أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - تزوير مسيحية يسوع - 2















المزيد.....

تزوير مسيحية يسوع - 2


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4259 - 2013 / 10 / 29 - 13:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ملاحظة: هذه المقالة تُعتبر كتكملة للمقالة السابقة تحت عنوان (تزوير مسيحية يسوع - 1)، ويجب أن تُقرأ المقالة السابقة كمقدمة أساسية وضرورية لهذه المقالة.


كما أشرنا في الجزء الأول من المقالة، فإن الرأي اليهودي في الديانة المسيحية هو أنها ديانة وثنية لا صلة لها إطلاقاً بالدين اليهودي ولا بفكرة التوحيد ولا بإله اليهودية ولا نصوصه المقدسة، والموقف اليهودي ينطلق في جوانب كثيرة منه من هذه النقطة بالذات ليتفرع لاحقاً منها إلى غيرها. يقول أحد المصادر اليهودية الأكاديمية، مع ملاحظة نبرة الضيق الكامنة في الكلمات: "مجموعة بولس [يقصد المسيحيين الأوائل] لم تكن صورة من صور اليهودية، ولكنها صورة منفصلة للأديان الهيلينية [الوثنية] (...) كان يجب أن يبقيان [أي اليهودية والمسيحية] دينان منفصلان غير ملتقيان إطلاقاً في أي شيء، لكل منهما تعاليمهما الخاصة وطقوسهما، وتحاولان أن تهتما بشأنهما الخاص في العالم الهيليني متعدد الثقافات. إلا أن هذا لم يحصل" [Barrie Wilson, pp238]. والحقيقة هي أن هذا الرأي، في جزئيته المتعلقة بالوثنية، له ما يبرره من حقائق التاريخ ومقارنة النصوص والمصادر وبصورة مقنعة. إذ الديانة المسيحية تقتبس، وبصورة مباشرة وواضحة لا لبس فيها، من الديانات الهيلينية والوثنية المحيطة بها وقت نشوئها على يد بولس الكثير من طقوسها وعقائدها وقصصها. فالولادة العذرية بواسطة علاقة مباشرة مع "إله"، والاسراف المفرط في سرد أساطير الشفاء والتحكم في الشياطين والمشي على الماء واحياء الموتى و "خلق" الطعام والشراب، والفداء الإلهي الشخصي، وتعدد الآلهة ضمن "البلاط الإلهي" وجلوسهم معاً [عقيدة التثليث]، فكرة (الإله – البشر – المخلص)، موت الإله ومن ثم بعثه مرة أخرى، نزول الإله من السماء وسط غيوم و "مجد"، رمز الصليب الذي كان معروفاً ومتداولاً من خلال عبادة الآلهة المصرية إيزيس في الإمبراطورية الرومانية، جسد ودم الإله الذي يتم تناوله رمزياً بين أتباع الآلهة الوثنية، وغيرها الكثير من المظاهر التي هي إما عقائد، أو طقوس، أو أساطير وثنية كانت معروفة ضمن الإمبراطورية الرومانية وخصوصاً بين من "بَشّر" بينهم بولس بإلهه الجديد "يسوع". ولذلك فإن جميع مصادر النقد اليهودي تكرر وجهة النظر التي يلخصها البريفسور باري ويلسون بصورة أو بأخرى وتدلل عليها من مصادر شتى: "شخصية مخلص بولس [يقصد يسوع] مشتقة من الأديان الإغريقية – الرومانية. لقد وضع بولس موت يسوع وقيامته على أنها فكرة محورية في تصوره للمسيح، وهو مفهوم غير معروف وغريب وأجنبي لكل المفاهيم اليهودية للمسيح. قبل بولس لم يكن مطلوباً من المسيح أن يقوم (يُبعث) من الموت، ولا كان متوقعاً منه أن يكون وسيلة للخلاص الإلهي لكل البشرية (...) لقد بنى بولس تصوره للمسيح من نماذج موجودة خارج الديانة اليهودية، هي موجودة في الديانات الوثنية في وقته (...) مسيح بولس، حتى مع افتراض عودته مرة أخرى [كما يعتقد المسيحيون]، لن يُطابق تصورات ولا توقعات اليهود في مسيحهم. إذ أن هناك عناصر رئيسية مفقودة في وصف بولس لمسيحه" [Barrie Wilson, pp247]. هذا الجزء من المقالة سوف يتعرض لثلاثة أمثلة فقط من تلك العناصر المفقودة في يسوع الإنجيلي، من وجهة النظر النقدية اليهودية، حتى يكون هو المسيح اليهودي.

