أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - فتحي الضو - إني أرى تحت الرماد وميض نار















المزيد.....

إني أرى تحت الرماد وميض نار


فتحي الضو

الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 13:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



من المؤكد أن القارئ الكريم كثيراً ما طالع هذا العنوان المُقلق والمُرعب والمُخيف، في الكتابات التي تناولت الشأن السياسي السوداني، وتحديداً في السنوات العُجاف التي استأسدت فيها العُصبة ذوي البأس على أهل السودان واستأثرت بالجاه والمال والسلطة. وأستطيع أن أقول – على المستوى الشخصي على الأقل – إنني وعلى سعة اطّلاعي، لم أقرأ هذا العنوان قبل العام 1989 يعلو أي شأن من شئوننا السياسة أو العامة. أي منذ أن قاله نصر بن سيّار الكناني آخر حُكّام خراسان - بعد موجة مظاهرات واضطرابات اجتاحت ولايته - في رسالة إلى مروان بن محمد آخر ولاة بني أمية وضمّنها هذه القصيدة بشطرها المذكور. وفيها حذَّره بخطورة الأوضاع وعواقبها الوخيمة، لكنه لم يستبن النصح فكان لا مناص من الكارثة. وعليه كانت هذه القصيدة بمثابة الإشارة الأولى في انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية. أما في زماننا الحالي - أي زمان الأمويين الجدد - الذين سامونا سوء العذاب، فقد عَمَد كثير من الكُتَّاب والصحافيين إلى تصدير مقالاتهم بهذا العنوان، منهم من حاول إسداء النصح للفئة المُستبدة والمُتجبرة، وتذكيرهم بالمصير الذي حاق بسابقيهم من الطغاة في التاريخ الإنساني. ومنهم من أورده خوفاً ورهبةً وخشيةً على البلاد والعباد من سيناريو مأساوي غرقت في لججه أمم وشعوب. ولكن بالرغم من أن كل هذه الشواهد ماثلة أمام أعينهم، إلا أن العصبة ذوي البأس المعنية بالرسالة حاكوا الأمويين القدامى، إذ جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واستكبروا استكبارا!
صحيح أن كُتَّاباً كثيرون استخدموا العنوان أعلاه، ولكن حتى لا تصيبكم الكلالة والملالة والأذى، فأنا أصدقكم القول إن الأمر لمختلف جداً هذه المرة، أي ليست كسابقاتها التي لم يُوبه لها أو يُعمل بها، فنحن لا نورده هنا من باب التكرار أو الانبهار، ولا من زاوية الترهيب أو الترعيب. ولكنه محصلة لقراءة متأنية بشواهد ونتائج تأملناها بعد طول استقراء في واقع أصبح كتاباً مفتوحاً بسيناريوهات يعجز عن حصرها أي راصد. حيث كان من الطبيعي أن نصل لهذا الوضع الكارثي والذي لم تكتف فيه العصبة الحاكمة بالفشل، بل استعصمت بـ (عنف البادية) على حد تعبير من أهدانا وعياً لم نحسن صُنعه. والواقع أنها لم تستخدم ذلك بين غمضة عين وانتباهها، فذلك نهج تمطى على مدى ربع قرن وناء بكلكله على صدورنا ونحن له صاغرون. يقيني أن البلد الصابر أهله لم يتأملوا بعد وقائع ما حدث في انتفاضة 23 سبتمبر الأخيرة ولعلهم فاعلون. والذي نفس الفقير إلى ربه بيده، أن هذه المقدمات التي رشحت بغير أنه سيكون لها مترتبات سياسية واجتماعية ودينية ونفسانية، فقد أضرمت ناراً فيما ظلَّ أهل السودان يعتزون به في إباء وشمم وكبرياء!
في يوم 27/8/2013 زار المشير البشير السيد الصادق المهدي في منزله بالملازمين بمدينة أمدرمان، وعلى إثر انتهاء اللقاء هوت للأخير القنوات الفضائية بالذي يهواه. وبالرغم من أن الصور نفسها جبَّت قول كل خطيب، إلا أنه عبَّر عن سعادته البالغة بنشوة لا تباريها سوى نشوة صلاح الدين الأيوبي حين حرَّر مدينة القدس بعد معركة حطين، وقال: "هذه ظاهرة لا تكون إلا في السودان لما فيه من تسامح سياسي شائع بين السودانيين". ولكن من نعم الله علينا أن الأحداث في ظل دولة العصبة يأخذ بعضها برقاب بعض، إذ سرعان ما ينكشف أمرها ويُذاع سرها. فبعد أقل من شهر كان التسامح السياسي السوداني يقف على أسنة الرماح، وتحول بقدرة قادر إلى رصاص وهراوات وغاز مسيل للدموع ومخلوط بدماء تقطع نياط القلوب. وفي التقدير لم يكن ذاك اختباراً لمنهج التسامح السياسي المزعوم، بقدر ما هو تعرية لأوهام حاول الإمام مداراة سوءته بها، أما العصبة نفسها فلم تكن في حاجة لكشف عوراتها، فتلك خطى سارت على دربها منذ أن اغتصبت السلطة بدباباتها المجنزرة بالكتاب والسنة!
كثيرٌ ما ذكرت في كتاباتي وقلت إن التسامح السياسي السوداني المزعوم ما هو إلا محض فرية روجت لها النخبة لتخفي بها نقص القادرين على التمام، هو في حقيقته كعبتهم التي يطوفون حولها ويعلقون على أستارها أخطائهم وخطاياهم، هو ضرب من ضروب الحواة ليخفوا به عجزهم وفشلهم، هو نوع من أنواع الأبلسة السياسية التي دأبت عليها حتى تستطيع أن تواصل زحفها المقدس في التشبث بالسلطة ولكي تصرف الأنظار عن المساءلة والحساب والعقاب، هو نهج مارسته ثعالب العصبة أيضاً فيما سُمى بديمقراطية رأس الذئب الطائر، بحيث تستحوز على السلطة التنفيذية لإفطارها، والسلطة التشريعية لغدائها، والسلطة القضائية لعشائها. ومع ذلك يطيب لها التحدث عن التسامح السياسي السوداني بلسان عربي مبين!
