أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد دوير - شهدي عطية الشافعي : المنظر الشيوعي.. والمناضل الثوري















المزيد.....

شهدي عطية الشافعي : المنظر الشيوعي.. والمناضل الثوري


محمد دوير

الحوار المتمدن-العدد: 4263 - 2013 / 11 / 2 - 23:30
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


هذه السطور قراءة تحليلية في كتاب شهدي عطية الشافعي الأشهر في تاريخه الفكري والمعبر في الوقت نفسه عن قدرة المنظر الشيوعي العربي علي فهم واستيعاب وتحليل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عصره .وهو كتاب (تطور الحركة الوطنية المصرية 1882- 1956 )

في البداية أود التوقف عند طريقة شهدي في صياغة عنوان الكتاب:" تطور.. الحركة الوطنية المصرية 1882-1956" والصادر في طبعته الأول عام 1957. إذ نلاحظ بناء على محتويات المتن أن شهدي ربما قصد من رسم كلمة تطوير بالصورة السابقة أن تطور الدولة المصرية في عام 1956 " التاريخ الفعلي لانتهاء أفكار موضوعه " لازال مفتوحا لمزيد من التقدم على جبهة الطموحات الاشتراكية وهو ما تأكد حينما وضع برنامج عمل " الغد " في الفصل الثاني عشر, وربما تأكدت الدلالة أيضا فيما خطه شهدي من سطور داخل هذا الفصل.أما الملاحظة الثانية فهي أنه قد أرَّخ أو نظَّر للحركة الوطنية في الفترة من 1882- 1956،وهي فترة الاحتلال الانجليزى لمصر,إذ يشير في مقدمته للكتاب – تأكيدا للدلالة - أن بداية الاحتلال كانت في 11 يوليو 1882 بينما خرج آخر جندي إنجليزي في 13 يونيو 1956.وكأن شهدي هنا يضع برنامج الاستعمار الرأسمالي في مواجهة برنامج الحركة الوطنية المصرية وهي مواجهة بين ضدين تحسب مكاسب أحدهما خسائر للأخر.
أما الملاحظة الثالثة فإن اختياره لمصطلح "تطور" وليس "تاريخ" يشير إلى وعيه بالتمييز بين التاريخ كحالة رصد تتبعي للحوادث لا يخلو من وعي ما و" تطور " التي يستهدف منها التنظير لنشوء وارتقاء وقوة الطبقة العاملة المصرية وفقا لاشتراطات المادية التاريخية.إن معيار التطور في منظور شهدي هنا بالتحديد قام على فكرتين القضية الوطنية المتعلقة بالاستقلال والقضية الطبقية في مدي تلبية مستوى التطور لاحتياجات الطبقة العاملة وفقراء الوطن.
هذا عن العنوان, أما المقدمة فقد شيد فيها شهدي بعض الأسس وعرض لبعض المطالب, من بين المطالب ضرورة إيجاد معهداً قوميا يؤرخ للحركة الوطنية تأريخ ثوري للشعوب وليس للحكام, وتلك مهمة ضرورية لاستكمال مفردات النضال, مهمة شيوعية تقدمية بالطبع لأن دراسة حركات الشعوب والقوى الثورية هى إحدى المهام الكبرى.
أما ما رسخه من قيم هامة فأولها موقفه من دور الفرد في التاريخ إذ يقول ( نعم ,إن للزعماء والقادة دورهم في التاريخ, ولكنهم لا يستطيعون أن يلعبوا هذا الدور إلا بمقدار ما يمثلون مصالح شعوبهم ,إلا بمقدار إدراكهم لقوانين التطور للمجتمع ,إلا بمقدار ما يمثلون قوة متقدمة قد تهيأ لها ظروف النضج,بحيث تستطيع فعلاً أن تسير بالمجتمع خطوة إلى الأمام ) ص 3 هنا نحن أمام مفكر ماركسي أعطى لقوانين تطور المجتمع الدور الرئيس في حركة التاريخ, ومنح الظروف الموضوعية أولويتها على العوامل الذاتية التي تسهم بدورها في إنضاج الحالة الثورية.
