أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - الاصولية والعنف في العراق – عنف بلا اصول















المزيد.....

الاصولية والعنف في العراق – عنف بلا اصول


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1216 - 2005 / 6 / 2 - 13:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن تفجير النفس من اجل قتل الاخرين، ايا كانوا، وبالاخص عندما يكونون من ابناء جلدتك ودينك، فانه امر يشير اما الى سادية تامة او مرض عضال هو الاقرب الى الارهاب المجنون. وما جرى من تفجير يوم الثلاثين من مايس 2005 (الامس) في مدينة الحلة، والذي سبقه تفجير مماثل يستهدف الناس في تجمعهم واحتجاجهم، وامثاله مرات عديدة في مدن النجف وكربلاء والكاظمية وغيرها من المناطق التي يسكنها شيعة العراق تعيد من جديد الأسئلة الأكثر إثارة بالنسبة للفكر السياسي والأخلاقي في العراق والعالم العربي والإسلامي ككل. وبغض النظر عن القوى القائمة وراء هذه الافعال المجرمة، فانها تشير أولا وقبل كل شئ إلى طبيعة الفراغ الذي صنعه تاريخ عريق من نفسية الاستبداد والقتل الجماعي الملازم لها. وإذا كانت هذه التفجيرات والقتل "المجاني" يجري التخطيط لتنفيذها في الاماكن العادية لتجمع الناس البسطاء وكذلك في "الاماكن المقدسة"، فان ذلك يشير أما إلى فقدان فكرة المقدس عند فاعليها، أو على العكس. بمعنى انه فعل يستمد "قدسيته" من كونه موجها أساسا ضد الانسان عموما وضد الشيعة خصوصا. وهي نفسية ليست غريبة على تقاليد التسنن الأصولي منذ أن أطلقت للمرة الأولى تسمية الروافض، ومنذ أن اصبح شتم الإمام علي بن ابي طالب من على المنابر جزءا من تقاليد الصلاة الأموية (السنية)!
إننا نعرف جيدا بأن الأحداث الدموية لا تنشأ عن فراغ. بل يمكننا القول، بأنها التعبير النموذجي عن خلل هائل أما في بنية الدولة أو العلاقات الاجتماعية أو الأخلاق أو الفكر أو في جميعهم. وإذا كانت الطبيعة لا تحب الفراغ، فان الفراغ الذي صنعه التسنن السلفي على امتداد قرون عديدة يشير إلى طبيعة الخلل الهائل في بنية الفكرة الإسلامية السنية وتقاليدها ككل. وهي تقاليد برزت بكامل قوتها التخريبية في العقود الأخيرة، بعد أن تمازجت مختلف تياراتها الراديكالية في سبيكة يصعب تحديدها بشكل دقيق، إلا أنها تتميز بصعود متنام لنفسية الإرهاب والعداء الشامل لكل ما لا يستجيب لتصوراتها وأحكامها، أي لعقائدها الخاصة.
فالعناصر الجزئية للعقلانية والليبرالية التي تراكمت في مجرى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين في الحركات الإسلامية السنية قد أخذت بالاندثار شبه الشامل والتام مع صعود الاصوليات السياسية المتشددة. ولعل من أهم مفارقات هذه "الأصولية" هو فقدانها للأصول بالمعنى الفلسفي والفقهي والسياسي. وهو الأمر الذي جعل من تصوراتها في الأغلب نسيجا خشنا من العقائد والأحكام الفقهية المرتبطة بعقائد الإيمان الرتيب والسلوك المناسب له.
