أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جهاد علاونه - فنجان قهوتي وفراشي ما زالا ساخنان















المزيد.....

فنجان قهوتي وفراشي ما زالا ساخنان


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4263 - 2013 / 11 / 2 - 13:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


انفض السامرُ من حولي وبقيتُ جالسا على الكرسي أتأملُ في فنجان قهوتي الساخن,نظرتُ في وجه الفنجان,كان سطحه أملسا وكأنه مدهونٌ بالزيت وقد ذهبَ عنه وجهه الخشن,أمعنتُ النظر في وجهه ورأيت صورا متراكمة من الأوهام والمتهيئات,كانت أوهامي كبيرة جدا وكثيرة,رأيت صورا من الطفولة ومن الرحيل الرمادي,لم أكن أعلم بأنني سأبقى هكذا أعيش على المتهيئات,تركتُ الفنجان ولم أرفعه إلى فمي,بقيت سارحا في أفكاري وأنا أنظر إليه من قريب,كان يحاورني وأحاوره ويؤنبني وأوأ نبه,ولأول مرةٍ أكتشف بأنني أقرأ بفنجان قهوتي كما أقرأ بصحيفة يومية,كان هذا اليوم شاقا ومتعبا بالنسبة لي,لم أستطع أن أُخفي عن نفسي كل أفكارها الشاردة,بقيتُ ممسكاً بالفنجان بيدي وقد ضممته على صدري دون أن تلمسه شفتاي الملتهبتان شوقا وحنينا,وأتحسسُ بيدي فراشي الذي ما زال ساخنا.

أفكاري شردت مني,كانت الأفكار تأتي وتذهب بلمح البصر, كنتُ أحاول الإمساك بها كمن يحاولُ أن يمسك بخيطٍ من الدخان المتصاعد,فكرتُ في أكثر من عشرين مشكلة ثقافية وبقيتُ طوال الوقت حائرا لا أدري عن أيها أكتب اليوم!,هل أكتب عن الناس أم أكتب عن نفسي؟,كل هذه المشاكل عرضتها على فنجان قهوتي الذي ما زال بيدي ساخنا هو وفراشي الذي غادرته طويلا وعدتُ إليه وما زال ساخنا...مشاكلي أصبحت تختلفُ عن مشاكل الناس جملةً وتفصيلا,أحيانا ألتصق بالناس وأحيانا أبتعد عنهم,بقيت هكذا حائرا في كل شيء ولا أكادُ أثبتُ على أي قرار,فكرت بالهجرة عدة مرات,ثم فكرتُ بالبقاء,تأملتُ في فنجان قهوتي كثيرا وارتشفتُ منه عدة رشفات خفيفة كادت فقط أن تُبلل لي شفتاي ولساني,ثم استسلمتُ للنوم ونمتُ مثل رجلٍ قتيل على سرير أحلامه الساخن وذكرياته التي تتباعد وتتقارب,ثم صحوتُ من النوم مثل رجلٍ بعث لتوه من الموت,خِلتُ نفسي بأنني عدتُ حيا بعدما متُ لعدة قرون, عدتُ وما زال فراشي ساخنا وفوجئت بفنجان قهوتي الذي ما زال هو أيضا ساخناً رغم أني نمت لمئات السنين,كانت الصدمة الكبيرة لي بأنني كنتُ أحلم وبأنني لم أنم إلا لعدة دقائق,شاهدتُ أثناء نومي حضارات كبيرة وعريقة في القدم,وأثناء نومي رأيتُ فنجان قهوتي وهو أمامي على الأريكة,شاهدتُ في وجه فنجاني حضارات سقطت وحضارات ارتفعت ونهضت,أخذت رشفة من فنجان قهوتي مع سيجاره من أرخص أنواع التبغ,ثم عدتُ أتأملُ في فنجان قهوتي الذي ما زال ساخنا جدا,ويداي تتحسسان فراشي الذي ما زال هو أيضا ساخنا.

