أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد النعماني - آسيا الوسطى والقوقاز والصراع القادم في العالم















المزيد.....



آسيا الوسطى والقوقاز والصراع القادم في العالم


محمد النعماني
(Mohammed Al Nommany)


الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 08:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منطقة آسيا الوسطى والقوقاز من المناطق الحساسة المرشحة للصراع القادم في العالم وهي تحتل مكانة هامة في العديد من البحوث والدراسات الهامة وتشغل بال وعقل العديد من الباحتين والدراسين في مراكز الابحات والدراسات والجامعات العالمية وهاانا اقوم اليوم باعداد مانشر من ابحات ودراسات وتقديمها للقاري الكريم
وتضم منطقة آسيا الوسطى خمس دول أساسية هي: أوزبكستان، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، وتركمانستان.
أما منطقة القوقاز، فهي إقليم جبلي يقع بين البحر الأسود في الغرب، وبحر قزوين في الشرق، وتتقاسم الإقليم أربع دول هي: روسيا، وجورجيا، وأذربيجان، وأرمينيا، وتعتبر أذربيجان الدولة الإسلامية الوحيدة بالمنطقة، حيث يمثل المسلمون أغلبية واضحة بها (93.4%) من عدد السكان.
وتعتبر الجمهوريات الست من أوائل المناطق التي دخلها الإسلام، وذلك في القرن الأول الهجري/السابع الميلادي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكانت أذربيجان هي أولى هذه الجمهوريات، وبنهاية القرن الأول الهجري تم توطيد أركان الإسلام في المنطقة التي كانت تعرف آنذاك بتركستان الغربية (آسيا الوسطى).
كما كانت سمرقند بأوزبكستان عاصمة الإمبراطورية الإسلامية التترية التي أسسها الأمير تيمور أواخر القرن الرابع عشر، والتي استمرت حتى بداية العهد القيصري، وطرد التتار المسلمين من موسكو عام 1480م في عهد القيصر إيفان الثالث، وبدء التوسع الروسي في آسيا الوسطى منذ عام 1552م في عهد إيفان الرابع، وقد خضعت المنطقة للسيطرة الروسية الكاملة منذ الستينيات من القرن التاسع عشر. وتم تقسيمها إلى خمس جمهوريات اتحادية في إطار الاتحاد السوفيتي خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، إلى جانب أذربيجان، وعقب تفكك الاتحاد السوفيتي استقلت الجمهوريات الست تباعًا عام 1991م، وانضمت في نفس العام إلى كومنولث الدول المستقلة.
ويوضح تتبع السياسة الأمريكية تجاه المنطقة منذ بروزها كدول مستقلة مطلع التسعينيات ما يلي:
أولاً: رغم أن خطاب أوباما خلا من إشارة مباشرة لمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز، إلا أن المنطقة تحتل أهمية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة لاعتبارات جيوسياسية واستراتيجية واقتصادية، وشهدت السياسة الأمريكية تجاه المنطقة تفعيلاً ملحوظًا في مختلف المجالات على مدى العقدين الماضيين، ووصل التغلغل الأمريكي عسكريًا واقتصاديًا فيها حدًا غير مسبوق.
ثانيًا: أن دول آسيا الوسطى استجابت بإيجابية للسياسة الأمريكية لاعتبارات داخلية اقتصادية وسياسية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحفظات عدة من جانب هذه الدول على السياسة الأمريكية، ومحاولة من جانبها لتحجيم التدخل الأمريكي في شؤونها.
ثالثًا: أن الصحوة الروسية، والتي بدت واضحة جلية بعد أزمة أوسيتيا الجنوبية في أغسطس 2008م، وما اتخذته روسيا من إجراءات في الفترة التي تلتها لاستعادة نفوذها في المنطقة، كانت هي العامل الأساسي في تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتنامي المد الروسي مرة أخرى خصمًا مما حققته الولايات المتحدة على مدى ما يزيد عن عقد ونصف.
رابعًا: إن توازنات القوى الحالية في المنطقة تعكس إرهاصات تفاهم دولي لتقسيم مناطق النفوذ في العالم، وقبولاً أمريكيًا بعودة المنطقة للنفوذ الروسي، يؤكد هذا مؤشرات عدة لعل آخرها رد الفعل الأمريكي تجاه أحداث قرغيزستان الأخيرة التي أطاحت بحليف لها دفعت به إلى السلطة عام 2005م.
وتتضمن ورقة العمل هذه تحليلاً للأبعاد السابقة، في محاولة للوقوف على الاستمرار والتغير في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.
أولاً: التغلغل الأمريكي في آسيا الوسطى والقوقاز:
تضافرت مجموعة من العوامل منذ مطلع التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، أدت إلى تغلغل واضح للولايات المتحدة في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز على نحو غير مسبوق، ولم يكن متصورًا، في منطقة كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي، ولا تزال تمثل المجال الحيوي لروسيا الاتحادية، وأهم هذه العوامل:
(1) التراجع الواضح لروسيا في المنطقة:
عقب تفكك الاتحاد السوفيتى، وخلال حقبة التسعينيات، شهدت منطقة آسيا الوسطى والقوقاز تراجعًا واضحًا لروسيا في مواجهة نمو متزايد في النفوذ الأمريكي، فقد رأت القيادة الروسية آنذاك أن الجمهوريات الإسلامية السوفيتية في آسيا الوسطى والقوقاز تمثل عبئًا على روسيا، وبدا وكأن روسيا تريد أن تتنصل من علاقاتها التي دامت قرونًا مع هذه المنطقة، وكانت تأمل أن يكون الكومنولث تجمعًا يضم الدول السلافية الثلاث: روسيا وأوكرانيا وبلوروسيا، ويتجه غربًا ليضم دول شرق ووسط أوربا. وبالفعل اجتمع قادة الدول الثلاث وأعلنوا قيام "كومنولث الدول المستقلة" في 8 ديسمبر 1991، وجعلوا من مينسك عاصمة بلوروسيا المقر الرئيس له. إلا أن الكومنولث لم يتجه غربًا، وإنما اتجه شرقًا، واتسع ليضم جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، فيما عدا دول البلطيق الثلاث، وذلك لعدة أسباب كان من أهمها إصرار دول آسيا الوسطى على الانضمام إليه، وشجبهم الدول الثلاث لانفرادهم بهذه المبادرة. ومن ثم كان الاجتماع التأسيسي للكومنولث في آلمأتا عاصمة كازاخستان في 21 ديسمبر 1991، وحضرته إحدى عشرة دولة من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. وفي ديسمبر 1993 انضمت جورجيا إلى الكومنولث، وذلك بعد إعلان الرئيس الجورجي، إدوارد شيفرنادزة، في أكتوبر 1993، رغبة بلاده في الانضمام إلى الكومنولث، ليصل عدد أعضائه إلى اثنتي عشرة دولة.
ورغم هذا استمر تراجع دول آسيا الوسطى والقوقاز في أولويات السياسة الخارجية الروسية. كما تخلفت روسيا عن الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي سارعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع هذه الدول، بل ولم تبذل روسيا الجهد اللازم لحماية الروس والمتحدثين بالروسية في هذه الدول، واستغلالهم كعامل تواصل هام بين روسيا وهذه الدول. فهناك 25 مليون روسي منتشرون في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ويمثلون نسبة يعتد بها من سكان جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز، فهم يمثلون (37.8%) من عدد سكان كازاخستان، وقيرغيزستان (21%)، وتركمانستان (9%)، وأوزبكستان (8%)، وطاجيكستان (8%)، وأذربيجان (6%).(2) وتعكس الهجرة الكبيرة للروس من دول آسيا الوسطى والقوقاز إلى روسيا مدى تردي أوضاع الروس في هذه الدول. ومن مصلحة روسيا الدفاع عن مصالح هؤلاء الروس في مناطق وجودهم، وذلك لإيقاف هذه الهجرة، حيث ترتفع تكلفة استيعابهم خاصة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في روسيا خلال التسعينيات.

(2) الأهمية الاستراتيجية للمنطقة:
لمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز أهمية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بالنظر إلى اعتبارين:
أ. الأهمية الجيوسياسية:
تمثل منطقة آسيا الوسطى والقوقاز قلب العالم، وتتاخم حدودها المباشرة عددًا من الدول الكبرى على الصعيدين الدولي والإقليمي؛ فهي تقع جنوب روسيا، وغرب الصين، وشمال أفغانستان، وشمال وشرق إيران، وشرق تركيا. ومن ثم فإن هذه المنطقة مفتاح هام وموطئ قدم استراتيجي لعدد من القوى الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لاسيما وأن عددًا من الدول المتاخمة للمنطقة تمثل خصومًا أو منافسين لواشنطن يتعين، وفقًا "للاستراتيجية القومية للأمن"، التي أصدرتها الولايات المتحدة عام 1992، القضاء عليها، أو على الأقل إضعافها حتى لا تمثل تحديًا للهيمنة والسياسة الأمريكية، وفي مقدمتها إيران والصين وروسيا ذاتها، ومن ثم فإن تغلغل الولايات المتحدة يمثل عاملاً هامًا في تقويض نفوذ تلك الدول المناوئة، ومحاولة اختراقها جغرافيًا وسياسيًا من وحهة النظر الأمريكية.
ولاشك أن هذه الأهمية الجيوسياسية للمنطقة قد ازدادت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واحتلال الولايات المتحدة، وقوات حلف شمال الأطلنطي لأفغانستان، حيث أصبحت الولايات المتحدة في حاجة ماسة لهذه الدول بالنظر إلى جوارها المباشر مع أفغانستان، للتمركز فيها، وتوفير الإمدادات للقوات الأمريكية، وكذلك لإحكام السيطرة والخناق على أفغانستان عبر حدودها مع هذه الدول.
ب. الأهمية الاقتصادية:
تقع دولتان من دول آسيا الوسطى، وهما: كازاخستان وتركمانستان، إلى جانب أذربيجان القوقازية على بحر قزوين، وتمتلك الدول الثلاث أكثر من ثلثي شواطئه، ومن المعروف أن منطقة بحر قزوين تمثل ثاني أكبر احتياطي في العالم من النفط والغاز الطبيعي بعد منطقة الشرق الأوسط رغم تفاوت تقديرات هذا الاحتياطي (200 مليار برميل وفق تقديرات أولية مطلع التسعينيات، إلى 33 مليار برميل، وفق تقديرات عام 2003). ومن ثم فإن للمنطقة أهمية استراتيجية واضحة للولايات المتحدة التي ترى في السيطرة المبكرة على المنطقة تأمينًا لحاجاتها المستقبلية من الطاقة في المستقبل، ودعمًا لاستقلالها واستقلال حلفائها الأوربيين في مواجهة روسيا التي تزداد هيمنتها على سوق الطاقة العالمي.
فالدول الأوربية تمثل السوق الرئيس للنفط والغاز الروسي؛ حيث تقوم روسيا بإمدادها بـ 27% من احتياجاتها من النفط، وأكثر من 50% من احتياجاتها من الغاز، وأهمها ألمانيا التي تعتبر روسيا أكبر مُصدر للنفط وللغاز الطبيعي إليها، وأيضًا الجزء الشرقي من أوربا، حيث كان الاتحاد السوفيتي يمد دول أوربا الشرقية بأكثر من ثلثي استهلاكها من النفط، و80% من وارداتها منه، وبأسعار تقل كثيرًا عن مثيلتها في السوق العالمية. وما زالت هذه الدول تعتمد اعتمادًا أساسيًا على روسيا في الحصول على احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي. ومن المتوقع أن يغطي الغاز الروسي في عام 2020 حوالي 70% من احتياجات القارة الأوربية.
إزاء هذا النفوذ النفطي المتزايد لروسيا في سوق الطاقة العالمي، خاصة الأسواق الأوربية، وبدرجة أقل الأمريكية، ونظرًا لأن موارد الطاقة من نفط وغاز طبيعي ليست مجرد سلع تجارية، ولكن موارد استراتيجية جيوسياسية، فقد أثار ذلك مخاوف الولايات المتحدة من استخدام إمدادات النفط كسلاح سياسي من جانب روسيا في مواجهة أوربا والولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، دعا نائب الرئيس الأميركي السابق، ديك تشيني، عبر الخطاب الذي ألقاه في قمة حلف الأطلنطي التي عقدت عام 2006 إلى تنويع موارد الطاقة لأوربا. كما أعلن الاتحاد الأوربي مرارًا عزمه تقليص دور شركة "غاز بروم" الروسية في إمداد أوربا بالغاز من خلال اللجوء إلى مصادر أخري من آسيا الوسطى والقوقاز وإيران. وتعتبر أذربيجان أقوى المنافسين لروسيا، وذلك من خلال خط أنابيب الغاز "باكو– تبليسي – جيهان"؛ لنقل ليس فقط الغاز الأذري، ولكن القازاقي والتركماني أيضًاَ إلى ميناء جيهان التركي، ومنه إلى أوربا، وقد أنشئ هذا الخط بدعم أمريكي واضح رغم المعارضة الروسية القوية له. أيضًا مشروع "نابوكو"، وهو تصور مستقبلي يقدر له أن ينقل الغاز المنتج في جمهورية أذربيجان وجمهوريات آسيا الوسطى عبر تركيا، إلى كل من وسط وغرب أوربا. كذلك هناك مشروع إيراني لنقل الغاز عبر أراضي كل من تركيا وبلغاريا ورومانيا والمجر، وصولاً إلى النمسا، تبلغ قدرته الاستيعابية المعلنة 30 مليار م2 في السنة، ومن المنتظر بدء العمل به بحلول عام 2011، إلا أن تطورات قضية البرنامج النووي الإيراني قد تؤثر على هذا المشروع.
ولكن رغم علو نبرة الخطاب الأوربي الأمريكي بشأن تنويع مصادر الطاقة الأوربية، وطرح العديد من المشروعات في هذا الصدد، فإن ما تحقق بالفعل مازال ضعيفًا ومحدودًا.
(3) ترحيب دول المنطقة بالتدخل الأمريكي:
فقد استجابت دول المنطقة على نحو إيجابي للمطالب الأمريكية ليس فقط لتأكيد الانقطاع عن الماضي السوفيتي، والتخلص من أي هيمنة روسية على شئونها، ولكن لآمالها وتوقعاتها في أن تقدم الولايات المتحدة المساعدة المالية والاقتصادية التي كانت تحتاجها هذه الدول.
ثانيًا: السياسة الأمريكية تجاه المنطقة في فترة ما قبل أوباما:
كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي أبدت اهتمامًا واضحًا بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز بمجرد استقلال هذه الدول عن الاتحاد السوفيتي، وتفكك الأخير عام 1991. وقد ترجمت واشنطن هذا الاهمتام في ثلاثة محاور أساسية:
(1) تعزيز إقصاء دول المنطقة عن روسيا، ودمجها في المؤسسات الغربية:
وذلك من خلال دمج دول المنطقة في المؤسسات الغربية الأمنية على وجه الخصوص، وأهمها حلف شمال الأطلنطي ومنظمة الأمن والتعاون الأوربي. ففي يناير 1992 انضمت الجمهوريات الإسلامية السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى والقوقاز إلى منظمة الأمن والتعاون الأوربي. وفي قمة حلف شمال الأطلنطى في أكتوبر 1993 بألمانيا اقترحت الولايات المتحدة تدشين برنامج "الشراكة من أجل السلام" لإقامة علاقات تعاونية مكثفة مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في مجال حفظ الأمن والسلم في المنطقة، والتعاون لمواجهة التهديدات بالمنطقة. وقد بدأ البرنامج في يناير 1994، وانضمت جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز الإسلامية تباعًا على النحو التالي: كازاخستان (مايو 1994)، تركمانستان (مايو 1994)، أذربيجان (مايو 1994)، قيرغيزستان (يونيو 1994)، أوزبكستان (يوليو 1994)، طاجيكستان (فبراير 2002).
(2) التغلغل الاقتصادي خاصة في قطاع النفط:
نشطت الشركات الأمريكية في الاستثمار في قطاع النفط بدول المنطقة، ففي عام 1994 تم إبرام اتفاق بين الولايات المتحدة وأذربيجان، واستأثرت الشركات الأمريكية بمقتضاه بحوالي 40% من أسهم شركة أذربيجان الدولية العاملة في مجال النفط. وعلى مدى عقد التسعينيات استأثرت الشركات الأمريكية بـ 38% من قيمة العقود التي أبرمتها أذربيجان في مجال النفط، في حين حصلت الشركات البريطانية على 17%، والشركة النرويجية على 8% في حين لم تحصل الشركة الروسية لوك أويل سوى على 10% من قيمة العقود، ولهذا دلالاته السياسية والاستراتيجية. كما قامت شركة شيفرون الأمريكية للبترول باستثمار عشرة ملايين دولار في قطاع النفط في كازاخستان مطلع التسعينيات.
يضاف إلى هذا تقديم المساعدات لهذه الدول بهدف التحولات السياسية والاقتصادية بها. وقد قدرت المساعدات الأمريكية لدول المنطقة عام 2006 بـ مليون دولار: قرغيزستان (32 مليون دولار)، أذربيجان (28 مليون دولار)، طاجيكستان (22 مليون دولار)، قازاقستان (19 مليون دولار)، أوزبكستان (15 مليون دولار)، تركمانستان (5 ملايين دولار).

(3) التغلل العسكري في المنطقة:
بدأت الولايات المتحدة تطوير تعاونها العسكري مع دول آسيا الوسطى منذ مطلع التسعينيات. ففي عام 1994 تم توقيع مذكرة للتعاون العسكري بين واشنطن وكازاخستان، تم تدعيمها باتفاق للتعاون في مجال التدريب العسكري ومعدات الأمن النووي عام 1997. كما تم توقيع اتفاقية مماثلة في نفس العام مع أوزبكستان. كذلك التدريب الأمريكي للقوات المسلحة الأذرية، والتدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة والبحرية الأذرية، وإمداد أذربيجان وعدد من دول المنطقة ببعض المعدات العسكرية. يضاف إلى هذا تقديم المعونات العسكرية لدول المنطقة، والتي قُدرت بحوالي 6,1 مليار دولار خلال الفترة من 1998 - 2000.
