أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - إرنست ماندل - أكتوبر 1917: انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية- الفصل الثاني:الرهان العالمي















المزيد.....



أكتوبر 1917: انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية- الفصل الثاني:الرهان العالمي


إرنست ماندل

الحوار المتمدن-العدد: 4251 - 2013 / 10 / 20 - 11:13
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



الفصل الثاني: الرهان العالمي

لا يمكن انتصار ثورة أوكتوبر خارج سياق الحرب العالمية الأولى 1914-1918. فمن بين كل الشعارات البلشفية، كان لشعار الوقف الفوري للحرب، و"السلم من دون إلحاقات أو تعويضات"، أوسع صدى في صفوف السكان. وقد بات الملمح المميز الرئيسي، الذي يفرق البلاشفة عن الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى الاشتراكية، وإلى الثورة. إن الجنود، قبل كل شيء، وغالبيتهم الكبرى من الفلاحين، لم يكونوا يردون الحرب.

إن تفكك الجيش، وكان في جانبه الأساسي لا يزال مواليا للقيصر، نزع سلاح الحكومة المؤقتة، ثم المحاولات الأخيرة للثورة المضادة. وهذا ما أتاح انتصار ثورة أوكتوبر وتوطدها. وقد سلم بذلك، في ما بعد، المناشفة الأكثر بعد نظر. فقياديُّهم دان يؤكد بصورة قاطعة أن: "إطالة الحرب عادت على البلاشفة بالنصر في الثورة الروسية" (1).

أضف إلى ذلك أيضاً، أن رد البلاشفة والسوفييتات، بعد اكتساب السلطة في أوكتوبر 1917، يسمح بإصدار حكم في العمق بصدد سياسة الدولة الثورية الجديدة.

حق الشعوب في تقرير مصيرها

إن أول خطاب ألقاه لينين أمام المؤتمر الثاني للسوفييتات، لعرض سياسة السلطة الجديدة المنبثقة من أوكتوبر، كان تقريره بصدد السلام. ونجد فيه تأكيدا شديد اللهجة لحق الأمم في تقرير مصيرها، لا تزال نبراته الديمقراطية ذات راهنية كبيرة حتى اليوم: "إذا جرى الإبقاء قسراً على أمة في حدود دولة معينة، وإذا لم يتم منحها، رغم الرغبة التي أبدتها –لا يهم إذا كان قد تم التعبير عن تلك الرغبة في الصحافة أو في الجمعيات الشعبية، أو في قرارات الأحزاب، أو في عصيانات وانتفاضات ضد النير القومي- إذا لم يتم منحها حق أن تحسم، بتصويت حر ومن دون أي إكراه، بعد الإجلاء الكامل لجيش الأمة التي هي مرتبطة بها أو عموماً لجيش أمة أقوى، مسألة أشكال وجودها السياسي، يكون ارتباطها عندئذ إلحاقاً أي استيلاء وعمل عنف".

"إن مواصلة تلك الحرب لمعرفة كيف تتقاسم الأمم القومية والغنية الشعوب الضعيفة التي وقعت في قبضتها إنما هي، في رأي الحكومة (السوفييتية)، كبرى الجرائم ضد الإنسانية، وهذه الحكومة تعلن رسمياً عن استعداداها لأن توقع فوراً شروط سلم تضع حداً لهذه الحرب، وهي شروط سبقت الإشارة إليها تقوم على المساواة والعدل لكل الشعوب من دون استثناء!" (2).

لقد وسعت الحكومة السوفييتية مبدأ حق الشعوب هذا في تقرير مصيرها ليشمل كل المستعمرات ونصف المستعمرات خارج أوروبا. ولقد كان عملاً ثورياً أحدث انعكاسات تاريخية هائلة. أعطى دفعاً حاسماً لحركات التحرر القومي الوليد في بلدان كالهند، والصين، واندونيسيا، ناهيكم عن دعم مهم لحركات مناهضة الامبريالية كانت قد باتت مهمة (تركيا).

وفي أحد التصريحات الأولى التي أدلت بها الحكومة السوفييتية خلال مفاوضات السلام مع ألمانيا في بريست ليتوفسك، بتاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر 1917، نادت بتوسيع حق الأمم في تقرير مصيرها، الذي اعترف به الرئيس الأمريكي ولسون، ليشمل كل البلدان المستعمرة، ونصف المستعمرة. وفي الوقت نفسه، ألغت الحكومة كل المعاهدات غير المتكافئة مع الصين، لاسيما تلك المتعلقة بسكة حديد الشرق الصيني، وحق الحصانة السياسية للمواطنين الروس في الصين ومونغوليا، وإيران. في كل حال، لقد نص على هذه المبادئ الدستور السوفييتي الأول، دستور جمهوريات روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية لعام 1918.

لقد كان رد فعل القوى المناهضة للامبريالية في آسيا فورياً. ففي الصين، أطلقت على البلاشفة تسمية الهوانغ إي تانغ، "حزب الأنسية الأعظم". وأرسل صن يات صن، القيادي القومي الصيني، رسالة تضامن إلى لينين. وفي إيران، نسبت الحركة الوطنية-الديمقراطية نفسها لثورة أوكتوبر، بعد أن سحب تروتسكي القوات والمدربين الروس من هذا البلد.

