أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - إيمان وثقافة مُدمرة–الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (45).













المزيد.....

إيمان وثقافة مُدمرة–الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (45).


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 4252 - 2013 / 10 / 21 - 03:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


– الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (45).

يعتنى هذا المقال بالبحث فى مصداقية أصحاب الإيمان الإسلامى ذوى الوعى والثقافة بالتراث والنص عندما يبشرون بالإسلام المتسامح الذى يقبل الآخر والمُعتنى بتعايش سلمى مع البشر , والمُتعاطى مع منظومات العصر كالديمقراطية وحقوق الإنسان فهل هم صادقون أم كاذبون مضللون مخادعون .؟!
يُرجى الإهتمام بأن قضية هذا المقال تعتنى بأصحاب الإيمان الإسلامى الواعى وليس عامة المسلمين ليقينى أن إيمان العامة لا يكون إلا إنتساب ووراثة شأنهم فى ذلك شأن المؤمنين بأديان ومعتقدات مختلفة على مر الزمان والمكان حيث الإيمان كما أضع له تعريفاً هو إنتساب المؤمن لحظوظ من الجغرافيا والتاريخ, فالوعى بتفاصيل التراث الدينى لدى العامة يقترب من الصفر إلا من بعض الآيات والنصوص القليلة التى تجد إدراك وإستحسان نتاج حالة نفسية ومزاجية وثقافية شائعة إنحازت لبعض النصوص أو قل وجدتها منسجمة مع ميولها , أما أصحاب الإيمان المصحوب بثقافة إسلامية فيتطابقون مع العامة من حيث إكتساب الإيمان الإسلامى بالوراثة ولكن زادوا عنهم قدرتهم على الإلمام بكثير من تفاصيل هذا التراث وتحسس ملامحه وتضاريسه وأعماقه , فهم الأكثر وعياً وإدراكاً بتفاصيل الميثولوجيا والعقيدة والشرائع لنسأل هل هؤلاء صادقون مع أنفسهم عندما يدافعون عن الإسلام بقوة مروجين لفكرة أنه دين عدل وتسامح وسلام ,أم هم مغيبون مَخدعون ,أم هم مُخادعون مُضللون مُزيفون إزداوجيون يعلنون عكس ما فى باطنهم .

أرى السلفيين رغم فجاجتهم أكثر الفصائل الإسلامية وضوحاً وشفافية فهم يعلنون للملأ مواقفهم حتى ولو كانت ذات مواقف تتسم بالتزمت والتعصب والفجاجة , فهم لا يخجلون ولا يتلونون بينما نجد غالبية المتأسلمين غير مُعلنه عما فى باطنها فلا تستطيع أن تُجزم بصدق أن ما يُعلنه ويُردده ويُجمله كإيمان ونهج نابع من أعماقه الصادقة ووعيه أم هو مُحتال ومُناور عظيم يُعلن غير ما يخفى .
قد يرى البعض أننى اجلد الإسلاميين بقسوة لم يعهدوها فى كتاباتى ولكن بالفعل هناك دلائل قوية تعطى إنطباع أن سلوك الإسلاميين مرواغ وليس بالضرورة صادقاً واضحاً شفافاً بالرغم مما يدعونه من وسطية وإعتدال وصدق ونهج متوازن مع قيم العصر فتلك الإدعاءات ذات نهج ذاتي لا علاقة لها بالتراث بل هى رغبة طيبة من البعض فى إيجاد صيغة مصالحة مع العصر مهملاً جوانب من التراث كما حال صديقى المحترم شاهر الشرقاوى والأخ التاج أحمد ولكنها لن تتعدى محاولات تنطلق من إنسانيتهم وآمانيهم الطيبة دون القدرة على توثيق هذه الأمانى ورد المشاهد القبيحة وتفنيدها فقهيا .

لن نعتني بهذه الشريحة الطيبة بل بأولئك الذين يظهرون غير ما يبطنون و تجد حضورهم وتأثيرهم طاغ فى الخطاب الإسلامى .لأقول وأسفى معى أن كل من يتشدق بالفكر الإسلامى معلناً أنه يفهم أصول دينه إما جاهل مدع أو منافق مُدرك بوعي انه يمارس الغش والتضليل والكذب متكئًا على رخصة تسمح له بالكذب والمراوغة .
إدانتى للإسلاميين تجد حجتها وما يوثقها بفقه التقية الإسلامى الذى يؤسس لهذا السلوك المرواغ المتلون لتجد سبيلها فى تكوين الذهنية الإسلامية ليس كموقف سلوكى طارئ بل منهجية تفكير وحياة مكونه ثقافة ترسم ملامح الشخصية الإسلامية .
دعونا نتناول فقه التقيه كفقه إسلامى ونتعاطى مع أمثلة توضيحية تبرز مدى قدرة هذا النهج المتمثل فى التقية من تخريب الشخصية الإسلامية فلا تعرف للصدق والشفافية سبيلاً بل تخطو خطوات واثقة مطمئنة فى سلوك الكذب والمرواغة والتضليل .