وعقب أحداث 11 سبتمبر، وفي إطار حربها على الإرهاب واحتلالها لأفغانستان ذات الجوار الجغرافي المباشر لمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز، أُتيحت الفرصة للولايات المتحدة لإقامة قواعد عسكرية في المنطقة، وهو الهدف الذي طالما سعت لتحقيقه. وتضمن ذلك قاعدتين أساسيتين، هما:
أ. قاعدة خان أباد في أوزبكستان:
في أكتوبر 2001 تم توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة وأوزبكستان يقضي باستخدام واشنطن لقاعدة خان أباد، مقابل إيجار قيمته 270 مليون دولار، إلى جانب منحة قدرها 100 مليون دولار، وقرضًا بقيمة 100 مليون دولار من بنك التصدير والاستيراد الأمريكي.
وقاعدة خان أباد هي قاعدة سوفيتية سابقة تقع جنوب شرق أوزبكستان، وتبعد نحو 500 كم عن العاصمة طشقند، و200 كيلومتر عن الحدود مع أفغانستان. استخدمها الأميركيون منذ أواخر 2001 لتقديم الإسناد الجوي لعملياتهم في أفغانستان، وكان يتمركز فيها نحو 1000 عسكري أميركي.
ب. قاعدة ماناس في قرغيزستان:
في ديسمبر 2001 وقعت الولايات المتحدة مع قرغيزستان اتفاقًا لبناء قاعدة عسكرية بمساحة 129 ألفًا و500 متر مربع، وتستوعب ثلاثة آلاف جندي، وعددًا غير محدد من طائرات حلف شمال الأطلنطي. وذلك مقابل إيجار سنوي بقيمة 150 مليون دولار، حسب بيان صادر عن السفارة الأميركية في بشكيك. وقد تم بالفعل إقامة القاعدة على بعد نحو 30 كيلومترًا من بيشكيك العاصمة، و480 كيلومترًا من الحدود الصينية، و640 كيلومترًا من الحدود الأفغانية. وتتميز القاعدة بطول مدرجها البالغ 4270 مترًا، ويعد المدرج الأطول في البلاد. ويمكن للقاعدة استقبال طائرات الشحن الأميركية طراز سي 5 جلاكسي، وكذلك طائرات 747 والرحلات الدولية. وتحتاج الطائرات إلى 90 دقيقة انطلاقًا من قاعدة ماناس إلى مسرح العمليات العسكرية في أفغانستان. ويستخدم قرابة 1500 جندي أميركي، غالبيتهم من سلاح الجو، القاعدة في عمليات الإحلال والاستبدال، وإعادة التزود بالوقود، فضلاً عن شحن المؤن إلى القوات الأميركية الموجودة في أفغانستان. وتعتبر قاعدة ماناس من بين أهم ست قواعد أميركية.
ثالثًا: التراجع الأمريكي في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز في فترة أوباما:
كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي أبدت اهتمامًا واضحًا بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز بمجرد استقلال هذه الدول عن الاتحاد السوفيتي، وتفكك الأخير عام 1991، وقد ترجمت واشنطن هذا الاهتمام في ثلاثة محاور أساسية:
في 29 يوليو 2005 طلبت أوزبكستان من الولايات المتحدة إنهاء وجودها العسكري على أراضيها، وسحب قواتها، وذلك خلال مدة لا تتجاوز يناير 2006. وفي خطوة انتقامية من جانب واشنطن، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي في أكتوبر 2005 على قرار بتجميد مبلغ 23 مليون دولار من مستحقات أوزبكستان عن استخدام واشنطن السابق لقاعدة "كارشي خان أباد".
ثالثًا: أسباب التراجع الأمريكي في المنطقة:
3. السعي للسيطرة على شبكات نقل الطاقة البديلة:
تسعى روسيا إلى السيطرة على شبكات نقل الطاقة التي تمثل بدائل محتملة للطاقة الروسية بالنسبة لأسواقها، لاسيما أوربا، من خلال الشراكة والاستثمارات المشتركة. ففي مايو 2007، قام الرئيس بوتين بجولة في آسيا الوسطى شملت كلاً من قازاقستان وتركمانستان، ركز خلالها على التعاون في مجال استخراج وتصدير النفط والغاز من آسيا الوسطى. فتم توقيع اتفاقية مع الرئيس القازاقي، نزارباييف، لزيادة كميات النفط القازاقي المصدرة عبر روسيا إلى أوربا. وأكد نزاربايف اهتمام بلاده بمشروع خط أوديسا- برودي- جادنسك، بين أوكرانيا وبحر البلطيق، لكن بشرط إشراك الجهات الروسية المعنية بهذا المشروع. الأمر الذي يرجح دورًا للمشروع كشبكة احتياطية لنقل النفط القازاقي والروسي إلى الأسواق الخارجية، وليس منافسًا للخطوط الروسية. أعقب ذلك توقيع بوتين لاتفاقية مع الرئيس التركماني، بيردي محمودوف، لمد خط غاز جديد من تركمانستان إلى أوربا عبر الأراضي الروسية نحو بلغاريا واليونان. وأكد محمودوف أنه سيمضي قدمًا نحو بناء علاقات أوسع مع روسيا، وتحديدًا في مجال تصدير الغاز. ويتضمن ذلك شراء روسيا للغاز التركماني بأسعار تقل كثيرًا عن أسعار بيع الغاز الروسي لأوربا.
وخلال اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي الحالي ديمتري ميدفيديف في تركمانستان مع رؤساء كل من أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، وهي الدول المطلة على بحر قزوين، وتمتلك مع روسيا 87% من شواطئه، حيث ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم بعد منطقة الخليج العربي اتفقت الدول الأربع على التنسيق والتعاون في مجال الطاقة، واستغلال ثروات بحر قزوين. كما وقعت روسيا وتركمانستان على هامش اللقاء في 13 سبتمبر 2009 اتفاقية تعاون بين وكالة استخدام الموارد الهيدروكربونية التركمانية وشركة "إيتيرا" الروسية، وذلك لاستغلال حقل النفط والغاز في المنطقة رقم 21 للقطاع التركماني على بحر قزوين. ومن المقرر بدء العمل على استغلال الحقل مطلع عام 2010. وتقدر احتياطات الحقل بحوالي 160 مليون طنًا من النفط و60 مليار متر مكعب من الغاز. ويتوقع أن يستخرج 20 مليون طن من النفط، و10 مليارات متر مكعب من الغاز المرافق كل عام. وتبلغ حجم الاستثمارات الموظفة في هذا المشروع مليار دولار.
من ناحية أخرى، وفي إطار هذا التوجه أيضًا، جاء اتفاق شركتي غازبروم الروسية وسوناطراك الجزائرية، والتي ستحصل بموجبه غازبروم على حصتها في أنبوب الغاز "جالسي" الذي يجري مده من حقول الغاز الجزائرية إلى إيطاليا، ويمر جزئيًا عبر قاع البحر المتوسط ومن خلال أراضي جزيرة سيردينيا. إضافة إلى إمكانية انضمام الشركة الروسية إلى كونسورتيوم يتولى مد أنبوب الغاز "ميدجاز" من الجزائر إلى إسبانيا. كما تدور مفاوضات بين الجانبين حول التعاون لتشييد مصنع لتسييل الغاز في روسيا على شواطئ بحر البلطيق، يتم تصدير إنتاجه إلى أمريكا الشمالية.

وتتمتع منطقة آسيا الوسطى والقوقاز بموقع استراتيجي هام وثروات طبيعية كبيرة، جعلتها مركزاً للتنافس الدولي والإقليميي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وتكتسب الطاقة أهميتها كمحرك للاقتصاديات الغربية التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة. ومن هنا فإن السيطرة على الغاز وعلى خطوط نقل الغاز يعد أولوية للولايات المتحدة وروسيا.
الأهداف الأمريكية
1- استراتيجية تنويع والسيطرة على مصادر الطاقة بعيداً عن الخليج العربي والشرق الأوسط، ثم في مرحلة ثانية تقليل الاعتماد على النفط الخارجي، وذلك من خلال السيطرة على مناطق إنتاج النفط والغاز الجديدة، مثل خليج غينيا وآسيا الوسطى. وقد عبر عن هذه الاستراتيجية "بيل ريتشاردسون" وزير الطاقة في عهد "كلينتون"، (تلك هي سياسة الولايات المتحدة في تحقيق أمن الطاقة اعتماداً على تنويع مصادر النفط والغاز في جميع أنحاء العالم).
2- استغلال فراغ القوة الذي خلفه انهيار الاتحاد السوفيتي: من أجل ضمان السيطرة السياسية على القرار السياسي لدول المنطقة الضعيفة. ووصف "بيل ريتشاردسون" هذا بقوله " إننا نحاول أن نحرك تلك الدول المستقلة حديثاً تجاه الغرب. ونريد أن نراهم وهم يعتمدون كلياً على المصالح الاقتصادية والسياسية الغربية بدلاً من أن يتجهوا إلى طريق آخر.لقد أنشأنا استثمارات سياسية إضافية في منطقة قزوين ومن المهم جداً بالنسبة لنا أن تتجه خريطة أنابيب النفط والخريطة السياسية وفق ما نريد نحن". ويرتبط بهذا هدف آخر، هو منع القوى الصاعدة (الصين، الهند) من الحصول على حصص من نفط وغاز المنطقة، والوجود العسكري والسياسي بالقرب من حدودها.
3- إبعاد روسيا عن المنطقة: تريد واشنطن محاصرة روسيا داخل حدودها السياسية كما فعلت في أوروبا، وتقليص سيطرتها المنطقة. وقد أدى هذا إلى صراع على النفوذ في المنطقة، أصبحت بمقتضاه أذربيجان منذ توقيع صفقة القرن النفطية عام 1994 حليف واشنطن الأساسي. كما تقلبت دول آسيا الوسطى الأخرى بين واشنطن وروسيا. فقد استغلت واشنطن هجمات 11 سبتمبر لنشر نفوذها في المنطقة بإقامة قاعدة في قرغزيستان وأوزبكستان، وتعزيز علاقاتها مع كازخستان وطاجيكستان. وتسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها لمواجهة العودة المحتملة لروسيا تزامناً مع خروجها من أفغانستان. ولعل تعليق أوزبكستان لعضويتها في [منظمة الأمن الجماعي] في يونيو 2012، ثم رفض أذربيجان تجديد عقد إيجار محطة [غابالا] الاستراتيجية في يناير 2013 يعد ضربة أمريكية لروسيا، ودليلا على الصراع المحتدم في المنطقة.
4- حصار إيران: فإيران الدولة النفطية التي تشكل احتياطتها من النفط والغاز 14% و36% من احتياطيات الشرق الأوسط، و9.3% و13.1% من احتياطيات العالم على التوالي، هي العدو الإقليمي الأول للولايات المتحدة. وتهدف الولايات المتحدة لمنع تحول إيران لوسيط لوجيستي ومركز لتخزين ومرور الطاقة. فإيران تستطيع أن تلعب دور تركيا بالنسبة لنفط وغاز آسيا الوسطى. لكن المشاريع الأمريكية هدفت للالتفاف حول إيران عبر طرق أطول من خلال تركيا لحصارها ومنع التعاون بينها وبين دول المنطقة.
الأهداف الروسية
1- استعادة دور روسيا في المنطقة: تعتبر روسيا المنطقة حديقتها الخلفية، ومنطقة نفوذها الحصري. حيث خضعت المنطقة للسيطرة الروسية منذ القرن التاسع عشر. وقد خرجت أذربيجان من الحظيرة الروسية عام 1994، بينما شهدت قرغزيستان صراعاً على النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا أسفر عن فوز روسيا وتصفية القاعدة الأمريكية في عام 2010، بينما شددت روسيا من قبضتها على طاجيكستان، ودعمت علاقاتها مع كازخستان وتركمنستان، وتأرجحت علاقتها مع أوزبكستان. ويزداد الصراع حدة مع اقتراب موعد انسحاب قوات الناتو من أفغانستان، واستعداد روسيا لملء الفراغ.
2. ضمان السيطرة على سوق الطاقة الأوروبي: تمد روسيا أوروبا بـ25% من احتياجاتها من الغاز. وتسعى أوروبا لتنويع وارداتها الغازية بعيداً عن روسيا، لذا لجأت إلى غاز ونفط آسيا الوسطى كبديل ومنافس. وتبدى هذا في الدعم المطلق الذي يبديه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لخط (نابوكو)، ليكون الغاز الآذري هو المنافس للغاز الروسي في أوروبا الوسطى والشرقية مع خطط لتوصيله لإيطاليا. كما يحاول الاتحاد الأوروبي إقناع تركمنستان وكازخستان بالانضمام لخط نابوكو. من هنا كانت الاستراتيجية الروسية لمواجهة الالتفاف الأوروبي عبر التعاون مع كازخستان، والسيطرة شبه المطلقة لشركة (غازبروم) على غاز تركمنستان عبر خط الأنابيب المشترك، حيث تقوم روسيا بإعادة تصدير الغاز التركماني لأوروبا عبر خطوط الغاز الروسية. فمواجهة مشاريع الأنابيب الغربية بمشاريع مضادة هو جوهر السياسة الروسية لتأكيد هيمنتها على سوق الغاز الأوروبي. ومن الأمور الدالة أن الطاقة الإجمالية لخطوط الغاز الروسية الأوروبية الآن تبلغ 250 مليار متر مكعب سنوياً، تخطط موسكو لرفعها إلى 380 مليار متر مكعب، بينما تبلغ التوريدات الروسية 150 مليار متر مكعب فقط.
خطوط الغاز المتعارضة
1 - مشروع السيل الجنوبي: يهدف لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا الوسطى عبر البحر الأسود وبلغاريا. ويبدأ الخط من مدينة نوفوروسيك الروسية على البحر الأسود، ماراً بقاعه إلى بلغاريا، ثم ينقسم لفرعين، أولهما سيمتد إلى صربيا والمجر والنمسا وسلوفينيا، وثانيهما سيتوجه عبر اليونان لجنوب ايطاليا. وتبلغ الطاقة الإجمالية للمشروع 63 مليار متر مكعب سنوياً، وطوله 3600 كلم. ويتكون المشروع من 4 خطوط، طاقة كل منها 15.75 مليار متر مكعب. وانطلقت أعمال البناء في المشروع في ديسمبر 2012، على أن يتم تشغيل الخط الأول في ديسمبر 2015، ويكتمل في 2018.
2 - مشروع السيل الأزرق: يمتد من مدينة نوفورسيسك إلى ميناء سامسون التركي، ثم إلى أنقرة لتلبية الاحتياجات التركية من الطاقة. وتم افتتاحه في نوفمبر 2005.
3 - مشروع نابوكو: المعروف بخط (باكو - تبليسي - جيهان)، والذي سيجعل تركيا الوسيط الرئيسي في نقل الغاز الآذري إلى أوروبا عبر خطوط تمتد من أراضيها لجنوب أوروبا. أما الغاز الأذربيجاني فسيصل إلى تركيا عبر خط أنابيب الغاز (باكو - تبليسي - ارضروم) الذي تم تشغيله في ديسمبر 2006، أو خط أنابيب (باكو - تبليسي - جيهان). ويقضي مشروع (نابوكو) بإنشاء خط لأنابيب الغاز بطول 3300 كيلو متر من ميناء أرضروم التركي حتى مدينة باومغاردن اليونانية، ثم يمر عبر أراضي بلغاريا ورومانيا والمجر والنمسا. وستبلغ طاقة المشروع الإجمالية 31 مليار متر مكعب سنوياً على أن يكتمل في 2018.
4 - مشروع انتركونكتور: يهدف لتزويد إيطاليا واليونان بالغاز الآذري عبر تركيا، وتصل طاقته لـ11 مليار متر مكعب سنوياً، تنقسم لـ3 مليارات متر مكعب لليونان و8 مليارات متر مكعب لإيطاليا. وسيحدث المشروع خطوط نقل الغاز الموجودة بالفعل في تركيا، على أن يكتمل في 2017.
5 - مشروع خط الأنابيب العابر للأدرياتيكي: يهدف لتزويد عدد من دول أوروبا الوسطى وإيطاليا وسويسرا بالغاز الآذري. وسيمر الغاز الآذري عبر تركيا إلى اليونان ثم ألبانيا ومقدونيا، ليتفرع منه خطان أحدهما لسويسرا والآخر لجنوب شرق إيطاليا عبر البحر الأدرياتيكي. وتبلغ الطاقة الاجمالية للمشروع 10 مليارات متر مكعب سنوياً.
الغرب والصراع مع الهيمنة الروسية
من الواضح أن كلا الطرفين يتصارع على موارد المنطقة، ناهيك عن دور الدول الصاعدة (الصين، الهند)، التي تعتمد سياسة ناعمة للتقرب لدول المنطقة، والحصول على حصة من الكعكة الغازية والنفطية. ولاتبدو المشاريع الأوربية المدعومة أمريكياً بقادرة على منافسة الهيمنة الروسية، للأسباب التالية:
محدودية كميات الغاز غير الروسية المتاحة للتصدير: يعتمد خط نابوكو على الغاز الآذري، وتحديداً على حقل شاهدنيز. ونتيجة محدودية المتاح من الغاز الآذري للتصدير، فإن مشروع نابوكو تقلص لـ16 مليار متر مكعب سنوياً فقط (مشروع نابوكو الغرب)، وتم تأجيله من عام 2014 إلى 2018. وفي كل الأحوال فإن الطاقة الإجمالية لنابوكو لا تقارن بطاقة السيل الجنوبي (63 مليار متر مكعب)، مما يعني عدم قدرته على منافسة الخط الروسي. ومع ازدياد استخدام أوروبا للغاز لإنتاج الطاقة إلى 60% في 2030، سيزداد الاعتماد على الغاز الروسي بدلاً من إنقاصه. ولهذا تسعى تركيا لاستخدام الغاز المستخرج من كردستان العراق لضخ مزيد من الغاز في نابوكو، مع إصرار الإقليم على انتهاج سياسة طاقة مستقلة عن بغداد، وإنشاء خطوط مستقلة لنقل النفط والغاز. على جانب آخر لا تبدو تركمنستان وأوزبكستان راغبتين في تحدي موسكو على هذا الصعيد، بينما تخططان لتوجيه معظم الغاز والنفط عبر خطوط جديدة إلى الصين والهند وأفغانستان بعيداً عن الأسواق الأوروبية. وتسعى إسرائيل لاستغلال هذا الوضع لتصدير الفائض المتوقع من اكتشافاتها الغازية لأووربا عبر تركيا.