كانت إحدى نتائج هذه السياسية مؤتمر شعوب الشرق المشهور في باكو، عام 1920.

وللمرة الأولى في التاريخ، ألغت سلطة السوفييتات أيضا الدبلوماسية السرية، مقررة نشر كل الوثائق الدبلوماسية وكل المعاهدات السرية. ولقد قررت بوجه خاص، البدء فوراً بمفاوضات الهدنة مع كل الحكومات المتحاربة، المستعدة للانخراط في هذا السبيل.

أوكتوبر 1917:

ثورة لأجل السلام

تلازم هذا النداء مع نداء إلى شغيلة البلدان الامبريالية الكبرى للانخراط في طريق السلام والاشتراكية:

"إذ توجه الحكومة المؤقتة للعمال والفلاحين في روسيا عرض السلام هذا إلى حكومات كل البلدان المتحاربة وشعوبها، تتوجه أيضا، وبوجه خاص، إلى العمال الواعين للأمم الثلاث الأكثر تقدماً في العالم وللدول الأهم المنخرطة في الحرب الحالية: انكلترا وفرنسا وألمانيا. لقد قدم عمال هذه البلدان أجلّ الخدمات لقضية التقدم والاشتراكية: الأمثلة الرائعة للحركة الشارتية في انكلترا، سلسلة من الثورات التاريخية ذات الأهمية القصوى التي حققتها البروليتاريا الفرنسية، وأخيرا النضال البطولي ضد القوانين الاستثنائية، وجهد طويل من الصلابة والانضباط يشكل مثالاً لعمال العالم بأسره باتجاه تشكيل منظمات بروليتارية جماهيرية في ألمانيا. كل هذه الأمثلة على البطولة البروليتارية والمبادرة التاريخية هي بالنسبة إلينا الضمانة بأن عمال هذه البلدان سوف ينجزون المهام التي يتعين عليهم الاضطلاع بها اليوم، وبأنهم سوف يحررون البشرية من فظائع الحرب وعواقبها، وبأن هؤلاء العمال سوف يساعدوننا بنشاطهم المتعدد، والحاسم، وبطاقتهم، من دون تحفظ، على أن نخوض بنجاح وإلى النهاية النضال لأجل السلام، وفي الوقت عينه النضال لتحرير الجماهير المستغلة من كل عبودية وكل استغلال" (3).

وبمثابة خاتمة، وردت بصورة أكثر وضوحا وتبينا أيضا الكلمات التالية:

"في بيان 14 آذار/مارس (1917)، اقترحنا [في السوفييتات] إطاحة أصحاب المصارف، والحال أننا [قبل ثورة أوكتوبر]، ليس فقط لم نطح مصرفيينا الخاصين بنا، بل عقدنا أيضاً تحالفاً معهم. أما اليوم فلقد اطحنا حكومة أصحاب المصارف".

"سوف تبذل الحكومات والبرجوازية كل الجهود لكي تتوحد وتخنق في الدم الثورة العمالية والفلاحية. لكن ثلاث نوات من الحرب علمت الجماهير كفاية. تثبت ذلك" حركة السوفييتات في بلدان أخرى، وانتفاضة الأسطول الألماني التي أخمدها يونكرز الجلاد غليوم (...) سوف تتغلب الحركة العمالية وترسم طريق السلام والاشتراكية" (4).

هذا وقد خاطب تروتسكي شعوب أوروبا، التي ضربتها الحرب فأعلن ما يلي:

"على العمال والفلاحين أن ينتزعوا من الأيدي المجرمة للبرجوازية قضية [حق تقرير] الحرب والسلم، وأن يقبضوا عليها بأيديهم هم".

بعبارات أخرى، اعتبر البلاشفة أنه تم تصور ثورة أوكتوبر كوسيلة لوضع حد للحرب، كان عليها بصورة متلازمة أن تشجع نمو الثورة الاشتراكية العالمية وتسرعه.

هل كان ذلك مبرِّراً من وجهة النظر التاريخية؟ نعم، بلا جدال. فالحرب العالمية كانت منعطفاً حاسماً في تاريخ الرأسمالية. كانت بداية عهد سوف تنمو فيه ملامح النظام المدمّرة، والهمجية والارتدادية نمواً عظيماً، بالنسبة لقدرته على الحفاظ على نمو دوري لقوى الإنتاج.

كانت الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين كائن بشري حصدتهم آلة الموت، ومن بينهم زهرة الشبيبة الأوروبية، وذلك لأهداف لا يعترف أحد اليوم بأي مشروعية لها (5). كانت الأولى في سلسلة من الكوارث سوف تقود البشرية، بعد 30 عاماً، إلى الهمجية أوشويتز وهيروشيما.

لقد كان الاشتراكيون الأكثر بعد نظر قد توقعوا ذلك قبل عام 1914: ليس فقط ثوريون كلينين، وتروتسكي، وروزا لوكسمبورغ، بل معتدلون أيضا كجان جوريس. وبما أن ذلك النزاع القاتل كان قد بدأ، كان يجب العمل لوقفه في الحال، أياً يكن الثمن. لم يكن أي "هدف للحرب" معترف به أو مخفي يبرر مواصلة المذبحة.

