أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - في انتظار البرابرة... في وداع البرابرة















المزيد.....

في انتظار البرابرة... في وداع البرابرة


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1216 - 2005 / 6 / 2 - 13:59
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في الأسطورة يقول الشاعر الأثير كافافي: ارتدى الناس أجمل الحلل، تجملوا بالزهور، نصبوا الأقواس احتفاء بمقدم البرابرة، لكن رسولاً من الحدود أبلغ المدن الزاهية، المزدانة بالأقواس، ان البرابرة لن يأتوا. فعاد الكل خائباً بغصة في الحلق: لمن صنعنا ذلك كله إذاً!
في الواقع ارتدى الناس، في جل مدن العراق، أجمل الحلل، تجملوا بالزهور، وخرجوا في تحدٍ جمعي لا مثيل له في وداع البرابرة ذاتهم. في الليل أصلاً، قبل بدء الاقتراع بأثنتي عشرة ساعة، بدأ الاختبار. البرابرة استلوا بنادقهم وراحوا، حيثما وجدوا، يطلقون النار عشوائياً حتى انبلاج الفجر. قبل ذلك رشقوا سكينة المنازل الآمنة بآلاف المنشورات. لا انتظار، ولا خنوع، ولا نكوص أو تقهقر، غاب عنهم لون السماء لفرط ما انحنت الرقاب. فاجأ العراقيون أنفسهم، مثلما فاجأوا العالم. كان خوفهم من عودة التوتاليتارية أكبر بكثير من خشيتهم من مفرقعات الانتحاريين. بعد لأي، تدبر هؤلاء ارسال ثلاثة عشر انتحارياً، أحدهم طفل معوق (منغولي)، أحاطوه بزنّار من المتفجرات، ومزقوا أشلاءه البريئة قرب مركز اقتراع. أطلقوا أيضاً، بعد لأي، خمس قنابل هاون. وفي موضع أو موضعين سددوا النيران على مواقع انتخابية.
الشرطة رجتْ الناخبين التريث ساعتين لاجلاء جثة الانتحاري وجثث ضحاياه، فأصر هؤلاء على البقاء.
منذ عامين والريبة تعصف بي ازاء مآل العراق، أما نهار الأحد، الثلاثين من كانون الثاني (يناير) من العام الخامس من الألفية الثالثة، فقد عبر العراق خط التحريم الأول.
صوّت العراقيون، أولاً، ضد سلفية العصر الحجري التي ترى في حرية الاختيار صنماً من أصنام العصر الحديث. ذلك هو شعار غراب الصحراء بن لادن، وبومته الصغيرة، الزرقاوي.
صوّت العراقيون أيضاً ضد الدولة التوتاليتارية أياً كان لبوسها، معلنين عن تنوعهم، وحقهم في الخلاف والاختلاف مبدأً سامياً.
صوّت العراقيون أيضاً لحقهم في استعادة سيادة العراق بالتماس وسائل سلمية، حضارية، خلافاً لدعاة عودة البعث المخلوع الذين يسترون عريهم بورقة توت «المقاومة». فقد كان واضحاً للعراقيين أن مقاومة الاحتلال سلماً، وبالوسائل السياسية، ممكنة، بل مطلوبة. وكلما أمعن أولئك في العنف، زاد تمسك العراقيين بوسائل السلم السياسي، مدركين بحكمة بسيطة أن الكهرباء، ومضخات الوقود، ثروة وطنية لا رموز لسيطرة أجنبية.
ولعل أهم ما صوّت له العراقيون القطيعة مع الفكر القومي، الذي يصر آخر ممثليه على النطق باسم أمة من دون تفويض، وعلى ازدراء الجموع على أنها «كم»، وعلى أجندة العنف ولا شيء سوى العنف.
التصويت العراقي، بهذا الاصرار، تحت حد السيف، يقارب فعلاً عجائبياً. فهو نقد عملي للثقافة السياسية في العالم العربي التي انشغلت عن موضوعة الديموقراطية، وذهلت عن البنية المؤسساتية للدولة ونواظم عملها، بمواضيع أخرى، لاهيةً، مثلاً، بالوحدة القومية، والتحرر والتنمية، عن دولة القانون، ودولة المؤسسات.
على مدى نصف القرن المنصرم، تحول الفكر القومي إلى التشبع بالفاشية التي تضع الدولة فوق الأمة، والنخبة فوق الجمع، والحزب الواحد فوق الكل، مطبقاً قولة موسوليني الشهيرة: لا شيء خارج الدولة، لا شيء ضد الدولة، كل شيء داخل الدولة. هذا الاطلاق الذي نشأ في منعطف أوروبي معروف (الحرب العالمية الأولى ونجاح ثورة البلاشفة) تحول إلى اقنوم مقدس تعيد السلفية انتاجه على مستوى متدن من الفكر، ومستوى أعلى من القسوة.