إن شهدي وهو يتناول بالتحليل قضية مثل هذه على درجة كبيرة من الأهمية يلح علينا بضرورة النقد لأفكاره وأفكار غيره لأن جدل الأفكار وحوار العقول وخبرة الواقع هى أهم الفضائل التي توصلنا إلى الحقيقة. وأخيراً اتبع شهدي في هذا الكتاب منهجا تحليليا علميا دقيقا يدرس الظاهرة في بنيتها ويرصد تحولاتها المنتظمة وغير المنتظمة ويميز بين الأساسي والثانوي ويسترشد دوماً ببوصلة مصالح الطبقة العاملة.
2
في تحليل شهدي لموقف الاحتلال الإنجليزي من الدولة المصرية في سنواته الأولى أشار إلى سعيه الحسيس لتقويض أركان الدولة الحديثة ركناً تلو الآخر، فبعد تقويض السيادة الوطنية للاحتلال المباشر بدأ في سلسلة إجراءات لتحطيم كل ما هو متعلق بالإنتاج السائد آنذاك كالصناعة والحرف الصغيرة، إضافة إلى العمل على تركيز الثروة في يد الأجانب وتحويل مصر إلى مزرعة للقطن, وهذا ما أكده روذستين 1910 ( إن الإنجليز في الثماني والعشرين سنة التي حكموا فيها مصر,لم يكتفوا بعدم إنشائهم ولو صناعة واحدة فحسب بل قتلوا بالفعل كل ما من شأنه أن يعود ببعض التقدم الصناعي) ص 6. والهدف من ذلك في تقدير شهدي هو وأد الطبقة العاملة المصرية الناشئة وتحويل الشعب المصري إلى سوق لشراء واستهلاك السلع البريطانية, وتلك كانت سياسة الاستعمار الاقتصادية من أجل فتح مزيد من الأسواق.
وبذلك تكتمل ثنائية الهيمنة السياسية بالاحتلال والاقتصادية باحتكار السوق، أضيف إلى تلك الهيمنة تحطيم الجيش وإلغاء الدستور وإغلاق البرلمان، فكان أن تحولت الدولة المصرية إلى حالة من التبعية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا للاستعمار، ساعد على ذلك طبقة كبار الملاك من الإقطاعيين وفئة الأجانب التي تركزت في أيديهم الثروة, مع انحدار تام في التعليم وتقوقعه داخل الكتاتيب لتخريج موظفين للدواوين الحكومية، إضافة إلى قتل الثقافة الوطنية والتضييق على الصحافة.
هنا يمكن القول أن الاستعمار قدم نموذجاً تاريخيا لعمليات الاستلاب الكامل للأمم, بيد أنه ووفقا لقوانين الجدل فإن الشئ يخلق نقيضه تحت ظروف معينة فكانت مواقف المحتل هذه سببا مباشراً وحيويا لانبعاث الحركة الوطنية التي استهلهما شهدي بنشأة الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل والتفاف جماعات الطلبة والمثقفين حول برنامجه لاستقلال مصر في مواجهة بعض أصحاب المصالح من المصريين كحزب الأمة الذي نظر الي الاحتلال كمشاركة إنجليزية في حكم مصر لترقية شعبها. بيد أن موقف الخديوي عباس واحتضانه لمصطفي ورفاقه دفعهم الي مزيد من نقد الاستعمار داخل مصر وخارجها، فبدأت تتبلور أهداف الحركة الوطنية حول الاستقلال وعودة الدستور . غير أن شهدي يبرز الدور الحاسم لمحمد فريد حينما استطاع أن يحدث تحولاً جذرياً في برنامج وتوجهات الحركة الوطنية المصرية، فقد انفصلت الحركة الوطنية عن الإقطاع الذي تضررت مصالحه من الكفاح، ثم بدأ فريد ينتبه الي قوة الشعب