لقد قاتلت حكومة السوفييتات لأجل السلم الفوري، خلال مفاوضات بريست-ليتوفسك، مع ألمانيا والنمسا-هنغاريا. كان عدد متعاظم من الشغيلة والجنود في كل البلدان قد بات يرفض الحرب وهو ما يفسر الصدى الواسع الذي لقيه الموقف( السوفييتي عبر العالم، لاسيما حين عبر عنه تحريض تروتسكي على طاولة المفاوضات.

لقد صرخ ممثلو ألمانيا والنمسا-هنغاريا منددين بانتهاك كل قواعد الدبلوماسية. كيف؟ مخاطبة الجنود من فوق رأس ضباطهم؟ دعوتهم لعدم الطاعة، لا بل العصيان؟ دعوة المستعمرات للانتفاض؟ دعوة العمال إلى الإضراب؟ أن يتولى ذلك وزير للشؤون الخارجية، أليس دوسا بالأرجل لكل القواعد الأساسية للحضارة ولـ"حسن العشرة بين الأمم"؟

وسرعان ما ستحتذى الحكومتان البريطانية والفرنسية حذو خصومهما العنيدين في الإمبراطوريات المركزية، منددتين هما أيضاً بالثوريين السوفييتيين.

بالمقابل فبالنسبة للشعوب، كانت "الحضارة" و"قواعد حسن العشرة بين الأمم" التي كانت الحكومات المتحاربة تزعم امتلاكها، حضارة مذبحة مجنونة، وتدمير مدن بكاملها، واضطهاد غير إنساني واستغلال. كانت "حضارة" الطاعون والموت. وكان لينين وتروتسكي يجسدان الأمل بحضارة أرقى، هي حضارة الحياة، والحرية، والحقوق المتساوية للجميع.

كانت الدعاوة الامبريالية –الملتقية معها جزئيا الاشتراكية-الديمقراطية اليمينية- أكثر حقداً بما لا يقاس من الدعاوة المعادية للشيوعية في عصر الحرب الباردة واليوم. إلا أنها لم تلق إلا صدىً أقل بكثير بين الجماهير الكادحة. كانت هذه الأخيرة تلاحظ في الواقع صدق السلطة السوفييتية.

السلطة السوفييتية:

الأممية بالأفعال

لقد رأت تلك الجماهير أن أول دستور سوفييتي، دستور 1918، كان يلغي التمييز بين "مواطني البلد" و"الأجانب". فكل شخص يقيم في روسيا السوفييتية، ويكون مستعداً للعمل فيها، كان سيمتع فوراً بكل الحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت. وماكلين، أحد قادة الشوبستيواردس [مندوب ورشة] في مصانع الذخائر في غلاسغاو، بسكوتلندا، الذي سجنته الحكومة البريطانية [بدعم من الاشتراكيين-الديمقراطيين]، بسبب الإضراب، تقلى من الحكومة السوفييتية لقب قنصل عام للجمهورية الاشتراكية الاتحادية لسوفييتات روسيا، وحصل بذلك بالذات على الحصانة الدبلوماسية، وهو الأمر الذي اجبر لندن على إطلاق سراحه. للمرة الأولى في التاريخ، كانت سلطة دولة تبين الأفعال أنها في خدمة الطبقة العاملة العالمية. وقد كان البلاشفة يثبتون هكذا أنهم يبقون أمناء الأفضل تقاليد الحركة الاشتراكية. كانت الأممية الثانية قد أخفقت بشكل مأساوي في هذا المجال في 4 آب/أغسطس 1914، حين وافق قادتها الرئيسيون على منطق الحرب، منتهكين بذلك أيمانهم الأكثر رسمية القرارات التي تبناها تنظيمهم خلال مؤتمرات متعاقبة.

بعد ذلك الاستسلام التاريخي، فعلت ممارسة السلطة السوفييتية الجديدة، المتطابقة هذه المرة مع المبادئ، فعلت لحفز انبعاث عظيم للنزعة الأممية لدى الجماهير أكثر من ألف خطاب أو مقالة، أو كراس أو كتاب، وهذا بالضبط هو ما أتاح خلق الأممية الثالثة، وأطلق حركة هائلة من التضامن العالمي مع الثورة الروية المحاصرة.

تراث اشتراكي: الثورة ضد الحرب

لقد وضعت السلطة السوفييتية الجديدة، في الواقع، موضع التنفيذ القرارات التي تبنتها، في 1907 و1913، الأممية الثانية بالذات. لم تكن سياسة الرد الاشتراكي، إزاء التهديدات بالحرب، تكتفي بفضح خطر مذبحة لا سابق لها، عن طريق الدعوة للحيلولة دون المجزرة أو لوضع حدج لها. فبفضل الجهود المثابرة من جانب اليسار، الذي كان يقوده آنذاك كل من لينين ومارتوف وروزا لوكسمبورغ، في مؤتمر شتوتغارت (1907) للأممية الاشتراكية، كان القرار المصوت عليه بالإجماع يؤكد ما يلي:

"في حال اندلعت الحرب، مع ذلك، يكون على [الأحزاب الاشتراكية] أن تتدخل لإيقافها بسرعة وتستخدم بكل قواها الأزمة الاقتصادية والسياسية التي خلقتها الحرب لتحريض الشرائح الشعبية الأشد عمقاً وتسريع سقوط السيطرة الرأسمالية" (6).