ماهى التقية ؟
قبل التطرق للتقية يجدر الإشارة أن الإسلام شأنه شأن معظم الأديان، يُحرّم الكذب فيقول القرآن فى سورة غافر 28:40 " إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب". ويقول نبى الإسلام فى الحديث "كن صادقاً فالصدق يؤدى إلى الصلاح والصلاح يؤدى إلى الجنة. احذر الكذب فالكذب يؤدى إلى الضلال والضلال يؤدى إلى النار".
وبالرغم من حُسن هذا الدعوى الداعية للصدق ونبذ الكذب فليس معنى هذا أننا أمام قيمة أخلاقية لا تقبل الجدل فتحريم الكذب شأن تحريم القتل والسرقة فى موضع والإحتفاء بقتل الآخرين ونهبهم تحت مسمى الجهاد والغنائم فى موضع آخر كذلك تحريم وتقبيح الزنا بشدة فى مكان ليتم منح رخصة لممارسة الزنا بل قل الإغتصاب حينما يُحلل السبايا والتمتع بهن رغما عنهن فى مكان آخر لذا لن تقف الأمور عند الكذب وليهنئ أصحاب الحناجر العالية الذين يدعون أن الأخلاق منتج سمائى .!
نأتى للتقية فهى فقه إسلامى مؤسس للفهم والعلاقات والرؤى الإسلامية نجد جوازها جاء من سورة آل عمران ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران/ 28.كما نجد آية سورة النحل تؤكد مبدأ التقية فى قوله: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ)النحل:10
يقول العلامة الإسلامى الشيخ الطبرى فى شرحه للآية السابقة أن هذه الآية نزلت على محمد بعد أن سمع أن عمار بن ياسر كفر بمحمد لما أخذه بنى المغيرة وأجبروه على ذلك. فقال له محمد "إن عادوا فعُد".- أى إذا أخذوك مرة أخرى فاكذب مرة أخرى!.
هذه الآيات القرآنية وغيرها توضح أن الله يغفر للمسلم الكذب فمن حق المسلم أن يكذب بعد القسم وأن ينكر إيمانه بالله طالما يقول ذلك بلسانه فقط بينما يتمسك بالإيمان فى قلبه ,فيقول ابن القيم :" التقية أن يقول العبد خلاف ما يعتقده لاتقاء مكروه يقع به لو لم يتكلم بالتقية " - من"أحكام أهل الذمة" (2 /1038)
ويفسر ابن كثير:" قوله: ( إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ) أي: إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ؛ كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: " إنَّا لَنَكْشرُ فِي وُجُوهِ أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ "من تفسير ابن كثير (2 /30) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/186-187) :" مَذْهَبُ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْل السُّنَّةِ أَنَّ الأْصْل فِي التَّقِيَّةِ هُوَ الْحَظْرُ ، وَجَوَازُهَا ضَرُورَةٌ ، فَتُبَاحُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ، قَال الْقُرْطُبِيُّ : وَالتَّقِيَّةُ لاَ تَحِل إِلاَّ مَعَ خَوْفِ الْقَتْل أَوِ الْقَطْعِ أَوِ الإْيذَاءِ الْعَظِيمِ ، وَلَمْ يُنْقَل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فِيمَا نَعْلَمُ إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَمُجَاهِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ " .
ويُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّقِيَّةِ عندَ أهلِ السنّةِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَوْفٌ مِنْ مَكْرُوهٍ ، وأَنْ لاَ يَكُونَ لِلْمُكَلَّفِ مُخَلِّصٌ مِنَ الأْذَى إِلاَّ بِالتَّقِيَّةِ ، وَيُشْتَرَطُ أيْضا أَنْ يَكُونَ الأْذَى الْمَخُوفُ وُقُوعُهُ مِمَّا يَشُقُّ احْتِمَالُهُ.
كما يَنْبَغِي لِمَنْ يَأْخُذُ بِالتَّقِيَّةِ أَنْ يُلاَحِظَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مُخَلِّصٌ غَيْرُ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَلْجَأَ إِلَيْهِ ، وأَنْ يُلاَحِظَ عَدَمَ الاِنْسِيَاقِ مَعَ الرُّخْصَةِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَدِّ التَّقِيَّةِ إِلَى حَدِّ الاِنْحِلاَل بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الضَّرُورَةِ ، وَأَصْل ذَلِكَ مَا قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُضْطَرِّ : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ فِي شَأْنِ التَّقِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَال : ( لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) فَحَذَّرَ تَعَالَى مِنْ نَفْسِهِ لِئَلاَّ يَغْتَرَّ الْمُتَّقِي وَيَتَمَادَى .وَأَنْ يُلاَحِظَ النِّيَّةَ ، فَيَنْوِيَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَل الْحَرَامَ لِلضَّرُورَةِ ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ إِلاَّ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِرُخْصَةِ اللَّهِ ، فَإِنْ فَعَلَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ سَهْلٌ وَلاَ بَأْسَ بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الإْثْمِ ". راجع : "الموسوعة الفقهية" (191-200)
وقال الدكتور ناصر القفاري :" التقية في الإسلام غالبًا إنما هي مع الكفار، قال تعالى: ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) ، وقال ابن جرير الطبري : "التقية التي ذكرها الله في هذه الآية إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم"
استدلّ علماء المسلمين علي مشروعية مبدأ التقية بالآيتين المذكورتين وجعل المراغي في تفسيره من جملة موارد التقية: مداراة الكفرة، والظلمة، والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسم في وجوههم ، وبذل المال لهم لكفّ أذاهم وصيانة العرض منهم، وأخرج الطبراني، قوله صلي‏ الله‏ عليه‏ ‏وسلم : «ما وقي به المؤمن عرضه فهو صدقة».