كيف قضيتُ عمري كله بالتأملات وبالأحلام؟كيف أضعتُ زهرة شبابي في المجادلات وفي المغالطات,كيف نسيتُ نفسي ولم أهتم فيها اهتماما كافيا؟أخبرني فنجان قهوتي عن قصتي وسيرتي الذاتية التي كنتُ أجهلُ الكثيرَ عنها...حاولتُ عدة مرات أن أعيش لنفسي ولو كان ذلك ليومٍ واحد؟إن حياتي ليست مُلكَ يدي وليست ملكا لنفسي,حياتي كلها قضيتها من أجل الآخرين,حرمتُ نفسي من متع الحياة وحرمت جسدي من متعة النوم,كل الناس تتمتع بالنوم إلا أنا لا أشاهدُ في أحلامي إلا الكوابيس المزعجة,حتى وأنا نائم لا يكفُ لساني عن الحديث ورأسي لا يكفُ عن التفكير نظرت يمنةً ويسرة ولم أرى حولي إلا فنجان قهوتي وفراشي الساخن,وأستعجبُ كثيرا كيف أذهبُ بعيدا في أفكاري وأنتقلُ من فراشي وأعود إليه ساخنا كما تركته,وبعد كل تلك الأفكار والرؤى كان ما زال فنجاني ساخنا جدا,أخذتُ منه رشفة أخرى وسبحتُ في بحرٍ من الأفكار, نظرتُ في سطح الفنجان فرأيتُ عوالم أخرى تختلف عن عوالمي ومدنا أخرى تختلفُ عن المدن التي رأيتها في حياتي,ثم تحسستُ فراشي بيدي كان فعلا ما زال ساخنا,كان الجو باردا وممطرا,أخذت رشفة قهوة أخرى من فنجاني ثم غطستُ في فراشي كأني بحارٌ غطس في قاع البحر بحثا عن اللؤلؤ المكنون,ورحتُ أغطُ في نومٍ عميق,شاهدتُ مدنا كبيرة وشاهدتُ بساتين ومزارع وشوارع فسيحة,شاهدتُ عالما آخر لا يشبه عالمنا وسماء أخرى لا تشبه سمائنا,شاهدت الشعراء والكتاب والمفكرينَ ثم عدتُ من رحلتي وما زال فراشي ساخنا وأمسكتُ بفنجان قهوتي الذي ما زال حتى الآن ساخنا مثل فراشي وأصابع يدي,يا للغرابة ويا للدهشة! كيف بي بعد عدة سنوات من التأمل والنوم أجد فراشي ما زال دافئا وفنجان قهوتي ما زال ساخنا رغم أني رحلتُ عنه لمئات السنين.

لم تعد الدنيا مغرية لي مثل سابق عهدها,كانت الدنيا بالنسبة لي مثل حورية من حوريات الجنة تغريني بجمال مظهرها ثم هي الآن أمامي مثل عجوز شمطاء طاعنة في السن والتجاعيد تملئ وجهها وخصوصا وجنتها وجبينها,نظرتُ حولي فلم أجد أمامي إلا علبة السجائر وفنجان القهوة الساخن وغطائي الدافئ , نظرتُ في سطح الفنجان وقد وصل إلى منتصفه فمددتُ يدي إليه وكانت يدي ترتعشُ كثيرا وكان هو شديد الحرارة ومستعرا جدا مثل ذكرياتي,أخذتُ منه رشفتين أو شفطتين,لم أرَ هذه المرة في سطح الفنجان إلا صورة رجلٍ يشبهني ولكنه في الحقيقة ليس أنا,بل ذلك الصديق الذي رافقني طوال حياتي وأملى عليّ كل أفكاري ومعتقداتي ثم أغمضتُ عيني وأنا ممددٌ على سرير الأحلام والذكريات,وضعتُ يدي تحت رأسي وأنا ما زلتُ مغمض العينين,ثم سمعتُ صوتي وأنا أغط في الشخير,لأول مرة أسمعُ شخيري,تراءت أمامي الرؤى والأوهام واحتسبت حياتي عند خالقها,نمتُ كثيرا وكثيرا واستمعتُ من خالقي لأخطائي الكثيرة وقلتُ له:لو عاد بي الزمان إلى الوراء فلن أغير طريقة حياتي بل سأعيد أخطائي من جديد وسأرتكب المجازر بحق نفسي وسأشتري قلة راحتي وتعبي وسأشتري مزيدا من الكُتب وسأغز التراث وسيغزوني ,كان النقاش بيني وبين خالقي طويلا جدا ثم صحوتُ من نومي ونظرتُ في سطح الفنجان الذي وصل تقريبا إلى ربعه وما زال البخار يتصاعد من فوهة الفنجان وكأنه بركان ناشط لا يخمدُ أبدا,شككتُ جدا في وضعي النفسي إذ كيف بي أذهبُ وأعود إلى فراشي وما زال هو وفنجان قهوتي ساخنان,أشعلتُ أكثر من نصف باكيت سجائري وما زال فنجان قهوتي ساخنا وفراشي دافئا,نظرتُ مجددا في سطحه وهلوستُ كثيرا,فكرتُ كثيرا في المستقبل الذي ينتظرني وتعالت أصواتي بالرفض وبعدم القبول,رفضت كل شيء سائدٍ,وعدتُ أُركّبُ أفكاري من جديد مثل لعبة(الليغو),نظرتُ في سطح الفنجان وخلتُ نفسي طفلا كبيرا, ثم شدوتُ بألحاني وأخذتُ أغطُ في حزنٍ عميق على هذا العالم الذي هو من حولي.