وفي عام 1913، كانت الأممية وجهت، في مؤتمر بال الاستثنائي، تحذيرا رسمياً للحكومات:

"فلتعرف الحكومات جيداً أنه لن يكون في وسعها، في وضع أوروبا الراهن، وإزاء الاستعدادات النفسية للطبقة العاملة، أن تفجر الحرب من دون التعرض بنفسها للأخطار.

"فلتتذكر أن الحرب الفرنسية-الألمانية تسببت بانفجار الكومونة الثوري وأن الحرب الروسية-اليابانية حركت قوى الثورة لدى شعوب روسيا، ولتتذكر أن الانزعاج الذي تسببت به مزايدة النفقات العسكرية والبحرية أعطى النزاعات الاجتماعية في انكلترا وعلى امتداد القارة حدة غير معتادة وفجر إضرابات هائلة. ستكون مجنونة إذا هي لم تشعر بأن مجرد فكرة حرب فظيعة تثير استنكار بروليتاري كل البلدان وغضبهم".

"إن الشغيلة يعتبرون بمثابة جريمة إطلاق البعض النار على البعض الآخر لمصلحة الرأسماليين، أو لإشباع كبرياء السلالات الحاكمة أو لأجل تركيبات المعاهدات السرية".

"إذا كانت الحكومات، بإلغائها كل إمكانية تطور عادي، ترغم بروليتاريا أوروبا جمعاء على القيام بثورات يائسة، فهي التي ستتحمل كل مسؤولية الأزمة التي تسببت بها [...]."

" إن البروليتاريا تعي أن عليها يقوم في هذا الحين كل مستقبل البشرية وسوف تستخدم كل طاقتها لمنع إبادة زهرة كل الشعوب المهددة بكل أهوال المجازر الهائلة والمجاعة والطاعون" (7).

لقد لخص جان جوريس، وهو وجه كبير في الحركة الاشتراكية الفرنسية، هذه الرسالة بتعابير مقتضبة، في الجملة النهائية لخطابه أثناء مؤتمر بال:

"إذ تزيد الحكومات من خطر الحرب، يجب أن ترى أن الشعوب يمكن بسهولة أن تقوم بحساباتها: إن ثورتها الخاصة بها سوف تكلفها من القتلى اقل مما تسببه حروب الآخرين".

ولقد زايد فيكتور أدلر زعيم الاشتراكية-الديمقراطية النمساوية، فأكد من جهته ما يلي:

"إذا تم اقتراف الجريمة [شن الحرب]، سوف يليها عقاب تاريخي: ستكون تلك بداية نهاية حكم المجرمين ".

هذه التحليلات وهذه الاحتمالات يمكن أن تبدو غير واقعية، بصورة بعدية على ضوء أحداث آب/أغسطس 1914. إلا انه يجب الإشارة إلى أنه لا لينين ولا روزا ومارتوف، ولا جوريس وأدلر، كانوا يتوقعون أن تعقب ثورة اندلاع الحرب فوراً –لقد انفجرت حقاً ثورات بعد ثلاث سنوات أو أربع.

غداة الحرب العالمية

صحيح أن أدلر هو نفسه استسلم، في آب/أغسطس 1914، أما المجرمين الذين كان يندد بهم عام 1913، وأنه فعل كل شيء، فيما بعد، للحيلولة دون الثورة بدلاً من الإعداد لها. وصحيح أيضا أن الجماهير، بما فيها الجماهير الاشتراكية-الديمقراطية، تركت نفسها تستسلم للموجة الشوفينية آنذاك.

هذه الوقائع لا جدال فيها. لكنه من قبيل الاستعجال أن نستخلص من ذلك أنها كانت تنبثق حتماً من ممارسة يومية إصلاحية (تدمج الإضرابات الاقتصادية وتحضير نتائج انتخابية جيدة)، لا بل أن كل ذلك كان يعكس اندماجاً متزايداً للبروليتاريا في المجتمع والدولة البرجوازيين.

لأنه كيف نفسر في تلك الشروط تحول موقف هذه الجماهير ذاتها انطلاقاً من عام 1917؟ لآي حين تسببت "الأزمة الاقتصادية والسياسية التي خلفتها الحرب" بالبؤس، والمجاعة، والطاعون، والمجازر، وإلغاء الحريات الديمقراطية، تماماً كما كانت قرارات شتوتغارت وبال قد توقعت. كيف نفسر موجة الإضرابات المتعاظمة، بما فيها إضرابات سياسية، ضد "سلم النهب" الذي فرضه الألماني لودندورف على الثورة الروسية في برست ليتوفسك، في كانون الثاني/يناير 1918؟

هذا التحول أفضى، انطلاقاً من أوكتوبر 1918، إلى سلسلة غير منقطعة من الثورات. بصورة متأخرة قليلاً، بالتأكيد، عما كان قد تأمل به البلاشفة. لكن الأمر كان يتعلق مع ذلك بثورات فعلية حقاً: ثورات في فنلندا، في ألمانيا، في النمسا، وفي المجر، وخلق سلطة سوفييتية في بافيير (8)، وأزمة ثورية في ايطاليا. كانت الثورة العالمية حقيقية ملموسة في ذينك العامين.

