أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - وكر الشيطان















المزيد.....

وكر الشيطان


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4254 - 2013 / 10 / 23 - 23:34
المحور: الادب والفن
    


تأخذه سني الشباب بعيدا عن الدراسة، يتلكأ بصفوفها المتوالية على غير العادة، يتابعه السيد مجيد والده الخمسيني الوقور، يحاول دفعه في السير على هدى أخوة تفوقوا في التحصيل، والالتزام بالتقاليد النجفية الاصيلة، يرفض الانتظام، يعشق الفوضى، يهوى التحايل على المعارف والاصدقاء، كانه من عائلة أخرى لا تمت لهذه العائلة العلوية النبيلة بصلة. كُتب الثانوية ودفاترها المتناثرة بين اشياء الغرفة تستبدل بأخرى عن السحر وقراءة الطالع وحكايا الخفة وأعمال الدراويش. عظام طيور ومفاصل خراف تحت سريره تحاول الوالدة اخفائها عن الأنظار، يعيد غيرها كل مرة الى نفس المكان دون ملل. الوقت المخصص للدراسة يقضيه في المقبرة القريبة، يتأمل الموتى وأعمال الدفن، وما تبقى من قبور لم يعد لها اتباع يعيدون ترميمها من جديد، يجلب منها عظام اصابع وأنصاف أضلاع مكسورة يضعها تحت وسادته قبل النوم، يتآلف معها يكتسب قدرة العيش مع أصحاب لها يتخيلهم في المنام ينبؤونه بمستقبل بلاد كله عثرات، يتلذذ في تحديهم، يكتب على بقايا عظامهم كلمات غير مترابطة تعلمها من كتاب قديم، ثم يعيدها الى أصحابها الموتى المنسيين، ينشغل أحيانا في وضع العظام بالمكان الذي أخذت منه، كأنه اختصاصي كسور مشهور.
المقبرة هي الاكبر في عالم اليوم، تغطي مساحة تزيد عن نصف مساحة النجف المقدسة، وسكنتها الراقدين بسلام جوار الامام علي يزيد عددهم عن سكان العراق، يقصدها في جو شتوي ماطر قبل آذان الفجر، متحديا موتى من أصحاب القبور المتهرئة، معتقدا بتحديهم مشيا في الظلام، اكتساب قوة أكبر في السيطرة على الخوف والتلاعب بمشاعر الآخرين، يلتقي في مشيته هذه شيخا مسنا يسير في نفس الاتجاه، يأخذه معلما له في تسويق الاوهام واللعب بالالفاظ وزرع الامل في عقول المحتاجين. التجربة العملية له في تسويق الأوهام شابة لم تتجاوز العشرين من العمر قروية تتمتع بجمال طبيعي فريد، جاءت مدفوعة بالزواج من بن عمها المختص بغسل الموتى وتحضير الاكفان، التقاها في السوق الكبير وهي في الطريق لتأدية الزيارة التقليدية ليوم الخميس، يَعرفها ساكنة في المحلة المجاورة لمحلته، استدلت من كلامه المرتب جيدا أنه من أصحاب الكرامات، فاجأها بالعجز الماثل في داخلها عن جلب الزوج الى فراشه في أول سنة زواج، وبالاصرار على التواجد مع والدته التي وضعت لهما سحرا في ماء شرباه سوية بعد العشاء فبات جسمها مسحورا لا يقترب منه الزوج من ذاك اليوم المشؤوم. تركها تفكر في القول ومشى خطوات لجس النبض. سرت في جسدها رعشة فجرت أملا مبهجا، بسملت وهي تتقدم منه خطوة بقصد التعرف على المرحلة اللاحقة في ازالة السحر الملعون. يؤكد لها عدم ملائمة الوقت الى الاستمرار بالكلام وذكر التفاصيل، وعلى حرصه صون سمعتها ماشية وحيدة على طريق تنفتح فيه الاعين لرصد جمالها الآخاذ، غايته المبيتة دفعها باتجاه بصيص أمل في لقاء قادم يوم الخميس القادم بنفس المكان الذي رتبه القدر سببا لازالة السحر المذكور. يأتي الخميس، تحضر في الوقت المحدد، يأخذها جانبا في زقاق فرعي، فيه قليل