بيد أن خلافنا حول المفهوم ليس لأن نقيضه يجري على الأرض، ولكن لأنه أساساً لا وجود له في عالم السياسة حتى لو كانت تدور وقائعها في مجتمع، تدثر بالطهر والعفاف وتزمل بالشفافية والديمقراطية. ذلك لأن السياسة منهج يستند على حقوق المواطنة وواجباتها في الدولة المدنية الديمقراطية. وتعلمون أن البشرية عرفت عوضاً عن ذلك ما سُمي بالتسامح الديني، وهو الذي انبثق من ركام حروب جرى فيها الدم أنهاراً، مثلما حدث في أوروبا على سبيل المثال وهو الذي كفل لدولها فيما بعد الاستقرار والتقدم والازدهار الذي تنعم به الآن. ومن المفارقات التي تجسد زيف ونفاق العصبة الحاكمة، أنه في الوقت الذي كان ينبغي عليها الاهتداء بهذا الإرث الإنساني عملت على العكس تماماً، فعلاوة على التسامح السياسي الذي أصبح تنابذاً سياسياً (وفق منهج نافع وصحبه) أحالت التسامح الديني إلى تناحر ديني في حرب رفعت فيها شعارات الجهاد دجلاً وافتراءً. وجاءت ثالثة الأثافي في عصفها التسامح الاجتماعي بالتفريق بين شعوب وقبائل وإثنيات أهل السودان، فبدلاً عن أن يتعارفوا وفق المنهج القرآني أصبحوا يتقاتلون طبقاً لدين العصبة!
باسم التسامح الديني دشنت السلطة بيوتاً لا يذكر فيها اسم الله وأحالتها لأوكار تمارس فيها البطش والتعذيب والتنكيل. باسم التسامح السياسي المزعوم لجأت العصبة في بواكير عهدها بالسلطة إلى بث الرعب في قلوب الناس، فأقدموا على قتل 28 ضابطاً وعشرات من صف الضباط والجنود في شهر لو استحل فيه صائم دم باعوض لاستوجب القضاء والكفارة، ثم قبرتهم وبعضهم كان يئن من الألم. باسم التسامح الاجتماعي حصدت أرواح أكثر من مائة طالب في معسكر الخدمة الإلزامية بمنطقة العيلفون وآخرين كان سلاحهم القلم والألم في جامعات الخرطوم والجزيرة وكسلا والفاشر. باسم التسامح الاجتماعي مارست هواية القتل والتنكيل في مواطنين أبرياء زادهم الصبر على المكاره في كجبار وبورتسودان ونيالا. باسم التسامح السياسي كان القتل غير المسبوق في تاريخ السودان لمتظاهرين عُزَّل في ضواحي الخرطوم ونيالا ومدني بتلك الصور التي أدمت قلوب ناظريها. باسم التسامح الاجتماعي تم تشريد الملايين في دارفور وإزهاق أرواح مئات الآلاف، تواضع الرئيس الضرورة وقال إنهم محض عشرة آلاف لا غير، كأنهم يا مولاي (حزمة جرجير يعد كي يباع) كما قال الشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم!
في الضفة الأخرى من النهر هل يعتقد عاقل أن المغبونين والمظلومين والكاظمين الغيظ، يمكن أن ينتظروا عند المصب إلى أن تحمل المياه لهم جثة عدوهم؟ إذ أن لكل فعل رد فعل كما تقول قوانين الطبيعة. فلنتأمل ظواهر باتت تسري بين الناس ويتفاقم أثرها يوماً بعد يوم. على أنني أتساءل هل رأى أحدكم أو سمع أو قرأ أن مواطناً سودانياً قذف حاكماً بكرسي أو (مركوب) أو سمع كلمة حق في وجه سلطان جائر مثلما فعل محمد حسن البوشي مع نافع علي نافع، أو طُرد بطريقة مُهينة كما حدث مع نافع نفسه في مأتم الشهيد السنهوري بضاحية بري؟ هل استشعرت العصبة تلك الكراهية التي انداحت بين الناس في مجالسهم وهم غير آبهين لمآلتها؟ هل قرأوا هذا النقد المكثف في وسائل الإعلام المختلفة لدرجة بات المرء يتساءل عمن هم مناصروهم؟ هل أدركت العصبة الغضب الذي بات يسيطر على كثير من الناس لدرجة كادت أن تفقدهم الكراهية وقارهم فيما يقولون ويسمعون ويكتبون؟ هل عرفت العصبة أبعاد ومغزى السخرية التي تزكَّت نارها وزاد أوراها؟ هل طرق دعاء المظلومين وتوسل المغبونين آذانهم؟
إن العاقل من اتعظ بغيره والحكيم من تدبر أمره، والجاهل من كان عدو شعبه ونفسه. واهم من يظن أن الكرسي سيظل كرسياً ولن يتحول لعربة مفخخة، وواهم من يعتقد أن (المركوب) لن يصبح كلاشنكوف، وواهم من يظن أن الكراهية والثأر مشاعر يتناولها الناس عند اللزوم. وواهم من يعتقد أن الغضب يظل قصيدة شعر حالمة، وجاهل من يظن أن النيل لن يجري جنوباً. لست زرقاء اليمامة سادتي، ولا ادّعي رجماً بالغيب، ولكنني بحس المواطن الذي يخشي على وطنه وقلبه على مواطنه، أقول إني أرى وميض نار أوشك أن يكون له ضرام، فعلى العصبة أن تتحسس موقع أقدامها من قبل أن يأتي الطوفان الذي كانوا عنه يحيدون!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!