تعدد خطوط الغاز الروسية: حيث تبنت روسيا مشروعات السيل الجنوبي (63 مليار متر مكعب)، والسيل الشمالي1و2 لألمانيا (55 مليار متر مكعب)، والسيل الشمالي3و4 للأراضي المنخفضة وبريطانيا (55 مليار متر مكعب) وخطوط نقل الغاز التركماني (40 مليار متر مكعب)، و"يامال1" لبولندا وألمانيا (33 مليار متر مكعب)، و"يامال2" لدول أوربا الوسطى (15 مليار متر مكعب)، والسيل الأزرق (16 مليار متر مكعب)، وخطوط نقل الغاز لدول البلطيق (12 - 15 مليار متر مكعب)، بالإضافة لخطوط الغاز القديمة عبر أوكرانيا (55 مليار متر مكعب) التي تسعى روسيا لتقليل الاعتماد عليها. ويتزامن هذا مع إعلان "جازبروم" أنها لن تنقل الغاز إلا عبر الأنابيب التي تمتلكها بالكامل، أو تمتلك حصة حاكمة فيها، وهو ما يعد تحدياً لسياسة الاتحاد الأوروبي للطاقة.
التنافس بين مشاريع الغاز الغربية: يتنافس مشروع نابوكو مع مشروع انتركونكتور والعابر للأدرياتيكي على الغاز الآذري المحدود. ومن المتوقع أن يختار كونسورستـيوم حقل "شاهدنيز" المكون من شركات [بريتش بتروليوم البريطانية - سوكار الآذرية - توتال الفرنسية - ستات أويل النرويجية] بشكل نهائي مشروع نابوكو الغرب أو مشروع العابر للأدرياتيكي كطريق لتصدير غاز الحقل في يونيو 2013.
التنافس التركي - الإيراني في آسيا الوسطى والقوقاز
وفق الدراسة للدكتور عمار جفال الذي تتكون من قسمين يعنيان بالتنافس وبالتعاون بين تركيا وإيران في هذه المنطقة. التنافس التركي - الإيراني: استعرض المؤلف في هذا القسم أسس التنافس التركي - الإيراني في آسيا الوسطى والقوقاز، التي تبرز اهتمام الدولتين بتوظيف المعطيات الحضارية والجغرافية والثقافية التي تربط كلا منهما بشعوب ودول آسيا الوسطى والقوقاز، وحرص كلتا الدولتين على تقديم نفسهما كنموذج يحتذى من هذه الدول، وأن هذا التنافس يبلغ ذروته في جمهورية أذربيجان التي تتجاذبها إيران مذهبياً وتركيا قومياً. وينتقل المؤلف من ثم إلى تفصيل ملامح سياسة كل من تركيا وإيران في آسيا الوسطى والقوقاز على النحو التالي: أولاً: التحرك التركي مجالاته، وذلك في سبيل إحياء المشاعر الطورانية، ويقصد بذلك إعادة بروز ما يمكن الاصطلاح عليه ب «العالم التركي» الذي يمتد جغرافياً من البلقان غرباً إلى الصين شرقاً، ويضم حوالي 150 مليون نسمة، وتركز تركيا في تعاونها مع التجمعات التركية في المنطقة على الجانب الثقافي، لتفادي إثارة النزعات الاستقلالية التي يمكن أن تنعكس على تركيا نفسها، ولذا فإن ثلثي الاتفاقيات المبرمة بين تركيا والجمهوريات الجديدة في آسيا الوسطى والقوقاز تتعلق بالتعاون الثقافي، واللغوي خاصة.
كما تجدر الإشارة إلى نجاح المساعي التركية في تنظيم المؤتمر الثاني للشعوب التركية للاتحاد السوفيتي في نيسان (أبريل) 1991 بمدينة قازان، وقد جمع ممثلي جمهوريات آسيا الوسطى وبعض الأقاليم المستقلة ذاتياً. وقرر المؤتمرون تأسيس حزب مؤتمر الشعوب التركية، كما وافقوا على استبدال الحروف اللاتينية بحروف لغاتهم الأصلية أسوة بتركيا، أما بالنسبة لتصدير النموذج التركي، فتعمل تركيا على الظهور كنموذج يتميز بخصوصيات رئيسية أهمها: العلمانية، والتعددية السياسية، وتجربة التحول إلى اقتصاد السوق.
ويشجع تركيا على ذلك دعم القوى الغربية الكبرى لنموذجها، سواء الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أيضاً التي تهتم بمواجهة موجة الحركات الدينية الإسلامية المناهضة للسيطرة الروسية، المرتبطة في الادراك الروسي بتجربتي أفغانستان والشيشان. ومن بين ما تهدف إليه الطبقة الحاكمة التركية إحداث ريع استراتيجي جديد يجعل تركيا هي رأس الحربة للغرب تجاه القوقاز وآسيا الوسطى، بعد أن كانت تلعب هذا الدور تجاه الاتحاد السوفيتي سابقاً، وبالتالي تبرهن أنقرة من جديد على دورها الاستراتيجي، وتحافظ على تدفق المساعدات إليها، كما تسرع من الاندماج في السياسة والاقتصاد الغربيين.
وتجدر الإشارة إلى أن الاختراق السريع الذي قامت به تركيا في هذه المنطقة لم يكن ليتم بسهولة دون المساندة الأمريكية غير المشروطة لتركيا لتكون قوة استقرار في المنطقة وعاملاً موازناً لإيران. وفي هذا السياق يندرج القرار الأمريكي في شباط (فبراير) 1992 بالاعتماد على تركيا لتنظيم عملية «إعادة الأمل» لمساعدة الجمهوريات الاشتراكية السابقة بآسيا الوسطى والقوقاز، وهو ما دفع بإيران لتصف تركيا بأنها «عميل للولايات المتحدة الأمريكية يسعى إلى فرض نموذج غربي على جمهوريات آسيا الوسطى بهدف محو شخصيتها الإسلامية».
ثانياً: التحرك الإيراني تجاه جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى وينقسم إلى قسمين الأول التحرك الإيراني في اتجاه جمهوريات القوقاز، وتأتي جمهورية أذربيجان المستقلة في مقدمة الاهتمامات الإيرانية لاعتبارات أساسية تمس بالوحدة الإيرانية وأهمها: التداخل الاثني، إذ يوجد نحو 6 ملايين أذري في إيران، 60٪-;- منهم لا يتكلمون الفارسية، بالإضافة إلى الحدود المشتركة وانتشار المذهب الشيعي. وتتخوف إيران من احياء المطالب التاريخية بتوحيد الشعب الأذري، ولذا اتسم تحركها برفض الطرح التاريخي حول تقسيم أذربيجان (الكبرى)، وتغليب البعد المذهبي الديني على البعد القومي، والتدخل الدبلوماسي من أجل تسوية النزاعات، ولا سيما النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، والدعم المالي للعديد من المنظمات الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية العاملة في أذربيجان، حتى إن سلطات باكو اتهمت إيران بالعمل على فرض النموذج السياسي الإيراني.
وفي مقابل هذا الموقف وجدت المساعي الإيراني قبولاً واسعاً لدى سلطات إقليم ناخيتشيفان الأذري الذي يمتمتع بوضع خاص، حيث توافد إليه العديد من البعثات الدينية الإيرانية، كما قامت طهران بترتيب إقامة اللاجئين من منطقة المعارك بإقليم كاراباخ، تحت إشراف الهلال الأحمر الإيراني، وتطوير المواصلات البرية عبر الحدود، وفتح ممر عبر أراضيها بين أذربيجان وإقليم ناخيتشيفان.
ولأن وجود أقلية قوية من الأذريين شمال البلاد أمر يخيف إيران كثيراً، فقد اعترفت بأذربيجان متأخرة جداً، كما أن إيران تحافظ على علاقات جيدة مع أرمينيا ذات الأغلبية المسيحية الساحقة (94٪-;-) من باب الضغط على أذربيجان.
وبالسياسة الذرائعية نفسها تطمح طهران إلى جعل منفذاً استراتيجياً للنفط والغاز الإيرانيين عبر البحر الأسود نحو أوروبا. وقد شرعت في تمويل توسيع ميناء بوتي على البحر الأسود، وتحديث المصفاة الجورجية في باطومي، إضافة إلى احتمال تمويل إيران لمشروع خط أنبوب الغاز والنفط، وإنجاز طريق بري بين البلدين عبر أذربيجان. وقد التزمت طهران بتموين جورجيا بربع حاجاتها من الغاز، وتزويد مصنع طائرات سوخوي قرب العاصمة تبيليسي بالألمنيوم الإيراني مقابل التزام جورجيا ببيع طائرات حربية لإيران. والثاني التحرك الإيراني تجاه جمهوريات آسيا الوسطى، مقارنة بجمهوريات القوقاز، تتوافر لطهران إمكانيات تحرك أحسن تجاه جمهوريات آسيا الوسطى أهمها: عامل الجغرافيا الذي يفرض إيران كأقرب طريق نحو مياه الخليج العربي لتطوير المبادلات مع العالم الخارجي. بالإضافة إلى تفوق انتشار الإسلام، وأهمية الأقليات الفارسية، والروابط الثقافية العريقة، والحدود الطويلة المشتركة مع تركمانستان، وإمكانية الوصول إلى كازاخستان عبر بحر قزوين.
في هذا الإطار، تدرك طهران مدى أهمية التنمية في حفظ الاستقرار على الحدود الشمالية. ولذلك تعمل بثبات على إقامة روابط اقتصادية متينة، أهمها: ربط شبكات السكك الحديدية لجمهوريات آسيا الوسطى بمدينة مشهد في إيران، وهو المشروع الذي سيفك عزلة تلك الجمهوريات، ويوفر لها مخرجاً برياً مباشراً إلى مياه الخليج العربي، كما يكسر عزلة طهران دولياً، ويجعلها حلقة مركزية في المحاور الاقتصادية التي تقام بالمنطقة.
وتأتي جمهورية تركمانستان في مقدمة الطموحات الإقليمية الإيرانية، إذ افتتحت في عشق أباد أول سفارة لإيران في آسيا الوسطى. ويرجع هذا الاهتمام إلى عوامل عدة، أهمها: الحدود المشتركة الطويلة، ووجود نحو مليوني نسمة من التركمان في إيران، أي ما يعادل نصف سكان تركمانستان وبالتالي فهي تطرح تقريباً الإشكال نفسه الذي تطرحه جمهورية أذربيجان لإيران، إذ تعتبر مجالاً حيوياً، ومصدر قلق في الوقت نفسه.
كذلك، انتعشت العلاقات الإيرانية مع جمهورية أوزبكستان مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ومما ساعد على ذلك المكانة المتميزة التي بقيت تحظى بها الثقافة الفارسية في أوزبكستان حيث تقع مدينتا سمرقند وبخارى، أهم مدن الثقافة الفارسية في آسيا الوسطى.
أما جمهورية طاجيكستان فقد اكتسبت أهمية خاصة في إطار الطموحات السياسية الإيرانية، بسبب انتشار الإسلام فيها دون منازع، والأصول الفارسية لأغلبية سكان طاجيكستان مقارنة مع بقية الجمهوريات، والانتشار الواسع للغة الفارسية، وتخوف الطاجيك ذوي الأول الفارسية من سيطرة الأغلبية ذات الأصول التركية في مجال آسيا الوسطى.
وعكس تحركها الديني النشط في أذربيجان، اتسمت سياسة إيران تجاه طاجيكستان بالواقعية والحذر من تنامي المطالب السياسية لبعض الأطراف الداعية إلى إقامة «طاجيكستان كبرى» تمتد من كابول إلى بخارى. وفضلت إيران دور الحكم في الصراعات السياسية الداخلية، وعقب سقوط الحكومة الائتلافية للإسلاميين والديمقراطيين عام 1992، كانت طهران سباقة إلى الاعتراف بالحكومة الشيوعية الجديدة في دوشمبي. أما بالنسبة للتعاون الإقليمي فقد شرعت إيران وتركيا بحماس واضح في العمل على ادماج علاقاتهما الثنائية بالجمهوريات المستقلة في أطر تعاون إقليمي تستطيعان من خلالها هيكلة المجال المجاور في منظمات تعاون إقليمي، وصوغ المحتوى السياسي والتوجه الخارجي للتنظيم الإقليمي المقترح. وحول المبادرات الإقليمية الإيرانية فقد تم إحياء نشاط منظمة التعاون الاقتصادي التي أنشئت عام 1985، وتضم تركيا وإيران وباكستان، وقد عملت طهران على انضمام أذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وكيرجيستان. ويتطلع القادة الإيرانيون إلى أن تصبح هذه المنظمة سوقاً إسلامية كبيرة تضم 250 مليون نسمة على مساحة 4 ملايين كيلومتر مربع. وتأسيس مجلس التعاون لبحر قزوين في نيسان (أبريل) 1992، بهدف تسهيل المبادلات التجارية والملاحة وتطوير الموانئ والتنقيب واستغلال الموارد البحرية. إضافة إلى تأسيس منظمة ثقافية إقليمية للشعوب الناطقة بالفارسية، تضم إيران وطاجيكستان وبعض المجموعات من الفصائل الأفغانية.
وتحقق هذه المبادرات لإيران مكاسب عدة، أهمها منافسة التطلعات الطورانية لتركيا والداعية إلى تجميع الشعوب التركية، وفتح المجال للجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة للخروج تدريجياً من دائرة النفوذ الروسي، والتخفيف من حدة التطلعات القومية العابرة للحدود، وتقليص تدخل القوى المعادية في المنطقة وخاصة احتمالات توسع الناتو فيها.
أما عن ردود الفعل التركية، فقد تميز تحرك تركيا الإقليمي بطرح مشروعات موازية ومماثلة للمشروعات الإيرانية. فقد دعت تركيا في تشرين الأول (أكتوبر) 1992 إلى مؤتمرات قمة للدول ذات الأغلبية التركية في آسيا الوسطى والقوقاز. كما سارعت إلى إنشاء منطقة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود في حزيران (يونيو) 1992 باسطنبول، وتضم الدول المطلة على البحر الأسود، إضافة إلى ثلاث دول غير مطلة عليه، وهي ألبانيا وأرمينيا وأذربيجان.
وتعكس هذه التشكيلة طبيعة الازدواجية في الأولويات الإقليمية لتركيا، ومحاولة التوفيق بين الاعتبارات الجغرافية والسياسية، ويمكن تلخيص هذه الاعتبارات في الآتي: بناء إطار للتعاون الإقليمي تتميز فيه تركيا بدور محوري. إبراز الحضور القوي للشعوب التركية وثقافاتها، من خلال عضوية أذربيجان وألبانيا. تهيئة الظروف السياسية لدعم حظوظ تركيا كخيار أمثل لأنابيب تصدير الطاقة من حوض قزوين، مقارنة بالخيار الإيراني أو الروسي. وإقناع جمهوريات القوقاز بأفضلية التعاون مع تركيا بدلاً من إيران، باعتبار تركيا بوابة سياسية واقتصادية نحو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
أما عوامل التقارب التركي - الإيراني ومعوقاته فعوامل التقارب هي التجارب السابقة للتنسيق والتعاون الاقتصادي والسياسي، بدءاً بميثاق سعد أباد عام 1937 بين كل من تركيا وإيران وأفغانستان والعراق، ثم حلف بغداد عام 1958، وحلف المعاهدة المركزية عام 1964، ومنظمة التعاون الإقليمي للتنمية عام 1965، ومنظمة التعاون الاقتصادي 1985، ثم توسيع هذه الأخيرة عام 1992 لتضم أفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وكيرجيستان وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان. والموقع الجيواستراتيجي، حيث تمثل المنطقة التركية - الإيرانية ومجموع الأعضاء الجدد في منظمة التعاون الاقتصادي تجمعاً متماسكاً جغرافياً، يمتد من الهند والصين شرقاً، إلى مشارف أوروبا والبحر المتوسط غرباً، ومن جنوب روسيا شمالاً إلى الخليج العربي وبحر عمان جنوباً. إضافة إلى القواسم الثقافية والتاريخية لشعوب المنطقة في إطار ما يسمى الحضارة التركية - الفارسية. أما بالنسبة للمعوقات فتكمن في اختلاف طبيعة النظام السياسي في تركيا وإيران، وبالتالي وجود مؤسسات سياسية وطنية غير متجانسة، وانتهاج سياسات خارجية متناقضة. وضعف الاستقرار السياسي في إيران وتركيا وفي جمهوريات عديدة مجاورة. والأثر السلبي للطروحات المتطرفة لبعض الأوساط السياسية في كل من تركيا وإيران. ومنها المطالبة بإحياء التراث الإمبراطوري لتركيا، أو المطالبة بإعادة ترتيب الحود على أساس عرقي، مثل ما هو مطروح من طرف أنصار توحيد أذربيجان، وما تثيره الأبعاد الدينية في السياسة الخارجية الإيرانية والتيار المتشدد فيها من مخاوف إقليمية ودولية كبيرة. إضافة إلى تدخل القوى الكبرى في المنطقة، وخاصة سياسة الاحتواء والمقاطعة الأمريكية التي تقف ضد أي مشروع تعاون إقليمي تشترك فيه إيران مع جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز. وخلاصة الكتاب فتح انهيار الاتحاد السوفيتي المجال أمام تطلعات قوى دولية وإقليمية عديدة في آسيا الوسطى والقوقاز، أبرزها تركيا وإيران اللتان عملتا على استثمار المعطيات الحضارية والجغرافية والظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية لهذه المنطقة، وتقديم نموذج للجمهوريات الناشئة فيها. ولذا كان من الطبيعي أن تتسم علاقات هاتين الدولتين الإقليميتين بالتنافس، ومحاولة كل منهما موازنة نفوذ الأخرى وارتباطاتها الإقليمية والدولية. بيد أن هذا التنافس لا يعني غياب أسس موضوعية للتعاون، أهمها الروابط الحضارية المشتركة، وفشل كل منهما في الانضمام إلى أطر بديلة، وما يوفره التعاون من إمكانات ضخمة للمنطقة كلها.