من المارة، يخرج من جيب سترته الانيقة كيس يحوي مسحوق لا تسأل عن محتواه، تعليمات استخدامه تتركز على اذابته في ماء يغلي، يرش على الجسم العاري بعد ساعة من الغليان، ينتقل في التعليمات الى مناطق الجسم الحساسة يصفها بدقة يطلب غسلها بنفس الماء المذاب فيه المسحوق، يجدها صاغية بامعان، تنتبه الى اتمام الكلام، تطلب التعرف على الخطوة اللاحقة أو النتيجة المؤملة لهذا العمل الذي ستتمه مرتين في الاسبوع، يؤكد لها فوائد الخطوة الاولى تطهيرا لهذا الجسد الناعم من اثر السحر الخارجي، وحاجتها الى خطوة ثانية تطهيرا لجوفها الداخلي وفراش الزوجية من جنيّ زرعه الساحر قائما بجانبها على السرير، يدفع زوجها بعيدا عن الفراش. سكتت قليلا تاملت بالوضع كانها تفكر بالكيفية التي يتم فيها التطهير الثاني، سَهلَ لها الامر وزاد في داخلها الامل مؤكدا أن العمل مجرب وهو وحده القادر على اتمام فعل التطهير لجوف مسحور وطرد الجني الفاسق من على السرير، تمهيدا لعودة الزوج، ملهوفا وكأن اليوم الذي يقضيه معها ليلة عرس جديد.
ينجح السيد عادل في مهمته، وتنجح هي في جلب الزوج الى فراشه بعد دروس تعلمتها من جولة التطهير في استخدام العطور وأصول التقبيل وفنون النوم الهانئ على السرير. تنجب صبيا وحيدا تفتخر قرب الشبه بينه وبين من فك عقدتها وطرد الجني من على السرير.
يكبر السيد عادل، يذيع صيته في معرفة الطالع وكتابة الأدعية وفك عقد الزواج واعمال التقريب بين الاحبة، وزرع الكره بين الحماوات، والقراءة على أحجار تعاد صياغتها خواتم رزق وأخرى للحب وثالثة لطرد الحسد ورابعة لفتح باب المسؤولين. يتجه الى بغداد التي تعيدها الحروب واعمال الحصار الى زمن تطلب فيه العاقر علاجا من دجال، ويسعى المكتئب لتجاوز محنته بمعاونة عراف، وتحاول المطلقة العودة الى طليقها على يد سحار، وتتجه الام لمعرفة ولدها المسجون في دوائر الامن من قارئة فنجان. الجهل الذي حل في البلاد يفتح أبوابه واسعة لنمو تجارة من نوع خاص يقف في مقدمة كبارها السيد عادل في بيت اشتراه بالحي الراقي قريبا من تمثال المنصور. يستثمر أمواله في نفس الصنعة، يوظف صبيان يمثل أحدهم مجنون يشفى بمجرد ربطه ليلة واحدة في شباك يواجه منارة الامام، وسيدة تعود الى زوج هجرها منذ سنين بدعاء كتب على حافة قميص يلبسه في المناسبات، يعين دعاة له في الاحياء الشعبية، يؤكدون أمتلاكه كرامة لم يمتلكها سيد من قبله. يوسم أعماله بالسرية المغلفة بعلاقة خاصة مع أمن المنطقة وكيل رسمي يرصد آراء الناس.
سقوط بغداد يطلق المارد من قمقمه، يترك ساحتها اصحاب متهمون بالتجهيل والعودة الى عصور الظلام، يقف السيد عادل في باب بيته المعروف، يؤكد نبوئته في غياب الظلم وعودة الاحرار الى حكم البلاد، ينهي طقوس السرية التي ارتبطت بعصور الظلام، يعلن بداية عصر التنوير والعمل على المكشوف. يختلف الزبائن في عصر التنوير، وتختلف كذلك الاسعار، ومع هذا يبقى الدولار سائدا في عمليات الدفع وفي تسديد العمولات لاصحاب النفوذ. حجوزات المعاينة والكشف عن الحالات تأخذ اشهرا، باستثناء الحاجة فضيلة، المعلمة السابقة العائدة مع زوجها السياسي حديثا الى البلاد، يفتح لها السائق باب السيارة المرسيدس السوداء، تنزل منها مغلفة بالوقار وبأسورة من الذهب تصل حدود الرسغين، تُفتح لها أبواب البيت يوصلها