لم تكن كذلك فقط بالنسبة للبلاشفة، والاشتراكيين-الثوريين اليساريين، وقسم مهم من اليسار الاشتراكي "الوسطى" عبر العالم، بل بالنسبة للبرجوازية أيضا. ولقد كتب الوزير الأول البريطاني، لويد جورج، في هذا الصدد:

"كل أوروبا مفعمة بروح الثورة. ثم شعور عميق ليس فقط بالاستياء، بل بالسخط والتمرد ضد شروط ما قبل الحرب. كل النظام القائم، في وجوهه السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، توجه الاتهام إليه جماهير السكان على امتداد أوروبا بأسرها".

وبخصوص الوضع في ايطاليا، خلال موجة احتلال المصانع في ايلول/سبتمبر 1920، كتب المؤرخ غايتانو سالفيميني، من جهته:

"لقد انتظر المصرفيون، وكبار الصناعيين، والملاكون العقاريون السمان الثورة الاجتماعية كنعاج تنتظر سوقها إلى المسلخ" (9).

وفي كتاب الماركسي النمساوي جوليوس برونتال، تاريخ الأممية، لخص على الشكل التالي الوضع إبان أول اجتماع بعد الحرب للأممية الاشتراكية في لوسرن، في آب/أغسطس 1919:

"كانت أوروبا تتخمر. بدا أن الناس عشية صراعات حاسمة بين الثورة والثورة المضادة" (10).

وأضاف:

"بعد اجتماع مؤتمر تأسيس الأممية الشيوعية، مباشرة، حدث في أوروبا صعود ثوري بدا يؤكد صحة تشخيص لينين" (11).

وبخصوص ألمانيا، لاحظ ما يلي:

"كانت امبريالية الدول الغربية قد فرضت حدوداً على الثورة الاجتماعية في ألمانيا. لكن حتى ضمن هذه الحدود، كانت متوفرة شروط ثورة اجتماعية لضرب سلطة برجوازية رأس المال الكبير، لتحويل الصناعة الثقيلة المركزة في أيدٍ قليلة، مناجم الفحم والصناعة الكيمائية، إلى ملكية عامة، لتحطيم (قدرة) رأس المال المالي عبر فرض رقابة الدولة على المصارف، لتحطيم سلطة اليونكرز عبر توزيع الملكية العقارية الكبرى [على الفلاحين]، وبوجه خاص، لتطوير جهاز لسلطة الثورة –قوة مسلحة مجندة من بين الشغيلة الاشتراكيين وبقيادة الاشتراكيين، كما كانت حال الفولكسفيهر الذي خلته الاشتراكية-الديمقراطية النمساوية (12)."

وفي التقرير الذي قدمه تروتسكي في مؤتمر الأممية الشيوعية الثلث، أورد حكمين مرتدين إلى الماضي للبرجوازية الأوروبية يؤكدن بالكامل صحة هذا التحليل للوضع الذي كان سائداً في 1919-1920. لقد كتبت الصحيفة اليومية الفرنسية الرجعية لوتان بهذا الخصوص، في 28 نيسان/ابريل 1921:

"كان أول أيار من العام الفائت معداً ليكون بداية إضراب عام من شأنه فتح الطريق إلى المرحلة الأولى من الثورة. أما اليوم فتسود الثقة الكبرى بخصوص جهد الأمة للتغلب على كل الأزمات المنبثقة من الحرب".

وفي الوقت عينه، كتبت بخصوص ألمانيا الصحيفة اليومية الناطقة بلسان البرجوازية السويسرية، نيوزورشر زايتونغ:

"لا تشبه ألمانيا 1921 في شيء ألمانيا 1918، فلقد بات الوعي الحكومي من القوة بحيث تصطدم الطرائق الشيوعية بمعارضة في كل شرائح السكان تقرباً، مع أن عدد الشيوعيين نما بصورة غير محدودة، في حين لم يكونوا في الأيام الثورية غير حفنة ضئيلة من الناس الموطدين العزم" (13).

صحيح أن الموجة الثورية لم تشهد سوى انتصارات مؤقتة خارج روسيا: إرساء جمهوريات سوفييتية سريعة الزوال في المحجر وبافيير. لقد انهزمت المرحلة الأولى من الثورة الألمانية في كانون الثاني/يناير 1919. وتم وقف الثورة النمساوية بقرار من الحزب الاشتراكي النمساوي (الوسطي)، الذي تفاوض على تسوية مع البرجوازية (14).

هزائم في أوروبا:

مسؤولية الإصلاحيين عنها

لكن تلك التسوية لم تكن تنبع من موازين قوى غير مناسبة موضوعياً. إن علينا أن نشدد في هذا الصدد، على مسؤولية قادة ذلك الحزب الاشتراكي التاريخي الرهيبة. ففي الواقع، إن استيلاء الاشتراكيين النمساويين على السلطة -وكان آنذاك ممكنا تماماً- كان عدل الوضع في أوروبا بشكل أساسي لصالح الثورة، عبر ضمان التقاء جغرافي مع الجمهوريات السوفييتة في بافيير والمجر، التي كانت أقيمت حديثاً على جانبي النمسا. إن الاشتراكيين النمساويين، إذ رفضوا استلام السلطة، قطعوا سلسلة الثورة الاشتراكية، ولو تصرفوا بشكل آخر، كانت عززت كل من الجمهوريات البروليتارية الثلاث الواحدة قوة الأخرى، متسببة باندفاع ثوري كان يمكن أن ينتشر في أوروبا بأسرها (15).

أما الثورة الألمانية، التي بدأت عام 1918، ثم ضربت بقساوة، فشهدت صعوداً جديداً أفضى إلى الإضراب العام المثير في آذار/مارس 1920 ضد انقلاب كاب-فون لوتفيتز، وتلته موجة ثالثة في عام 1923، مع الإضراب العام ضد حكومة كونو (16).

وبوجه خاص: إذا كان لدى البلاشفة "أوهام" بخصوص الثورة العالمية، كان يشاطرهم تلك الأوهام الملايين من ذوي الأجر عبر العالم.

لم يكن هناك في المؤتمر الأول للأممية الشيوعية، في آذار/مارس 1919، غير حفنة من المجموعات الثورية لا تمثل إلا عشرات الآلاف من الأشخاص، لا أكثر، خارج روسيا. لكن في الأشهر التي تلت، توسع التعاطف "مع موسكو" إلى حد أن غالبية الشغيلة المنظمين في العديد من البلدان (اسبانيا، ايطاليا، فرنسا النروج، بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا) وأقلية قوية في بلدان أخرى (ألمانيا قبل كل شيء) طلبت الانضمام إلى الأممية الشيوعية. وفي النمسا، وبولونيا وسويسرا، لم يتمكن قادة الأحزاب الاشتراكية من إيقاف هذا المد الجارف إلا بقطعهم، هم أيضا، مع الاشتراكية-الديمقراطية الإصلاحية وتشكيل الأممية المسماة "ثانية ونصف"، التي قدمت عهوداً لصالح ديكتاتورية البروليتاريا (17).

يجب التشديد على أنه كانت لتحذر البرولياتاريا العالمية العميق، بعد ثورة أوكتوبر، جذور خاصة بظروف كل بلد. لم يكن مجرد نتاج تصديري قادم من موسكو (18). لقد عدل بعمق موازين القوى العالمية بين الطبقات.

ولكي تحاول البرجوازية وضع السدود في وجه الموجة الثورية، بدعم من الإصلاحيين، اضطرت لأن تقدم للبروليتاريا إصلاحات مهمة كانت قد قاتلت لأجلها سدى أكثر من 25 عاماً، وقبل كل شيء يوم العمل من 8 ساعات والاقتراع العام البسيط. لقد كان التجذر من العمق بحيث حدث حتى إضراب عام في سويسرا، وأطلق الزعيم الاشتراكي-الديمقراطي ترولسترا نداء إلى الثورة في هولندا، وهما بلدان كانا قد بقيا حياديين خلال الحرب، وكانا أكثر استقرارا بكثير من باقي أوروبا.

هذا التبدل في موازين القوى العالمية بين الطبقات أنقذ روسيا السوفييتية من اختناق عسكري عام 1920، حين حال التهديد بالإضراب العام من جانب الحركة العمالية البريطانية بأسرها، دون تدخل الامبريالية البريطانية إلى جانب القوى المعادية للثورة لكل من ويغان وفوش خلال الحرب الروسية البولونية (19).

بهذا المعنى الدقيق تماماً، لم تكن آمال البلاشفة في الثورة العالمية واهمة.

لا شك أن تلك الآمال كانت مبالغاً بها، إذا تحدثنا عن انتصارات حاسمة وعلى المدى القصير. ولقد اعترف لينين وتروتسكي بذلك بسرعة كافية. لقد اقترفنا –بصورة تنطوي على شيء من المفارقة- خطيئة المبالغة في العفوية. كانت الموجة الثورية تبدو آنذاك عميقة جداً بحيث بخسا بعض الشيء قيمة العامل الذاتي المتمثل بالقيادة الثورية، لانتزاع النصر:

"إن ما ينتظرنا ليس هجوماً خوائياً وعفوياً لاحظنا طوره الأول في أوروبا في 1918-1919. كان يبدو لنا (وكان ثمة بعض التبريرات التاريخية لذلك) أن هذا الهجوم يمكن أن يتواصل، في فترة كانت البرجوازية فاقدةً فيها للتنظيم، في موجات أشد فاشد عمقاً، وأن وعي شرائح الطبقة العاملة القيادية سوف يتوضح، وأن البروليتاريا ستصل بهذه الطريقة إلى السلطة في مهلة عام أو عامين. ولقد كانت هذه الإمكانية التاريخية موجودة، لكنها لم تتحول إلى واقع مادي. لقد منح التاريخ البرجوازية –بمساعدة سوء نية البرجوازية (أو حسنها)، واحتيالها وتجربتها، وغريزتها لأجل السلطة- استراحة طويلة نسبياً، وقتا لكي تتنفس. لم تحصل المعجزة" (20).