وتتوقف سياسات الدولتين في هذه المنطقة على عوامل عديدة، أهمها حل التناقضات الداخلية، والقدرة على تلبية حاجات الدول الناشئة المتطلعة إلى دوريهما، ومواجهة نفوذ القوى الكبرى، وخاصة الأمريكي، والروسي الذي لا يزال المحدد الأبرز لسياسات المنطقة

آسيا الوسطى والقوقاز في السياسة الخارجية لإيران

عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وجدت إيران في شمالها مجموعة من الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي، كذلك واجه العالم وضعًا جديدًا عليه التعامل معه من مختلف زواياه، ومن جانب إيران، أثر ذلك على المعاهدات الحدودية البرية منها والبحرية، ونظرًا لأهمية وضع الدول آسيا الوسطى والقوقاز في السياسة الخارجية لإيران، تم تخصيص جلسة ودراسة علاقة هذه الدول بالعالم بصفة عامة، وإيران بصفة خاصة مع الوضع في الاعتبار العلاقات التاريخية والحضارية بين هذه الدول وإيران، ومن الطبيعي أن تقتصر الدراسة على فترة السنوات العشر التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد شارك في هذه الجلسة السيد الدكتور "سيد كاظم سجاد بور"، رئيس معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية، المهندس "عليوضا الشيخ العطار" رئيس فريق دراسات آسيا الوسطى، والقوقاز بمركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام، دكتوره "إلهة كولايي" عضو مجلس الشورى الإسلامي، دكتورة "سعيدة لطفيان" عضو اللجنة العليا بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة طهران، دكتور "سيد أسد الله أطهري" الباحث وعضو أسرة تحرير دورية دراسات الشرق الأوسط, وإليكم أهم ما تناولته مناقشات هذه الجلسة. الدي نشرتها موقع البينة الالكتروني في العام 2001م
د. أطهري: أعقب انهيار الاتحاد السوفيتي قيام دول مستقلة في آسيا الوسطى والقوقاز، تلك الدول التي كانت في طي النسيان وقت الحرب الباردة، وكانت تعد من المناطق النائية، على الرغم من تمتع تلك المناطق بأهمية خاصة، ففضلاً عن توافر مصادر الطاقة في أذربيجان، تتمتع آسيا الوسطى بموقع جغرافي هام يربط آسيا وأوروبا، وتلك المنطقة أيضًا قريبة من الصين، الهند، روسيا، إيران، وباكستان، وهي تزخر باحتياطيات هائلة من المواد الهيدروكربونات، الذهب, النحاس، اليورانيوم والفلزات الثقيلة الأخرى، وللاختصار تحتوي آسيا الوسطى على كافة العناصر المذكورة في جدول "مندوليف". وليس غريبًا أن يطلق عليها العلماء "منطقة قلب آسيا".
أما منطقة القوقاز، فتقع إلى الجنوب الغربي من روسيا، ويحدها من الغرب البحر الأسود وبحر أزوف ، ومن الشرق بحر قزوين ومن الشمال السواحل الجنوبية، والجنوبية الغربية لجمهورية إيران الإسلامية.
ومما تقدم يتضح أنها تلتقي مع آسيا الوسطى من خلال ثلاثة من المواقع المذكورة.
بعد هذه المقدمة التوضيحية، سنتناول بالبحث مكانة هذه المنطقة في السياسة الخارجية العليا لجمهورية إيران الإسلامية:
د. سجاد بور: تمثل دول آسيا الوسطى مكانة هامة للغاية في سياساتنا الخارجية، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: لمجاورتهم لنا وارتباطهم بالثقافة الإيرانية، حيث تمتزج في هذه الدول الثقافة العامة بالثقافة الإيرانية، ويتضح هذا من خلال أسماء الأشخاص والمدن، والسوابق التاريخية توضح ذلك.
ثانيًا: وقوع هذه الدول في كتلة اليابسة وعدم اتصالها بأي من البحار وخطوط الملاحة الدولية.
ثالثًا: على الرغم من تواجد تلك الدول تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي في صورة أقوام مختلفة، أو جزء من الاتحاد السوفيتي، إلا أنه عقب انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت دولاً مستقلة حازت اهتمام العالم. وأصبحوا جيرانًا لدولة إيرانية، ومع مراعاة هذا النوع من المجاورة، فمن الطبيعي أن يشغلوا جزءًا هامًا من سياستنا الخارجية.
هناك نقطة أخرى يجب إلقاء الضوء عليها، ألا وهي أن هذه الدول تعد من نقاط القوة في السياسة الإيرانية الخارجية، ويرجع السبب في هذا إلى أنه على الرغم من الإخفاقات الإيرانية في المنطقة، إلا أن إيران لم تواجه بمشاكل كبرى في تلك المنطقة، ولم يلحق بها هزائم رئيسية فعلية، وتبدو هذه النقطة جلية من خلال تقبل شعوب المنطقة للممارسات الإيرانية في مقابل الممارسات الدولية, وتحسب هذه النقطة لصالح السياسة الخارجية الإيرانية، ولا بد أنها تعود إلىالعوامل الجغرافية التي تتمتع بها إيران. وبصورة إجمالية تحظى هذه الدول بمكانة رفعية في السياسة الخارجية الإيرانية، لا بد وأن تعمل على تنميتها والحد من ارتباطهم بروسيا. مرة أخرى أؤكد أنه لا بد أن توضع هذه المنطقة ضمن أولويات السياسة الخارجية الإيرانية.
المهندس "عليوضا الشيخ العطار": من وجهة نظري، يجب أن نبحث وضع إيران في هذه المنطقة من خلال عدة أطر رئيسية والتي أهمها على الإطلاق، الإطار الحضاري حيث تدور تلك الدول في الفلك الحضاري الإيراني، ليس فقط بعد الإسلام ولكن أيضًا قبل الإسلام، لذا تشكل العلاقات الثقافية مع إيران أهم عوامل هذا الإطار، فعلى الرغم من مرور 170 عامًا وهم بعيدون عن إيران و 70 عامًا تحت السيطرة الشيوعية، إلا أنهم ما زالوا متأثرين بحضارتنا.
ويتضح ذلك في أنهم من أجل الخروج من دائرة الهوية الروسية، بحثوا في ماضيهم لبعث هويتهم من جديد، فلم يجدوا إلا الحضارة الإيرانية، ممثلة في الشخصيات القومية لهذه الدول، فنجد منهم على سبيل المثال قبل الإسلام "ياربد"، وبعد الإسلام "الفارابي" وابن سينا والرودكي"، ولا دعٍ للقلق في نسبة تلك الشخصيات لهذه الدول فيمكننا أن نطلق عليهم ممثلينا في الميدان الدولي.
د. سجاد يور: في سياق حديثنا، يجب التركيز على أن هذه الدول تشكل كتلة يابسة لا تتصل بأي من الطرق البحرية والملاحية سوى جورجيا التي لا تعتبر جار مباشر لنا.
د. كولايي: من منطلق وضع آسيا الوسطى والقوقاز في سياستنا الخارجية، يمكننا أن نطلق على هذه المنطقة اسم حوض بحر قزوين، وكذا يمكن لهذه المنطقة أن تدفع سياساتنا الخارجية لمكانة أفضل، وذلك بالاستفادة من الفرص، الظروف، الأوضاع والإمكانيات التي كانت متاحة في الماضي.
ومن الطبيعي أن تكون البداية، الوقوف على أهداف السياسة الخارجية العليا لجمهورية إيران الإسلامية وتجزئة عناصرها ومكوناتها وإعلانها، ثم بحث التوجهات التي حكمتها خلال السنوات الماضية، والتوجهات المختلفة التي تم تطبيقها في المنطقة، ثم بحث الأهداف التي يمكن أن تحققها حكومة قومية والأهداف التي يجب أن تطبقها حكومة أيديولوجية، بالإضافة إلى بحث كافة التوجهات الخاصة بالسياسة الخارجية لإيران في تلك المنطقة.
من المحتمل -في تصوري- أن الدلائل في هذا الميدان توضح فشل السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، وهذا الأمر مرتبط بصورة مباشرة بنظرتنا لهذه المنطقة وأولوياتنا فيها، وتخطيطنا لها، من منطلق تعريف أنفسنا بأننا حكومة قومية أو أيديولوجية، وأساس العمل في تلك المنطقة في ظل الاحتياجات والمتطلبات الموجودة بها، هو ما يشار إليه في السياسة الخارجية بتطابق البيئة العملية مع البيئة الفكرية والروحية.
في تصوري، أننا غير قادرين على الاستفادة الكاملة والصحيحة من مكانتنا الخاصة في تلك المنطقة، وكذا الفرص المتاحة لنا لتأمين مصالحنا القومية، ومرجع ذلك الجهل بتطورات المنطقة والتي من جملتها مفهوم الاستقلال.
من وجهة نظري، أن تلك المنطقة، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ولبعدها عن العالم الإسلامي، وبسبب علاقاتها التاريخية والثقافية مع جمهورية إيران الإسلامية، قد وقعت فريسة مجموعة من الظروف التي يجب الإلمام بها ومعرفتها معرفة تامة. وبعد ذلك وبالاستفادة من العلاقات التاريخية والجغرافية، يمكننا صياغة رؤية واقعية تكون نقطة انطلاق للسياسة الخارجية الإيرانية في آسيا الوسطى والقوقاز.
د. لطفيان: من خلال ما قمت بإعداده من أبحاث، يتضح أن الأولويات بشأن تلك المنطقة مختلفة ومتشعبة، لكن بخصوص قضية الجوار، التي أشار إليها د. "سجاد بور"، فمن المحتمل أن تكون أهمية تلك المنطقة بالنسبة لنا، أكبر من أهمية الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت لا تقل أهميتها عن منطقة الخليج بالنسبة لنا.
إننا الآن بصدد التفكير في استقلال دول تلك المنطقة، ومع ذلك ، ما زال الجهل سائدًا حول مكانتها وموقعها, وبالمقارنة بما تنفقه الخارجية في مناطق اهتمامنا، نجد أن كلفة تلك المنطقة باهظة، وهناك إهدار للمصادر القومية. كما أننا لا نضع في اعتبارنا المكانة الجغرافية السياسية التي تميز علاقاتنا مع هذه الدول عن سائر علاقاتها مع الدول الأخرى، ومن المؤكد أن الفرصة سانحة لتحديد مصير جمهورية إيران الإسلامية في هذه المنطقة.
يمكننا تقسيم الدول المعنية بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز إلى مجموعتين: الأولى جغرافية استراتيجية, يعني أولئك الذين يمكنهم القيام بدور فعال في المنطقة، ولديهم العزم على ذلك مثل روسيا، أمريكا، ألمانيا، فرنسا والصين. والمجموعة الثانية تمثل قطبي الجغرافيا السياسية وهما الدولتان المحيطتان بالمنطقة, يعني جمهورية إيران الإسلامية وجمهورية تركيا. هاتان الدولتان، وبسبب الموقع الجغرافي والجغرافيا السياسية لهما تأثيرها في السياسة الخارجية لهذه الدول، سواء وافقت باقي الدول أو رفضت. بمعنى أن ممارسات السياسة الخارجية الإيرانية تشكل أهمية بالغة بالنسبة للمهتمين بهذه المنطقة، فمن المؤكد أن تكون تلك الممارسات باهظة التكلفة بالنسبة لإيران، ومن الممكن أن تكون هناك مصالح كبرى للمشاركين لإيران تدفعهم لتقديم المساعدات وصولاً لأهداف سياستهم الخارجية، ومن جانبي، أؤيد الرأي القائل بأن هذه المنطقة قد خلقت مناخًا جديدًا من التهديدات لإيران؛ لأن مجاورتنا لثماني دول، إذا دارت في فلك البلقان وأوراسيا، سيكون لها تأثير سلبي مباشر علينا، أما إذا دارت في فلك أوروبا ومجالات التنمية فإن تأثيرها الإيجابي سينعكس علينا بصورة مباشرة. أما بخصوص زيادة فرص التبادل التجاري لإيران مع دول هذه المنطقة، إننا لا نقوى على منافسة السلع الأمريكية والروسية الصنع، ولكننا ننفرد بسلع أخرى يمكننا المنافسة من خلالها مثل حلوى أصفهان والمواد الغذائية، من ناحية أخرى هناك تخوف من أن تحتل تركيا موقعنا هناك في سوق المواد الغذائية.
د. أطهري: هل تعتقدون أن تعاقب الأجيال في إيران له تأثيره على السياسة الخارجية؟
د.سجاد بور: يمكن القيام ببحث مستقل حول تعاقب الأجيال وتأثيره على السياسة الخارجية، يقوم على إحصائيات عن الجيل الجديد على مستوى العالم, وما هي متطلبات سوق العمل, والنظرة إلى البيئة المحيطة ومدى تأثيرها على السياسة الخارجية، أما بحثي هذا فهو يعني بدراسة كافة الجوانب القومية والتي تؤثر في السياسة الخارجية بصورة مجملة. على الرغم من أنه صحيح -من الناحية النظرية والتنفيذية- هناك تقسيمات لإدارة السياسة الخارجية، مثل قطاع إدارة السياسة الخارجية الذي يتكون من عدد من المندوبين، كمندوبي السفارات، إلا أن هذه المندوبية ترتبط بالكيف والقدرة.
د. أطهري: هناك اتفاق في وجهات النظر حول مكانة إيران في هذه المنطقة من منظور الأطر الحضارية الاقتصادية والأمنية، كذلك الفرص التي يوفرها هذا الجوار، لكن إلى متى تظل هذه المكانة تحت تأثير العلاقات الإيرانية الروسية؟ إن النظرة الإيرانية لروسيا، كانت على الدوام سلبية، وذلك بسبب الفكر الاستعماري الروسي، والحروب التي خاضتها إيران مع هذا البلد، وإن اختلفت الرؤى بعد ثورة أكتوبر 1917 والتي لولا قيامها -كما يقال- لظلت الأراضي الإيرانية ترزخ تحت نير الاستعمال الروسي والإنجليزي، وقد نتج عن هذه الثورة إلغاء معاهدتي 1907، 1915 كذلك حدث نوع من التقارب بين البلدين عقب اتفاقيتي 1921، 1940, وبعد الثورة الإسلامية اتسمت العلاقات بين البلدين بالسلبية، وقد تجلى ذلك من خلال الموقف الروسي أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ظلت روسيا تعمل في المنطقة من خلال الكومنولث الجديد لحفظ السلام من خلال اتفاقيات ثنائية، مثلما حدث في طاجيكستان وجورجيا، وسفر فلاديمير بوتين الأخير إلى أذربيجان، والجدير بالذكر أن روسيا تقوم بذلك كمؤسسة أمنية وتعاونية لأوروبا، وخلاصة القول أن هذه المنطقة تمثل أهمية بالغة لروسيا، والسؤال الآن إلى متى تظل مكانة إيران في هذه المنطقة خاضعة لتأثير العلاقات الإيرانية الروسية؟
خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، ضعفت أهمية المنطقة لقلة التوجهات التكنولوجية وعدم الاستفادة من العامل الجغرافي والنظرة الجغرافية السياسية في التعامل مع قضايا المنطقة، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتطورات التي شهدتها منطقة آسيا الوسطى والقوقاز ومنطقة بحر قزوين، كان من الضروري إعادة طرح هذا المفهوم تحت مسمى موضوع مؤثر وغاية في الأهمية ,وتعد جمهورية إيران الإسلامية عاملاً أكثر تأثيرًا من روسيا في التطورات التي تشهدها هذه المنطقة؛ نظرًا للنسيج الاجتماعي والشعبي والميراث التاريخي والثقافي في آسيا الوسطى, والضغط على إيران للكف عن التدخل في قضايا طاجيكستان، يوضح أثر هذا التواجد بوضوح هذا مع الوضع في الاعتبار التغير الذي طرأ على السياسة الروسية تجاه إيران، الشرق الأوسط، العالم وانعكاسه على علاقة روسيا بدول آسيا الوسطى والقوقاز في المجال الأمني وتأثيره على النظرة الدولية الروسية، تتضح أهمية تحديد هذه المكانة ودور المنطقة في رسم السياسات الإيرانية، وبشكل خاص الاهتمام بنوعية العلاقات الإيرانية الروسية كأحد العوامل المحورية المؤثرة والتطورات التي أشرنا إليها تحت تأثير الرغبات الغربية التي كانت تسيطر على روسيا وكيفية تنظيم علاقة روسيا بالجمهوريات في آسيا الوسطى والقوقاز.
فروسيا بصدد تنظيم علاقات مع هذه الجمهوريات من منطلق جديد، حيث نشاهد تغيرًا كاملاً في النظرة الأمنية الروسية بالنسبة لانعكاس التطورات في المنطقة على الأمن القومي الروسي، وهو الأمر الذي يجب أن ننسبه لفترة تولي "يفيجيني بريماكوف" وزارة الخارجية الروسية, والواقع أن سياسة "بوتين" سواء في الشرق الأوسط أو مع الجمهوريات المستقلة هي استمرار لسياسة "بريماكوف".
ومما سبق يتضح أن العلاقات الإيرانية الروسية كانت عاملاً محوريًا في تنظيم العلاقات في المنطقة وتنظيم العلاقات بين كافة الأطراف المعنية مع هذه الدول، خاصة في المجالات الاقتصادية والسياسية.