وإذا انتقلنا من الكتاب والسنّة النبويّة الي عمل الصحابة والتابعين والفقهاء من الرعيل الأوّل، وجدنا التاريخ يدلّنا علي أنّهم كانوا يعملون بالتقية كلّما لزم الأمر منهم ذلك، ولهم في ذلك قصص معروفة، مثل عبداللّه‏ بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي موسي الأشعري، وأبي هريرة، وابن عباس، وسعيد بن جبير، ورجاء بن حَيْوَة، وواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد المعتزلي، وأبي حنيفة. فقد روي عن‏ الحارث بن سويد، قال: سمعت عبدالله‏ بن مسعود، يقول: ما من ذي سلطان يريد أن يكلفني كلاماً يدرأ عني سوطاً أو سوطين إلاّ كنت متكلماً به.!!- أخرجه ابن حزم في المحلّي.
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أبي الدرداء، أنّه كان يقول: إنّا لنكشّر في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم.ونسب هذا القول الي أبي موسي الأشعري أيضاً-، والي أمير المؤمنين. - وأخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة أنّه قال: حفظت من رسول اللّه‏ صلي‏الله‏عليه ‏‏وسلم وعاءين: فأما أحدهما: فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم. - وقد صرّح ابن حجر في فتح الباري بأن العلماء حملوا الوعاء الذي لم يبثه علي الأحاديث التي تبيّن أسامي اُمراء السوء وأحوالهم، وأنّه كان يكني عن بعضه ولا يصرّح به خوفاً علي نفسه منهم، كقوله: (أعوذ باللّه‏ من رأس الستين وإمارة الصبيان) يشير الي حكم يزيد بن معاوية؛ لأنّها كانت سنة ستين من الهجرة.
وأخرج الطحاوي بسنده عن عطاء أنّه قال: قال رجل لابن عباس: هل لك في معاوية أوتر بواحدة؟ وهو يريد أن يعيب معاوية ,فقال ابن عباس: أصاب معاوية.هذا في الوقت الذي بيّن فيه الطحاوي ما يدلّ علي انكار ابن عباس صحة صلاة معاوية، فقد أخرج بسنده عن عكرمة، قال: «كنت مع ابن عباس عند معاوية نتحدث حتي ذهب هزيع من الليل، فقام معاوية فركع ركعة واحدة، فقال ابن عباس: من أين تري أخذها الحمار؟». قال الطحاوي بعد ذلك: وقد يجوز أن يكون قول ابن عباس: (أصاب معاوية) علي التقية له، ثم أخرج عن ابن عباس في الوتر أنه ثلاث.
وأخرج أبو عبيدة القاسم بن سلام عن حسّان بن أبي يحيي الكندي، قال: سألت سعيد بن جبير عن الزكاة؟ فقال: ادفعها الي ولاة الأمر. قال: فلما قام سعيد تبعته، فقلت: إنّك أمرتني أن أدفعها الي ولاة الأمر، وهم يصنعون بها كذا، ويصنعون بها كذا؟! فقال: ضعها حيث أمرك اللّه‏، سألتني علي رؤوس الناس فلم أكن لاُخبرك.- وأخرج أيضاً عن قتادة أنّه سأل سعيد بن المسيب السؤال نفسه؟ فسكت ابن المسيب ولم يجبه.
وقال ابن الجوزي الحنبلي: خرج واصل بن عطاء يريد سفراً في رهط، فاعترضهم جيش من الخوارج فقال واصل: لا ينطقن أحد ودعوني معهم، فقصدهم واصل، فلمّا قربوا بدأ الخوارج ليُوقِعوا، فقال: كيف تستحلّون هذا وما تدرون من نحن، ولا لأي شيءٍ جئنا؟ فقالوا: نعم، من أنتم؟ قال: قوم من المشركين جئناكم لنسمع كلام اللّه‏. قال: فكفوا عنهم، وبدأ رجل منهم يقرأ القرآن، فلما أمسك، قال واصل: قد سمعت كلام الله‏، فأبلغنا مأمننا حتي ننظر فيه وكيف ندخل في الدين! فقال: هذا واجب، سيروا. قال: فسرنا والخوارج ـ واللّه‏ ـ معنا يحموننا فراسخ، حتي قربنا الي بلد لا سلطان لهم عليه، فانصرفوا.
مصادر : صحيح البخاري كتاب العلم ، باب حفظ العلم.
فتح الباري / ابن حجر العسقلاني .
كتاب الأذكياء / ابن الجوزي

أما الرافضة حسب "منهاج السنة النبوية" فهم أكثر غلواً وتطرفاً فى التقية حيث يقولون : ديننا التقية ، وهو أن يقول أحدهم بلسانه خلاف ما في قلبه وهذا هو الكذب والنفاق ، ويدعون مع هذا أنهم المؤمنون دون غيرهم من أهل الملة ، ويصفون السابقين الأولين بالردة والنفاق !- فهم في ذلك كما قيل : رمتني بدائها وانسلّت ، إذ ليس في المظهرين للإسلام أقرب إلى النفاق والردة منهم ، ولا يوجد المرتدون والمنافقون في طائفة أكثر مما يوجد فيهم " -"منهاج السنة النبوية" (1 /30) . وجاء في "الموسوعة الميسرة" في بيان أصول الشيعة (1/ 54) - والشيعة الإمامية يعدون التقية أصلاً من أصول الدين، ومن تركها كان بمنزلة من ترك الصلاة !!، وهي واجبة لا يجوز رفعها حتى يخرج القائم ، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله تعالى وعن دين الإمامية .