لعل التصويت العراقي إذا ما ترسخ في أُطر ديموقراطية، وخرج من الاحتلال، المؤقت في كل حال، سيضع نهاية لفكرة الدولة التوتاليتارية، والدولة الأحادية اثنياً وايديولوجياً. لقد قُدمت لنا هذه الدولة على أنها الترياق الشافي لكل العلل، من تحرير فلسطين، إلى توحيد العرب في أمة - دولة، إلى اطلاق التنمية، إلى بلوغ تخوم التقدم الصناعي. ومن نافل القول إنها، بالمنطق التوتاليتاري عينه، انتهت إلى احياء كل نقائض ادعاءاتها. الدولة القطرية، التي يزدريها هذا الفكر، صارت بؤرة الولاء. وأكثر من ذلك، أن سياسات الصهر الاثني، والواحدية السياسية مزقتها أحياناً. وانحدرت الأمة إلى القبيلة والأسرة، وهبطت كل مؤشرات التنمية بإطراد جلي. وما يزال الشعب الفلسطيني يصارع لانتزاع حقه في تحقيق ذاته الوطنية، بعيداً من قعقعة الجيوش العربية التي حولت شعوب المنطقة إلى قطعان باسم حق فلسطين، لكأن عبودية العرب شرط للتحرير!
ثمة يقظة جديدة، بدأت، من بين ما بدأت به، في إعادة الاعتبار للدولة القطرية بوصفها عامل توحيد لخليط سديمي من طوائف وقبائل، وملل ونحل، مما ينتمي إلى عالم ما قبل الدولة القومية. لعل أبرز المفكرين في هذا الشأن البحراني محمد جابر الأنصاري. وثمة يقظة أخرى عملية، ترى في الديموقراطية ضرورة لا ترفاً. ما يزال جيل الستينات القومي الذي تخلى عن فكرة الحريات الديموقراطية، واندمج بالعسكر وروج لانقلاباتهم، يقاوم هذا الانعطاف، قابعاً خلف كليشيهات فارغة أبرزها هذا الشعار الكاريكاتيري: لا انتخابات تحت حراب الاحتلال.
هذا الشعار لا يطبق، بالطبع، على الانتخابات الفلسطينية، التي تجري في ظل الاحتلال، بل على العراق وحده.
ينسى اللاهجون بهذا الإنكار ان المانيا وايطاليا والنمسا واليابان خاضت انتخاباتها في ظل الاحتلال في القرن المنصرم. وينسى هؤلاء أيضاً أن الإدارة الأميركية كانت تتطلع لإدارة العراق بحكم مباشر مدة عامين أو ثلاثة أعوام في أقل تقدير. وبوسع الريّابين العودة إلى محاضر الكونغرس (19 شباط/ فبراير 2003) لتدقيق افادة غروسمان وفايث. ينسى المتشككون أيضاً ان الانتخابات المبكرة كانت مطلباً وطنياً عراقياً فُرض فرضاً بمظاهرات حاشدة أرغمت الإدارة الأميركية على التسريع بمبدأ نقل السيادة (في تشرين الثاني/ نوفمبر 2003)، وتثبيت موعد الانتخابات من دون تسويف.
ندرك أن الديموقراطية هي أطر وأدوات ومؤسسات لإدارة المجتمعات الحضرية الفائقة التعقيد، وهي بذاتها وسيلة للتوافق والاتفاق، لكنها ليست حلاً للمشاكل والتعقيدات. إنها وسيلة للحلول، وأول هذه الحلول وضع قانون أساسي يتعلم من أخطاء وخطايا الماضي.
أبدى العراقيون، عموماً، انضباطاً مذهلاً في التوجه إلى مراكز الاقتراع في التزام نظام الطوابير، في ابداء ذلك الهدوء وتلك السكينة المسالمة، وبوسعهم أن يتعلموا فن التوافق، والأخذ والعطاء خيراً من السياسيين القدامى والجدد.
لقد شكك جل المعلقين العرب في اجراء الانتخابات بالأمس، وهم يشككون اليوم في القدرة على بناء نظام سياسي جامع، مانع، متوازن. وخالطت هذا التشكيك نزعة ارتياب في الأكثرية الشيعية، طعناً في انتمائها إلى العالم العربي، أو ميلها الديموقراطي، وكذا الحال في الموقف ازاء الكرد. لقد كانت الوطنية العراقية، منذ أن ولدت عام 1920، صناعة سنية - شيعية. ولا يختلف الشيعة عن السنة في وجود تيارات شتى، إسلامية وعلمانية، ليبرالية ومركزية، حضرية وقبلية. وبهذا المعنى فإن تنوع الهويات، الشامل منها والجزئي، حقيقة قائمة في عالم السياسة اليوم. وهذه سمة لا تقتصر على جماعة بعينها في العراق، بل إنها ليست حكراً على العراق وحده، وهي تعبير عن اختلال النظام السياسي، واعتراض على هذا الاختلال. والتوازن وحده كفيل بزوال الهويات الجزئية. بوسعنا الالتفاف إلى الماضي والبكاء على الأطلال، غير أن بوسع المرء أيضاً أن يرنو إلى المستقبل.
على رغم جنون العراقيين، فإنهم اليوم يتجملون بالصبر، وعلى رغم الأوجاع ينتظرون المسرات. ذات مرة قال شاعر شاب: كل أعضائي هادئة عدا العراق. وعلى العرب أن يحترموا الوجع العراقي، وألا يقايضوا هذه الأمة بثفا لة فكر ونظام مهزومين.