د. أطهري: أرجو من السيد المهندس الشيخ العطار ، في توضيحه لمكانة إيران في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، أن يشرح الرأي القائل باتباع إيران سياسة الدوران في الفلك السياسي الروسي والاعتقاد السائد بنظرة إيران إلى الغرب، حتى أن الروس أنفسهم يتهموننا بذلك، ولماذا لم يشكل اللوبي الروسي في إيران؟ وهل للعامل الثقافي والنظرة السلبية للإيرانيين تجاه روسيا أثرهما في هذا المجال؟ ومراعاة ما تفضلت به د. "كولايي"، فإن العلاقات الإيرانية الروسية ما زالت قاصرة على المجال العسكري الأمني فقط.
المهندس الشيخ العطار: بداية يجب الحديث عن وضع روسيا في المنطقة من الناحية التاريخية فلا يمكن اعتبار أن هذه المنطقة روسية؛ لأن سكانها لا ينتمون لروسيا من ناحية الأصل، اللغة، المذهب، الدين والثقافة، أو مستعمرة روسية كما هو الحال في المستعمرات الأوربية في الهند وأفريقيا, وحتى خلال عصر القياصرة فشلت السياسة الروسية في صياغة هذه المنطقة بالصيغة الروسية، أما في العهد الشيوعي، فقد كان المفكرون وكبار رجال القوقاز يفاخرون بقوميتهم ومجابهتهم للروس، وكبار المفكرين الذين فتحوا نوافذ الفكر الغربي أمام إيران مثل "آخوندزاده" "طالبون" كانوا يخفون تبعيتهم لروسيا, وحقيقة الأمر أن أهالي هذه المنطقة كانوا مستائين من الروس ويثورون ضدهم.
هناك نقطة أخرى يجب تناولها وهي الأهمية الخاصة لهذه المنطقة لروسيا من الناحية الاقتصادية والأمنية, فمن الناحية الاقتصادية وقبل اكتشاف مصادر الطاقة في تلك المنطقة، كان الروس متضررين من دفع التكلفة في هذه المنطقة التي يعتبر أهلها مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، وإن اختلف الوضع بالنسبة لأذربيجان وأرمينيا وجورجيا في العهد الشيوعي وعقب اكتشاف مصادر الطاقة بها, أما من الناحية الأمنية فقرب المنطقة من أوربا والبحر الأسود ووجود أقليات غير مسلمة وأرثوذكس في جورجيا وأرمينيا كان له انعكاسًا على الجانب الاقتصادي.
نقطة أخرى نلقي الضوء عليها وهي التفرقة في المعاملة بين أهالي آسيا الوسطى والقوقاز، ففي عهد القياصرة والعهد الشيوعي، كان للقوقاز مكانة خاصة في السياسة الروسية، وقد شغل العديد منهم مناصب رفيعة وهامة، وكان ستالين نفسه من جورجيا،وشغل عدد من الأرمن مناصب في الأجهزة الإعلامية والسياسية الداخلية والخارجية، وكان "حيدر علييف" نفسه -رئيس أذربيجان الحالي- الشخص الثالث في الحزب الشيوعي الروسي، وقد عملوا جميعًا على تنمية القوقاز وتحسين أوضاعها، وعلى النقيض نجد وضع التراكمة والقزاق والأوزبك.
نقطة أخرى وهي كراهية الشعب الإيراني للروس، والنظر إليهم على أنهم أحد الأسباب التي تشكل تهديدًا على أمن إيران من الحدود الشمالية، وبعد قيام النظام الشيوعي. صارت أكثر تهديدًا على إيران من ذي قبل, واتبع الاتحاد السوفيتي السياسة نفسها تجاه إيران، وظل هذا الموروث باقيًا بعد الثورة الإسلامية، وهنا يجب أن نسجل أن وزارة خارجيتنا تفتقر للمتخصصين في الشئون الروسية، وقد وضح ذلك خلال الجلسة الثقافية التي عقدها معهد الدراسات السياسية والدولية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، حقيقي لدينا محللون للشئون العربية والتركية والأوربية والغربية، لكن ما زالت الفجوة قائمة فيما يتعلق بالمحللين المعنيين بالشئون الروسية قبل الثورة وبعدها، لذا يجب العمل على توفيرهم طالما نظرتنا للقضايا الروسية منحصرة في العلاقات الأمنية.
خلال السنوات الأخيرة، تحسنت العلاقات وزادت معرفتنا بالروس، ولكن أعتقد أن معرفتنا بالروس ما زالت أقل بكثير من معرفتنا وتحليلنا لجيراننا الآخرين، وكذلك جيران روسيا الآخرين، واتفق في الرأي مع د. "كولايي" أن سبب إخفاقنا يرجع لتلك الأسباب، أننا كثيرًا ما نسمع أن هذه المنطقة كانت مستعمرة روسية، وأحيانًا يأتي الحديث على أنها مناطق تحررت من الاستعمار الروسي، على أية حال، هذا كلام يجانبه الصواب، يجب الإلمام التام بمكانة روسيا ودورها في المنطقة لأن جهلنا بهذا سيؤدي إلى مزيد من تخبطنا.
د. لطفيان: أعتقد أن الروس يمكن أن يشكلوا عائقًا لنا في علاقاتنا مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، خاصة في المجالات التي تتعارض فيها مصالحنا القومية مع مصالحهم، مثل تقسيم مصادر الطاقة في بحر قزوين، ومد خطوط أنابيب لنقل مصادر الطاقة إلى المياه الدولية، وأيضًا في المجالات التي تتفق فيها المصالح والتي يجب أن نؤكد عليها بصورة أكبر، من وجهة نظري تمثل علاقاتنا الحالية مع روسيا أهمية كبيرة بالنسبة لإيران، ويشغل البعد الاقتصادي جانبًا أكثر أهمية من البعد الأمني، ومن المعروف طبقًا للتقديرات الروسية أن هناك خسارة تقدر بـ 300 مليون دولار سنويًا لتنفيذ الاتفاقيات الأمنية بين البلدين، والتي ستدفع إيران بموجبها 7 مليارات دولار، وبالنسبة للجانب الإيراني يأتي البعد الاقتصادي في مرتبة تلي البعد الاستراتيجي.
والسؤال الآن: هل ترجع أهمية العلاقات الإيرانية الروسية إلى قدرة الجانب الروسي على تأمين احتياجات إيران في المجالات الأمنية العسكرية بدرجة أفضل من الآخرين؟ وهل تمكين الجانب الإيراني من الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، جعل الروس يعطون إيران الفرصة لإجهاض الحظر الأمريكي؟ وكما تعلمون، فإن العلاقات القائمة على تجارة السلاح لا تقتصر على النواحي الأمنية العسكرية فقط، ولكنها تحظى ببعد سياسي أيضًا، يمكننا شراء المعدات العسكرية ولكن مِن مَن؟ وأي دولة ستوافق على وضع أسلحتها بين أيدينا؟ إن هذه النقطة توضح أهميتنا كعارضين للتكنولوجيا.
أعتقد أنه يمكننا أن نحظى بمكانة مستقلة في المنطقة بعيدًا عن روسيا، ومن المحتمل أن نفس الشيء لدى دول آسيا الوسطى والقوقاز، نظرًا لقلقها من الارتباط بروسيا. وبعبارة أخرى، يشكل انضمام دول آسيا الوسطى والقوقاز إلى إيران نوعًا من حفظ توازن القوى في المنطقة. لذا قد يأتي تحسين علاقاتنا مع روسيا بنتائج عكسية في علاقاتنا مع بعض الدول لوجود نوع من الحساسية تجاه استقلالها وحريتها.
أما فيما يتعلق بالجزء الأخير من السؤال وهو وضعنا كقوة في المنطقة، نجد المنافسة قائمة بين إيران وتركيا من ناحية وروسيا وأمريكا من ناحية أخرى، فعلى سبيل المثال، أدت السياسات الأمريكية المتمثلة في توسيع حلف الناتو شرقًا وزيادة نفوذها في المنطقة -خاصة داخل الدول المنتجة للطاقة والمطلة على بحر قزوين- إلى قلق القادة الروس والإيرانيين، ودفعت روسيا للسعي لإقرار علاقات أمنية مجددًا مع بعض دول آسيا الوسطى. كذلك النموذج الذي ساقته د.كولايي بخصوص طاجيكستان، فطاجيكستان هي الدولة الوحيدة بين دول آسيا الوسطى التي توجد بها قواعد عسكرية روسية، وهناك تنسيق بين البلدين بشأن المناورات العسكرية والتدريبات التي تتم على الأراضي الطاجيكية، من جهة أخرى، يتسرب القلق إلى الجانب الأمريكي، خوفًا من أن تؤدي هذه العلاقات والمناورات العسكرية إلى استعادة روسيا لنفوذها في المنطقة مرة أخرى، وعلى الصعيد الروسي، نجد قلق الساسة الروس من توسع أمريكا تجاه دول آسيا الوسطى.
كذلك أدت المنافسة التركية الإيرانية في أسواق آسيا الوسطى إلىظهور نتائج غير مطلوبة، لكنني أعتقد أن أيًا من الدول الأربع لن تستطيع أن تسيطر تمامًا على المنطقة؛ وذلك لسببين:
أولهما: أن دول المنطقة التي قد أشرنا من قبل لحساسيتها تجاه استقلالها وحريتها لن تقبل بأي حال من الأحوال الدوران في فلك أي من الدول الأربع.
ثانيهما: المشكلات الاقتصادية والمشكلات الداخلية، والمشكلات السياسية لدى كل من إيران وتركيا، التي ستحول دون تحقيق أهداف سياستهما الخارجية.
والنقطة الأهم هي أن وجود تشتت في القضايا السياسية الخارجية، قد يتحول إلى لعبة خيالية بسيطة وقد عالجت الأبحاث الاستراتيجية هذه النقطة، سواء في الجانب الأمريكي أو الروسي، أو الأوروبي، أو حتى الجانب الإيراني، وأوضحت النتائج أن العلاقات الخارجية المفككة غير المترابطة يمكن أن تتحول إلى لعبة بسيطة جدًا.
نقطة أخرى من النقاط التي تشكل تهديدًا على الأمن القومي الإيراني، ألا وهي النزعات الإقليمية واتحاد دول المنطقة في الوقت الذي يؤدي تعاون هذه الدول لحل مشكلاتها الأمنية الداخلية والاقتصادية، أو مشكلات التنمية لديها والمساهمة في حفظ أمن المنقطة بصفة عامة إلى نتائج إيجابية بالنسبة لإيران.
د. سجاد بور: إن أبحاث المشاركين قد دارت حول ثلاثة محاور، أولاً: بحث الأوضاع الروسية، ثانيًا: بحث نظرة المنطقة لروسيا، ثالثًا : العنصر الروسي في علاقة إيران مع دول المنطقة.
بخصوص روسيا ذكرت عدة نقاط لا بد من توضيحها، أولاً: تعتقدون أن النظرة الإيرانية تجاه روسيا كانت دائمًا سلبية وأريد أن أصحح هذا القول، إن نظرة إيران إلى القوة التي تريد أن تفرض سيطرتها على تلك المنطقة قد كانت سلبية، والمنطق هنا بسيط للغاية، فأية دولة سواء كانت روسيا أو حتى العراق، تريد أن تسيطر على إيران، فإن نظرة الشعب الإيراني إليها -مثله في ذلك مثل أي شعب آخر- ستكون سلبية وسينهض الشعب لمقاومة الهيمنة والسيطرة.
لكن السؤال الآن: هل نحن داخليًا ضد الروس؟ أعتقد أنه للإجابة على هذا التساؤل لا بد من إجراء بحث دقيق يقوم على الشواهد والأسانيد.
ثانيًا: على الرغم من نظرة إيران لمكانة روسيا في الدول الأخرى، إلا أن التطورات الروسية كانت ذات أثر عميق على إيران من الناحية الأمنية والفكرية، فكافة الأبحاث التي تناولت انهيار الاتحاد السوفيتي والوضع الداخلي في روسيا، توضح أن مفكري إيران قد طرحوا الأمور المتعلقة بالسوفيت، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال أحاديثهم وقد كان لهذه الأبحاث تأثيرًا عميقًا.
لكن بخصوص روسيا والمنطقة، هناك وجهتا نظر مختلفتان بين الخبراء والمعنيين بالشئون الروسية، أولاهما: أن الروس كانوا في كنف السلطة الكلاسيكية التي بدأت في القرن السابع عشر واستمرت حتى بعد الشيوعية، وثانيهما: أنه بنفس قدر تواجد تلك السلطة، كان للروس دور إيجابي في تنمية تلك المنطقة، والواقع أن النظرة للروس كمستعمرين لتلك المنطقة، لم تجد لها سبيلاً لدى الخبراء والمعنيين بالشئون الروسية في إيران، وقد جرت في روسيا أبحاث مشابهة كان فحواها جدوى بعض دول المنطقة مثل طاجيكستان, هل يرسلون إليها جنود روس ليقاتلوا, أو يرسلون إليها مهندسين وخبراء لإنجاز الأعمال والتعمير؟ الشيء المؤكد أن روسيا قد حققت فوائد جمة من تلك المنطقة خلال القرون الثلاثة الماضية، وفي نفس الوقت أجبر الروس على توفير مجالات التنمية لهذه المنطقة، والتي أثمرت نشر التعليم، وتنمية المؤسسات العلمية والجامعات التي رفعت دول هذه المنطقة لمصاف العالم الثالث، أما عن الأحوال المعيشية لشعوب تلك المنطقة، فلم يكن في الإمكان أبدع مما كان. نقطة أخرى هامة وهي أن بعض النخبة من أهالي المنطقة كان يطالب باستمرارية الاتحاد السوفيتي والحيلولة دون انهياره وقيام دول مستقلة بدلاً منه، ومن بينهم عسكر أقايف، جرى هذا على الرغم من تشكيل جبهة مضادة كانت تقاوم جديًا للاستقلال عن الاتحاد السوفيتي، والتي مثلتها منطقة القوقاز، وفي مقابلها أذربيجان التي شهدت مقاومة ضد الروس خلال سنوات 1990 - 1991 وكانت استجابتها للانفصال بدرجة أقل قياسًا بأبحاث الحريات السياسية، لذا يجب أن تؤخذ كل تلك النظريات والتوجهات في الاعتبار من حيث الدراسة والتحليل.
آخر نقطة هي التقسيمات الجغرافية وقيام جمهوريات مستقلة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، فمثلاً قبل مائة عام، لم يكن لدينا دولة تعرف بطاجيكستان، على الرغم من قدم العهد بالقومية الطاجيكية الناطقة بلغة فارسية لا تقل عن فارسية إيران، كذلك لم يكن لدينا جمهورية تعرف باسم تركمانستان، وهدفي من إلقاء الضوء على هذه النقطة هو توضيح مدى الارتباط وعلاقة تلك الدول بروسيا، والتي تزيد بكثير عن ذاك الذي يمكن اعتباره انفصالاً طبيعيًا وذاتيًا عن جسد الاتحاد السوفيتي، وفي النهاية أود الحديث عن نقاط ثلاث تتعلق بالعنصر الروسي في علاقة إيران بتلك المنطقة:
أولاً: إن كلاً من إيران وروسيا تشكلان نقاط ارتكاز رئيسية ومتساوية في هذه المنطقة، كما أن هذه المنطقة الفاصلة بين إيران وروسيا العامل الرئيسي فيها هو الجغرافيا السياسية، وعلى الرغم من الاتفاقيات الموقعة لم تعد هذه المنطقة مجالاً روسيًا خالصًا، بل من الطبيعي تسميتها بالمنطقة الفاصلة بين البلدين.
ثانيًا: من الناحية الهيكلية، يمثل البلدان الموانئ الشمالية والجنوبية لهذه المنطقة، وعلى الرغم من ذلك، فالخلاف على أشده في العلاقات بين البلدين وشعوب المنطقة، وعلى الرغم من نقاط الاتفاق الموجودة في هذا الشأن، إلا أنه لا يجب إطلاقًا إغفال نقاط الاختلاف، والقضية التي تطرح على أرض الواقع حتى الآن في علاقة إيران وروسيا بتلك المنطقة، هي تبعية شعوب المنطقة لإيران في المحافل الدولية والمناسبات العالمية، خاصة علاقات إيران مع الغرب، التي
تحظى باهتمام زائد، وفي هذا الصدد تبرز قضية التسليح الإيراني، فعلى الرغم من تنمية العلاقات الإيرانية الأوربية، إلا أن أوروبا تتبنى الجانب الأمريكي بشأن تسليح إيران، لذا فإن الخيارات الإيرانية للتسليح محدودة، ويمكننا إجراء بحث وحوار في هذا الصدد، والاهتمام بهذه النقطة غاية في الأهمية، حيث تأتي العلاقات الإيرانية الروسية في مجال التسليح متزامنة مع العلاقات الروسية الأمريكية وقد كان موضوع التسليح الروسي لإيران مطروحًا على مائدة المفاوضات في لجنة "تشرنومردين جور" وختامًا أريد أن أشير إلى عدم الحاجة للأحاديث المفرطة للآمال والمفعمة بالخيال بعيدًا عن واقع العالم، بل إن الواقع أن هذه المنطقة متصلة اتصالاً وثيقًا بالأبعاد المختلفة للسياسة الخارجية الإيرانية والروسية.
د. أطهري: هل يضاف لهذا البحث أيضًا زيادة وزير الدفاع الروسي الأخيرة إلى إيران والمباحثات التي دارت خلالها؟
د. لطفيان: لا أريد الخوض في الحديث عن زيارة وزير الدفاع الروسي، وذلك ليقيني بأن ما نشرته وزارة الخارجية في هذا الصدد لا يتعدى التصريحات الرسمية، والدراسات ذات الحساسية لا تقوم على هذه التصريحات, لكنني أريد أن أطرح نقطة أخرى خاصة بلجنة "تشرنومردين جور" التي أشار إليها د. "سجادبور" هناك خطأ يقترفه الغرب في حق إيران بسبب موافقة روسيا على بيع تكنولوجيتها المتقدمة لإيران واستكمال المنطقة العسكرية في بوشهر.