ولنتلقط الفتوى 42123 من تصنيف: مختارات من تفسير الآيات
سؤال :إذا توقع الإنسان أنه ربما يحبس عن قريب بسبب التزامه، فهل يجوز له فعل الآتي: 1- أن يطعن في بعض شيوخه ممن تكرههم الحكومة تقية؟ 2- أن يكذب عليهم تقية؟ 3- أن يتأول بعض الآيات القرآنية على بعض الأوجه، حتى يبين لهم أنه على بعض الطرق الصوفية ممن لا تكترث الحكومة بهم؟ أرجو التفصيل مع أقوال العلماء والأدلة، وأرجو الدعاء للشباب المأسورين بغير حق؟
الإجابة : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإنه يباح للمسلم إذا خاف على نفسه الضرر أن يتقي ذلك بإظهار ما يضمر خلافه من الحق، قال الإمام السرخسي الحنفي في تعريفه للتقية قال: هي أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه، ثم قال: وقد كان بعض الناس يأبى ذلك ويقول إنه من النفاق، والصحيح أن ذلك جائز لقول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً. وقال الأنصاري الشافعي: والتقية التي أباحها الله في مثل هذه الأحوال هي الحفظ عن الضرر بموافقة في قول أو فعل مخالف للحق.وعليه؛ فإن التقية بهذا التعريف إنما تجوز عند خوف الضرر، كالقتل أو القطع أو الإيذاء، وإلا فإن الأصل فيها الحظر وإنما أبيحت للضرورة.
ثم ليعلم أن التقية لا تجوز بما يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنا وغصب الأموال وإطلاع الكفار على عورات المسلمين، قال الجصاص في أحكام القرآن: فأحكام الإكراه مختلفة على الوجوه التي ذكرنا، منها ما هو واجب فيه إعطاء التقية، وهو الإكراه على شرب الخمر وأكل الميت ونحو ذلك. ومنها ما لا يجوز فيه إعطاء التقية، وهو الإكراه على قتل من لا يستحق القتل والزنا، ونحو ذلك مما فيه مظلمة لآدمي ولا يمكن استدراكه.

إستأت كثيرا عندما قرأت إجازة المفكر الإسلامي الراحل جمال البنا للمسلم المتزوج من إثنتين في المجتمعات الغربية، تطليق إحداهما على الورق، في حالة تعرضه لإشكالات قضائية وإبقائها "كعشيقة" بشرط أن تكون نيتهما استمرار علاقتهما الزوجية.فقد قال لـالعربية.نت: "الأهم في هذه المسألة هو الرضا والنية، ومن ثم يمكن للرجل الذي تمنعه القوانين في الغرب من الجمع بين زوجتين، أن يتخلص ظاهريا على الورق فقط من إحداهما، وأن يظهرها بكونها صديقته أو عشيقته إذا رضيت هي بذلك. واعتبر البنا أن هذا ليس غشا ولا تدليسا، قائلا: من الأولى أن نلتمس لهؤلاء العذر الفقهي ما دام أن جمعهم لزوجتين تم في بلادهم وقبل سفرهم إلى أماكن إقاماتهم الجديدة. ,,وأضاف أن باب فقه الأقليات واسع ويمكن الاجتهاد فيه وفق الحاجات المستجدة للناس من غير أن نكلفهم عبئاً أو مصاعب معيشية، لكنه قال "لا أنصح أي أحد أن يفعل ذلك. عليه فقط أن يستفتي قلبه، فإذا وجد أنه مضطر لهذا الحل بدلا من العودة إلى وطنه ومواجهة مصاعب الحياة، فلا اثم عليه".
لا تعليق سوى اننى كنت أحترم هذا الرجل كباحث وسط الصخر لإيجاد صيغة إسلامية تتعايش مع العصر فيبدو ان ظنى خاب والخيبة لا تأتى من هذا الحل الكاذب الإلتوائى فقط بل لأن شيخنا لم يدين الكذبه الأولى التى سمحت للمسلم أن يكذب ويغش على البلاد التى تستضيفه ومخالفة قوانينها.