فنجان قهوتي ما زال ساخنا وما زال ينتظرني لأمتطي ظهره,نظرتُ فيه من جديد وأخذتُ منه شفطتين وبصوتٍ عالٍ ثم راجعتُ كل أفكاري القديمة والحديثة فوجدتُ أنني لم أتغير ولم يظهر عليّ أي تغير منذ ربع قرنٍ على الأقل,منذ ربع قرنٍ وأنا سكران لا أدري بنفسي ولا أعرفُ عن نفسي أي شيء,كنت أسيرُ وكأنني مسيرٌ لا أملك لنفسي حق إصدار القرارات والبيانات السياسية,حتى أحدث وأهم القرارات السياسية كانت وما زالت ليس بيدي,أنا إنسان مخمورٌ ومزروع بالأوهام وبالمتهيئات,نهضتُ من سريري ووقفتُ على قدمي ونهضتُ إلى النافذة المشرعة وأغلقتها لأني شعرتُ بلسعة برد قارصة,كانت الساعة العاشرة مساء وقد حان موعد نومي,مددتُ يدي على فنجان قهوتي وكان ما زال ساخنا,ثم حاولتُ أن أجس نبض فراشي فوجدتُ أنه هو أيضا ما زال ساخنا,راجعتُ نفسي ووقفتُ في غرفة نومي أمام المرآة,رأيتُ صورتي في المرآة ولم تعجبنِ أبداً ونظرت في شعر رأسي الذي أصبح تقريبا أبيض اللون من على جانبي الرأس,عدتُ إلى سرير النوم وركبته كأنني أركبُ قاربا في منتصف المحيط الأطلسي,خلتُ سريري يموج بي مع الأفكار الشاردة والواردة والمستوردة من الخارج,راجعت كثيرا من النظريات التي كانت وما زالت تشتهوني في علم الاجتماع,لم أجد بدا من إعادة الماضي,فنظرتُ حولي إلى فنجان قهوتي الذي ما زال ساخنا نوعا ما مع هبوط قليل في درجات الحرارة,يعني كان فاترا نوعا ما,رفعته بيدي إلى شفتي,نظرتُ فيه مجددا فلم أجد فيه أي شيء,كل شيء قد ذهب بعيدا ما عدى صوراً لحثالة القهوة ولحثالة المجتمع والناس,وعدتُ إلى فراشي الذي ما زال هو أيضا فاترا.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام دمر الفنون الجميلة
- أريد
- هل كان محمد يحفظ القرآن غيبا؟
- اعتدنا على الغش
- إسلام أبي هريرة2
- أحبكم يا أصدقائي
- حواري المسيح وحواري محمد
- التطبيع مع إسرائيل
- المثقف والدولة
- محمد شخصية متطرفة وعادية
- مر العيد من هنا
- إيليا بن أبي طالب
- أسرى بدر
- الإسلام دين غير عقلاني
- العرب لا يصلحون إلا للجنس والخيانة
- المسلمون غير أصحاء عقليا
- الإسلام دين من لا مستقبل
- الصورة الجميلة لليهود قبل الإسلام
- من أجل الدين والوطن
- عثمان بن عفان


المزيد.....




- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جهاد علاونه - فنجان قهوتي وفراشي ما زالا ساخنان