والقلق السائد من الغرب، والذي أكدته الولايات المتحدة الأمريكية مرارًا وتكرارًا، بسبب تحول إيران بصفتها دولة مسلمة إلى دولة نووية، وإمكانية تحولها إلى دولة مهيمنة في المنطقة، لا يرجع إلى الخوف من تهديد الولايات المتحدة فقط، لكن يتخطاه إلى تحول إيران لدولة مصدرة للسلاح، وخاصة للدول المفروض عليها حظر تسليحي من الغرب، مثل سوريا، مما سينعكس على تغيير موازين القوى في المنطقة، خاصة إذا ما تمكنت إيران من إدخال تعديلات على التكنولوجيا الروسية وزيادة مدى الصواريخ التي لديها، ولا يقتصر القلق في هذا الشأن على الأمريكيين فقط، بل انتقل إلى الروس أيضًا، فهم لم يطلقوا أيدينا لسد احتياجاتنا من الأسلحة وتنويع مصادر السلاح، بل سعوا من خلال جميع الاتفاقيات، لوضع القيود على تطويرنا لأسلحتهم.
د. أطهري: ما هي الآثار المترتبة على زياردة وزير الدفاع الروسي الأخيرة لإيران؟ وهل وافقت روسيا لإيران على تنويع مصادر السلاح.
المهندس الشيخ العطار: سأبدأ من حيث انتهى د. "لطفيان" هذا الفرض محض خيال، ويتضح ذلك إذا ما قارنا التعاون العسكري الروسي مع كل من إيران والهند، فعلى الرغم من البعد الجغرافي للهند، وعلى الرغم من أن علاقاتها مع إيران أفضل بكثير من علاقة إيران بالغرب، إلا أن تعاونها العسكري مع روسيا يفوق التعاون العسكري الروسي مع إيران بعدة مراحل. لذا يمكننا القول: إن زيارة وزير الدفاع الروسي لإيران تأتي أكثر في صالح الإعلام الغربي عنها لإيران، حيث لم تشهد الزيارة توقيع أية اتفاقيات ولم تحتو على أية خصوصيات وقد تقرر، خلال الزيارة التي سيقوم بها السيد خاتمي لموسكو تمديد العمل بالاتفاقيات التي وقعها السيد "هاشمي رفسنجاني"، عند زيارته لروسيا في عهد "جورباتشوف" قبل عشر سنوات، وتلك أيضًا موضع بحث.
بناء على ما تقدم، فلا صحة إطلاقًا لما أشيع عن شراء إيران معدات عسكرية من روسيا بقيمة سبعة مليارات ونصف المليار من الدولارات خلال زيادة وزير الدفاع الروسي لإيران، أما فيما يتعلق بالمباحثات التي دارت خلال الزيارة، فأهم ما اشتملت عليه، والذي أبرزته وسائل الإعلام تأكيدات وزير الدفاع الروسي أن إيران ليست سوقًا للسلاح الروسي، وأن الزيارة توضح النظرة الروسية لإيران كبلد صديق واستراتيجي، ومن وجهة نظري، تمثل هذه النقطة أهم نتائج الزيارة.
د. أطهري: أعتقد أنه من الأجدى العودة إلى قضية الدول الأربع المهتمة بشئون المنطقة المحيطة, من رأيي أنه لن تثار مشكلة إذا ما خضعت المنافسة بين إيران وتركيا من ناحية، وروسيا وأمريكا من ناحية أخرى، لأسس وقواعد محكمة فمن المؤكد أن الخلاف بينهم قائم, ولكن في هذا الإطار لن يتحول إلى معارضة، وسيكون في إطار المجالات السياسية والاقتصادية لتلك المنطقة.
د. كولايي: لو أجرينا تحليلاً للتنافس بين الدول الأربع، على جانب من القضايا التي أشرنا إليها فيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية الروسية في آسيا الوسطى، فمن الضروري رصد الأهداف التركية والأمريكية في تلك المنطقة, فعقب انهيار الاتحاد السوفيتي وقعت الجمهوريات المستقلة بين خيارين، أولهما: الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي يمكن أن تمثل نموذجًا جديدًا للتشيع، وثانيهما: الذي تقدمه تركيا، ونلاحظ أن هناك اختلافًا في تواجد الدولتين، وعلى الرغم من التعاون القائم بين دول المنطقة في إطار منظمة "إيكو" إلا أن هذا الاختلاف لا يقبل الإنكار، وأيضًا نتائج منظمة "الأيكو" توضح مدى جدية هذا الاختلاف في وجهات النظر، إن التطورات التي شهدتها المنطقة، وكما أشار المشاركون لم تكن عن رغبة دول المنطقة في الاستقلال، وأن ما حدث كان انعكاسًا لما شهدته روسيا من تطورات، لذا كان لزامًا على جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز تبوؤ مكانتهم الجديدة, وإقامة علاقات خاصة بهم, واختيار شركائهم التجاريين الجدد. ومن الطبيعي، في ظل هذه الظروف، أن تسعى إيران وروسيا وتركيا لنيل نصيبهم من هذا الاختيار، وفي هذا الإطار لا بد من مراعاة العامل الجغرافي، ومراعاة أن دول هذه المنطقة تشكل كتلة يابسة وليس لها حدود بحرية.
في عام 1992، وبعد انضمام دول المنطقة لمنظمة "الأيكو"، شكلت روسيا اتحادًا اقتصاديًا يسمى "اسلاف" بهدف ربط الدول الخمس المستقلة بها اقتصاديًا بعد فشلها في دخول منظمة "الأيكو" كعضو مراقب، وقد اعتبر أن قيام الاتحاد الاقتصادي "اسلاف" مؤشرًا لإزالة التهديدات التي صاحبت تنمية منظمة "الأيكو".
أما عن المنافسة التركية الإيرانية للتواجد في المنطقة، فهي تقوم على نموذجين: الأول ديني إيراني، والثاني علماني تركي، وتركيا تسعى لتثبيت نفوذها في المنطقة من منطلق تاريخي؛ دعمًا لارتباطها بالاتحاد الأوروبي، لذا طرحت تركيا بحث التوازن وتنمية الامبراطورية التاريخية التركية, لكن من المؤكد رفض هذه القضية لعدم اهتمامها بواقع المنطقة، وبالتالي عدم قبول فكرة الأخ التركي الأكبر أو الأخ الأكبر للمسلمين.
وباستثناء المنافسة بين إيران وتركيا في المنطقة، يجب الاهتمام بموقف روسيا وأمريكا باعتبارهما إطارًا مؤثرًا في العلاقات في المنطقة، أشرنا كثيرًا إلى نقاط الخلاف في وجهات النظر تجاه آسيا الوسطى والقوقاز، ومفهوم انفصال واستقلال الجمهوريات عن بعضها البعض في النصف الأول من عقد التسعينيات، هذه القضية في حاجة إلى إعادة النظر في النصف الثاني من نفس العقد، فلم ترغب روسيا ولا الجمهوريات في الاستقلال من الناحية الأمنية، يتضح ذلك من خلال الأحداث التي شهدتها جمهوريات: طاجيكستان، جورجيا مولدفيا والشيشان، كما يتضح من أن نظرة روسيا لتلك المنطقة تواجه برفض أمريكي قاطع، فالنظرة الأمنية الروسية لتلك الجمهوريات تواجه باستراتيجية أمريكية هي نفس استراتيجية السيطرة على فيدرالية روسيا، ولا شك أن هذا الوضع هو صحة جديدة لأفكار الحرب الباردة بين البلدين، لذا فقد وقعت العلاقات الإيرالنية التركية -على الرغم من النقاط التي أشرنا إليها- تحت تأثير التطورات في العلاقات الروسية الأمريكية فضلاً عن ذلك، وفيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية الروسية أعتقد أننا لم نهتم بالدرجة الكافية بظروف وإمكانيات ممارسة السياسة الخارجية الإيرانية بين باقي الدول المعنية بشئون المنطقة، وبالتالي فإننا لم نراع نقل وعناصر العلاقات بين روسيا وإيران، لدرجة أن بعض أوجه العلاقات القائمة تتيح الفرصة لفيدرالية روسيا، وتحقيق أهداف هذه الفيدرالية تلك الأهداف طرحت تطورات العلاقات الروسية الأمريكية وتجعل من روسيا تابعًا لأمريكا بصورة أكثر جدية. بناء على هذا ، يجب الاهتمام بالتنافس القائم بين إيران وتركيا للتنمية في آسيا الوسطى والقوقاز، مع الوضع في الاعتبار النظرة الأمنية الروسية والطوق الأمني الذي تطالب به روسيا, ورفض التعريف الأمريكي للإطار الأمني الروسي في المنطقة نبذًا للتبعية ورفضًا لأي تدخل أمريكي بهدف حل القضايا الأخرى المتعلقة بهذا البحث.
د. أطهري: أشارت د. "كولايي" باستفاضة إلى مفهوم نموذج التنمية الإيراني والتركي، إن تركيا لديها عدة قضايا للانضمام للاتحاد الأوروبي منها على سبيل المثال، توفيق قوانينها حماية حقوق الإنسان الحريات, كذلك ما يطرحه رئيس تركيا من انعدام الحرية العقائدية كل هذه القضايا توضح إلى أي مدى تركيا بعيدة عن الديمقراطية.
ثانيًا: أؤكد أن شعوب تلك المنطقة ترفض النموذج التركي للتنمية وذلك يتضح من عدم اكتراث الأقليات القومية به، وأيضًا التيارات الإسلامية، قضية أخرى أريد أن ألقي الضوء علهيا، نعتقد أن روسيا مدركة للخطة الأمريكية للمنطقة، فهل حقًا ما زال الروس يفكرون على طريقة الحرب الباردة بنفس القدر؟ يعني هل ننتظر من روسيا أن تلعب الدور الذي لعبته ضد أمريكا في فترة الحرب الباردة؟ لماذا يحاط موضوع مشاركة إيران في حلف "الناتو" بهذا القدر من الحساسية على الرغم من أنه يضم في عضويته غالبية دول العالم؟
هناك قضية أخرى تتعلق بالتركيبة الأمنية في المنطقة، ألا وهي قضية إسرائيل -آسيا الوسطى- تركيا, وإمكانية الربط بين آسيا الوسطى وإسرائيل عن طريق الأردن وهذه القضية على درجة عالية من الأهمية، وأخيرًا هناك نقطة أطرحها للمناقشة هي قرار جمهورية أذربيجان بمنح "الناتو" قاعدة على أراضيها.
د. سجادبور: فيما يتعلق بتركيا وإيران، فالملاحظ أن المنافسة بين البلدين هي ذلك النوع الذي يريده الطرفان الآخران, فإيران لا تسعى في زيادة المنافسة حتى تسبق تركيا في هذا المضمار, وتجدر الإشارة إلى تصريحات المسئولين الإيرانيين في تلك الفترة أن كلاً من الحرب المفروضة والسلام المفروض ليسا بالأمر الحسن، كذلك الحال في المنافسة المفروضة.
النقطة الثانية في المنافسة بين إيران وتركيا هي أن كليهما واقع تحت تأثير الظروف الداخلية العامة فالقطاع الخاص في تركيا أكثر فاعلية وجدية منه في إيران، أما السواد الأعظم من التعاملات الاقتصادية في إيران فيخضع للحكومة، وهو الأمر الذي انتهى في تركيا فمعظم التعاملات الاقتصادية يسيطر عليها القطاع الخاص، الذي وفق أوضاعه بالارتباط بالشبكات الدولية، وفي اسطنبول هناك قاعدة للشركات الكبرى متعددة القوميات والنموذج لذلك هو بنك "مانهاتن" أريد أن أؤكد على أهمية القطاع الخاص والتخلص من سيطرة إدارة الحكومة على هذه العلاقات.
النقطة الثالثة فيما يتعلق بإيران وتركيا، وهي التناقض في السياسة التركية تجاه تلك المنطقة، فالفكر "الأتاتوركي" هو المسيطر على السياسة التركية الخارجية، وليس من شك أن الاختلاف قائم بين الثورية والأتاتوركية، وقضايا الممكن والمحدود هي التي تفسح الطريق لأوروبا إلى آسيا الوسطى، لذا فتركيا أيضًا ليست في وضع مناسب.
د. سجادبور: حقيقة أن الخلاف قائم، ولكن ليس على النحو القائم في الدوائر الساسية، وليس واردًا تهميش أي من البلدين لدور البلد الآخر، أما بخصوص الدور الأمريكي، والذي يحوز أهمية فائقة من وجهة نظري، فهو أن السياسة الأمريكية في المنطقة تقوم على منع مد خطوط أنابيب البترول عبر إيران بهدف منع تنمية العلاقات الإيرانية مع دول المنطقة، ومن هذا يتضح أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران أيديولوجية، وهذه النقطة مهمة جدًا، والنقطة الثانية هي اتباع نفس السياسة ضد الروس وخاصة خلال الفترة التي مضت من حكم الرئيس بوش الذي تحتوي حكومته على مجموعة يكنون العداء لروسيا، ويتضح ذلك من خلال تاريخهم السياسي.
أما النقطة الثالثة فهي شركات البترول الأمريكية والضغط الذي تمارسه على الحكومة تحقيقًا لمصالحها المالية، وكانت آمالهم معقودة على بوش وحكومته ولكنهما خيبا آمالهم بأكاذيبهما، إننا الآن أمام عدة معادلات، هي: حكومة بوش الجديدة حديثة العهد بالحكم، وخاصة في مجال السياسة الخارجية. عدم الاهتمام بشئون السياسة الخارجية على كافة المستويات وبالتالي عدم الاهتمام بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز، يتزامن ذلك مع معاداة الروس, وفي رأيي أن حل كل هذه المعادلات يكمن في البترول.
المهندس "الشيخ العطار": لا شك أن للروس في هذه المنطقة حضور تاريخي له أبعاده الحضارية والعسكرية والاقتصادية، وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي وأثره على روسيا ودول المنطقة إلا أن روسيا لا تعتبر أن هذه المنطقة من خلال سياستها الخارجية خارج تلك السياسة, بل يطلقون عليها مصطلح "خارج قريب" وينظرون إليها كونها منطقة نفوذ ومنطقة حيوية بالنسبة لهم, ويرغبون في استعادة مكانتهم في تلك المنطقة، وتؤكد تصريحات المسئولين الروس بأن الانسحاب الكامل من جورجيا كان قرارًا خاطئًا، ما زالت آثاره تنعكس على الوجود الروسي في المنطقة، وفي الجانب المقابل، كان التواجد الروسي في أرمينيا إيجابيًا، وساعد في دعم المكانة الروسية في تلك المنطقة, نجد التواجد الروسي في حلف شنغهاي، والذي يضم في عضويته -فضلاً عن روسيا- الصين, قازاقستان، قرغيزستان, طاجيكستان، ومن المتوقع أن يعمل على تعزيز التعاون العسكري والأمني، والرغبة الروسية تلك لا تأتي من منطلق تحقيق مكاسب أكبر، بل لتقليل الخسائر الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفيتي وقيام الجمهوريات المستقلة، ومن المؤكد الآن أن البواعث الروسية في تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة قد ازدادت بسبب قضايا طالبان والشيشان والخطر الذي يستشعرونه من الإسلاميين من جهة أخرى، وعلى الرغم من محاولات التقارب الروسية إلى الغرب، إلا أن النظرة الغربية لروسيا كانت أدنى بكثير مما توقعه الروس، ويرى الساسة الغربيون أنه لا بد من الحذر من روسيا؛ لأن استعادتها لمكانتها ستجعلها أكبر وأقوى مما كانت عليه في زمن الاتحاد السوفيتي، ومن هنا نجد أن دول منطقة آسيا الوسطى والقوقاز نفسها قد سلكت هذا المسلك، ويتضح ذلك من خلال سعي جورجيا, أذربيجان, مولديفيا وأوزبكستان لإقامة اتحاد أمني –اقتصادي- عسكري مع الغرب، ولهذا يطرح بحث توسيع الناتو في الشرق بصورة جدية.
كذلك نتج عن وضع روسيا في المنطقة أن سمحت تركيا لأربعة سباحين أمريكيين بالإبحار في بحر قزوين، وهذه سابقة هي الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاقيات 1921، 1940 والتي أكدت على عدم السماح بتواجد قوات أجنبية من جانب الغرب في حق روسيا، قد يولد لديهم دوافع أقوى لاستعادة مكانتهم في المنطقة، وهذه السياسة واضحة منذ تولي بوتين مقاليد الحكم.