فجمع توقيعات لعودة الدستور والحياة النيابية، حيث جمع أنصاره 61 ألف توقيع. وأدرك حينئذ أن رهان مصطفي كامل علي الأتراك والفرنسيين وبعض الدول الغربية لم يؤت ثماره المرجوة لأنها في النهاية تحكمها عقلية استعمارية واحدة، فبدأ فريد في التوجه بالقضية المصرية الي الدولية الاشتراكية، وهنا يذكر شهدي: ( اتصلت أفكار محمد فريد بالتيار الاشتراكي في أوربا، ومن ثم بدأ يتجه بالحركة الوطنية وجهة جديدة، ألا وهو الربط أو محاولة الربط ما بين حركة المثقفين وحركة الطبقة العاملة الناشئة ) ص 22.ثم أسهم حزبه في تدعيم إنشاء النقابات واهتم بالفلاحين ودعا الي جمعية السلام في وادي النيل، وهو بذلك تبني المشروع الاشتراكي العالمي تماما، وأدرك أن تحرر مصر مرتبط بالأفكار الاشتراكية خارج منظومة الاستعمار العالمي. وقد تزامن مع هذا التطور الفكري حركة عمالية متنامية لها مطالبها الاقتصادية ضد أصحاب الشركات أطلق عليها شهدي " كفاح اقتصادي " ثم تطور هذا النضال الفئوي الي كفاح ضد الاستعمار لا سيما بعد تأسيس النقابات. كل هذه التطورات شكلت ضغطاً متزايداً علي الاحتلال فواجهها بمزيد من الاعتقالات وإغلاق الصحف ومحاكمة الصحفيين وتصفية القيادات العمالية الثورية.
وبذلك تنتهي مرحلة من مراحل الحركة الوطنية المصرية بانتهاء الحرب العالمية الأولي بالملاحظات التالية كما يقدرها شهدي:
أ‌- أنها ظلت حركة مثقفين، حيث أن عدم نضج الطبقة العاملة والفلاحين لأسباب متعلقة بتراجع الصناعة المصرية أسهم في ضعف الحركة الوطنية وتخليها عن أساليب عمل هامة كالكفاح المسلح الذي كان مداناً من قبل قادة مرحلة النضال الأولي. وفي هذا الصدد يشير شهدي الي أن قادة تلك المرحلة أدانوا ثورة عرابي المسلحة .
ب‌- الموقف الرجعي من المرأة، التي ظلت رغم كثير من الأفكار المناهضة للرجعية أسيرة جدران بيتها.
ت‌- أن الموقف الدولي لم يكن مهيأ لسماع صوت الحركة الوطنية المصرية.
3
يرصد شهدي ملامح المرحلة الثانية للحركة الوطنية المصرية في الفترة من 1919 الي 1945.تلك المرحلة التي بدأت بمتغيرات عالمية جذرية أهمها انتصار الثورة البلشفية 1917 وقيام الثورة المصرية 1919 ,إلا أن مدخله للتحليل ظل دائما مرتبطا بإيديولوجيته وموقفه الفكري في فهم حركة التاريخ ,إذ ذهب الي أن من نتائج الحرب أن ازداد الأغنياء ثراءً وازداد الفقراء فقراً،مع ارتفاع الأسعار ثلاثة أضعاف في ظل ثبات الأجور والمرتبات, وكذا انحسار طبقة أثرياء الريف وتفتيت الملكية الصغيرة .إن شهدي لا يرصد التحولات بشكل نظري فحسب بل غالبا ما يدعمها بأرقام وإحصائيات حديثة دالة على مصداقية تحليلية، حيث قدم في هذا السياق تحليلاً علميا راقيا لكيفية تصاعد دور الرأسمالية الوطنية أثناء الحرب وتطلعها للصناعة ولعبها دوراً سياسيا تناقض في أحيان كثيرة مع الاستعمار الذي تناقضت مصالحها معه, في مقابل ذلك فقد طرأ تطور ايجابي ينبيء عن صلابة عود الطبقة العاملة المصرية.