إذن نحن أمام مبدأ وفقه إسلامى يسمح للمسلم أن يكذب ويعلن بزيف أنه كافر بالإسلام حال أحس بالخطر على نفسه فهناك رخصة فى التبرأ من الإيمان والإسلام بل قد يوالى خصومه فى إيمانهم حتى يتجنب أى شئ سيئ يحل به لتستغرب من هذا المبدأ الغريب الذى يسمح للمسلم أن يتنكر لإيمانه متى أحس أن هناك شئ يهدد حياته ومصالحه , لنقول ما معنى الإيمان الذى يتشدقون ويتباهون به عندما يتم إلقاءه فى أقرب صندوق قمامة عند أى ضيق , وما معنى الإخلاص فى عبادة الله فلا يشرك به أحدا ولا يخشى لومة كافر أو إضطهاده , ومامعنى قصة أن الكفر والشرك غضب إلهى.. وكيف يتم قبول إيمان مرواغ يمضغ كاللبانه ويقذف به عند أى منعطف وفق لتوازنات وحسابات , وما معنى التضحية وقصص البطولات الرومانسية عن المؤمنين الأوائل.!
الأمور كلها كاذبة وبغير ذات معنى بالرغم من كل الحناجر الملتهبة التى تُعلن عن الإيمان بقوة وصراخ فيكفى ان يتعرض المسلم لضيق فلا يصمد أمامها ولا يجهر بإيمانه بقوة وصلابة ,فمن المفترض أن الإيمان كل ما يمتلكه كما يتشدقون .فماذا يعنى هرولته بالتنازل والتبرأ من الإيمان بل منافقة الإيمانات الأخرى حتى يكتسب رضاء المُضطهد ولا عزاء هنا لأى معنى او قيمة , فالكذب والنفاق هى القيمة العليا الضامنه للسلامة والنجاة , لذا هل تستطيع بعد ذلك أن تثق فى تعاملات وسلوكيات أى مسلم عندما يبدى وداً للآخر فهل يكون هذا حقيقيا , وهل لو قدم الإمتنان للدولة والرئيس فيكون شعوره صادقا .وهل لو أعلن عن قناعته بالديمقراطية والحريات يمكن الثقة فى كلامه ,وهل ترديده بإحترامه وإلتزامه بالمواثيق والعهود يمكن الإعتداد به أم سيلقيها فى أقرب صندوق قمامة عند تبدل الضعف إلى قوة .

يستحضرنى الغضب الشديد على الفيلم المسئ لنبى الإسلام والرسومات الكاريكاتورية الدنماركية والتى أقامت الدنيا غضبا وثورة وفلو تصورنا أن المتظاهرين المسلمين فى الغرب تعرضوا للتضييق والعزل والرمى فى المعتقلات على أثر إحتجاجهم أو تم تهديدهم بالتهجير من الغرب إلى بلادهم فأكاد أجزم أن السلوك المتوقع حينها لن يكون إستنكار وتنديد بل تهليل بالفيلم والرسومات المسيئة فهناك فقه يُعلم الكذب والنفاق وكيف تؤكل الكتف .!

بالطبع تكون التقية الرخصة فى حال ضعف المسلم وحصاره ولتمنحه المرونه فى حال إحساسه بالخطر لتكون الأمور هنا متميعة ونسبية وليس ذات حدود محددة فهى تفتح الأبواب على مصراعيها ,بمعنى أن ممارسة المسلم للتقية تكون وفق قدراته وتقديراته ورؤيته فمن يتصور أنه فى خطر فليمارس التقية وفقا لإحساسه وتقديره للخطر فنحن أمام قدرات نفسية وذهنية متباينة تتحرك فى فضاء رخصة لنجد سلوكيات متباينه تتم بمراوغة وكذب وتضليل وتستمد مظلتها من فقه كما رأينا من مقتطفات التراث والفتاوى ,فالأمور لا تستدعى القتل حتى نقول أن التقيه تشفع بل هى تقديرات كل مسلم بحجم الضرر الذى سيصيبه وينال من مصالحه فلنستدعى على الفور الكذب والتدليس .
هل لنا ان نثق فى سلوك المسلم , وهل نعتقد أن الآخر المتمثل فى الغرب مثلا سيمنح الثقة للمسلم وهو يدرك ان دينه يمنحه التقية ,وهل سيثق فى إعلان المودة التى يعلنها المسلمين وهو يعلم أن دينهم لا يحثهم على التودد للكافر بل يمنحهم رخصة الكذب والخداع .

تمتد رحاب التقية فقد أسست للكذب والخداع سبيلاً ونهجاً لنجد تعاطى المسلم مع مبدأ التقية بمرونة وإبداع بعيداً عن الدراما العنيفة التى يصورنها ,فمن يريد أن يكذب ويرواغ سيجد فضاءات كثيرة للحركة وما عليه سوى أن يبدع فى ظل مظلة شرعية تبيح له الكذب وستكون حجته أن بوحه بالصدق قد يجلب عليه مخاطر وأضرار لا يتحملها فنجد على سبيل المثال خداع الإسلاميين بإعلانهم قبولهم الديمقراطية كنظام وأسلوب حكم بالرغم إيمانهم وأدبياتهم أن الحكم لله وشرعه وأنه لا مكان لغير الشريعة ولا ولاية لكافر علمانى أو لاديني أو ذمى على مسلم ,فرغم هذا الإيمان الراسخ لديهم فهم يكذبون ويعلنون إيمانهم بنهج الديمقراطية ويبررون كذبهم وخداعهم لأنفسهم أنهم فى حالة ضعف ومتى إستقووا وتمكنوا سيقلبون الطاولة على الديمقراطية وحكم الشعب .