#فتحي_الضو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وأنت حل بهذا البلد (2)
- وأَنتَ حِلٌّ بِهذا البَلَدِ (1)!
- مشروع ديكتاتور في الدولة السائبة
- فاصل.. ونواصل..
- ديمقراطية رأس الذئب الطائر
- الجمهورية التي لم يعترف بها أحد وأعطتنا درساً!
- (خوازيق) الدولة الإسلامية في السودان
- معايير أهل السودان.. الفريضة الغائبة
- التزويروقراطية والكذبوقراطية
- إنَّ بعد العُسِر... عُسَراً
- لا نافع إلا وجه الله
- فِقه الخِصام والوِئام في قاموس السيدين (2)
- فِقه الخِصام والوِئام في قاموس السيدين (1)
- الحِساب يوم القِيَامة
- أحكموا عليهم بأعمالهم
- الفساد في دهاليز مفوضية الإنتخابات السودانية
- الجلوس فوق برميل بارود
- صلاح قوش.. أو الحجاج بن يوسف السوداني!*
- البحث عن رئيس
- يا أيُها المبعُوث فِينا


المزيد.....




- فيديو يُظهر ومضات في سماء أصفهان بالقرب من الموقع الذي ضربت ...
- شاهد كيف علق وزير خارجية أمريكا على الهجوم الإسرائيلي داخل إ ...
- شرطة باريس: رجل يحمل قنبلة يدوية أو سترة ناسفة يدخل القنصلية ...
- وزراء خارجية G7 يزعمون بعدم تورط أوكرانيا في هجوم كروكوس الإ ...
- بركان إندونيسيا يتسبب بحمم ملتهبة وصواعق برد وإجلاء السكان
- تاركًا خلفه القصور الملكية .. الأمير هاري أصبح الآن رسميًا م ...
- دراسة حديثة: لون العينين يكشف خفايا من شخصية الإنسان!
- مجموعة السبع تعارض-عملية عسكرية واسعة النطاق- في رفح
- روسيا.. ابتكار طلاء مقاوم للكائنات البحرية على جسم السفينة
- الولايات المتحدة.. استنساخ حيوانين مهددين بالانقراض باستخدام ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - فتحي الضو - إني أرى تحت الرماد وميض نار