أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - نضال شاكر البيابي - صور التنميط الإعلامي للجسد الأنثوي















المزيد.....

صور التنميط الإعلامي للجسد الأنثوي


نضال شاكر البيابي

الحوار المتمدن-العدد: 4260 - 2013 / 10 / 30 - 01:46
المحور: الصحافة والاعلام
    


تبعث عمليات زخرفة الجسد أو النقش عليه أو حجب أو تغيير بعض أجزائه، برسائل تختلف دلالاتها باختلاف سياقها الاجتماعي عن هويّة الشخص الذاتيَّة. وفي ظل ثقافة الاستهلاك، والاهتمام المتزايد بالجنس والتمركز حول الجسد والإنسان الجسماني في الفن والأدب والإعلام، ثمة حضور مكثف للجسد بوصفه حاملاً لقيمة رمزيَّة، الجسد باعتباره أداة لتشكيل الذات، وقد يضمر هذا الاهتمام تعويضاً بمعنى ما عن تفسخ اليقينيات الوجودية والسرديات الكبرى المتجاوزة للفرد.
التوكيد الإعلامي والاجتماعي على معايير معينة للجسد الفاتن فاقم من الهوس بمظهر الجسد وكيف "يجب" أن يبدو أمام الآخرين، فمشاريع الحميات أو إنقاص الوزن، ورياضة "كمال" الأجسام، والجراحات التجميليّة، كشد الوجه وشفط الدهون، وعمليات تجميل الأنف والذقن وتكبير الأثداء، كلها وسائل لإنتاج أجساد تتسق مع مفاهيم "الفتنة المثاليّة" إعلامياً/عصرياً. لقد بات الإنسان العصري أكثر انشغالاً من أيّ وقت مضى وبشكل متزايد بمظهر وحجم وشكل وملمس وأداء جسده، وبتمجيد الجسد الفتي المصقول والمثير جنسياً على وجه التحديد.
إنَّها وسائل للتعبير عن النفس أو "عرض الذات" أو نفي لا شعوري لهاجس الشيخوخة والتفسخ والفناء في عالم فقد كلّ معنى، ما عدا المعنى الذي يؤديه الجسد. وإذا عجز المرء عن إحداث تأثير في مجتمع تزداد درجة تركيبه وتعقيده، فإنه يستطيع على الأقل أن يحدث تأثيراً في حجم جسده وشكله ومظهره. يشير زيجمونت بومان إلى أنَّ الوعي بالموت هو الدافع وراء الانشغال الحداثي بالجسد؛ إذ تعبر انشغالات الإنسان بجسده كمحاولة لتأجيل مسائل وجودية مؤرقة تتعلق بقيد الجسد النهائي "الموت".
لقد بات المشاهدون في ظل هذه الثقافة الاستهلاكية مشبعين وموسومين بالجنسيَّة الرّمزيَّة وبأوهام الأشياء الجنسيَّة، تلك الصور" الأنامورفيكيَّة" المخادعة للنجمات ذات الأجساد المثاليَّة التي تبدو كأيقونات ميتافيزيقية عصية على الحيازة بالنسبة للذكور، والمحاكاة بالنسبة للإناث، الأجساد المصقولة التي أصبحت بشكل ساحق الشغل الشاغل لكثير من الفتيات سواء اعترفن أو أنكرن، وكل ذلك إنجاز محض لتخيُّلات الذكر الجنسيَّة. يؤكد المحلل النفساني "براين كي" أنَّ الشابات ذوات الصدور الصغيرة مثلاً، هنَّ يُدركن بأنهنَّ ناقصات في القيم الجمالية، لأن وسائل الإعلام تؤسِّس وتُعزِّز النماذج الثقافيَّة للبنية الجسدية المرغوبة "ذكورياً". إنَّ من شأن الشعور العميق بالذنب ( والذي يتعلَّق ببنية الرجل أو المرأة الجسديَّة) أن يخلق عدداً هائلاً من المستهلكين والزبائن للمنتجات والمستحضرات التجميلية، لتعويض النّقص "البيولوجي" عبر إعادة بناء وتشكيل الجسد البشري على أتمِّ صورة وفق النماذج المثاليَّة.
تعكس صورة المرأة في الإعلام باعتبارها "مظهراً" للعرض والفرجة والترويج، سياقاً تاريخياً من الظلم والتمييز الاجتماعي، وتكشف عن دور المركزية الذكورية في ترويج صورة المرأة في قوالبها السلبية، ويمكنك أن تدرك بعد تفحص أيَّ مجلة نسائية – وإن كانت المسؤولة عنها امرأة من الناشطات النسوية، بأنَّها منتج ذكوري بامتياز، وأنّ الكتالوجات والتصاميم (التي تعرض صوراً مؤثرة لما يجب أن تبدو عليه المرأة العصرية، أي نحيلة وبلا زوائد شحميَّة)، مشحونة بالرُّموز الجنسيَّة بمنظور ذكوري صرف، التصاميم التي تحبس المرأة نفسياً على أنَّها مجرد أداة للمتعة الجنسيَّة.