ماذا نسمى هذا النهج سوى بالكذب والغش والخداع لتتخلق شخصيات كاذبة مناورة تستحل أن تمارس سلوكها القمئ هذا فهناك رخصة تمنح مظلة لكل الكذب والغش , فهل تثق بإسلامى لديه وعى بمبدأ التقية أم ستتوجس من سلوكه .؟!
فقه التقية إذا كان يسمح بإنكار الإيمان والجهر بخلافه بل إرتكاب الموبقات حتى يتجنب المسلم الأذى والضرر فيكون من السهولة بمكان أن يتأول على القرآن ويفسره بهواه كما فى الفتوى المذكورة سابقاً لذا نجد غش وإحتيال فى التعاطى مع النصوص لتتولد ريبة فى مصداقية المسلم عندما يتناول نصوصه فنهج التقية يفتح الباب على مصراعيه لكل مراوغ يتحسس خطر يصيب مصالحه ليكون من باب أولى أن يدفع الخطر الذى يصيب معتقده لنجد عمليات تحايل غريبة فى تفسير النصوص والتعاطى معها مثل التلاعب على النصوص الناسخة والمنسوخة.

لن يعنينا تهافت فقه الناسخ والمنسوخ الذى ينال من الله ويفقده ألوهيته بتردده وتناقضه وعدم إدراكه للحدث بل يؤكد ويوثق رؤيتنا لفقه الناسخ والمنسوخ كفكر إنسانى يتواءم مع الحدث .. سنتجاوز هذه الإشكالية لنقول بأن النص المنسوخ ساقط حكماً أى لا يتم الإحتكام إليه طالما حُكم الناسخ متواجد فجمهور فقهاء المسلمين يرون أن العمل بالنصوص المنسوخة باطل تماما، وأن النص اللاحق يبطل العمل للأبد بالنص السابق، فنصوص القتال مثلا قد نسخت كل نصوص البر والقسط وعدم العدوان، ليكون إحتكام المسلمين للمنسوخ من باب الضلال والغىّ .. ولكن فقه التقية العظيم لا يقف أمامه أى عائق فيمكنه أن يُعلى من النصوص المنسوخة ويُهمل النص الناسخ فهناك من الإسلاميين من لا يرى أن بطلان العمل يشمل كل النصوص المنسوخة بل بعضها فقط لتجد التحايل والمراوغة فيقولون أن من أصناف النصوص المنسوخة ما نسخ حكمه لسبب يتعلق بالقدرة أو الإستطاعة فإن غابت القدرة على العمل بالنص الناسخ جاز العمل عندهم مؤقتاً بذلك الصنف من النصوص المنسوخة تحديدا!!، ويعزون هذا للمصلحة المُرتجاة كمبرر شرعي للعمل بذلك الصنف من النصوص المنسوخة،لذا يرون جواز العمل بنصوص البر والقسط وعدم العدوان بل حتى نصوص العفو والصفح عمن ظلم المسلمين وقت الضعف وتأجيل القتال وفرض الشريعة بالقوة على الناس، لذا يتظاهرون بالقبول بالوسائل السلمية في بعض الحالات مؤقتا كما نرى من القبول الظاهري بالإحتكام إلى صناديق الإقتراع لدى بعض الإسلاميين المعاصرين في حالة توقع فوزهم.

يرى الإسلاميون عدم القتال ليس لأن منظومة العصر والحضارة تجاوزت فكرة الغزو ونشر دين الله بالقوة ولكن لأن ظروف ضعفهم لا تسمح لهم ,ليتم العمل مؤقتا بنصوص السِّلم حتى تقوى شوكتهم فيعلنون حينها القتال ليقيموا الحدود ويفرضون الإسلام بالقوة والقتال وسبى النساء وفرض الجزية عن يد صاغرة... قد يتصور البعض أن هذا تجنى على الإسلاميين ولكن هكذا هى أعماقهم الفكرية ولأثبت ذلك عليك أن تسأل أى إسلامي ماذا لو أتيحت لدولة إسلامية كل القوة كالباكستان مثلا وغزت الهند وفرضت الإسلام على الهندوس فهل مسلكها يكون خاطئ أم صحيح , وهل ستدين غزوها أم ستؤيد جهادها وفقا للشرع والشريعة .

- تصعيد حكم آية منسوخة لتفى بالتقية .
قال قتادة وعكرمة في تفسير "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" (الأنفال/ 61) نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم . وقاتلوا المشركين كافة وقالا : نسخت " براءة " كل موادعة ، حتى يقولوا لا إله إلا الله وقال ابن عباس : الناسخ لها فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم [وأنتم الأعلون (محمد /35)]. - ويقول ابن عربي في أحكام القرآن في تفسيره للنصين في الأنفال ومحمد أعلاه:"فإذا كان المسلمون على عزة ، وفي قوة ومنعة ، ومقانب عديدة ، وعدة شديدة : فلا صلح حتى تطعن الخيل بالقنا ، وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم ، وإن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لانتفاع يجلب به ، أو ضر يندفع بسببه فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه ، وأن يجيبوا إذا دعوا إليه.-(ولكن فات ابن عربى ان الحكم المنسوخ لا يعتد به) .!
وقال ابن كثير في تفسير قوله : (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)(الأنفال:61)، وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء والخراساني وعكرمة والحسن وقتادة أن الآية منسوخة بآية السيف في براءة (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ)(التوبة:29)، وفيه نظر، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك فأما إذا كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص، والله أعلم.."

