أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - فالح عبد الجبار - التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة















المزيد.....

التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1214 - 2005 / 5 / 31 - 12:13
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


يحتفي عالم الغرب، كل سنة، بذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية، منعطفاً كبيراً في تاريخ العالم، يسجل تدمير النظم التوتاليتارية في أوروبا الغربية، وما كان حفل هذه السنة مخالفاً: خطابات مملة، سياسيون يتثاءبون وجمهور شبه نائم، دليلاً على ان الرموز السياسية للحدث تنسل مواربة الى النسيان. منذ عقدين ونيف وأنا أتابع هذا المهرجان السنوي، باستعراضاته العسكرية، وموسيقاه الصادحة، وبهرجته الاعلامية، فلا أجد فيه كلمة واحدة عن الأوجه الثقافية والفكرية لهذا الحدث، الذي يعيش معنا بصورة أو بغيرها. أقصد بذلك فكرة التوتاليتارية ومعناها، وأصولها الفلسفية. فالنظام التوتاليتاري، بصيغته الغربية، لم يكن محض حركات جامحة، يقودها زعماء مصابون بداء العظمة، ولوثة التدمير، والرغبة في اكتساح العالم.
التوتاليتارية بدأت أصلاً فلسفة بنائية، واعتراضية في لحظة خاصة من تاريخ أوروبا الممزقة بنشوء واصطراع الأمم. تاريخ التوتاليتارية مثير وغريب في أن. نشأت الفكرة من مصادر عدة فكرية واجتماعية، وتداخلت عناصرها المتنافرة لتأخذ شكلها الأكمل في فلسفة الايطالي جيوفاني جنتيلي (قتل عام 1944) في مباحث شهيرة منها: الأسس الفلسفية للفاشية، الصادر عام 1924. وجيوفاني جنتيلي فيلسوف هيغلي، يرى الى التاريخ بوصفه عملية روحية، ذات غائية سامية ويرى الى الدولة القومية تجسيداً أرقى لهذه الغائية في مجال السياسة، والتاريخ العالمي. فالدولة، عنده (مستقياً فكرة هيغل) بمثابة فرد فاعل في التاريخ. عند هذا الحد تبدو الفكرة بمثابة تحصيل حاصل لما هو قائم. فالامبراطوريات القديمة تنحل الى مكوّنات قومية تتخذ شكل دول. وقد اتخذ نشوء هذه الدول شكل حركات قومية، نقلت فكرة السيادة من العاهل الى الأمة (الشعب)، وارتبطت، لذلك، بتحولات من الاوتوقراطية (حكم الفرد) الى الديموقراطية (حكم الكل). لكن جنتيلي يرى الى هذا المسار رؤية مغايرة: الديموقراطية التي رافقت بناء الدولة القومية قامت بفعل صعود الطبقة الثالثة (أي الطبقات الرأسمالية)، اما في القرن العشرين فتميزت الدولة القومية الليبرالية بصعود الطبقة الرابعة (أي العمال وفقراء المدن) التي أضعفت الأمة بإضعافها الدولة. الأمة لا وجود لها بدون الدولة، والدولة لا استمرار لها بوجود انقسامات اجتماعية. تماسك الدولة، ووحدتها يتطلب، حسب جنتيلي، وضع الدولة فوق الأمة، وتقديم الدولة على الفرد، وباختصار بسط سيطرة الدولة على المجال الخاص، والغاء هذا الأخير، بما فيه من تعددية يراها معولاً للتمزيق والهدم. الدولة عنده يجب ان تكون بناء شاملا، كلياً، أي توتاليتارياً، يلغي كل كيان مجتمعي وكل مركز قوة يقع خارج سيطرته. وقد صاغ بنيتو موسوليني، زعيم ايطاليا وتلميذ جنتيلي، عصر ذاك، هذه الفكرة عينها في شعار: كل شيء في الدولة، لا شيء خارج الدولة، لا شيء ضد الدولة!
لكن الدولة التوتاليتارية، هذا الابتكار لدولة مهزومة، ومثقفين نخبويين، يزدرون أمتهم باعتبارها مجرد كمّ من دهماء لا يجوز لها رسم المصائر عبر أرقام صناديق الاقتراع، ومفكرين قوميين عصبويين يعلون شأن الدولة فوق كل شأن، بما في ذلك الشرائع التي تقوم عليها، فشلت فشلا ذريعاً في بلد المنشأ: ايطاليا، ونجحت في المانيا. وسر فشلها هنا هو سر نجاحها هناك. فإيطاليا تميزت بوجود مؤسسات اجتماعية راسخة تقع خارج سيطرة الدولة مثل الكنيسة الكاثوليكية، أو وجود كيانات محلية تربأ بالسيطرة المركزية الثقيلة (حكومات محلية، روح محلية)، وهي كيانات راسخة بسبب ضعف التطور الصناعي في ايطاليا مطلع القرن العشرين، أو وجود مراكز سلطة متعددة (العرش، الجيش). فالألمان نجحوا في بسط مركزيتهم المطلقة، بالسيطرة على اجهزة الدولة، ودمجها، على قاعدة الغاء تقسيم السلطات الذي ميز الدولة الليبرالية، كما نجحوا (مثل الطليان) في الهيمنة على الاقتصاد (انشاء المجمعات الصناعية الخاضعة لادارة حكومية) والمجال العام (الاعلام، الثقافة، التعليم). وارتقى الالمان بالنزعة النخبوية في فلسفة جنتيلي الى مصاف مبدأ سام قوامه تأليه الزعيم، مثلما ارتقوا بالنزعة القومية الى مصاف عنصرية منقاة، واعتمدوا، مثل جنتيلي، النزعة الارادية (عند نيتشه) منبعاً للفعل وشرعنة له. وبهذا تحولت التوتاليتارية الى مزيج من هيغلية تؤله الدولة، ونيتشوية تؤله الارادة المنفردة للزعيم (السوبرمان)، وداروينية اجتماعية (البقاء للاصلح) تزدري الأمم والأجناس الضعيفة.
لم يكن لهذا الخليط ان يمتزج لولا احتدام العالم الجديد، المشاد من وحدات متعاونة ـ متصارعة، هي الامم القومية. وما كان لهذا المزيج ان يتماسك لولا نشوء المدن العملاقة التي دشنت ما يسمى بعصر المجتمع الجماهيري، حيث الحشود السديمية ترعب الفرد المنخلع عن الاسرة، وعن القرية، اي المنفصل عن عالم الاطمئنان الرعوي السابق، والباحث عن تطمين زعيم قوي. بل ما كان لهذا المزيج ان ينجح، في البناء كما في التدمير، لولا ظهور وسائل الاتصال الجماعية (الراديو)، التي تخطّت حدود الوسيلة السابقة (الجريدة) المقصورة على قارئ الابجدية. فقد اندلعت التوتاليتارية ردةَ فعل على صعود الطبقة الرابعة (عمال المدن وروسيا الثورية)، مثلما اندلعت ردة فعل على المهانة القومية (هزيمة المانيا وخروج ايطاليا بمكاسب من الحرب الاولى). ورغم ان بدايات التوتاليتارية جاءت بحافز الرعب من نجاح الثورة الروسية (1917)، الا انها راحت تتبنى أساليب التعبئة الجديدة في المدن المليونية، التي كانت ظاهرة جديدة. ومن مفارقات التاريخ، ان روسيا في عهد ستالين، راحت، تعجيلاً بتنمية بلد زراعي مخرب، تحاكي النموذج التوتاليتاري الالماني: المجمعات الصناعية والزراعية والهيمنة الشاملة على مرافق الثقافة والمعلومات.
ولّد صعود التوتاليتارية وانهيارها تياراً فكرياً نقدياً عملاقاً جاء من مدارس يسارية نقدية (ادورنو، لوكاش هابرماس) ومدارس ليبرالية نقدية (هنه أرنت)، ومدارس ليبرالية خالصة (كارل فريدريك وبريجنسكي). وهذا النقاش الثري الذي انجب عقولاً كبيرة ضاع صداه في حمأة الحرب الباردة، الا انه خلّف لنا إرثاً فكرياً عظيماً ما يزال موضع تقدير وان يكن في دوائر فكرية ضيقة. فلقد اختفت التوتاليتارية من المسرح الأوروبي، لكنها عاودت الظهور بأشكال رثة في عدد من البلدان النامية، بعضها عربي. الا أن هذه الظاهرة لم تلق سوى صمت القبور. ذلك أن الفكر السياسي العربي (ان كان لمثل هذا الفكر وجود؟) غارق في موتيفات الدولة القومية الكلية، وموتيفات التنمية، غرقاً يصعب معه ان ينفك ليأخذ مسافة نقدية تتيح له دراسة الظاهرة بشكل معقول. التوتاليتارية العربية، أفكاراً أو مؤسسات، كاريكاتير مزر من الأصل، محاكاة بائخة لنموذج خارق، جاء في لحظة استثنائية، وخرج في لحظة استثنائية. نهاية التوتاليتارية كانت بداية الديموقراطية في اوروبا، اما أزمة أشباه التوتاليتارية في عالمنا العربي، فتنفتح على وريث أدنى مقاماً، هو الاصولية المنغلقة. ذلك أن نقد التوتاليتارية لم يبدأ بعد. نحن بحاجة الى أعمال مثل «جدل التنوير» (ادورنو)، او «تحطيم العقل» (لوكاش) او «أصول التوتاليتارية» (أرنت). نحن بحاجة الى نقد التاريخ.
2005/05/22



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يقف وراء الهجمات على الأمريكيين في العراق؟
- القتال، التمرد او التلاشي
- بين الحزب والقبائل والعشائر التوازن الهش للنظام العراقي
- مزيفو النقود
- إيضاح لا بد منه في بيان الملاكمة المأجورة


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - فالح عبد الجبار - التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة