أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جوان خليل عكاش - سجن حلب المركزي : سجناء الرأي والسجناء السياسيون - من حقنا ان نصرخ ألماً ونحدث بعض الضجيج-















المزيد.....


سجن حلب المركزي : سجناء الرأي والسجناء السياسيون - من حقنا ان نصرخ ألماً ونحدث بعض الضجيج-


جوان خليل عكاش

الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 22:28
المحور: حقوق الانسان
    


سجن حلب المركزي

سجناء الرأي والسجناء السياسيون
" من حقنا ان نصرخ ألماً ونحدث بعض الضجيج"

جوان عكاش

يقبع في سجن حلب المركزي اليوم ما يقارب الـ4500 سجين بتهم مختلفة بينهم نساء وأحداث دون 18 عام كما أنه يضم منذ عام 2011سجناء سياسيين مقسمين إلى عدة فئات، منهم 70 معتقلاً ممن كانوا في سجن صيدنايا قبل اندلاع الثورة، وآخرون لا يزالون في السجن منذ ثمانينيات القرن الماضي محكومون أمام المحاكم الاستثنائية كالمحكمة الميدانية ومحكمة أمن الدولة العليا، وهناك ما يقارب 250 إلى 300 معتقل على خلفية أحداث الثورة، وهؤلاء موزعون على أجنحة المحكومين الجنائيين والبعض الآخر في نفس الأجنحة المخصصة للسياسيين، يضاف إلى ما سبق هناك ما يقارب 100 امرأة قسم منهن محتجز مع أطفالهن
منذ 9 أشهر أوقف إطلاق سراح من أنهى فترة حكمه، أو قضوا ثلاثة ارباع مدة الحكم، و موقوفون مازالوا دون محاكمة، بالإضافة إلى عشرات ممن شملهم العفو الأخير وما يزالون محتجزين حتى الآن.
السجناء لم يخرجوا للتشمس منذ سنة كاملة، وحرموا كل هذه الفترة من الزيارات، الدواء والغذاء والطبابة، أو أي حد أدنى من مستلزمات البقاء على قيد الحياة داخل قبر الأحياء.

السجناء بين فكي المتطرفين والنظام

منذ بداية شهر نيسان بدأت الكتائب المسلحة في ريف حلب، والتي ادعت انتمائها إلى ما يسمى بالجيش الحر عملية سميت "عملية فك الأسرى"، فخلال الشهر الأول قادت تلك الكتائب عملية احتلال مشفى الكندي التي ادعت أنه مركز انطلاق للعمليات العسكرية للنظام، وتوسعت تلك العملية لتشمل كتيبة المشاة في المسلمية والتي تمركزت فيها قوات من الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد منذ الانتفاضة الكردية عام 2004، وانتهى الأمر بسيطرة تلك الكتائب على معظم الريف المحيط بالمسلمية، وتطويق السجن كاملاً.
بتاريخ 29 نيسان أطلق الملازم أول وحيد عملية جيش النظام "الدروع البشرية"، حيث وقف هذا المجرم على باب جناح السجناء السياسيين وقال مخاطباً السجناء : " أي محاولة لدخول السجن سنصفيكم واحداً تلو الآخر، أي عسكري يجرح سنقتل في المقابل عشرةً منكم"، وأي عسكري يقتل سنصفيكم جميعاً... اعتباراً من هذه الليلة سيكون السجن درعاً بشرياً... ذنبكم أنكم من نفس النوع الذي يحاصر السجن".
التهديد الذي أطلقه الملازم الأول وحيد طُبِقَ عملياً في 1 أيار، ففي هذا اليوم تعرضت القوات التي تسيطر على السجن لإطلاق نارٍ كثيف من قناصي الكتائب المسلحة ورشاشات الدوشكا، فردت تلك القوات على النيران بإطلاق الرصاص الحي على السجناء، حول ذلك يقول السجين ش " بدأ جيش النظام بإطلاق النار على جناحنا باستعمال الكلاشينكوف وعربات ال ب م ب وقذائف الآر بي جي، جرح أربعة سجناء من جناحنا... هذا الوضع استمرَّ لعدة أيام فبتاريخ 5 أيار أصيب أحد السجناء بعيار ناري وتوفي بعد بضعة أيام نتيجة غياب أية امكانية لعلاجه".
نتيجة الخطر المحدق بحياتهم؛ قام السجناء بجمع كل البرادات التي يملكونها، وتم حشوها بالبطانيات وغيرها من المواد، لاستخدامها كمتاريس أمام النوافذ الخارجية لجناحهم، الجيش جرب اطلاق النار على النوافذ، ولأن الرصاص لم يخترق الساتر الذي وضعه السجناء، هدد الملازم أول وحيد باقتحام الجناح المخصص للسجناء السياسيين. بعد مفاوضات مع الجيش؛ قام السجناء بإزالة المتاريس مقابل عدم اقتحام الجناح أو اطلاق النار عليه.
في 15 أيار 2013 بدأت الكتائب المسلحة محاولةً جديدة لاقتحام السجن، عبر عمليتين انتحاريتين على الباب الرئيسي للسجن، ولأول مرة وصلت اقتربت المسلحة إلى السور الخارجي للسجن، جيش النظام النظامي قام مجدداً بإطلاق النار على السجناء (بالدوشكا وال ب م ب وغيرها من الأسلحة)، وبدأت مقاتلات النظام بقصف محيط السجن.
وفي هذا اليوم؛ ووفق المصادر من السجناء فقد جرح العشرات منهم وتوفي عدد كبير من الجرحى لاحقاً، ومنذ هذا اليوم توقفت إدارة السجن عن تقديم الطعام وكما كتب أحد السجناء "ومن يومها ماعادوا عطونا أكل بنوب، ولا طحين، حتى كاسة الرز المطبوخ ماعادو عطونا اياها".

استمرار المجزرة مع تعدد مرتكبيها

قوات النظام التي تسيطر على السجن ازداد عديدها بعد انسحاب عدد من وحدات الميليشيا التابعة للنظام من مشفى الكندي وريف حلب ، هذه القوات انضمت لجيش النظام وتمترست خلف جدران سجن المسلمية، خلال هذا الحصار والقتال الدائر هناك لم تعاني هذه القوات من أي نقصٍ في الغذاء والعتاد –سوى لفترات قصيرة- وكانت حوامات جيش النظام السوري تلقي لها بالمواد التموينية بشكل دوري.
الكتائب المسلحة التابعة للمعارضة نشرت العديد من مقاطع الفيديو على الموقع الرسمي للجيش الحر، والتي تظهر اقتحامها لمشفى الكندي، وتالياً عمليات قصف السجن ومحيطه بالدبابات والأسلحة الثقيلة.
مقاطع الفيديو الآنفة الذكر واسماء الكتائب المقاتلة؛ أظهرت طبيعة عناصر هذه الكتائب وأن معظمهم ينتمي إلى التيار الإسلامي المتطرف ، ورغم عدم الخلاف حول وحشية جيش النظام السوري والجرائم الفظيعة التي ارتكبها، إلا أن الكتائب المتطرفة التي تبحث عن عملية دعائية استمرت في حصار السجن رغم عدم تحقيقهم أي نجاح في ذلك المسعى، فالهجمات العشوائية والغير منظمة، والقصف الطائش تسبب في النهاية بقتل ما لا يقل عن 35 سجيناً.
فبتاريخ 23 أيار في الساعة الثامنة مساءً بدأت الكتائب التي تحاصر السجن بالهجوم على السجن باستخدام قذائف الهاون والدبابات والمدفعية وراجمات الصواريخ، العديد من هذه القذائف اصاب بناء السجن، ووفق أحد السجناء : " أصاب صاروخ غراد الغرفة العاشرة في جناحنا وتطوع عدد من السجناء لإطفاء النيران رغم استمرار القصف ... في النتيجة قتل في كامل السجن أكثر من 35 سجين، جثثهم كانت متفحمة بالكامل ....".
حاول السجناء تجنب الدخان الخانق الذي ملأ السجن، قدم عسكري يحمل بارودة كلاشينكوف وأطلق مخزنا كاملاً باتجاه السجناء السياسيين، يصف أحد السجناء -من بين المجموعة التي تم اطلاق النار عليها- ما حصل: (كان عدد الجرحى من السجناء أضعاف الجرحى من الشرطة والجيش... أثناء الدخان ونحن نختنق قدم عسكري إلى باب الجناح وبدأ بإطلاق النار- رش مخزن كامل-، شتمنا وهدد بأنه "و خلال خمس دقائق إذا لم يتوقف القصف سيقتلنا جميعاً - نحن 70 شخص بجناحنا -، وفعلا وبعد اتصالات مكثفة من السجناء مع أطراف عديدة، توقفت الكتائب عن القصف)، ويتابع نفس السجين :" بعد يومين أصاب السجن صاروخ غراد وقتل 9 سجناء"
مفاوضات فاشلة
خلال هذه الفترة كانت المفاوضات جارية بين جيش النظام والكتائب التي تحاصر السجن، بتوسطٍ من مؤسسة الهلال الأحمر، وماطل الطرفان في وقف اطلاق النار على أمل تحقيق مكاسب عسكرية، حتى تاريخ 23 حزيران حيث وافق الطرفان على دخول الهلال الاحمر إلى داخل السجن، وهكذا قَدِم الهلال الأحمر لسجن المسلمية برفقة أطباء ولجنة قضاة.
لجنة القضاة كانت تعمل على تنفيذ قسم من اتفاق وقف اطلاق النار، هذا القسم المتعلق بإطلاق سراح كل من انتهت محكوميتهم أو ممن شملهم العفو الرئاسي، بالإضافة إلى المرضى والكبار في السن، وعددهم يتراوح بين 590-1100 سجين.
وصل الهلال الأحمر إلى باب السجن فحاول جيش النظام الاستيلاء على الطعام الذي أحضرته المنظمة، وحصل تلاسن بين الطرفين؛ لأن الهلال الأحمر رفض تسليم الطعام للجيش لأن "الطعام مرسل للسجناء"، ومباشرةً -ووفق شهادات أعضاء الهلال الأحمر- افتعل جيش النظام اشتباكاً مع الكتائب التي تحاصر السجن، وحصل تبادل إطلاق للنار أصيب خلاله النائب العام في حلب، وقاضٍ، وثلاثة من ناشطي الهلال الأحمرٍ، انهيار وقف اطلاق النار تسبب في انهيار آمال السجناء الذين تقلصت أحلامهم من الحرية إلى بعض الطعام.
وفي إطار متصل؛ ووفق شهادات من سجناء تم اطلاق سراحهم في عملية تفاوضية قام بها الهلال الأحمر بين الطرفين، تم السماح بمرور التموين لجنود النظام مقابل اطلاق سراح بعض السجناء، بأنه "يموت في السجن وبشكل يومي عدة سجناء، ويتم دفنهم في باحة السجن". وقد تقاطعت شهادات المفرج عنهم بأنه وبسبب نقص الغذاء ، ومنع وصول الأدوية فإن العشرات من السجناء شارف على الهلاك. وانتشر السل والأمراض المعدية داخل السجن، وجميع السجناء مصابون بفقدان الوزن الشديد ونقص التغذية، وخلال الشهر الأخير أفاد سجناء من داخل السجن ان العشرات فقدو حياتهم بسبب ذلك.
و أفادت الشهادات بأن عصياناً انطلق في داخل السجن بسبب الجوع والموت في اليوم الثالث من رمضان ولم يستسلم السجناء اليائسون إلا بعد استخدام الرصاص الحي ، قتل اكثر من اربع عشرة سجيناً بالرصاص الحي، وآخرين ماتوا لاحقاً بسبب التعذيب الانتقامي.
لا مهرب من الموت...
اليأس من اية مساعدة، هذا ما اتفق عليه جميع السجناء، فبعد تواصلهم مع المدير الاقليمي لمنظمة هيومن رايتس ووتش والحملة الهزيلة التي عقبت هذا الاتصال، فقد المعتقلون اية ثقة بالوعود التي تقدمها المنظمات الدولية، واقتصر طلبهم على تدوين ونشر الحقيقة حول ما يحصل في هذا السجن. الأحداث الآنفة الذكر في سجن المسلمية بحلب أصبحت مجرد حنجلةٍ أمام الموت والقتل والتعذيب الذي يحصل الآن، الكل في داخل هذا السجن يقف في طابور طلب الموت وكأنهم يبحثون عن ملكه بين طلقات طائشة تريحهم من الانتظار الأعمى.
بطل الحقيقة الكاملة حول أحداث سجن المسلمية كان (ش) وهو أحد المعتقلين الكرد، اعتقل قبل أن يبلغ السن القانونية على خلفية مظاهرات شارك فيها عندما كان عمره 14 عاماً، وتنقل بين عدة أفرع مخابرات تعرض خلالها لمختلف صنوف التعذيب، لينتهي المطاف به في سجن صيدنايا ومنه إلى سجن المسلمية، الشاب الذي نضج في السجن، وحافظ على أخلاقياته وحرص على ايصال الحقيقة كاملة خلال أكثر من سنتين، دون أي تعمية سياسية أو تزلف لأية جهة، قال صديقه من داخل السجن "وضعه سيء جداً، دخل في الغيبوبة منذ عدة ايام، في لحظات صحوه النادرة يقوم بحركات لاإرادية، وفقد الذاكرة تماماً، والهلوسات تسيطر عليه.... منذ البارحة فقد السيطرة على المثانة.... نحاول تنظيفه باستمرار، على الأقل سيموت بجسد نظيف، هو ميت عملياً "، لا علاج ولا دواء وهو مشمول بالعفو، وترك للموت.
السجناء لا يستطيعون أن يبلغوا والدته ووالده عن وضعه الصحي، فوالد "ش" الذي بقي في قلب المعارك في حلب بانتظار ابنٍ لن يعود، قال لي في اتصال هاتفي : " بمجرد خروج ابني سآخذه وأغادر حلب، أنا أنتظره منذ 7 سنوات..... سأرسله إلى بلدٍ آخر كي أحميه من الحرب".... العائلة التي امتهنت مقارعة النظام، تجهل أنها تنتظر جثماناً!!
مختتماً محادثته معي، يكتب لي عميد السجناء السياسيين في حلب بعد أكثر من 26 عاماً: "أريد الموت بسلام رحمة، الموت بشرف وليس جوعاً أو تحت التعذيب" ... رفعت الأقلام وجفت الحياة.

حالات في سجن المسلمية

شكري عمر وجيكر شيخو وصفقان خلو

" سقط قبل أن يقبل الحرية "

الشبان الثلاثة الذين اعتقلوا صغاراَ فنضجت كل مداركهم ومشاعرهم بين اربعة جدران، التعذيب القاسي الذي تعرضوا له، والإهانات وكل تلك الضغوطات من السجناء المتشددين لم تغير شيئاً في جوهرهم النبيل، فهم ينتمون إلى عائلات كردية عرفت السجون السياسية للنظام السوري منذ تسعينيات القرن الماضي، والد جيكر وجميع اعمامه اعتقلوا في فترات متفرقة. صفقان اعتقل مع والده،، واعتقل الامن العسكري شقيقه وشقيقته لاحقاً وهما لاجئان في أوربا، والدا شكري اعتقلا لعدة مرات.
كان الثلاثة قد اعتقلوا في منتصف شهر شباط عام 2005، بسبب مشاركتهم في مظاهرات كردية احتجاجاً على استمرار اعتقال معتقلي انتفاضة الكرد في قامشلو 2004، الأمن السياسي ورغم صغر سنهم أخضعهم لتعذيبٍ قاسٍ، يقول صفقان حول ذلك "كان عمري 14 عاماً، وبما أن حجمي كان صغيراً؛ لم يتمكنوا من تثبيتي داخل دولاب السيارة، فأجبروني على التمدد على بطني وقام الجلاد بجلدي على ظهري"، خلال تلك الفترة لعبت الظروف السياسية والضغوط الدولية دوراً مهماً في اطلاق سراح الشبان الثلاثة ضمن اطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية انتفاضة 2004، فقانون الطوارئ السائد في سوريا آن ذاك يمنح نائب الحاكم العرفي الحق في اطلاق سراح المعتقلين دون محاكمة.
بعد أكثر من سنتين وبناءً على تحريض من أحد المخبرين الذي نتحفظ على ذكر اسمه، أعيد اعتقال الشبان الثلاثة من قبل فرع امن الدولة بحلب (المخابرات العامة)، وبعد رحلة قاسية جداً وبين عدة أفرع للمخابرات السورية، انتهى المطاف بهم في سجن صيدنايا العسكري، حيث حكمت عليهم محكمة أمن الدولة العليا بالسجن لمدد تتراوح بين 10- 12 سنة، التهم التي وجهت لهم نتجت عن اعادة فتح ملف قضية اعتقالهم عام 2005، ووجهت لهم المحكمة تهمة "القيام بأعمال من شأنها الحض على الحرب الأهلية وفق المادة 298 من قانون العقوبات العام لعام 1948.
في فرع أمن الدولة بحلب كانت قدما صفقان قد تحولتا إلى اللون الأخضر بسبب التعذيب القاسي الذي تعرض له، جسده الهزيل لم يكن ليتحمل كل هذا التعذيب، والده الذي اعتقل معه كان في الحجرة الانفرادية المقابلة لي، كان جامداً على النافذة المغطاة بالشبك، كمن مسّه سحرٌ أسود، توقفت كل الحياة عن التنفس في عمره وهو ينصت لصرخات ابنه والصوت القاتل لضربات الخيزرانة التي كانت تنهش جسم ابنه.
في منتصف عام 2011 تم نقل السجناء إلى سجن المسلمية بحلب، وهم مازالوا معتقلين هناك، ورغم أن الثلاثة شملوا بالعفو الرئاسي فهم داخل هذا السجن المقيت، منذ بضعة أيام وبعد صراع طويل مع المرض ومع انعدام العلاج كلياً، دخل الشاب شكري عمر في الغيبوبة، وخلال الومضات القليلة التي يتواصل فيها شكري مع العالم الخارجي، تبين أن لديه تلفاً دماغياً وهلوسات سمعية وبصرية، وفقد السيطرة على البول، وفقد القدرة على الكلام.
وفق رواية أحد السجناء فإن جيكر الذي لم يفارق صديقه أبداً، ما زال متسمراً أمامه وهو ينتظر انقطاع تنفس صديق طفولته، لا أمل لشكري بالنجاة .وجيكر ما زال يلطم رأسه كل بضع دقائق... صفقان وجيكر سيودعان شكري، ليودعهما آخرون لاحقاً.
شاركت شكري 4 سنوات في سجون النظام السوري، وكان شكري خلال اعتقاله بسجن صيدنايا يكرر: "اخاف أن أموت في هذا السجن قبل أن أقبل شفتي مشروع حبيبة، أخاف أن أموت قبل أن أجرب الحرية"، صديقنا الغالي: لم تخلق لأجلك شفاه الأرض ... لأجلك سيكون الموت كاماسوترا قرنفلٍ وياسمين ... صديقي فعلاً لو كان الموت رجلاً لقتلته.....

أحمد حمدو المحمود: أكثر من ربع قرن قيد الاعتقال

هو لا يختلف عن بقية المواطنين السوريين فهو ولد سورياً، وقضى خدمته الإلزامية وكبر داخل حدود وطنه، لكنه اليوم في الثامنة والأربعين من عمره يتم السنة الـ 26 في سجون النظام السوري.
فخلال خدمته الإلزامية في الجيش السوري في لبنان تم أسره من قبل القوات اللبنانية بداية العام 1987 وتركته القوات اللبنانية على أساس العمل لصالحها وخضع لدورة أمنية، عندما عاد أحمد إلى سوريا قام بتسليم نفسه للسلطات السورية، وبالتبليغ عن وضعه فتمت احالته إلى فرع فلسطين التابع للأمن العسكري في دمشق، حيث تم اعتقاله لأول مرة.
خلال أشهر اعتقاله التسعة؛ تعرف أحمد على نخبة السجناء السياسيين من المجتمع السوري، ليدرك حجم الظلم والجرائم التي يرتكبها النظام تحت اسم الوطن والكرامة والتحرير، لذا وبعد اطلاق سراحه من فرع فلسطين كان أحمد من بين القلائل الذين لم يتملكوا أنفسهم ، حيث انتقد الظلم والاستبداد في الحكم، وكشاهدٍ على مجزرة تل الزعتر زل لسانه بالعديد من الاتهامات للجيش السوري بارتكاب تلك المجزرة.
بدأت التقارير الأمنية التي وصلت إلى الجهات الأمنية تأخذ مفعولها، فتم اعتقال أحمد من قبل الأمن السياسي ، وبعد رحلة مع التعذيب استمرت 70 يوماً، تم تلفيق مجموعة ضخمة من التهم للمعتقل الذي كان عمره آنذاك 22 سنة.
أحمد مضى على اعتقاله 26 عاما ،قضى منها 13 عام في سجن تدمر العسكري، 10 أعوام في سجن صيدنايا العسكري، و قد مضى على تحويله إلى سجن حلب المركزي – سجن المسلمية 3 أعوام بسجن حلب المركزي ليصارع الجوع والمرض والقنص والقصف.