من المعاصرين المؤيدين للعمل بآيات السلم لمن لا يملك القدرة على القتال في وقت أو مكان ما أو حتى عند وجود مصلحة بعدم اللجوء إلى القتال أصحاب الفكر السلفي مثل ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر حيث يقدم البرهامى حجته فيقول أن شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول ص221ذكر :"فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الذين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوه الجزية عن يد وهم صاغرون.
يخلص برهامي إلى القول بأن الخلاف بين الفريقين خلاف لفظي لا حقيقة له، إذ مصطلح النسخ عند السلف يشمل التقييد والتخصيص، وبيان الإجمال، كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام "ابن تيمية" في "الإكليل"، فالجميع متفق على أنه لا يكلف المستضعف -"الذي يشبه حاله حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمسلمين بمكة"- ما لا طاقة له به مِن القتال، وقد سبق الزركشي غيره مِن أهل العلم بذلك." - ثم يقول:"حتى لو قلنا الصبر والصفح والعفو منسوخ والقتال واجب فهو واجب في حق القادر عليه والعاجز عنه لا يوصف في حقه بوجوب .انتهى

نتذكر أن النبى كان يأمر بالبرّ والقسط مع غير المسلمين ما لم يعادوا المسلمين ليس حبا منه في العدل والقسط والخير بل كان يتلائم مع الظرف الموضوعى حينها وعندما تبدلت الأمور و أصبح ذو بأس فبدأ يدعوا عندئذ إلى قتال الناس جميعا حتى يدفعوا الجزية وهم صاغرون أو يدخلوا الإسلام، وإلا فإن حكمهم القتل! .. أي إن اشتراط بعض النصوص القرآنية القتال بالدفاع عن النفس (بأنهم ظُلِموا و اخرجوا من ديارهم بغير حق) (الحج/ 39-40) وأن الله لا ينهاهم "عن الذين لم يقاتلوهم في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم أن يبروهم ويقسطوا إليهم معللاً ذلك بأنه يحب المقسطين (الممتحنة /8) قد تم إلغائه في حالة القوة وما داموا أقوياء، فإذا عادوا ضعفاء عادوا للتظاهر بأنهم لا يقاتلون أو أنهم لا يقاتلون إلا دفاعا عن النفس لأنهم ظـُلِموا حتى تحين الفرصة للعودة إلى قتال الناس.

وتجدر الإشارة إلى أن حديث "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" الذي يستدل به بعضهم للتعامل مع من يدعونهم "أهل الذمة" هو حديث باطل لا أصل له كما قال الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة،كما أن حديث "من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة" أو "... فقد آذاني" احاديث ضعيفة، فقد يكون ذكر مثل هذه الأحاديث مجرد شعارات مرحلية حتى يعملوا بالنصوص الناسخة التي ذكرناها.( صيد الفوائد - بحث في تخريج حديث : مــن آذى ذميا)
هذه الأحاديث تخالف أحاديث صحيحة السند فى التراث تؤكد التفرقة بين المسلم والكافر مثل حديث "لا يقتل المسلم بالكافر" أو تأمر بإيذاء غير المسلمين كحديث "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا رأيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" مما يبين أن تلك الأحاديث ضعيفة، كما أن القرآن قد أمر في سورة التوبة بقتال "الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (التوبة/29)"،فهل القتال و فرض الصَّغار والتفرقة بين دم المسلم وغيره وإضطرار أهل الكتاب إلى أضيق الطريق ألا يعتبر أذى وظلم وقسوة فما معنى حديث "من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة".من الإعراب .!
من يقتبس من الإسلاميين المتظاهرين بالتسامح والإعتدال هذا الحديث الأخير،فلنا أن نسأل هل يعتبر أخذ الجزية من غير المسلمين كشرط لوقف قتالهم هو عمل يتم بقهر و رضى نفس أم يلحقه كل الذل والصغار وأليس التفرقة بين دم المسلم وغيره مثل (لا يقتل مسلم بكافر) هو إنتقاص وظلم وإهدار كرامة إنسانية .
هناك الكثير من الأمثلة عن ترويج رؤية تعنى بالعدل مثل القول المروي عن عمر (مذ كم استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا) لنجد أن لا أصل له ويمكن الرجوع لمصادر التراثية الإسلامية ذاتها لإثبات أنها مُختلقة كما هى مخالفة لاتفاق فقهاء المسلمين في استعباد ابن الأمة لغير سيدها، كما يأتى قول (عدلت فأمنت فنمت) في وصف عمر لا إسناد لها أيضا ، و قصة محمد مع اليهودي الذي كان يؤذيه فمرض فعاده محمد، لا أصل لها.. وغيرها الكثير..( منتدى شبكة سحاب السلفية- قصص مشهورة لا تثبت عن عمر بن الخطاب)

لا يعنينى فى هذا البحث إدانة الأحاديث والآيات التى تنتهك كرامة الآخر ليكون إعتنائنا بأن ما يتم ترويجه من تراث وأحاديث تعطى إنطباع بالتسامح والعدل هى تقية إسلامية يتم ترويجها فى أوقات محددة لا تستدعى التصادم , فالإسلام الذي يريده الإسلاميون شيء والروايات التي يستخدمها بعضهم للدعاية للإسلام شيء آخر , فالتعاطى مع روايات ضعيفة أو ذات حدث عارض أو منسوخة بغية تصدير رؤية مغايرة عن رؤيتهم الحقيقية تهدف للتجميل والتقية أى إظهار شئ مخالف لما هو باطن .
هل بعد هذا العرض يتبقى لدى أى أحد الشك فى كذب الإسلاميين ونفاقهم وعدم الثقة فى مواقفهم وتصريحاتهم فالأمور كلها تدور فى فضاء التقية التى تسمح بالإعلان مثلا عن الإنطواء تحت حكم الشعب والديمقراطية ليس إيمانا بها بل لأن الظروف غير متاحة لتطبيق الحاكمية والشريعة فلنمتطى ظهر الديمقراطية ثم نغتالها ,وهذا ما أشرت له فى مقال سابق عن خطورة تصديق دعاوى الإسلام السياسى .

يمكن تفسير حالة النفاق القمئ التى تنتاب شعوبنا من فقه التقيه والذى يسرى فى مجرى العروق لتمارسه الشعوب الإسلامية بالفطرة فنجدها تحتفى بطغاتها بمبالغة شديدة تصل لحد العبادة بتقديم الولاء لهم والإحتفال بأعياد ميلادهم كما شاهدنا الإفراط فى الإنبطاح والنفاق لصدام حسين والقذافى ومبارك وحافظ الأسد ثم نجد هذه الشعوب التى مجدت وعظمت تلعن وتسب وتحاكم وتنتقم وتسحل رئيسها فى الشارع فهل أدركنا لماذا نحن شعوب يسرى الكذب والنفاق فى مجرى الدماء , فلا تقل أنه الخوف من بطش الطاغية فإذا إقتصرت على الخوف فلا يوجد أى مبرر للنفاق والتمجيد ولكنها نهج التقية الذى يخلق المبرر ويرسم الصور المنافقه ويفسر لنا لماذا نحن شعوب متخلفة تلعق نعال مستبديها .

التقية فى الإسلام هى ضمن مشروع سياسى يحرص القائمون عليه بدعمه وحفظه وصيانته فلا علاقة بأى إدعاء عن الإيمان وإخلاص النيه ولا الصدق و الشفافيه فى التعاطى مع الحدث , كما لا يعتنى بأى قيمة للإيمان تطلب التضحية والثبات والتحدى أمام أى قوى مناوئة ,فالأمور لا تزيد عن قيمة جناح ذبابة يمكن التنكر لها والمراوغة والتحايل والكذب وممارسة الزيف والنفاق بإمتياز طالما هناك مصالح وغايات يمكن أن تتعرض للخطر ليكون عزاء المسلم إعلانه فى داخله اأنه مؤمن ولينطلق فى آفاق الكذب والغش والخداع فلا عتاب عليه فقلبه مفعم بالإيمان لكن مصالحه أعلى من أى إيمان وقيمة ومعنى .!
يمكن تفهم نهج التقية كفكر وتعاطى إنسانى ,وليس كنهج إلهى وسلوك إيمانى فماذا يعنى الإيمان بعد أن تم لوكه كاللبانه وقذفه خارجا عند أول ضيق ليتم التنكر منه ولفظه بل مجاراة الكفر كسبيل للنجاة .
الإشكالية أن هذا النهج من المراوغة وجد سبيله كمنهج وسلوك وثقافة تسقط بكل أبعادها على الحياة العامة فليس هنك حد صارم فى إستخدام آلية التقية فهى تخضع لتقديرات المؤمن لنجد الشيخ جمال البنا يستحل الكذب والمرواغة على قوانين بلد .
أن يكون المسلم واعياً لتراثه مدركا بما فيه من فقه التقية والناسخ والمنسوخ فهذا سيثير الشك فى مصداقيته أما أن يجهل محتوى تراثه فستتحقق لأول مرة فكرة أن فى الجهل حياة .

دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو فهم الوجود والحياة والإنسان–تصحيح مفاهيم مغلوطة.
- هوا مفيش عقل خالص- هوان العقل الدينى(2)
- نحو فهم الوجود والحياة والإنسان بعيداً عن الخرافة- المادة وا ...
- إيمان يحمل فى أحشاءه عوامل تحلله وهدمه-خربشة عقل على جدران ا ...
- هوا مفيش عقل خالص(1)- لماذا نحن متخلفون.
- من دهاليز الموت جاءت الآلهة – لماذا يؤمنون؟
- الحرية والإمتلاك – لماذا نحن متخلفون .
- أتتوسمون أن نكون شعوب متحضرة–لماذا نحن متخلفون .
- فكرة تمددت فأصابها الإرتباك والعبث-خربشة عقل على جدران الخرا ...
- إنهم يفتقدون الدهشة– لماذا نحن متخلفون .
- تحريف القرآن بين المنطق والتراث-الأديان بشرية الهوى والهوية.
- إنهم يداعبون الغريزة والشهوة والعنف-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدو ...
- الإزدواجية والزيف كنمط حياة –لماذا نحن متخلفون .
- يا مؤمنى العالم كفوا عن الصلاة–الدين عندما ينتهك إنسانيتنا.
- يؤمنون ليجعلوا صلفهم تمايزاً- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
- إسلام المعبد سيواكب إنحسار الإسلام السياسى– رؤية مستشرفة.
- هل إنتصر حراك المصريين أم سيعيدون إنتاج مشاهدهم؟
- 30 يونيو وبدايات إنحسار الإسلام السياسى.
- قضية للنقاش عن مجتمع يتوحش–الدين ينتهك إنسانيتنا,(44)
- الإله المتهم البرئ- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - إيمان وثقافة مُدمرة–الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (45).