كان الاستنزاف المستمر من الاحتلال لموارد الوطن والضغط على أثرياء الريف وتجار المدن ومثقفيه الوطنيين والفلاحين والعمال سبباً مباشراً لقيام ثورة 1919. أن تضافر الظروف الموضوعية الخانقة والعوامل الذاتية التي تحسنت كثيراً جراء سلسلة من محاولات التنوير الثوري؛هذا التضافر أنتج حالة ثورية مجتمعية جديدة ظلت رهينة حدوث أي موقف قومي يلتف حوله الشعب , وكان ما حدث لوفد سعد زغلول سببا كافيا لاندلاع الثورة التي وضعها شهدي تحت مجهر التحليل الطبقي الاجتماعي فسجل عليها عدة ملاحظات نقدية من أهمها :
‌أ- غياب الوعي الثوري
‌ب- خشية قادتها على أملاكهم وخاصة من كوادرها الوسيطة في المدن والريف
‌ج- عدم الارتقاء بالثورة إلى مرحلة الكفاح المسلح والضغط على الاحتلال,وفي هذا الصدد يدين شهدي البيان الصادر عن قيادة الوفد وكبار العلماء وبعض الوزراء السابقين والأعيان يرفضون فيه الاعتداء على النفس والممتلكات.. الخ . ويؤكد شهدي أن واجب الثورة في مرحلة معينة مد الشعب بالسلاح والجرأة.
‌د- بعد مضي 15 يوم على الثورة كانت هناك قيادتين لها, قيادة شكلية من قادة الوفد يهيئون الأوضاع في إطار القانون وقيادة ثورية من الطلبة وصغار الملاك وهي قيادة فعلية يومية ثورية.
بشفافية في العرض ووضوح في الرؤية يواصل شهدي تأكيده على أن ثورة 1919 عكست مرحلة النضج للحركة الوطنية والتفاف الشعب حول مطالب الوفد.إلا أنه يلاحظ أيضا أن بروز الوفد كقوة وطنية لم يكن هو الأمر الوحيد على الساحة, حيث شهدت تلك المرحلة أيضا بدايات انتباه الطبقة العاملة لأهميتها ودورها في صناعة التاريخ، وذلك لسببين: الأول، الثورة الاشتراكية السوفيتية. والثاني، تنامي وعي العمال وتأسيس النقابات العمالية في ربوع الوطن.علاوة علي أنه كما يقول شهدي ( كان مستحيلاً في ظل حركة وطنية صاعدة, ألا يظهر للطبقة العاملة حزب لها يقود نشاطها السياسي )ص 43.فظهرت في أول الأمر مجموعة خلايا شيوعية في عام 1918,ثم أعلن الحزب الاشتراكي 1920,والحزب الشيوعي 1922 والذي وصلت عضويته في عام 1924 الي ألفي عضو.
إن هذا التصور الجديد لانبثاق دور الطبقة العاملة وتنامي شعورها بدور ما يجب أن تقوم به على الساحة دفع شهدي إلى تقييم ثورة 1919 تقييما علميا ثوريا بمنظور تقدمي. إنه يقدم نموذجاً تطبيقيا عن كيفية التأريخ التقدمي لأهم الثورات المصرية في القرن العشرين, فيشير إلى أن مكاسب تلك الثورة جاءت على مستويين, المكسب الوطني من خلال إلغاء الحماية وإعلان الدستور وعودة الحياة النيابية، والمكسب الطبقي البرجوازي الذي تحقق بنهضة صناعية وتجارية واجتماعية وأدبية. اذن يؤسس شهدي هنا لأصول المشروع البرجوازي المصري الحديث الذي توقف عند حدود علاقات الإنتاج السائدة وأصول المشروع الاشتراكي المصري ولحظات الانفصال بينهما, فالثورة لم تحدث التغير الجذري الذي يلبي طموحات الفقراء حقق فقط هذا المشروع طموحاتهم أو بعض طموحاتهم كمواطنين لهم حقوق في الحرية والاستقلال ولكن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية كانت لا تزال في حاجة الي ثورة من نوع جديد.
أن عدم قدرة تلك الثورة على تخطي الحاجز الاجتماعي الاقتصادي المفروض راجع في تقدير شهدي إلى أن مصر آنذاك كانت جزءاً من منظومة الرأسمالية العالمية كدولة محتلة بالإضافة إلى أن السلطة السياسية كانت حكراً على كبار الملاك. فالتناقض واضح بين الوفد والطبقة العاملة و هو مدرك وواع لذلك التناقض وهذا ما يبرر تعطيله للاتحاد العام لنقابات العمال وإغلاق الحزب الشيوعي المصري حزب الطبقة العاملة.