محمد فوزي يوسف: مواطن ألماني دفنته سفارته باستهتارها

في الثالثة والخمسين من عمره، كردي- سوري، ويحمل الجنسية الألمانية منذ عام 1987، وهو متزوج وله أربعة أولاد، يحمل شهادة الدكتوراه في التاريخ، وشهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي ،مترجم محلف للغات العربية والكردية والألمانية في ألمانيا لأكثر من ‏15 عاما.
خلال السنين التي أقام بها محمد فوزي في ألمانيا لم ينقطع عن التردد على مسقط رأسه في قرية روتا التابعة لعفرين، حيث زار سوريا لأكثر من مرة ، حتى اجبره الاعتقال على البقاء في سوريا للأبد.
ففي نهاية آذار 2006،وصل السيد محمد فوزي إلى سوريا في زيارة عادية، حيث دفع أمن المطار في حلب برسالة مختومة إلى يدي السيد يوسف، وطلب منه تسليمها "كما هي -مختومة-" إلى دائرة أمنية في دمشق، وكمواطن ألماني مباشرة قصد السفارة الألمانية مستفسرا، فبين له العاملون في السفارة أن عليه مراجعة مكتب الأجانب رقم 79 التابع لأمن الدولة في كفرسوسة بدمشق، وهونوا عليه الأمر، وأبلغوه في السفارة الألمانية أن الأمر لا يعدو كونه روتيناً، والمثير للسخرية في حماقة السفارة الألمانية بانهم زودوه بأنسب خطة طريق إلى فرع أمن الدولة، ليتجنب بسيارته زحام العاصمة الخانق.
بمجرد وصوله إلى فرع المخابرات، اقتاده محمد سلو إلى كل من العميد نضال مخلوف والعميد محمد بركات. هذا الأخير كان رئيس فرع التحقيق في أمن الدولة 285، يقول السيد فوزي "قالها صراحة:-تدفع لنا مليون يورو، ونطلق سراحك... لما لم يجد مني أية ليونة، نزل بفديته تدريجيا إلى مائة ألف يورو .وكان عبثا يحاول، إذ أجبته: اطلب الفدية من سفارتي. فكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ جن جنونه قائلا:-وهل تريد منا أن نظهر أمام الألمان كقطاع طرق؟ سأتهمك بتهمة تقضي بها بقية حياتك في سجوننا".
يتابع محمد فوزي "بعد يأسه من دفع الفدية عذبني بالدولاب، بساط الريح، الكهرباء، وصب الماء الساخن جدا وبعدها البارد جدا على جسدي العاري، بربط يدي بباب المنفردة وقدمي بالجدار المقابل ومن ثم فتح الباب وإغلاقه، سبب ذلك لي دسكا دائما لن يفارقني ما حييت". بعد تلفيق تهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، تمت احالة السيد محمد إلى محكمة أمن الدولة العليا، وفي 22 نيسان 2010 حكم بالإعدام عملا بالقانون49لعام1981، ثم خففت المحكمة الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، يصف محمد فوزي لحظات الحكم "عندما اعترضت على الحكم، انهال علي نقيب الشرطة العسكرية المرافق بالضرب أمام مرأى ومسمع القنصل الألماني-الذي كان يحضر محاكمتي-من دون أن ينبس هذا الأخير ببنت شفة".
في سجن صيدنايا العسكري شهد محمد فوزي استعصاءات صيدنايا الثلاثة، والمجازر التي أعقبتها عام ‏2008، كان الثالث أشدها تأثيراً به بسبب الاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع من عيار 16- كما كان مثبتا على العبوات بعد انفجارها –وفق وصف السيد محمد فوزي-.
ورغم أن مرسوم العفو الرئاسي رقم 61-2011 شمل كل من كان قد حكم بتهمة الانتماء للإخوان، إلا انه كان الوحيد الذي تم استثناءه من المرسوم لأن العميد محمد بركات-المصر على دفع الفدية- يقف في وجه إطلاق سراحه. ومنذ سنتين وهو في سجن حلب المركزي. يشكو من أمراض مزمنة كالقلب، والدسك، وبروستات.

نص رسائل السجناء

رسالة السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي للعالم
السجن المركزي بحلب - سوريا
- ليس للأمم المتحدة
- ليس لمنظمات حقوق الانسان
- ليس لرؤساء وقادة الدول في العالم
- ليس لبرلمان الاتحاد الأوربي
ليس طلباً للنجدة أو استجداء شفقة فات أوانها، هي فقط صرخة كي لا نموت بصمت، قبل الموت من حقنا ان نصرخ ألماً ونحدث بعض الضجيج ... ودمتم ودامت عدالة الموت ورحمته.
الأموات الأحياء في سجن حلب المركزي – سوريا
23-9-2013

رسالة السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي للشعب السوري
السجن المركزي بحلب - سوريا
- لأمهاتنا السوريات
- لشعبنا السوري
- لعائلاتنا وأهلنا
تحت الحصار وعلى أبواب الموت جوعاً، قبل الوداع :
نستودعكم وطننا، على أمل أن تبنوا وطناً حراً تكون القيمة العليا فيه للحياة البشرية والكرامة والعدالة والمساوة... قبل النوم في قبرنا نحن الأحياء الأموات نقول لكم: تصبحون على وطنٍ حر.

الأموات الأحياء في سجن حلب المركزي – سوريا
23-9-2013

23-9-2013



#جوان_خليل_عكاش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غاليسيا ... كاتالونيا .... الباسك- للخوف والعزلة فيلقٌ في أو ...


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جوان خليل عكاش - سجن حلب المركزي : سجناء الرأي والسجناء السياسيون - من حقنا ان نصرخ ألماً ونحدث بعض الضجيج-