نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1216 - 2005 / 6 / 2 - 13:57
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ما الذي يجعل الإنسان عدوا مبينا لأخيه الإنسان؟وما الذي الذي يجعل دولا بعينها جحيما لايطاق, وجهنما حمراء ,ومحرقة أبدية,وسعيرا دائم الإشتعال وقوده لحوم الأبرياء ؟وما الذي يدفع البشر لممارسة القتل والموت بأعصاب باردة, وتحت شتى اليافطات,وكل المسميات؟ومتى ينتهي كل هذا الجنون الأحمق, والصراع,والتصفيات؟وأي سادية تلك التي تجعل البعض يتلذذ برؤية الأشلاء البشرية منثورة على الطرقات, يتسلى بجمعها عمال القمامة,بلا مبالاة ,كما يجمعون علب المشروبات الغازية الفارغة, والقراطيس التي تحتوي على بقايا الطعام,بعد أن أدمنوا هذا النوع من "المهملات"؟مالذي يجعل المواطن عدوا للمواطن؟والرفيق عدوا للرفيق ؟ وابناء البلد الواحد أعداء ألداء , سوى مايعتقده البعض تفويضا ربانيا له بقصف الأعمار ,وزهق الأرواح متى يشاء؟ولا يرتاح ويطمئن له بال, قبل أن يرى قوافل الجنازات تعبر نحو المقابر والجبانات ,والآخر في كفن يوارى الثرى ,ويُرشُ عليه ترابُ الوداع.من الذي يوقف دوامة العنف ,والقتل, والقتل المضاد,وحمى الثأر والانتقام ,ودائرة الموت التي تتوسع باضطراد, في كل مكان باسم الله,وبوصايا سماوية ,يباركها ,ويبررها الكهنة الحمقى ,والأوصياء لتشبع غرور أولياء الله في الأرض اليباب ؟ من الذي يحول أبناء البلد الواحد إلى ذئاب بشرية مسعورة تنهش بلحم الأخوة, وأبناء العمومة, والأشقاء, والإخوان؟وما الذي يبقي الأصابع مشدودة دوما على الزناد؟ومن يفسر حجم هذا الحقد الذي يتغلل في الصدور, والوشائج, والأنفاس ؟ومن يبرر كل هذا الفلتان الأرعن للغل غير المضبوط بأية قيود, ونواه؟ حمامات دم أذهلت العالم بعودة الإرهاب الأسود ,الذي يضرب تارة أخرى, ويحصد الكثير من الأبرياء.فلاهناء ,ولا نوم للمجرمين , إلا برؤية اللحوم مهروسة على الإسفلت,ومعلقة على الجدران.
متى تتوقف هذه البسوسيات وتتصالح كل "الدواحس والغبراوات" , التي يبدو أنها لن تعرف هدنة, قبل أن يُشفى غليل المصاصين العطشى الذين لايرتوون من كل محيطات الدماء ؟ ومن يبارك هذا السيرك الشيطاني المرعب,ويسترزق منه سوى تجار الموت,ونخاسو الأجساد ,وكهنة السلطان ,المتدثرون بعباءات الحشمة والتسامح والوقار؟ومتى نتخلص مع عقدة المؤامرة, والعداء ,والاستعداء؟ولماذا لايتآمر أحد على الدانمارك ,والسويد ,وهولندا, والنرويج وكل دول العالم ,التي تعيش بأمن واطمئنان؟ومتى نكف عن ترويج ثقافة الإستهداف الموجه ,وأن العالم لاهم له سوانا ,ومن المستفيد من استشراء هذا الوباء؟ولماذا كان الآخر دوما هما وغما,وتوجسا, ومشروعا للإبادة, والإقصاء, والإلغاء؟