2005/02/6




#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في الماركسية
- العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة
- عراق غامض المآلات مُقلق, لكن البعث... لن يعود
- التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة
- من يقف وراء الهجمات على الأمريكيين في العراق؟
- القتال، التمرد او التلاشي
- بين الحزب والقبائل والعشائر التوازن الهش للنظام العراقي
- مزيفو النقود
- إيضاح لا بد منه في بيان الملاكمة المأجورة


المزيد.....




- نتنياهو يأذن لمديري الموساد والشاباك بالعودة إلى مفاوضات الد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدال مثير- أشعله نظيره الإسباني ف ...
- دراسة رسمية تكشف أهم المجالات التي ينتشر فيها الفساد بالمغرب ...
- تشابي ألونسو يستعد لإعلان قرار حاسم بشأن مستقبله مع نادي ليف ...
- الجيش الروسي يكشف تفاصيل دقيقة عن ضربات قوية وجهها للقوات ال ...
- مصر.. إعادة افتتاح أشهر وأقدم مساجد البلاد بعد شهرين من إغلا ...
- قائد القوات الأوكرانية: تحولنا إلى وضع الدفاع وهدفنا وقف خسا ...
- مقتل شخص وإصابة اثنين إثر سقوط مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني ...
- استطلاع يظهر تحولا ملحوظا في الرأي العام الأمريكي بحرب غزة
- معتمر -عملاق- في الحرم المكي يثير تفاعلا كبيرا على السوشيال ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - في انتظار البرابرة... في وداع البرابرة