عالم الأحياء ألفريد كينسي ومساعدوه في جامعة إنديانا قاموا باكتشافات مثيرة للاهتمام ( لا توجد دراسات علمية في هذا الشأن تتعلق بالمجتمعات العربية يمكن الركون إليها مع الأسف) في دراستهم حول السلوك الجنسي عند الأنثى الإنسانية. يقول كينسي: الصور للنساء العاريات، وعروض النساء العاريات، أو شبه العاريات، في المجلات هي منتجة خصِّيصاً للذكور. هناك – على أية حال – صور ومجلات تُصوِّر ذكوراً عراة، أو شبه عُراة، ولكنَّها أيضاً مُنتجة للذكور. على الأغلب؛ ليس هناك صور لذكور عراة، أو إناث عاريات يتمُّ إنتاجها للإناث. الفشل في قدرة معظم الإناث على الشعور بالإغراء الجنسي في صور كهذه هو أمر معلوم بشكل جيِّد من قبل مُوزِّعي ومصوِّري تلك الصور في مجلات العراة؛ حيث إنَّهم اعتبروا أنَّه لن يكون من المربح مادياً أنْ يتمَّ إنتاج هكذا صور خصِّيصاً للإناث".
لا تكاد تخلو مدينة في العالم من النساء الموهوبات والحساسات والمثيرات للاهتمام حتى في المجتمعات الأكثر قمعاً وعزلاً للنساء عن الفضاء العام، اللواتي لا يرغب معظم الرجال في الحصول على علاقة دائمة معهنّ؛ لأنهنَّ – فيزيائياً – لا يتناسبن مع المقاييس الخياليَّة للشكل الذي يجب أن تبدو عليه المرأة الجذابة، تلك الصورة للمرأة المثاليَّة التي لا تتجسد إلا عبر وسائل الإعلام ذات التوجهات الذكورية. المرأة الجذابة اليوم ليست بلا "عيب" أو "نقص" جسدي فحسب، بل ينبغي أن تكون "نظيفة" وبلا "رائحة"، بمعنى أكثر وضوحاً، أي مجردة من الصفات الإنسانيَّة!
وبطبيعة الحال لا تقدم وسائل الإعلام، حقيقة الجنس على الإطلاق، فأساليب الترفيه الاستعراضية الجنسيَّة والعلاقات الخياليَّة بين الجنسين ليس لها علاقة بالحياة الجنسيَّة الواقعية. الدافع الجنسي في الواقع معَّقد جداً، في حين أنَّ أوهام الجنس المبتذلة في وسائل الإعلام أصبحت هي الواقعيَّة الرمزيَّة في مستوى اللاَّوعي.
لم يخطر ببال عالم النفس بورهوس سكينر أنَّ نظامه النظري في التّكييف السُّلوكي سيستخدم عملياً وعلى نطاق واسع في وسائل الاتِّصالات الإعلاميَّة الحديثة. ومن السذاجة أن نعتقد بعدم فعالية "القصف" الإعلامي لسلعة ما، المتكرِّر والمركَّز والطويل الأمد على إعادة ترتيب جذريَّة لكلِّ المبادئ السُلوكيَّة. فهذا "القصف" أنتج تثبيتات معينة، من مثل: تثبيت مستوى التّكيُّف لدى "المستهلكين" مع الجسد الممشوق مقابل الجسد المترهل، الجسد الجيِّد مقابل الجسد السيئ، الجسد الجميل مقابل الجسد البشع... وبالطبع لا بدّ من إضفاء أهميّة عاطفيّة إلى قيمة الجسد، كالملاذ الآمن، الوطن، الحب، التكافل الأسري وما شابه ذلك. ومن شأن هذه الحيل أن تحفز الدّوافع الغريزيّة الجنسيَّة اللاَّواعية لدى المستهلك، الدوافع الجنسيَّة النّظام الأكثر تأثيراً في سُلوكات البشر، وبكلِّ تأكيد كما هو ملاحظ أفضت إلى تغيير جذري في سلوك المستهلكين. ومن المفارقات أن تتفق بعض وسائل الإعلام مع كثير من الرؤى الدينية التي لا ترى في المرأة سوى موضوع للاستهلاك الجنسي، بل أنّها تستعير نفس المفردات الدينية التقليدية لوصف الاتصال الجنسي (والذي هو العلاقة الأكثر حميميَّة وجمالاً وحساسيّة تتمُّ تجربتها عبر هذه الحياة) بمفردات وأفعال يمكن اعتبارها قاسية وعدوانية وكأنها توجه إلى نساء مستعبدات ومهزومات، مثل: ينكح، يضاجع، يفض....إلخ.
عالمة النفس فرجينيا ايشليمان اكتشفت أنَّ كثيراً من الرجال المهووسين جنسياً الذين يرون كل شيء في الحياة له علاقة بالجنس ورموزه، قد يتوصَّلون إلى رعشة التَّهيج الجنسي من خلال "العادة السريَّة" وذلك باللجوء إلى التخيُّل، أو إلى التحفيز من قبل المجلات المصورة أو أفلام البورنو، تلك النشوة التي تتحقق بشكل أكبر بكثير من حين يتصلون جنسياً بشريك آخر في الواقع.
إنَّه "مدهش" أكثر مما ينبغي ولكنه في الوقت نفسه "جمال الشر" كما يصوره ميلتون، ذلك "الجمال" الذي يغتصب الرغبة ويحرض على التعلُّق المرضي، الجمال الحاد الذي يسبب الألم ويدفع إلى البؤس. إنَّه إغراء ماورائي أكثر مما هو واقعي. هكذا تفضي مشاريع الجسد على هذا النحو إلى نتائج لا عقلانية عبر جعل المُثل الجسدية المرغوبة عصية في الأغلب على التحقق، تلك الأجساد التي يجهد الذكور ويلهثون للاستيلاء عليها دون جدوى، في حين تشعر النساء بالبؤس لعدم مقدرتهن على محاكاة تلك الأجساد "المثاليّة"!