أحد الصبيان الى غرفة السيد عادل فهو جالس في الانتظار، تطلب إبعاد الزوج عن بنات هذا الزمان فهي لا تثق به في قضايا النساء، تريد ترشيحه الى أول وزارة يقيمها الاحتلال، وحمايته من أعداء كثروا من حوله. الوصفة عظام جمجمة ميت مطحونة بامعان، تعجن بربع قدح من بولها الآتي قبل الصلاة، تضع نصف ملعقة شاي منه عجينا في وجبة غداءه لمدة أسبوع، تجعله يتعلق بها، يراها كما كانت في أول لقاء لهما بعد خروجها من المدرسة الابتدائية التي عملت بها أيام الشباب، وباقي الطلبات حسمت بمحابس أحجارها نادرة تمت القراءة عليها بامعان يلبس أحداها عند التجوال والآخر عند لقاء المسؤولين. الحساب خمسة آلاف دولار، محسوب فيه خصم خاص فالسيدة فضيلة زبون قديم. يليها زبون آخر، سيساسي معروف جاء بنفسه تحيط به الحماية من كل اتجاه، يطلب الحيلولة دون فوز زميله من نفس الكتلة في الانتخاب.
يقترب الاب من عمر الثمانين، يشعر بقرب المنية، وبمسؤوليته الشرعية عن نصح ابنه الذي شذ عن القاعدة الدينية للعائلة، يقصده الى بغداد، يتفاجئ الابن، يحاول الزوغان، يفشل في تحقيق المرام فشخصية الاب أقوى من السماح بالتهرب من المواجهة المحتومة.
- جئت لأبرئ ذمتي أمام الله سبحانه، قد لا أراك ثانية، فلم يتبق من العمر ما يسمح بمعاودة المجيء.
ارجع الينا أترك أعمال الشيطان، يكفي بيعك الاوهام لاناس بسطاء يعيشون على آمال لا تعطيها الاوهام.
كيف وصلت الى هذا الحد؟.
اتعجب من هذا حتى أني وعندما أتذكرك لا أنام!.
- نم يا أبي، الناس هنا تطلب العيش في اقفاص الاوهام، لا تسطيع الاستمرار في الحياة دون آمال ملفوفة بورق من الاوهام.
جهلهم أوصلني الى ما أنا عليه الآن.
حاولت أن أترك وأعود اليكم تائبا، ومع كل محاولة أجد من يتوسل اليّ لأن أغطيه بعباءة الاوهام، فيخرج مني مسرورا وأشعر أنا بالارتياح.
لقد فات الاوان.
يتقدم من الاب، يحاول تقبيل يده طلبا للمغفرة، يدفعه بعصاه.
- أنت غريب عني، أنت الشيطان الذي ينبغي رجمه في الحال.
- الجهل يا ابي هو الشيطان، حاربوه أنتم الكبار، عندها سوف لن تجدون من ترجموه في وكر الشيطان.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجيش العراقي في ذكرى التأسيس: ما له وما عليه
- الهدم البنيوي في الانقلاب العسكري العراقي
- الايمو، الظاهرة ام المشكلة
- التطرف، ومهام الدولة العراقية في أنتاج الوسطية
- التأسلم في العراق وأثره على التوتر والاستقرار
- المصالحة تبدأ من هنا
- الحمايات الخاصة وأمن الوطن والمسؤول
- العسكرية العراقية وقوانين خدمتها الوطنية
- صلاح الدين والاستغلال السلبي لشعائر الدين
- مطالب التمديد في عقلية الاستحواذ والتهديد
- الإرهاب الفكري الديني ومسئولية الأجيال في الوقوف بالضد
- أسلمة الإرهاب
- مستقبل الديمقراطية في العراق بين النظرة الشمولية والتصور الم ...
- واقع الأمن الاجتماعي- النفسي- للمرأة في العراق
- الفراغ السلطوي المحتمل في العراق،
- نظرة إلى واقع الأمن العراقي لعامي 2005 2006 وعوامل التأثير ...
- طبيعة الضغوط النفسية في العمل وبعض خطوات التعامل معها
- تقييد الوعي العراقي في حكم صدام حسين وأثره على العمل السياسي
- اللا تجانس في التركيبة الإجتماعية العراقية وسبل التعامل


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - وكر الشيطان