وقبل أن ننتهي من هذا القسم نشير إلى ما وجهه شهدي من نقد للحزب الشيوعي الذي اتهمه بعدم الفهم الجيد لطبيعة القضية الوطنية وتجاهله للتعاون مع حزب الوفد ممثل الرأسمالية الوطنية وقائد الكفاح الوطني آنذاك. وبانتهاء ثورة 1919 وتداعياتها وإنجازاتها بدأت حلقة جديدة اتسمت ببدايات وعي الطبقة العاملة بأنه من الضروري أن يكون لها حركة نقابية مستقلة عن نفوذ المعادين للعمال بحكم وضعهم الاقتصادي فذهبوا إلى تأسيس نقابات حرة والكفاح من أجل تكوين اتحاد عام لهذه النقابات, حتي اعترفت به حكومة الوفد 1942 ولكن مع حرمانه من العمل السياسي.
4
بدأ شهدي يرصد بمزيد من التفاؤل حركة صعود القوي التقدمية والثورية في العالم موضحاً أنها ظفرت بمكاسب هامة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تخلص العالم من ثلاث قوي شريرة وهي ايطاليا وألمانيا واليابان، بينما ضعفت قوي أخري كفرنسا وانجلترا. في مقابل ذلك فقد صعد نجم المعسكر الاشتراكي وقويت شوكة مقاومة الاستعمار في المستعمرات. ففي مصر علي سبيل المثال نجد بداية تحسن وتطور في الاقتصاد فزاد إنتاج النسيج والغزل ونشأت صناعات جديدة وزادت حصة الأموال المساهمة في الشركات، وهو ما يعني أن الرأسمالية الوطنية بدأت تزداد قوة ساهمت في مزيد من سيطرتها السياسية.ونتيجة لذلك أيضا زاد حجم الطبقة العاملة من 247 ألف عام 1937 الي 578 ألف سنة 1948 بينما كانت قوة العمل في مصر من فلاحين وعمال وحرفيين تزيد عن مليونين ونصف. لقد أصبحت الطبقة العاملة أفضل حالاً ثوريا من ذي قبل بفضل تركزها في مناطق صناعية كبيرة وهذا في تقدير شهدي تحول جذري في تركيبة الطبقة العاملة يحدث في مصر لأول مرة.
وهنا ينظر شهدي الي أن قيادة حزب الوفد للجماهير أصبحت أمراً محل شك كبير لأن تطلعاتها صارت متقدمة علي برنامج الوفد، فالقضية الوطنية لم تعد هي القضية الوحيدة علي أجندة الحركة الوطنية المصرية، فثمة قضايا أخري ذات شأن مثل قضايا العمال والفلاحين والحرفيين والطلاب.. الخ ومن ثم ( فلم يصبح الوفد قادراً علي تنظيم الجماهير أو حشدها أو تحريكها ) ص 94. وأصبح ينظر لقادة العمال أنهم الأقدر علي المطالبة بالمطالب الوطنية والطبقية علي حد سواء. وقد وضح ذلك جليا في مطالب الوفد العمالي المصري في المؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد العالمي لنقابات العمال في فرنسا وهو:- طرد القوات الأجنبية من وادي النيل – أثر الاستعمار في تأخر الصناعة المصرية – الاستعمار والمشكلة الزراعية- محاربة الاستعمار للحركة النقابية- الاستعمار عدو الحريات. ويعلق شهدي علي هذه المطالب بقوله: ( لقد بدأ الوعي الوطني علي أسس علمية واضحة يتسرب الي صفوف المثقفين والي بعض أجزاء الطبقة العاملة المصرية ) ص 92.وقد تأكد هذا التعبير بعد ذلك في الميثاق الذي أصدرته اللجنة الوطنية للطلبة والعمال في 17 فبراير 1946.