انتحاريون عديمو القلوب ,ومغسولو دماغ من هنا وهناك مسيّرون بريموت كونترول بيد شيطان أجرب يزركش لهم جز الرقاب .ومسكونون بأوهام وأباطيل وترهات ,تباركهم وصايا القتل والإجرام ,وتحركهم شهوة القتل الحلال, التي زرعها عرابو الموت الأشرار,والمنافقون الكبار, يتبادلون أدوار الإستعراض الدموي, لمن يستطيع بلمح البصر ,أن يخطف أكبر عدد من أرواح الأبرياء, الذين شاء حظهم العاثر, وقدرهم الأسود ,أن يتواجدوا في تلك اللحظة, في ذاك المكان,لينالوا مباركتهم, ويُمنحوا صكوك الغفران ,وجوازت السفر إلى الفراديس السندسية في أعالي السماء.نساء, وأطفال,وشيوخ ,ورجال تناثروا ,وتحولوا إلى فتات,وألسنة نيران تخبو ,وأدخنة يبتلعها الرماد رويدا رويدا , بفعل قتلة محملين بأطنان من الحقد, والتجييش, والنفخ في الصدور, لكي تتم على أحسن مايكون عليه المأساة. أية شرائع تشرّع ,وتبيح كل هذا الفجور والبطر والطغيان ؟
تكاد لاتصدق عيناك, وأنت تتابع تلك الصور المروعة, لبقايا بشر حصدتهم آلة الموت الرعناء بثوان ,وبسمات غامضة ,وحزينة ,ومتسائلة رُسمت على الثغور ,والشفاه لحظة صعود الأرواح لحلم بحياة بسيطة وأده أبو جهل ,وأبو لهب ,والحجاج,وأحلام تكسرت,ومشاريع عطلت,وعيون كانت تبحث عن الحب والأحبة والأمان ,والأحضان ,وأمنيات ثكلى سُفحت على أرصفة الأوطان المزروعة بآلات الدمار,وقلوب الفجار ,ونصوص الموت العمياء التي تستبيح كل الأرواح,وتتخطى كل المحظورات ,وتفوق كل التصورات.
داحس والغبراء المستمرة منذ قرون, بين بشر, وأناس لاذنب لهم, سوى أن الطبيعة, والصدفة خلقتهم في هذا المكان أو ذاك,أو في هذا الطيف أو ذاك, لتفعل فعلها بهم نوازع الأبالسة ,والشياطين, وأفاعي الشر التي تفح فحيحا بغريزة الإنتقام, وتبخ السموم الزعاف, وتحيل حياتهم سوادا بسواد ,وليلا حالكا لاتشرق عليه شمس الصباح.داحس والغبراء هذه يتابعها المتعطشون للدماء بفرح غامر ,ونشوة عارمة برؤية التوابيت ,وسماع النحيب, وتحسس متعة رائحة لحوم الشواء. بينما يروج لها,ويزينها ,ويبشّر بها آخرون في غير مكان,ويهلل بعض ثان لبسوس ترتدي كل ألوان الورع ,والطهر ,والنقاء.وإذا كانت بسوس الجاهلية الأولى قد انتهت خلال أربعين عاما ,وأسدل الستار نهائيا على فصولها الدامية السوداء,فلا أحد يمكن له أن يتكهن بقرب انتهاء جاهليات الألفية الثالثة, التي فاقت كل التوقعات,وتجاوزت كل الخطوط الحمراء ,بينما ظهرت داحس والغبراء الأولى أمامها كحلم جميل ,وقصة رومانسية مضت في غابر الأيام.
لمن ستكون الغلبة في نهاية السباق لداحس أم للغبراء؟ومن سيتوج بطلا على الجماجم والأبدان ,ويشرب الأنخاب الحمراء؟ ومن سيكون قادرا على السير ,والمرور, في كل هذه الحقول من الألغام؟ للأوطان العظيمة أم للخرائب وماتبقى من الأطلال؟لواحات الحب والتعايش, أم للمستنقعات الآسنة بكل الكوارث والتطاحن والموبقات ؟ لقلوب عطشى للحب, أم لصدور ملأى بالمفخخات ؟للخصب والتنوع والبقاء ,أم للتصحر والجدب والخواء؟ ومن يوقف أخيرا هذا السباق المحموم,والسعي الحثيث نحو الفناء؟ لاشك ستلحق الهزيمة النكراء بجميع المتسابقين في هذا المضمار مالم يتقنوا فنون التعايش, ويتعلموا أبجديات التسامح ,وعشق الحياة.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