هناك دليل نسوقه على متانة العلاقات الروسية مع دول المنطقة وهو تركمانستان التي باعت الغاز التركماني لروسيا بسعر مناسب من خلال اتفاقيات طويلة الأجل بعد أن لهثت في أثره شركات البترول الغربية، مما دفع الشركات الإنجليزية التي كانت تسعى للحصول على اتفاقية الغاز إلى غلق مكتبها في عشق آباد معلنة عدم إمكانية اكتشاف آبار بترول جديدة في منطقة "آفشور" التركمانية في بحر قزوين. وبخصوص أذربيجان نجد الشعور بالارتياح يسود عقب زيارة بوتين لها وعدم الاعتراض الروسي على مرور خط أنابيب البترول من الأراضي الأذربيجانية، على الرغم من الضوضاء التي صاحبت خط أنابيب باكور -جيحون جاء الاتفاق على خط أنابيب بترول باكو- نوفروسك. في الواقع ارتباط هذه الدول بموسكو يؤكد أن الإلمام الكامل بدول آسيا الوسطى والقوقاز لا يأتي إلا من خلال المعرفة الكاملة بروسيا باعتبارها العامل الأساسي في هذه المنطقة. حتى أرمينيا التي تتمتع بلوبي قوي النفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكثر دول الكومنولث حصولاً على المساعدات الأمريكية، فتتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع موسكو، وعلى الرغم من أن الدعاية الأمريكية في صالح أذربيجان إلا أن المساعدات لصالح أرمينيا. أما بخصوص تركيا فالمسئولون الأتراك يدركون جيدًا أن التورانية، اللغة التركية، مجموعة الأتراك والذئب الرمادي ، ليست إلا شعارات لا تلقي صدى لدى شعوب تلك المنطقة؛ حيث اللغة التركية هناك غير مفهومة، والتعامل بين هذه الدول يأتي باللغة الروسية في المقام الأول، وذلك لعدم فهمهم لغات بعضهم البعض، إن هدف تركيا هو زيادة نفوذها في منطقة تعتبر منطقة حضارة إيرانية وقوة روسية، في الواقع أن سعي تركيا لزيادة نفوذها في هذه المنطقة يأتي كونهم مندوبين للغرب، أمريكا, الناتو وبمساعدة إسرائيل، وتنفيذ هذه المخططات يأتي من خلال مراكز قوى داخل تركيا وليس عن طريق الحكومة التركية، وهنا يلزم أن نصرح أن نفوذ تركيا في آسيا الوسطى والقوقاز لن يقوم على العلمانية، يتضح ذلك من خلال نشاط الإسلاميين الأتراك، سواء حزب الفضيلة أو من هم أكثر تشددًا منه، في تفعيل القطاع الخاص التركي، والذي يمثل العمود الفقري في العلاقة بين تركيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز، لذا فإن النموذج العلماني التركي في تلك المنطقة يواجه فشلاً ذريعًا. أما من ناحية التورانية فقد ثبت أيضًا فشلها وتعارضها مع الأتاتوركية، فضلاً عن كونها تضعف من فرص تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، ونستطيع أن نستدل على مكانة تركيا بين دول تلك المنطقة، من خلال عقد مقارنة بين التبادل التجاري التركي مع كل من روسيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز، لنجد أن الكفة تميل لصالح روسيا عنها في دول آسيا الوسطى والقوقاز. وكذلك في مجال الاتفاقيات الموقعة بين تركيا وروسيا، فهي تفوق تلك الموقعة بين تركيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز عددًا، مما يعني أن تركيا أكثر توفيقًا مع روسيا عنها مع الجمهوريات المستقلة، وقد يرجع السبب في ذلك إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في تركيا وانعكاس ذلك على القطاع الخاص بها وعلاقاته التجارية مع دول المنطقة. كذلك توتر الأوضاع بين تركيا وأوزبكستان, والذي يتزامن مع تحسن ملموس في العلاقات الأزبكية - الأمريكية في حين أن العلاقات التركية والأمريكية مع أذربيجان طيبة للغاية ومرجع ذلك هو موضوع الطاقة، بصفة عامة ، فإن التواجد الأمريكي في المنطقة بهدف الحد من التواجد الروسي والإيراني بها, والهدف من توسيع حلف الناتو هو تحجيم روسيا, والآن يجب علينا أن نقرر كيفية بناء علاقاتنا مع هذه المنطقة؟ من المؤكد أنه لا يمكننا تجاهل روسيا، وفي نفس الوقت لا يجب أن نمنحها دورًا أكبر مما تستحق، وكذلك لا يجب أن نطل على المنطقة من النافذة الروسية، ولكن يجب أن نعمل على أن تكون "روسيا وحدها صاحبة الحضور مع إبداء أسباب توضح لروسيا أن مصالحها في المنطقة لن تتم إذا لم نتعاون مع إيران بصورة ما". وهذا التصور يمكن تطبيقه بدرجات متفاوتة، أعلاها في طاجيكستان وأدناها في أرمينيا، أما في باقي الدول فهناك مشاكل لازالت عالقة، وفيما يتعلق بتركيا فإن المشاكل بينها وبين إيران أكثر من أن يضاف إليها مشكلة التنافس على النفوذ بين البلدين في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، حتى لا تتأزم الأمور ويصبح الحل عسيرًا.
د. كولايي: أريد أن أشير إلى التغير في الأساليب التركية في التعاطي مع دول المنطقة، ففي عهد تورجوت أوزال، اتبعت الحكومة التركية منهجًا قوامه الثورية ولعبت دور الأخ الأكبر، وهو المنهج الذي رفضته دول المنطقة، كما رفضت منهج الأخ الروسي الأكبر، لذا تحولت الحكومة التركية إلى الميادين الاقتصادية، وكان دعمها للقطاع الخاص الذي تستحيل فعاليته دون الدعم الحكومي، وهذا الوضع تفتقر إليه السياسة الإيرانية؛ حيث لا تدعم الحكومة الإيرانية القطاع الخاص الإيراني في دول آسيا الوسطى والقوقاز، وهذا الأمر يوضح مدى إدراك الحكومة التركية لإيجابيات والتزامات المنطقة، وكذلك هناك نقطة هامة، ألا وهي المنافسة التركية -الروسية في المنطقة التي تقع تحت تأثير الميراث التاريخي والجغرافية- السياسية، وقد نتج عن هذه المنافسة تبادل الاتهامات بين الحكومتين حول أحداث الشيشان والقضايا التركية، وتنقلنا هذه النقطة لأن نبحثها من خلال العلاقات الروسية - الأمريكية وتطور هذه العلاقات، وعلاقة إيران وتركيا بكلتا الدولتين.
المهندس "الشيخ العطار": أريد أن أضيف نقطة أخرى بخصوص الدول المعنية بشئون المنطقة، وهي متعلقة بالدور الفرنسي الأخير، حيث اجتمع شيراك برئيس أرمينيا وأذربيجان بمباركة روسية أمريكية، وتوصلا معًا لنتائج طيبة فيما يتعلق بقرة باغ، والجدير بالذكر أن فرنسا قد لعبت دورًا مماثلاً في الفترة بين 1919 ، 1921 قبل استيلاء ستالين على أذربيجان, أرمينيا وجورجيا وأصبح لها نفوذًا إيجابيًا في المنطقة، لذا يجب إضافتها لمجموعة الدول المعنية بشئون جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز.
د. أطهري: الآن ما هي الأطر التي من خلالها يمكن لجمهورية إيران الإسلامية أن تبسط نفوذها في جمهوريات أسيا الوسطى والقوقاز؟ وما هي نقاط الضعف؟ وما هي المقترحات التي يمكن من خلالها طرح السياسة الخارجية؟ وما هي المجالات التي يجب أن تنفذ من خلالها؟ هل هي المجال السياسي والاقتصادي, التجاري الأمني أم العسكري؟
د. لطفيان: بخصوص المجالات، أعتقد أنه يمكننا إنجاز العديد من المهام من خلال المجالات الأمنية بمعناها الجامع، والتي تحتوي على أبعاد اقتصادية، اجتماعية, ثقافية، عسكرية ودفاعية، لكن هناك مجالات أخرى يمكن العمل من خلالها على المدى القصير، مثل حل القضايا المشتركة بين إيران ودول المنطقة، إحدى هذه المجالات هو مجال البيئة، فمن جملة الميراث الذي ورثته هذه الجمهوريات عن الاتحاد السوفيتي، التلوث البيئي، وتتجلى هذه القضية في تلوث بحيرة "آرال" وقد طرحت قيرغيرستان هذه القضية مؤخرًا, حيث دفن الاتحاد السوفيتي نفايات نووية وصناعية سامة في أماكن مختلفة في قرغيزستان دون علم الحكومة هناك، وقد جاء طرح قرغيزستان لهذه القضية في مؤتمرات عقدت مؤخرًا، وطالبوا دول المنطقة والمحافل الدولية بالمساعدة لحل هذه القضية، وأيضًا من مجالات التعون في مجال البيئة، والمراعي والبيئة الجبلية الخلابة لجذب السياح، وهناك مجال آخر أكثر حيوية، ألا وهو التعاون مع الجمهوريات في مجال المصادر المائية، والمثال على ذلك المباحثات الإيرانية - التركمانية لإقامة سد على نهر "شجن" ويمكننا تعميق فاعليتنا في تركمانستان في هذا الصدد, ومن مجالات التعاون الأخرى، التعاون لحل مشكلة أفغانستان، فعلى الرغم من فاعليات مجموعة 2 + 6 التي تكونت تحت رعاية المنظمة الدولية وبمساعدة روسيا وأمريكا إلا أنها لم تصل لحلول تلك المشكلة، وعلينا التعاون مع دول المنطقة لحل هذه المشكلة من جهة، ومن جهة أخرى الحيلولة دون أفغنة هذه الدول. وفي نفس الإطار، يمكننا لعب دور الوساطة بين أرمينيا وأذربيجان لحل مشكلة "قره باغ" وهي نفس الممارسة التي مارستها فرنسا وإن كانت وساطتنا غير مقبولة من الجانب الأذري، إلا أنها موضع ترحيب واستجابة من الجانب الأرميني. ومن مجالات التعاون على المدى القصير، مكافحة الإرهاب، وهي القضية التي تحظى باهتمام عالمي، وصحيح أن الدول الأربع، باستثناء تركمانستان، قد وقعت اتفاقًا أمنيًا يعني بالأمن الداخلي لكل دولة ولا يرقى إلى أمن المجموعة، إلا أننا يمكننا القيام بدور فعَّال في منع المتسللين من الوصول إلى الحدود، وخاصة المتشددين, والهجرة من الخارج وهي القضية المشتركة بين إيران وطاجيكستان، وتهريب المواد المخدرة عن طريق مجموعات إرهابية تسعى لتأمين موارد تمويل الإراهاب عن طريق تهريب المخدرات، وذلك بما لنا من خبرة سابقة في مجال مكافحة المخدرات والتصدي لمهربيها. لكن يبقى السؤال ما هي النتائج التي حققناها في آسيا الوسطى منذ عام 1991 حتى الآن؟ نحن نرى أن دولة مثل إسرائيل قد تمكنت من تحقيق نجاحات أكثر، على سبيل المثال تمكنت من تحقيق فعاليات اقتصادية في أوزبكستان جديرة بالاهتمام، وعلى الرغم من تناقص معدلات الاستثمار الإسرائيلي الآن، إلا أن سوق الواردات والحكومة تحمي التجار والمستثمرين الإسرائيليين, كذلك لا يمكن إغفال دور الغرب في هذه النجاحات، لقد دخلنا أسواق آسيا الوسطى والقوقاز في بدايات عقد التسعينيات، ولكن على الرغم من الفرص التي تتيحها هذه الأسواق إلا أننا لم نحسن استثمارها وعلينا الاعتراف بأن الجميع مقصرون في هذا المجال.
نقطة أخرى هامة، أشار إليها جميع المشاركين، ألا وهي قضية الطاقة وأهميتها في المنطقة، حيث يجب إجراء بحوث موسعة في مجال الحظر الأمريكي على الشركات الأجنبية التي تزيد استثماراتها في قطاع الطاقة في إيران، أو مد خطوط أنابيب لنقل بترول بحر قزوين من شمال إيران إلى جنوبها، والسؤال الآن هو: هل لدى إيران الإمكانيات لمد هذا الخط بالجهود الإيرانية الذاتية؟ أعتقد أنه إذا ما توافرت هذه البدائل وتم تنفيذها على أرض الواقع، سيكون ذلك بمثابة خط دولي يساعد دول المنطقة على نقل بترولهم إلى الخارج، وبذلك يتم إجهاض الخطر الأمريكي على إيران ووضع أمريكا أمام الأمر الواقع.
د. أطهري: هل يمكن طرح اقتراح إقامة منظمة للأمن والتعاون في آسيا الوسطى والقوقاز؟ يعني ما هي الموانع التي تقف أمام إيران ودول المنطقة لتحقيق هذه الفكرة؟
د. لطفيان: مع مراعاة الأطر التي تبحث فيها الجلسة فروسيا وأمريكا يشكلان المانع الرئيسي في هذا الصدد للأسباب الآتية:
أولاً : السياسة الأمريكية تقوم على فرض الهيمنة الكاملة والسيطرة لكن هذه السياسة باءت بالفشل.
ثانيًا: سياسة التحجيم التي أشارت إليها د. "كولايي"، والتي تهدف لتوسيع حلف الناتو في آسيا الوسطى والقوقاز لتأمين الدفاع عن هذه المنطقة على المدى البعيد، لكن هذه السياسة أيضًا ستفشل، ومرجع ذلك إلى استياء دافعي الضرائب الأمريكيين من تحمل كلفة حفظ الأمن في آسيا الوسطى والقوقاز، وقد يكون هناك أسباب أخرى ستضح فيما بعد.
في ظل هذه الظروف، نقترح إقامة نظام أمني جماعي برعاية الناتو أو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المؤكد أن هناك نظمًا أمنية قائمة تحت رعاية دول الكومنولث، لكن قيام نظام أمني كامل ومستقل بين إيران ودول آسيا الوسطى والقوقاز بدون تدخل روسي أو أمريكي، أمر ليس مستبعدًا.
د. كولايي: فيما يتعلق بسبل تنمية التعاون والإمكانيات في المجالات الباقية بين إيران ودول المنطقة لتأمين المصالح القومية لإيران في تلك الجمهوريات، لا شك أن خبرتنا في هذه المجالات ستكون موضع استفادة بالغة، ومما لا شك فيه أيضًا أن المعطيات والنتائج في هذه الجمهوريات في التعامل مع دول من المنطقة أو من خارجها، قد اختلفت خلال السنوات الماضية نتيجة للتجارب التي مرت بها مؤخرًا، ولا يجب غض البصر عن الأوضاع الجغرافية لهذه المنطقة وتأثيرها على النماذج وتنميتها، ونسوق مثالاً على هذا الوضع في قزاقستان، حيث وقعت مع شركة أمريكية اتفاقية في عام 1992 أثمرت شركة "شورون" وهي من أنشط الشركات التي تعمل في مجال البترول، لكن بعد استخراج الخام، واجهتهم مشكلة صعوبة نقله مع محدودية النقل عبر خط الأنابيب الروسي، وحيث إن سعر المنتج النهائي يجب أن يكون ذا قدرة تنافسية في الأسواق العالمية، لذا وقعت المنافسة في تلك الجمهوريات تحت تأثير الوضع الجغرافي.
كذلك الوضع في أذربيجان، التي وقَّعت اتفاقية "بترول باكو" عام 1994، إلا أن البحث ما زال جاريًا حول خط سير خطوط أنابيب نقل هذا البترول، ومرجع ذلك للأوضاع السياسية للمنطقة والتي يرجع بعضها للرؤى الروسية، حيث تسعى هذه الدول لاستمرارية دورها داخل تلك الجمهوريات كما كانت عليه الأوضاع قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، ويرجع بعضها الآخر إلى العلاقات مع الجمهوريات الأخرى، ومع الوضع في الاعتبار موقع إيران كأفضل السبل لمد خطوط الأنابيب التي تخدم هذه الجمهوريات، وخاصة أذربيجان، يتضح مدى تأثر استراتيجية الاحتواء الأمريكي ضد إيران في إضاعة الفرص من تلك الجمهوريات، والإخلال بمصالحها في الأسواق العالمية.
وفي الواقع فإنه يجب الاهتمام بتطورات العلاقات الأمريكية الإيرانية، والدور الأمريكي في المنطقة والفرص الضائعة من جراء فرض هذا النوع من العلاقات والتطورات الناجمة عنها، حتى تصل مصادر الطاقة لهذه الجمهوريات إلى الأسواق العالمية. يجب وضع آسيا الوسطى والقوقاز ومنطقة بحر قزوين وأوراسيا في إطار السياسة الخارجية العليا لإيران، ولا يغيب عن بالنا، أن السياسة الخارجية هي استمرار للسياسة الداخلية واضعين في الاعتبار أن الميراث التاريخي والثقافي في هذه المنطقة يزيد من فرص تواجد النفوذ الإيراني بها، ولا شك أن النظام الاقتصادي والصناعي في فترة الاتحاد السوفيتي قد أتاح الفرص لإيران بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في سد العجز في احتياجات دول آسيا الوسطى والقوقاز من الصناعات الاستهلاكية، ومن ثم الولوج إلى أسواق تلك المنطقة بصورة طبيعية وتنمية التعاون التجاري والاقتصادي معها. لكن مع بالغ الأسف، لم تتم الاستفادة من هذه الفرص، بسبب عدم خبرة كافة الأجهزة ذات الشأن في هذا المجال، ونفوذ وسيطرة الحكومة على قطاع التجارة وعوامل أخرى متعددة لا يتسع المجال لإحصائها، ومن وجهة نظري أن إدراك هذه المعطيات سيفتح أسواق دول آسيا الوسطى والقوقاز على مصراعيه لتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية مع هذه الجمهوريات. وعلى صعيد المجالات الاجتماعية سيطر على السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية شعار "لا شرق ولا غرب" لكن الآن بات على رأس الأولويات تنمية العلاقات مع الغرب، لسد الفجوة الشاسعة في التكنولوجيا بين الاتحاد السوفيتي والغرب، وهو نفس النهج الذي اتبعته جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز في سعيها إلى الغرب، ومن هنا تبرز مكانة جمهوريات إيران الإسلامية بالنسبة لهذه المنطقة, ومن المؤكد أن الحرب الداخلية في طاجيكستان (الجمهورية الوحيدة التي سمحت بقيام حزب إسلامي ومشاركته في الحياة السياسية) أوجدت نوعًا من الإحساس بعدم الأمن تجاه جمهورية إيران الإسلامية والإسلام السياسي.
أعتقد أن التطورات التي شهدتها السياسة الخارجية الإيرانية في السنوات الأخيرة، والتأكيد على تقوية العلاقات التجارية الاقتصادية والثقافية الكفيلة بإزاء هذه الكبوة لدى دول آسيا الوسطى والقوقاز, والمتمثلة في أن الخطر الإسلامي في المنطقة مرتبط بالتفعيل الإيراني أعتقد أن الفرص سانحة اليوم أمام جمهورية إيران الإسلامية لتغيير هذه الفكرة مع مراعاة ما تقوم به طالبان والتهديدات الأمنية الناتجة عن فاعلياتها والمجموعة الؤيدة لها في تلك الجمهوريات, وأيضًا مع مراعاة الدور الإيراني لإقرار السلام في طاجيكستان، كذلك يمكن لإيران الاستفادة مما تقدم في العلاقات مع روسيا للتحرك تجاه نظام متعدد الأقطاب ومجابهة الرغبات والسياسات الأمريكية في المنطقة.
