عبر شهقة يتيمة الروح ، كسيرة القلب ، وممزقة التراث ، قال لي صديقي الطيب ، الكاتب والباحث الفلسفي " د . رسول محمد رسول " : متسائلا : " من ذا يقرأ كتب السيرة في زمن موات السير واهل السير ؟؟ " ، كان ذلك يحدث في زمن تتوالي فيه هزائم الإنسان قبالة اخيه الإنسان .
أمــا موضوع السيرة فهــــي براعة وصدق الأسطر التي قرأتها قبل عشر سنوات ، والتي تحّدث فيها واحد من اهم اعمدة التفكير الأدبي والإجتماعي العربي والعراقي على حد سواء ، وهو الدكتور : علي الوردي ، في معرض تقديمه لـسيرته الشخصية ، وهو يقوم بتأديية واجبه التربوي الأول ، كمعلم تعهـــد به وزارة المعارف – التربية حاليا – ليكون مبعوثها ( معلمها ) التربوي الى محافظة – ذي قار – في مدينة الناصرية .
ولكم هذه الكلمات التي انقلها كما كتبها استاذنا واستاذ الجميع بخط يده : " وركبت القطار المتجه الى مدينة الناصرية ، وبعد رحلة قاربت الثمان ساعات ، في واحد من ايام صيف 1927 ، فوجئــت عند وصولي ، ان متصرف المدينة – وأسمه " جعفــر حمندي " أي المحافظ حاليا – يقف ولزمن طال أو قصر ، لا ادريه تماما ، بانتظار وصول القطار الذي يقلني الى هناك ، ومن ثم اصطحبني مع شديد اسفه لحرارة الجو وطول زمن الرحلة ، الى داره حيث اقمت فيه ، لأسبوع ضيفا عزيزا ومبجلا ، من الأسرة التعليمية الكبرى " وهو اللقب الذي كان يقدمني به الى اسرته ومساعديه وغيرهم .
الى هنا نقف ثانية لنتذكر مقاطع من سيرة الشاعر العربي الكبير " نزار قباني " ، وهو يقول : " وحين وصلت الى مطار صوفيــا في بــلغاريا ، اخذني ضباط المطار ليصطحبونني الى جناح خاص ، وقد جلست داخل الجناح منتظرا ما قد يحدث لي في هذا البلد الغريب ، ولا أخفي عليكم مرارة ما يمكن ان تصل اليه نوات التفكير امراض الخيال المهدد ، حين تتأرجح تلك الرؤى اسيرة بين قسوة نوايا الـــدرك العربي ، وما قد تنتهي اليه ، سخونة ايـدي الحراس الشبقية الضرب والتعذيب ، فـــي وداخــــل وضمـــــن وعلـــى ..... مشارف الوطن العربي !!!
، لقد كنت اعيش هذا الموقف بحزن وسوداوية لا مثيل لهما ، حيث وانا في اهيم حيرة من امري ، اطل علي رجل بهندام مدني غاية في الرقة والدعة والأدب الجم ، وهو يحمل شيئا من القهوة الساخنة ، وقد حياني بلغة عربية ذات لهجة تدل على قصر تجربته في نطق لغة الضاد ، وكان يعيد بين الحين والآخر ودونما حاجة منطقية ، يردد تلك العبارة التي زادها تلعثمه جمالا : " السلام عليكم " عدة مرات ومن ثم نبهني الى ان المعلمين والشعراء اذا زاروا صوفيا ، فإن لهم استقبال وجناح استراحة خاصيين بهما وذلك ليليقا بهؤلاء الأفذاذ من الرجال في اممهم ، ولما لهم من ثقل وتمثيل قييمين في مجتماعتهم .
إذا كان في كل من هذين المثالين اسوة وامثلة اخلاقية حية ، فانها دلالة على اهمية التعليم والنشاط التربوي في عموم المجتمعات الأرضية ، وكما اشارت حكمة الرب الى نبي الرحمة الأمــي إذ قال له ربه " إقرأ " ، ليتخذ منه تلميذا يعرج الى ربه بعظيم امتنانه إذ يقول ( ص ) : " ادبني ربي فاحسن تاديبي "
- وهو الأمــر تاذي جعل ، أعتــى طغاة القرن العشرين ، في عراقنا الحبيب ، يقفون الى جانب تهديم وتحطيم وتهميش هذه الحقيقة الأبدية ، وذلك لكــي تغيـّـيب قســرا عن نواظر واقيسة اخلاق النشأ المتعلم ، انــّـى كان ،وحيثما اتجــه ، كل صور الفضيلة والتكامل المعرفي ، الذي هو خطوة لا بد منها للوصول الى مسارات التكامل الإخلاقي والذي ولا غنى عنه لنيل درجات التفوق المعرفي ، وهما جوهران وحقيقتان ، لا غــــنى عنهما ، ازاء صنع الرجال الأماجد من ممثلي الأمم والحضارات الشامخة ، لا كما يذهب حاكم بغداد في تقصيّـه اللا أخلاقي واللا إنسانــي في زج ملايين الطلبة والدراسين ، وعلى اختلاف مراحلهم وتكويناتهم مع اساتذتهم ومعلميهم في المعسكرات الدموية والشوارع الخاوية ، مرددين تلك الشعارات الفارغة والمكررة واللا هادفة ، مع غـيه السادر في قتل احلامهم وزمنهم الذي كان اولى به ان يمدهم بـــه ، غذاء زكيا وملبسا كريما وحرية مطلقة ، لقد اصبح المعلم والمدرس ورجل الجامعة محتاجا و مستدينا الى ما شاء الله وكرم القائد لقضاء ما ياتي من الشهر ، صوما وجوعا وحرمانا ، حتى تدهورت صورة رجل التعليم في نواظر تلامذته وغاب عنهم ذلك السؤدد الذي يمدهم بضياء الوعي ونقاط التدبـير ، والى ذلك كان الأمين والمأمون يشكويا الى ابيهما الخليفة قسوة معلمهما الجسدية على الرغم من احترامهما له ، وعدم اقترافهما لأي ذنب كان ، والى ذلك قال المعلم " لا لشـــىء ، إلا لتـشــعرا بمـــرارة من يعذب ظلما، دون ذنب اجرمه او واجب تـــناســـاه " .
فهــــل تجــــدي الســير ؟؟؟؟ .
: – شاعر ومترجم – أميركا