لكن لا جدال في أن الجماهير كانت تريد الثورة في سلسلة واسعة من البلدان: والبراهين والشهادات وفيرة بهذا الخصوص. وإذا لم تنتصر المعركة الثورية خارج روسيا، على الرغم من ذلك، فذلك لأنه لم تتوفر القيادة المناسبة، لا بل لأن القيادات المسيطرة داخل الحركة الجماهيرية تدخلت بنشاط لمنع ذلك النصر.

على الرغم من ترددات وتناقضات في التشخيص الذي قدمه برونتال، هذه هي الخلاصة التي توصل إليها هو ذاته:

"لماذا لم يحصل شيء من ذلك [ثورة اجتماعية ممكنة]؟ لأن الاشتراكية-الديمقراطية الألمانية لم تتدخل في الثورة كحزب ثوري، لأن غالبية قادتها الساحقة، ناهيكم عن الجماهير [قاعدتها الخاصة بها] كانت بعيدة عن التفكير بمنحىً ثوري، ولم تكن معدة ذهنياً لامتحان الثورة" (21).

لقد دفع الشعب الألماني، والبروليتاريا الألمانية والعالمية، والبشرية جمعاء، ثمناً رهيباً لهذا الإفلاس، المستند إلى جرائم. وهو ما سنعود إليه لاحقاً.






إحالات

(1)مارتوف-دان، مرجع مذكور، ص 304.

(2)لينين، الأعمال الكاملة، الجزء 26، ص 256.

(3)لينين، "تقرير عن السلام في 26 تشرين الأول/أوكتوبر"، المؤلفات الكاملة، الجزء 26، ص 257-260.

(4)المرجع ذاته، ص 259-260.

(5)لا يستتبع هذا بالطبع أنه لم تكن هناك أسباب عميقة للحرب، لاسيما التنافس بين انكلترا وألمانيا على تقاسم غنائم تفكيك الإمبراطورية العثمانية والسيطرة على الشرق الأوسط، الذي كان قد بدأ الاشتباه بثرواته النفطية، علاوة على التنافس بين روسيا القيصرية والتحالف الجرماني-النمساوي-المجري على السيطرة على البلقان.

(6)ج.لونغيه، الحركة الاشتراكية العالمية، باريس، 1931، ص 58 (مجموعة الموسوعة الاشتراكية).

(7)المرجع ذاته، ص 80-81.

(8)بافيير منطقة ألمانية على حدود النمسا. وهذا الموقع الجغرافي مهم، لأنه كان هناك اندفاع ثوري في الوقت عينه في بافيير، الواقعة غربي النمسا، وفي المجر، وعلى الحدود الشرقية للنمسا، وفي النمسا بالذات.

(9)ج.سالفيميني، الدكتاتورية الفاشية في ايطاليا، نيويورك 1927، ص 30-31.

(10)ج.برونتال، مرجع مذكور، ص 175.

(11)المرجع ذاته، ص 186.

(12)المرجع ذاته، ص 232.

(13)ل.تروتسكي، السنوات الخمس الأولى للأممية الشيوعية، الجزء الأول، ص 177، نيويورك 1945.

(14)لقد بين ر.روسدولسكي Die revolutionare Situation in Oeterreich im Jahre 1918 und die Politic der Sozialdemokraten-Der Oesterreiche Jan uarstreik; 1918, Berlin 1973 على قاعدة مواد الأرشيفات، كيف ناور القادة الاشتراكيون الديمقراطيون النمساويون، بالتشارك الوثيق مع الحكومة الإمبراطورية، ليقنّوا أولاً ذلك الإضراب العام الكبير في فيينا، وليخنقوه لاحقاً. ويعترف اوتو باور، أحد قادة الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي النمساوي، أن إيقاف الإضراب العام قبل أن يتحول إلى ثورة اصطدام بمقاومة شديدة في صفوف البروليتاريا.

(15)لعرض هذا الموضوع، انظر مقدمة إ.بورديه لمصنَّف يجمع نصوصاً لماكس أدلر: م.أدلر، الديمقراطية والمجالس العمالية، باريس، 1967. وتبرر إيفون بورديه رفض الماركسيين النمساويين الاستيلاء على السلطة، باخسةً في الوقت نفسه الطاقة الثورية العالمية آنذاك وخطورة النتائج،

على المدى القصير لذلك الخيار السياسي (في حين تشدد على أن فشل المشروع الماركسي النمساوي "للثورة البطيئة" أتاح صعود الفاشية اللاحق).

(16)خلال الإضراب العام ضد انقلاب كاب-فون لوتفيتز اليميني المتطرف، وللمرة الأولى والوحيدة، حتى النقابات الإصلاحية دعت إلى تشكيل حكومة عمالية "صرفة" تضم الحزب الاشتراكي-الديمقراطي والحزب الاشتراكي-الديمقراطي المستقل (وسطي)، الألمانيين، والنقابات. لقد قاد الجنرال فون لوتفيتز، قائد قوات برلين، وولفغانغ كاب، مدير الزراعة في بروسيا، انقلاباً فاشلاً في آذار/مارس 1920. أما حكومة كونو (على اسم المصرفي ولهلم كونو)، التي شكلت في نهاية عام 1922، وكانت يمينية بوضوح، فكانت تقوم في البدء على ائتلاف برلماني يتراوح بين الاشتراكيين-الديمقراطيين والأحزاب البرجوازية، لكنها استبعدت الاشتراكيين من المجلس الحكومي المصغر.