لقد كانت هذه الاصوليات المتشددة ردا مباشرا على هزيمة الاصوليات الدنيوية (التوتاليتارية) واستكمالا لها. وبمعنى ما كانت أيضا تصديرا من "الدول" الأكثر تخلفا من حيث بنيتها السياسية والاجتماعية والفكرية. وليس اعتباطا أن يتصاعد هذا التيار ويتمازج مع السلطات الدنيوية في مراحل الانقلابات الحادة أو مراحل الانحطاط، كما حدث في سودان النميري ومصر السادات في السبعينيات والجزائر في الثمانينيات والعراق في نهاية السلطة الصدامية. ونمت بصورة شبه شاملة في تسعينيات القرن الماضي في العالم العربي ككل من سوريا إلى فلسطين مرورا بالأردن، ومن مصر إلى المغرب مرورا بليبيا وتونس. ومن العراق إلى اليمن مرورا بدول الجزيرة العربية. وإذا كانت الدول العربية "العلمانية" تحارب وتقاتل وتقمع بدون هوادة هذه الحركات من اجل ترويضها بما يخدم ديمومة استبدادها السياسي، فان دول الخليج العربية كانت تعمل على تخبئتها تحت جلد المنظمات الحكومية وهيئات الإغاثة والمساعدة الإسلامية وثقافة القمع الفاعلة بالأحاديث الموضوعة والآيات القرآنية المجتزئة. وبغض النظر عن تباين المقدمات والأساليب إلا أنها كانت تشترك جميعا في التوفيق بين الدين والدنيا بالشكل الذي يجعل من استحكام السيطرة السياسية الغاية النهائية لفعلها. من هنا اشتراك الجميع :بالحملات الإيمانية" وتوسيع شبكات التلفزة، وبناء المساجد وتخريب المدارس. وصرف الأموال الطائلة على مختلف فنون الترفيه وتقليص حجم الإنفاق العلمي والبحثي إلى مستو مخزي! وفي كل ذلك كان الاسلام السني هو الحليف المباشر لهذه السياسة. مما أدى في النهاية إلى تمازج غريب بين قوى لا يجمعها في الواقع سوى تبرير الفشل في تحقيق التحديث والعصرنة. وفي هذا الواقع يمكننا أن نعثر على استعادة حية للفكرة التي بلورها ابن خلدون قبل ألف عام عن خصوصية الانتقال من البداوة إلى التمدن. إلا أن هذه الخصوصية تكشف لنا في الوقت نفسه عن بعد آخر لم يتطرق إليه، ألا وهو طبيعة الارتباط العضوي بين البداوة والتسنن السلفي الذي عادة ما يؤدي، بل يؤدي بالضرورة، إلى إعادة إنتاج نفسية الاستبداد وفكرته السياسية في "الدولة".
وهي حقيقة يمكن تأملها على أمثلة التاريخ الإسلامي ككل. فقد كانت جميع مراحل انحطاطه الثقافي مرتبطة بصعود التيار السني السلفي. وليس اعتباطا ألا ينتج التسنن السلفي أية منظومات فكرية فلسفية. كما انه ليس اعتباطا أن يناهض الفلسفة العقلانية والتصوف والتشيع ومختلف المدارس الإنسانية الإسلامية الكبرى من خوارج ومعتزلة وغيرهم. بمعنى سلوكه التاريخي المتأصل في العداء لإبداع العقل الرفيع والروح المتسامي والوجدان الخالص. وليس اعتباطا ألا تتعدى التصورات والأحكام العقائدية المميزة للاصوليات السلفية المتشددة القديمة والمعاصرة اكثر من اجترار جزئي لمجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث الموضوعة (الكاذبة). إضافة إلى أن اغلبها لا علاقة له بالحياة ومتطلباتها. إذ لا يتعدى أقصى اهتمامها متطلبات الجسد والماورائبات الغارقة بزبد التمنيات والعجائب. وهي صفات يمكن فهمها على أنها النتاج الملازم لنفسية البداوة والاستبداد. ومن ثم ليس التسنن السلفي على امتداد التاريخ سوى الصيغة الإسلامية لنفسية البداوة والاستبداد.