تشير العقيدة المسيحية إلى يسوع الإنجيلي الناصري بأنه ليس فقط المسيح اليهودي المنتظر ولكنه أيضاً "الإله المتجسِّد، الكامل في لاهوته والكامل في ناسوته أو إنسانيته. فهو ابن الإنسان الآتي من نسل آدم وهو في نفس الوقت هو ابن اللَّه الحي. هو الرب الآتي من السماء". فالعقيدة المسيحية ترى في يسوع الناصري أنه اللَّه الذي تجسد للبشر، أو بمعنى آخر أنه الإله الذي حلّ بلاهوته في الجسد البشري، وظهر متجلياً كجسد مولود من بشر. يقول استاذ اللاهوت في الكنيسة القبطية الارثوذكسية القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير: "الربّ يسوع المسيح هو كلمة اللَّه وصورة اللَّه، اللَّه بكل ملئه، بكل ملئ لاهوته، لكنه أخلى نفسه بمعني حجب لاهوته في ناسوته، افتقر وهو الغني (...) المولود من بيت لحم ولكنه الأزلي". إلا النقد اليهودي لا يبدو مبهوراً إطلاقاً لكل هذا التنظير المسيحي لشخصية يسوع الناصري. فهو يسرع لأن يُشير بأن كل هذا التنظير المسيحي لشخصية يسوع الناصري لا يفعل على الحقيقة أي شيء سوى أنه يجعل الله، رب المسيحيين، كاذباً من الطراز الأول ومخادعاً متميزاً وبجدارة. لأن رب اليهودية، الذي هو ذاته رب كل هذا التنظير المسيحي، يقول صراحة وبملئ الفم بأنه "ليس إنسان". ففي سفر العدد، أحد أسفار موسى الخمسة، الذي يتفق المسيحيون مع اليهود بأنه أحد الأسفار التي أعطاها الله لموسى على الجبل، يقول هذا الرب فيه عن نفسه: (ليس الله إنساناً فيكذب) [عدد 23: 19]. ثم يعود هذا الرب ليؤكد للجميع بأنه ليس إنساناً ليغيّر رأيه، حيث نقرأ (نصيح إسرائيل لا يكذب ولا يندم، لأنه ليس إنساناً ليندم) [صموئيل الأول 15: 29]. فنحن هنا، كما يقول النقد اليهودي، أمام خيارين لا ثالث لهما من وجهة نظر العقيدة المسيحية وتنظيراتها. الخيار الأول هو إما المسيحيين وإلههم يسوع ليسوا أكثر من مجموعة من الكذبة لأن نصوص العهد القديم واضحة في نفي كون الله بشراً، أو الخيار الثاني وهو أن إله اليهودية، الذي هو ذاته إله المسيحية كما يقولون، هو كاذب في نصوصه التي أوحى بها في العهد القديم. وعلى أي الخيارين تختار، فالمسيحية كاذبة، لأنها إما هي كاذبة أو إلهها كاذب.

مشكلة يسوع الأولى عند اليهود هي أنه "إله" في التصور المسيحي. إذ هذا التصور يفتقد للسند النصي اليهودي المقدس الذي يُبرر للمسيحيين اعتقادهم هذا. وهذا هو بالضبط نقطة الضعف المحورية في العقيدة المسيحية التي يركتز عليها النقد اليهودي اللاذع إلى حدود الاستهزاء والسخرية. فبما أن يسوع الناصري هو إله، هذا بالإضافة إلى كونه "مسيح يهودي"، فلابد للنصوص اليهودية المقدسة التي تُبشر بهذا المسيح أن تنطبق أيضاً على ما يُفهم من تصرفات وصفات "إله" من دون الحاجة إلى تنظيرات معقدة ومتكلفة لتفسير تلك النصوص لإخراجها من دلالاتها المباشرة. وكأحد الأمثلة على رفض هذا المفهوم المسيحي يسرع النقد اليهودي إلى الإشارة إلى سفر إشعياء، الذي يُقر المسيحيون واليهود على احتواءه للنصوص التي تصف الفترة التي سيأتي بها هذا المسيح الموعود. إذ يرد في نصوص هذا السفر أن المسيح اليهودي القادم "يخاف الرب"(!). يقول هذا السفر على لسان مؤلفه (ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب) [إشعياء 11: 2-3]. هذا المسيح يخاف الرب، بل إن لذته ستكون في تلك المخافة. يُعلق الراباي اليهودي توفيا سنغر بسخرية واستهزاء واضحين على هذا الاقتباس من سفر إشعياء في مواجهة الدعوى المسيحية في إلوهية يسوع: "هل يخاف الله أحداً؟! إذا قال لنا المسيحيون أن يسوع إلهاً فلماذا يخاف الله أي شيء؟! وهل يخاف الله الله؟! الله إذن عندهم يعاني من أعراض الشيزوفرينيا".

