه بلا خوف غضب بوسايدون العاتي.


إنك لن تقابل هذه الأشياء التافهة في رحلتك

إذا ما بقيت رؤيتك ثابتة نحو الأفق الذي تريد،

إذا ما بقيت روحك على شهامتها.

لن تقابل هذه الغيلان آكلة لحوم البشر، ذات العين الواحدة،

ولن تعاني من تقلبات بوسيادون الهائج

إذا لم تحمل كل هذه المخاوف معك، في أعماق نفسك.

لن تقابل هذه الأشياء

ما لم تستحضرها روحك أمام عينيك.


تمن أن تكون رحلتك طويلة،

أن تكون صباحات الصيف عديدة لسنين طويلة

فتبحر إلى مرافىء لم تحلم بها، ولم ترها من قبل

ستبحر إليها في فرح وسلام ويقين هادىء

تجول في كل الأسواق التي تقابلها

واشتر من الأشياء كل ما قد تحتاج إليه:

من المرجان واللالىء الجميلة والعطور الشهوانية.


لا تتعجل في رحلتك بأي حال

الأفضل أن يدوم السفر لسنين طويلة

ألق بمراسيك عند الجزر الصغيرة عجوزا

سعيدًا بالثروة التي جمعتها أثناء رحلتك

لا تتوقع أن تعطيك إيثاكا أي شيء

لقد أعطتك إيثاكا الرحلة

ويدونها ما كنت بدأت


وإذا وجدت إيثاكا فقيرة ومعوزة،

فهي لم تخدعك.

لولاها ما كنتَ شددتَ الرحال.

وليس لديها ما تمنحكَ إيَّاه أكثر من ذلك.

ومادمت قد صرت حكيماً، حائزاً كلَّ هذه الخبرة،

فلا ريب أنك قد فهمت ما تعنيه الإيثاكات.



#سها_السباعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ركبتان
- خريطة
- قراءة في ذات
- موستانغ
- آخر الشارع
- سألتُ مُعلمي
- عنكبوتٌ صبورٌ هادئ
- نجمةٌ ميتةٌ
- سأم القاهرة
- نقطة ومن أول السطر
- البجعة السوداء - من دار الأيتام إلى خشبة المسرح
- الضباب ومقر البرلمان
- في انتظار الحُكم
- وماذا بعد يا مصر؟
- قسَم الملعب وقسَم الميدان
- نهضة مصر - مسيرة تمثال
- كاتمة الأسرار – مصر والمرأة المصرية في أعمال محمود مختار
- إنها ليست كراهية، إنه حب امتلاك


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - قراءة في -أسفار الفراعين-