ويشكل تاريخ السلطة في العراق الحديث نموذجا ناصعا لهذه النفسية. والقضية هنا ليست فقط في أن مرتع السنة في العراق هو منطقة البداوة التاريخية، بل وفي اندماج تاريخ البداوة وبنيتها التقليدية بالسلطة فيه. وليس اعتباطا أن تعارض هذه النفسية وترفض رفضا قاطعا فكرة ومبدأ الانتخاب والاختيار تحت حجج وذرائع شتى. أما في الواقع فإنها الصيغة الماكرة لنفسية البداوة والاستبداد، التي تعتقد بان الشيخ يولد ليسود. وفي ظل هذا التاريخ الخاص لهذه النفسية والذهنية، اصبح التسنن في العراق المعاصر أحد المصادر الكبرى للاستبداد وتبرير الإرهاب. وإذا كان هذا الانطباع العام والجلي في الوقت نفسه في كل مناطق العالم الإسلامي والعالم ككل، فان خصوصيته في العراق تقوم في انه اخذ بشعر للمرة الأولى بفقدان زمام "المبادرة" وانحساره التاريخي إلى حدوده الطبيعية. بمعنى إرجاعه إلى تخوم البادية. إذ لم يصنع التسنن المتشدد والسلفي في العراق سوى صحراء قاحلة. ومن ثم لا يمكنه مع كل هبة ريح أن يجلب غير الرمال والرماد وبقايا عالم لا حياة فيه.
والأحداث المتكررة من العنف الاصولي الذي لا اصول فيه ليس إلا الصيغة الفعلية لهذه الرياح الرملية. إنها يمكن أن تصنع كثبانا من القتلى والجرحى، لكنها لا تستطيع حبس جريان الأنهار. غير أن ذلك يفترض بدوره ردا يتسم بالقدر الشديد من العقلانية والقوة، التي توقف هذه القوى عند حدودها. فهي قوى ليست فقط لا علاقة لها بالعراق ومصالحه الكبرى، بل ولاغترابها الشامل والتام عن حقيقة الاسلام. فحقيقة الاسلام ليس في السنة والتسنن، بل بمبادئه الكبرى. وهي مبادئ ابتذلها التسنن على امتداد تاريخه. مع انها مبادئ تاريخية لا تلزم المعاصرين بأكثر من حرية اختيارها والتمسك بها بوصفها جزء من حرية الضمير أو الاعتقاد الشخصي فقط. وهو الأسلوب الوحيد الذي يمكنه تذليل نفسية البداوة والاستبداد في التسنن الأصولي، لاسيما وانه كيان غير تاريخي في العراق.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرع والمرأة – حق الانتخاب ام انتخاب الحق
- اهانة القرآن بين الفضيحة والادانة
- الحجاب - غطاء لغنيمة الجهاد والاجتهاد الذكوري
- العلاقة الشيعية الكردية – زواج متعة ام حساب العد والنقد
- إشكالية الحزب والأيديولوجيا في العراق المعاصر
- من جلالة الملك الى العم جلال
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق 4 من 4
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق -3 من 4
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق 2 من 4
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق - 1 من 4
- فلسفة الثقافة البديلة والمثقفين في العراق
- هل العراق بحاجة إلى قضية كردية؟
- العمران الديمقراطي في العراق (4-4) فلسفة الثقافة البديلة
- العمران الديمقراطي في العراق (3-4) المجتمع المدني ومهمات بنا ...
- انتخاب الطالباني: مساومة تاريخية أم خيانة اجتماعية للقيادات ...
- العمران الديمقراطي في العراق (2-4) الدولة الشرعية - البحث عن ...
- العمران الديمقراطي في العراق (1-4) التوتاليتارية والدكتاتوري ...
- الإصلاح والثورة في العراق – البحث عن توازن واقعي
- الراديكالية العراقية - التيار الصدري وآفاقة المسدودة - الحلق ...
- الراديكالية الشيعية المعاصرة وآفاق البدائل السياسية في العرا ...


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميثم الجنابي - الاصولية والعنف في العراق – عنف بلا اصول