ولم يكن الصعود الاشتراكي هو الملاحظة الوحيدة علي الصعيد العالمي فحسب بل نجده يرصد ويحلل المنطلقات الاشتراكية لرغبة القوي المحبة للسلام في التعاون مع كافة القوي الثورية في العالم. ولكن أهم ما يلفت الانتباه هنا هو ما قرره شهدي بعد هذا التحليل السياسي الاقتصادي للقوي العالمية إبان الحرب العالمية الثانية إذ يختتم تحليله هذا بالتأكيد علي التالي ( الإقرار بإمكانية التطور في الظروف العالمية الجديدة من النظام الرأسمالي الي الاشتراكي تطورا ثوريا، ولكنه تطور سلمي بالأساليب البرلمانية دون قيام حرب أهلية ) ص 135.
بيد أن شهدي عندما يقر بتغير الظروف العالمية تلك يؤكد أيضا علي أنها ليست العنصر الحاسم في تغيير المجتمعات ذلك أن علاقات قوي الإنتاج الداخلية تلعب بالضرورة دور رئيسي في التغيير.وقد كانت لمجموعة الظروف الداخلية دور بارز في حركة الجيش 1952 التي وصفها شهدي بأنها تعبر عن مقتضيات التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي حملته الرأسمالية الوطنية في أربعينيات القرن العشرين .
5
والسؤال عن المستقبل كان خاتمة حديث شهدي، وماذا عن الغد ؟ وهنا يرصد تخلف الصناعة والزراعة في مصر الناصرية، ولكي تتابع مصر تطورها ونهضتها ليس أمامها سوي طريقين، الطريق الرأسمالي والطريق الاشتراكي. ويضع تصوره الافتراضي كمفكر ومناضل ومحلل، ماذا لو اتبعت مصر الطريق الرأسمالي ؟ النتيجة تركيز ملكية وسائل الإنتاج في يد حفنة صغيرة تابعة للنظام الرأسمالي العالمي. ومصر في عام 1954 ووفق الوقائع الاقتصادية التي طرحها شهدي سوف تصل حتما الي مرحلة التبعية التي تتخلي فيها عن إرادتها السياسية وقرارها الاقتصادي. إذن ليس أمامها سوي الطريق الاشتراكي لرفع مستوي معيشة شعبها . ويعود فيشير الي أنه ليس هناك طريق واحد لتحقيق الاشتراكية فكل بلد بحسب ظروفه وطبيعته وتكوينه الاجتماعي والطبقي، اشتراكيات متعددة اذن بجوهر اقتصادي واحد يؤكد علي قيم العدل والمساواة.
أما السؤال الثاني الذي يطرحه شهدي في هذا السياق، هل التحول الاشتراكي في مصر 1956 يجب أن يتم فوراً ؟ يستبعد شهدي إمكان ذلك إذ لا تزال هناك حاجة للنظام الرأسمالي في تحديث بعض وسائل الإنتاج بشرط أن تظل الدولة راعية وموجهة للنشاط الاقتصادي .



#محمد_دوير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر: يسار موحد
- ماذا فعل بنا المتأسلمون .. ؟
- وصايا .. للشبيبة الاشتراكية
- نقد العقل الثوري .. 2- عناصر السلب الثوري
- نقد العقل الثوري .. 1- هل يوجد عقل عربي ثوري ؟
- اليسار المصري .. وحدة البحث عن الذات
- أهمية أن نتثقف يا ناس
- أزمة الطبقة الوسطي المصرية
- هل الاشتراكية فكرة طوباوية ؟ قراءة في - مناخ العصر - لسمير أ ...
- اليسار المصري .. والأزمة العميقة
- المعهد العربي للدراسات الاشتراكية - دعوة للحوار الجاد-
- هل من بديل للاشتراكية ؟
- لماذا أنا اشتراكي ؟
- القيم الثورية .. وأخلاق الثوار
- الثورة المصرية.. تصحح مسارها بعيدا عن النخبة
- أيها السادة.. النظام لم يسقط بعد
- اليسار المصري .. مساهمة في رؤية جديدة
- التنوير العربي .. في اللاهوت والناسوت
- رسالة إلي رفاق الفكر .. الاشتراكيين الثوريين
- التحالف الديمقراطي الثوري


المزيد.....




- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد دوير - شهدي عطية الشافعي : المنظر الشيوعي.. والمناضل الثوري