(17)بلغت الموجة الثورية حتى مدينة سيتل البعيدة، في الولايات المتحدة، حيث انفجر إضراب عام اتخذ أشكالاً تنظيمية نصف سوفييتية.

(18)اجتهد القيادي المنشفي اليساري، مارتوف، بعد فوات الأوان، لإعطاء تفسير "سوسيولوجي" للتجذر العمالي العالمي بعد 1917. وقد أكد ج.مارتوف: Bolscevimo mondiale, Zinaudi Toronto 1960 (الأصل الروسي يعود إلى عام 1919) أن هذا التجذر نقله بوجه خاص جنود وعمال غير منظمين يتبنون وجهة نظر "مستهلكين" معارضين وجهة نظر "المنتجين" الخاصة بعمال اشتراكيين-ديمقراطيين تقليديين، من عمال متخصصين ونصف متخصصين. وهذه الأطروحة لا يمكن أن تصمد أمام الوقائع. ففي ألمانيا، وليس في روسيا وايطاليا فقط، كان ذوو الأجر الذين اختاروا الأممية الشيوعية، شغيلة المصانع الكبرى، المتخصصين ونصف المتخصصين، قبل كل شيء، في حين تلقى الاصلاحيون دعمهم الرئيسي من الشغيلة قليلي التخصص أو غير المتخصصين، في الورش الصغيرة والمتوسطة والقطاعات الأقل تقدماً في الاقتصاد. إن الانفلاق في ألمانيا بين الحزب الاشتراكي-الديمقراطي المستقل (ح.اد.م.) والحزب الاشتراكي-الديمقراطي، أولا وبين يسار ح.ا.د.م. ويمينه في ما بعد، (حتى آذار/مارس 1921)، ومن ثم عام 1923، بين الحزب الشيوعي والاشتراكية-الديمقراطية، كانت له بالضبط القاعدة الاجتماعية ذاتها. أما بخصوص روسيا، فقد برهن .أ.سميث ود.ب. كونكر على أن البلاشفة تلقوا قبل كل شيء دعم العمال المتخصصين في المنشآت الكبرى (انظر: كايزر، The workers’ revolution in russia 1917 The view from below، كامبريدج، 1987).

(19)في التاسع من آب/أغسطس 1920، كان قد تنظم مجلس عمل بمسعى من لجنة النقابات البرلمانية واللجنة التنفيذية لحزب العمال، والمجموعة البرلمانية في هذا الحزب لتحذير الحكومة من أن "حرباً يتم تحضيرها من جانب الحلفاء ضد رويا السوفييتية بصدد المسألة البولونية. ولقد أعلن أن حبراً كهذه ستكون جريمة لا تغتفر ضد البشرية. وقد حذر الحكومة إذا من أن كل القوة الصناعية للشغيلة المنظمين سوف تستخدم لإفشال تلك الحرب... وأن مجلس عمل سوف يتشكل على الفور لاتخاذ كل التدابير الضرورية بهدف تطبيق هذا القرار".أكثر من ألف مندوب اجتمعوا في 13 آب/أغسطس في مؤتمر وطني بهدف تشكيل مجال عمل محلية والتحضير لإضراب عام. هذا وقد تشكلت مجالس عمل في أكثر من 350 مدينة.

(20)ل.تروتسكي، المرجع ذاته، ص 219.

(21)برونتال، مرجع مذكور، ص 232.



#إرنست_ماندل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل الأول- أوكتوبر 1917: هل هو انقلاب أم ثورة اجتماعية
- أكتوبر 1917: انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية ...
- الدفاع عن القدرة الشرائية للعمال ضد التضخم وارتفاع تكاليف ال ...
- قبل ثمانين سنة ، هتلر ...
- الاقتصاد الرأسمالي: خصائصه، قوانين تطوره، تناقضاته، أزماته ا ...
- حول الفاشية
- الماوية والستالينية
- الماوية والثورة الصينية
- الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية
- الرقابة العمالية والإستراتيجية الثورية
- من أجل الديمقراطية العمالية
- حول أحزاب الطليعة
- إرنست ماندل: لماذا نحن ثوريون اليوم؟
- لينين ومشكلة الوعي الطبقي البروليتاري
- التنظيم الذاتي والحزب الطليعي في تصور تروتسكي
- الإضراب العام
- لماذا نحن ثوريون اليوم؟
- حالية نظرية التنظيم اللينينية على ضوء التجربة التاريخية
- من النضالات الجارية التي تخوضها الجماهير إلى الثورة الاشتراك ...
- الحركة الطلابية الثورية


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - إرنست ماندل - أكتوبر 1917: انقلاب أم ثورة اجتماعية؟ مشروعية الثورة الروسية- الفصل الثاني:الرهان العالمي