#نضال_شاكر_البيابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتنة -الحريم-!
- روح الإرهاب: ما وراء الخير والشر
- الأخ الكبير يراقبك.. اِدّعِ الجنون، لكي تمسك بالحكمة
- رمضان والنفاق الديني
- التعصب الديني وسواه: الإنسان يسيل خراباً  
- الشبكات الإخبارية: تصحير الواقع واستنبات جرثومة العنف
- لماذا أصبحنا مجتمعاً غرائزياً رغم كل المحاذير الأخلاقية؟!
- الاعتراف بالآخر... سيحرركم
- تظاهرات إسلامية ضد الرسول الكريم!
- السلطة والإنسان الأدنى (2-2)
- السلطة والإنسان الأدنى (1-2)
- الثورات العربية ليست نظيفة!
- الإصلاح في السعودية: حيث لا شيء محسوم
- الخطيئة..أُولى ثِمار الإنسان
- كيف يفكر المجتمع السعودي؟(3-3)
- أنماط التفكير والقيم المهيمنة في المجتمع السعودي (2-3)
- أنماط التفكير والقيم المهيمنة في المجتمع السعودي (ا-3)
- إجهاض الثورة «الطائفية» في البحرين
- السنة والشيعة في السعودية: تأكيد الذات وإلغاء الآخر (2-2)
- السنة والشيعة في السعودية: تأكيد الذات وإلغاء الآخر (ا-2)


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - نضال شاكر البيابي - صور التنميط الإعلامي للجسد الأنثوي