إلا أن هذا المحور في النقد لا يقف عند هذا الحد، إذ يستمر النقد اليهودي ليُشير إلى سفر حزقيال، وهو في بعض أجزائه يتطرق لنبؤات قدوم المسيح اليهودي، وكيف يكون العمل حينذاك. إذ يرد في سفر حزقيال (ويعمل الرئيس في ذلك اليوم عن نفسه وعن كل شعب الأرض ثوراً ذبيحة خطية) [حزقيال 45: 22]، وكلمة (الرئيس) هنا هي ترجمة كلمة (prince) كما تعني حرفياً باللغة العبرية، لغة العهد القديم الأصلية، أي (الأمير)، وليس كما ترجمها المترجم العربي المسيحي هنا على أنها تعني (الرئيس)، وهي تشير إلى المسيح اليهودي القادم. هو كذلك في العقيدة اليهودية فيما قبل أيام يسوع، وفي أيامه، وما زال. والسؤال هنا، كما يطرحه النقد اليهودي، هو: "كيف يُقدّم إله لإله، كما في العقيدة المسيحية، عنه نفسه ضحية تكفيراً عن ذنوبه؟"(!). وكذلك الحال في نص حزقيال [46: 4-5]. لكن المشكلة الأخطر أمام العقيدة المسيحية في يسوع هي أن المسيح اليهودي، كما تقول النصوص اليهودية في العهد القديم، له ذرية وأولاد. نعم، تلك حقيقة في العقيدة اليهودية. إذ هي على عكس التصور المسيحي والإسلامي الرائج بيننا، العالم لن ينتهي بقدوم المسيح اليهودي. نعم، لن ينتهي العالم، ولن تقوم القيامة. النص الذي يُبشر بالمسيح في العهد القديم واضح جداً، ولكن يتجاوزه المسيحيون بتعمد واضح مثير للريبة والابتسام في نفس الوقت. إذ العقيدة اليهودية، متفقة، قديماً منذ ما قبل أيام يسوع ولا زالت، على نبؤة نص سفر حزقيال في المسيح اليهودي القادم (هكذا قال السيد الرب: إن أعطى الرئيس [الأمير] رجلاً من بنيه عطية، فإرثها يكون لبنيه. ملكهم هي بالوراثة [...] من ملكه يورث بنيه، لكيلا يفرق شعبي) [حزقيال 46: 16 و 18]. المسيح اليهودي سيتزوج، وسيكون له أولاد وذرية، وسوف يموت في النهاية ليرثه أبناؤه، كذا يؤمن اليهود منذ أن ظهرت بينهم فكرة المسيح اليهودي، ولازالوا. ومنذ سنوات عديدة، أتذكر تعليقاً لأحد يهود نيويورك على هذا النص عندما قال مبتسماً: "نعم، لسوء حظ من يعيشون في جوارنا (يقصد المسيحيين)، مسيحنا يولد من أب متزوج، وسيتزوج هو، وسيكون له أولاد".


... يتبع



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تزوير مسيحية يسوع -1
- العلم الطاهر
- الرواية الإباضية للإسلام - 2
- الرواية الإباضية للإسلام - 1
- ابن خلدون يقول لكم - أنتم أمة وحشية
- أهذه معارك تستحق اسم الله؟
- التشخيص النفسي كأداة لنقد الإنجيل
- إشكالية ذهنية التخوين في الوطن العربي
- خاطرة - لا تصلح كمقالة
- معلولا ... والدونية الإنسانية المتطرفة
- في مبدأ احترام النفس البشرية
- في مشكلة الفشل الحضاري العربي
- إعادة اكتشاف الغباء الجماعي
- في الأزمة الأخلاقية العربية
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 6
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 5
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 4
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 3
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 2
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس - 1


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - تزوير مسيحية يسوع - 2