يجب الاهتمام بكافة المضامين التي تصلح من شأن السياسات الإيرانية المعمول بها والتي من بينها السعي لتوفير الخبرة لدى الأجهزة الإيرانية المعنية بشئون المنطقة والإلمام بالبيئة نظرًا لأهميتها، وخير مثال على ذلك نجاح إسرائيل في تلبية حاجات تلك الجمهوريات في مجال الزراعة، في بيئة تندر فيها المياه، حيث تعاني دول المنطقة من قلة المياه، هكذا نلاحظ أن نجاح المعنيين بشئون المنطقة منوط بالمعرفة الصحيحة لدول المنطقة، ونخلص من ذلك إلى وجوب دراسة المنطقة دراسة مستفيضة واستخلاص عناصر علاقاتنا بها وتحليل هذه العناصر تحليلاً وافيًا؛ حتى لا يتعارض تواجدنا في المنطقة مع الإلمام بها, والاستفادة من تلك النتائج أفضل استفادة حتى نلقنها للخبراء والمتعاملين مع هذه المجتمعات، كذلك يجب الإقرار بعدم إمكانية فصل الاهتمام بالسياسة الخارجية عن الاهتمام بالسياسة الداخلية.
د. أطهري: هل تعتقدون بإمكانية ترجيح الشمال عن الجنوب، إذ ما أردنا إقامة علاقات مع هذه الدول؟ وهل يمكن التحالف مع هذه الدول؟
د. كولايي: في تصوري أن الواقع والظروف الجغرافية السياسية لجمهورية إيران الإسلامية قد أتاحت إمكانيات يمكننا الاستفادة منها في هذا الخصوص، وهو الأمر الذي لا يتوافر لكافة المعنيين بشئون المنطقة، ولكن الاستفادة من هذه الإمكانيات يجب أولاً تحديدها ورصدها، وعندئذٍ لن يكون الدور الذي نلعبه في المنطقة قاصرًا على المجال الأمني، والمثال على ذلك التواجد الفرنسي الفعال في قره باغ وأثر اللوبي الأرميني في فرنسا على هذا المجال.
د. سجادبور: إن ما أشارت إليه د. "كولايي" يطرح ثلاثة محاور: أولها مجال المواصلات والعلاقات التي يمكن أن نقوم من خلالها في النواحي الجغرافية والإمكانيات التي توفرها، وهذا المجال تنفرد به إيران عن غيرها من بين الدول المعنية بشئون تلك المنطقة، ثانيها: مسألة الطاقة ثالثها: ثقافة تلك المنطقة والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحضارة والثقافة الإيرانية، ويمكن لإيران الاستفادة من تلك المحاور خاصة في المحور الأول، ويمثل المحور الثاني أكبر الميادين التي يمكن لإيران أن تبسط نفوذها من خلاله في المنطقة. أما فيما يتعلق بالمعوقات التي يمكن أن تعوق السياسة الإيرانية على المحاور الثلاثة، فمن وجهة نظري أنها معدومة، وقد حققت إيران نجاحات حقيقية على هذه المحاور الثلاثة، إلا أن الحديث عنها قليل للغاية، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي، وهذه النقطة بالذات موضع اهتمام المتخصصين من الخارج الذين يهتمون بشئون هذه المنطقة، سواء كانوا أوربيين أو غير أوربيين، وأنا أرى أن وسائل الإعلام هي نقطة ضعف إيران، ومن المؤكد أن إيران من الناحية الإدارية قد تمركزت في منطقة بكر، فإذا ما قارنا بين وضع إيران في لبنان سواء قبل الثورة أو بعد الثورة، والذي يحتوي على عشرات الجماعات والمنظمات الإيرانية، ووضع إيران في تلك الجمهوريات الحديثة النشأة، لأدركنا إلى أي مدى حققت إيران نجاحًا في تلك الجمهوريات على أية حال من وجهة نظري أننا لم نعالج تحركاتنا إعلاميًا بالقدر الكافي.
نقطة ثانية: من وجهة نظري أيضًا, وهي افتقار إيران للتوازن في الاهتمام بالأشياء، وهذه عادة ثقافية لدى الإيرانيين، فهم يقبلون على الشيء إذا استحسنوه، وبعد فترة يفتر هذا الإقبال ويخبو لقد زاد الاهتمام بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، واليوم يتجه اهتمام إيران إلى العرب وأوروبا ولا يعني هذا أننا أسقطنا من حساباتنا الاهتمام بآسيا الوسطى والقوقاز، ولكننا في حاجة إلى اهتمام متوازن، وهذه النقطة أيضًا تعد من نقاط الضعف في الرؤية الخاصة بالسياسة الخارجية. وفي النهاية فإن نقطة الضعف الرئيسية في السياسة الخارجية لإيران هي افتقارها للتنسيق الكامل, للتدليل على ذلك يمكننا طرح مجموعة الأسئلة على النحو التالي: كم سيمنار عقد في الجامعات لمناقشة هذه القضايا خلال السنوات العشر التي مرت على انهيار الاتحاد السوفيتي، وكم كتاب ومقالة كتبت عن آسيا الوسطى والقوقاز؟ الإجابة هي أن تناول الموضوعات الرسمية لا يكون إلا عن طريق العاملين في السياسة الخارجية، وهم أفراد معدودون ، وعدد محدود منهم هم المهتمون بهذه القضية، وهذا يوضح غياب التنسيق بين القطاع الخاص والحكومة وبين القطاع التنفيذي والقطاع الفكري، من المؤكد أن هناك مقالات مهمة كتبت، وترجمات أهم ترجمت، ولكن كم عدد المستفيدين منها؟ كل ذلك يوضح أن أحد نقاط الضعف في إيران هو الغياب النسبي للتنسيق في السياسة الخارجية بخصوص الاقتراحات أعتقد أنه يجب أن يكون لدينا مفهوم إيجابي وخلاق، يجب دراسة المنطقة دراسة وافية؛ لأن آسيا الوسطى تختلف عن القوقاز، وبعد الدراسة الوافية، نعقد جلسات للتحليل الدقيق وترتيب الأولويات والخروج بمفهوم إيجابي وخلاق، مثلاً منظمة التعاون الأمني فكرة يجب بحثها جيدًا، تلك الفكرة يمكن أن تكون جزءًا من المفاهيم, وجهة نظري هي أننا نحتاج إلى مفهوم إيجابي وخلاق بالنسبة لهذه المنطقة.
الاقتراح الثاني: مسألة القطبية, من وجهة نظري, تمثل "مشهد قطبًا طبيعيًا لمنطقة آسيا الوسطى" والتي يمكن من خلالها الطيران إلى "بيشكك" في الوقت الذي لا يمكن فيه ذلك من طهران، وأيضًا يمكن من مشهد الطيران إلى "دوشنبه" وطاجيكستان هذا القطب الطبيعي يمكن عن طريق قرارات أكثر دقة تحويله إلى قطب سياسي وهذه القطبية لا تتوافر في القوقاز ولا تبرز الاقتراح الذي أتبناه في النهاية هو البحث والحور أكثر بخصوص آسيا الوسطى.
د. أطهري: وماذا عن الأولوية بين الشمال والجنوب.
د. سجادبور: إنني أنظر لهذه القطبية نظرة متوازية، فلا نقدر على إهمال العالم العربي ولا يمكن الانسحاب من ملعب الشمال، ولذا ستكون الأولوية للموضوعية، مثلاً قضيتنا في الجنوب هي إشاعة جو من الثقة، ومع الشمال هي مرور خطوط أنابيب نقل البترول عبر إيران.
المهندس الشيخ العطار: الجهل وعدم الإدراك الكافي هما السبب في الفشل، وأنا أؤيد وجهة نظر د. "سجادبور" بالكامل، حيث من المحتم أن نحقق نجاحًا في تلك المنطقة, والسبب في قلة هذه النجاحات يرجع إلى أننا نحارب أنفسنا، فمثلاً لو حققت وزارة الخارجية نجاحًا، تقلل من شأنه وزارة الخارجية وتحقره وتظهره على أنه فشل ذريع، إن قراءتنا للأحداث فردية, وهناك تداخل في عمل الهيئات والوزارات ومن المحتمل أن أسهب في هذا المجال نظرًا لأنني عملت في تلك المنطقة لفترات طويلة، ولذا أؤكد على ضرورة الإلمام الكامل بالمنطقة, ولتحقيق ذلك يجب توظيف أفراد على علاقة وصلة بالمنطقة ومتخصصين فيها، وهذا ليس بالأمر الصعب؛ لأن هذه المنطقة امتداد طبيعي لحضارتنا ويوجد بها العديد من المؤيدين، وعدم توظيف مثل هؤلاء الأفراد يعد إحدى نقاط ضعفنا، يجب أن يلم العاملون لدينا إلمامًا كاملاً بالمنطقة فمن النادر إيفاد إرسال وزارة الخارجية لبعثات إلى هذه المنطقة لإرجاء بحوث متعمقة، حتى على مستوى الجامعات، لا يحدث أن يحصل الطلبة على التشجيع الكافي لإجراء بحوث حول هذه المنطقة.
إن تقييمنا لأهمية المنطقة يتضح من خلال الأفراد المعنيين من جانب إيران, في تلك المنطقة نقطة أخرى يجب طرحها وهي العلاقات الشخصية، فللسيد محمد خاتمي، وكذلك السيد هاشمي رفسنجاني، علاقات شخصية واتصالات مع قادة المنطقة وزعمائها، وهناك تبادل للزيارات والاتصالات بين الطرفين، لكن للأسف قل الاهتمام بهذه المنطقة، إن عنصر العلاقات الشخصية يعد من أهم عناصر نجاح السياسة الخارجية، والذي بسببه فشلت تركيا في هذه المنطقة بعد وفاة تورجوت أوزال. يمكننا إقرار علاقات في مختلف الميادين، السياسية، الاقتصادية، والثقافية، لكن شريطة ألا تقر من جانب شخصية حكومية، يجب أن تكون العلاقات بين إيران وتلك الجمهوريات على المستوى الشعبي.
إن الأولوية في العلاقات -من حيث بناء الثقة- اقتصادية ثم ثقافية ثم سياسية ثم أمنية، وفي المجال الثقافي يجب أن تقوم العلاقات بين الشعوب بمعنى أن تكون ثقافة شعبية بعيدًا عن الحكومة، ولا تقتصر على النواحي الدينية، أما فيما يتعلق بالعلاقات السياسية فقد أثبتت التجارب نجاح السياسة الإيرانية في القضايا متعددة الأطراف، مثل القضية الأفغانية، أما على صعيد العلاقات الأمنية مثل قضايا الإرهاب والمواد المخدرة التي أشارت إليها د. "لطفيان"، فيمكن أن تكون بداية جيدة لمضمار العلاقات الأمنية، ويجب أن لا نتقوقع، وألا نخشى تهديدات مسئولي الأحزاب في تلك البلدان، خاصة أذربيجان، وفي نهاية عرضي أود أن أوضح الاهتمام المتزايد من جانب روسيا بتلك الجمهوريات والواضح من خلال سياسة "فلاديمير بوتين" بعد أن سخر منهم "بوريس يلتسين" بالأمس أن أكبر المشاكل التي كانت تواجه الروس في تلك المنطقة هي جمهورية أذربيجان، وأخيرًا لا أنسى أن أشير إلى أن روسيا تطلق على هذه المنطقة في سياستها الخارجية مصطلح "خارج قريب" وتوليها اهتمامًا كبيرًا.
ont-family: Traditional Arabic -;- mso-bidi-language: AR-EG">"الأيكو" كعضو مراقب، وقد اعتبر أن قيام الاتحاد الاقتصادي "اسلاف" مؤشرًا لإزالة التهديدات التي صاحبت تنمية منظمة "الأيكو".
أما عن المنافسة التركية الإيرانية للتواجد في المنطقة، فهي تقوم على نموذجين: الأول ديني إيراني، والثاني علماني تركي، وتركيا تسعى لتثبيت نفوذها في المنطقة من منطلق تاريخي؛ دعمًا لارتباطها بالاتحاد الأوروبي، لذا طرحت تركيا بحث التوازن وتنمية الامبراطورية التاريخية التركية, لكن من المؤكد رفض هذه القضية لعدم اهتمامها بواقع المنطقة، وبالتالي عدم قبول فكرة الأخ التركي الأكبر أو الأخ الأكبر للمسلمين.
وباستثناء المنافسة بين إيران وتركيا في المنطقة، يجب الاهتمام بموقف روسيا وأمريكا باعتبارهما إطارًا مؤثرًا في العلاقات في المنطقة، أشرنا كثيرًا إلى نقاط الخلاف في وجهات النظر تجاه آسيا الوسطى والقوقاز، ومفهوم انفصال واستقلال الجمهوريات عن بعضها البعض في النصف الأول من عقد التسعينيات، هذه القضية في حاجة إلى إعادة النظر في النصف الثاني من نفس العقد، فلم ترغب روسيا ولا الجمهوريات في الاستقلال من الناحية الأمنية، يتضح ذلك من خلال الأحداث التي شهدتها جمهوريات: طاجيكستان، جورجيا مولدفيا والشيشان، كما يتضح من أن نظرة روسيا لتلك المنطقة تواجه برفض أمريكي قاطع، فالنظرة الأمنية الروسية لتلك الجمهوريات تواجه باستراتيجية أمريكية هي نفس استراتيجية السيطرة على فيدرالية روسيا، ولا شك أن هذا الوضع هو صحة جديدة لأفكار الحرب الباردة بين البلدين، لذا فقد وقعت العلاقات الإيرالنية التركية -على الرغم من النقاط التي أشرنا إليها- تحت تأثير التطورات في العلاقات الروسية الأمريكية فضلاً عن ذلك، وفيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية الروسية أعتقد أننا لم نهتم بالدرجة الكافية بظروف وإمكانيات ممارسة السياسة الخارجية الإيرانية بين باقي الدول المعنية بشئون المنطقة، وبالتالي فإننا لم نراع نقل وعناصر العلاقات بين روسيا وإيران، لدرجة أن بعض أوجه العلاقات القائمة تتيح الفرصة لفيدرالية روسيا، وتحقيق أهداف هذه الفيدرالية تلك الأهداف طرحت تطورات العلاقات الروسية الأمريكية وتجعل من روسيا تابعًا لأمريكا بصورة أكثر جدية. بناء على هذا ، يجب الاهتمام بالتنافس القائم بين إيران وتركيا للتنمية في آسيا الوسطى والقوقاز، مع الوضع في الاعتبار النظرة الأمنية الروسية والطوق الأمني الذي تطالب به روسيا, ورفض التعريف الأمريكي للإطار الأمني الروسي في المنطقة نبذًا للتبعية ورفضًا لأي تدخل أمريكي بهدف حل القضايا الأخرى المتعلقة بهذا البحث.
د. أطهري: أشارت د. "كولايي" باستفاضة إلى مفهوم نموذج التنمية الإيراني والتركي، إن تركيا لديها عدة قضايا للانضمام للاتحاد الأوروبي منها على سبيل المثال، توفيق قوانينها حماية حقوق الإنسان الحريات, كذلك ما يطرحه رئيس تركيا من انعدام الحرية العقائدية كل هذه القضايا توضح إلى أي مدى تركيا بعيدة عن الديمقراطية.
ثانيًا: أؤكد أن شعوب تلك المنطقة ترفض النموذج التركي للتنمية وذلك يتضح من عدم اكتراث الأقليات القومية به، وأيضًا التيارات الإسلامية، قضية أخرى أريد أن ألقي الضوء علهيا، نعتقد أن روسيا مدركة للخطة الأمريكية للمنطقة، فهل حقًا ما زال الروس يفكرون على طريقة الحرب الباردة بنفس القدر؟ يعني هل ننتظر من روسيا أن تلعب الدور الذي لعبته ضد أمريكا في فترة الحرب الباردة؟ لماذا يحاط موضوع مشاركة إيران في حلف "الناتو" بهذا القدر من الحساسية على الرغم من أنه يضم في عضويته غالبية دول العالم؟
هناك قضية أخرى تتعلق بالتركيبة الأمنية في المنطقة، ألا وهي قضية إسرائيل -آسيا الوسطى- تركيا, وإمكانية الربط بين آسيا الوسطى وإسرائيل عن طريق الأردن وهذه القضية على درجة عالية من الأهمية، وأخيرًا هناك نقطة أطرحها للمناقشة هي قرار جمهورية أذربيجان بمنح "الناتو" قاعدة على أراضيها.
د. سجادبور: فيما يتعلق بتركيا وإيران، فالملاحظ أن المنافسة بين البلدين هي ذلك النوع الذي يريده الطرفان الآخران, فإيران لا تسعى في زيادة المنافسة حتى تسبق تركيا في هذا المضمار, وتجدر الإشارة إلى تصريحات المسئولين الإيرانيين في تلك الفترة أن كلاً من الحرب المفروضة والسلام المفروض ليسا بالأمر الحسن، كذلك الحال في المنافسة المفروضة.
النقطة الثانية في المنافسة بين إيران وتركيا هي أن كليهما واقع تحت تأثير الظروف الداخلية العامة فالقطاع الخاص في تركيا أكثر فاعلية وجدية منه في إيران، أما السواد الأعظم من التعاملات الاقتصادية في إيران فيخضع للحكومة، وهو الأمر الذي انتهى في تركيا فمعظم التعاملات الاقتصادية يسيطر عليها القطاع الخاص، الذي وفق أوضاعه بالارتباط بالشبكات الدولية، وفي اسطنبول هناك قاعدة للشركات الكبرى متعددة القوميات والنموذج لذلك هو بنك "مانهاتن" أريد أن أؤكد على أهمية القطاع الخاص والتخلص من سيطرة إدارة الحكومة على هذه العلاقات.
النقطة الثالثة فيما يتعلق بإيران وتركيا، وهي التناقض في السياسة التركية تجاه تلك المنطقة، فالفكر "الأتاتوركي" هو المسيطر على السياسة التركية الخارجية، وليس من شك أن الاختلاف قائم بين الثورية والأتاتوركية، وقضايا الممكن والمحدود هي التي تفسح الطريق لأوروبا إلى آسيا الوسطى، لذا فتركيا أيضًا ليست في وضع مناسب.
د. سجادبور: حقيقة أن الخلاف قائم، ولكن ليس على النحو القائم في الدوائر الساسية، وليس واردًا تهميش أي من البلدين لدور البلد الآخر، أما بخصوص الدور الأمريكي، والذي يحوز أهمية فائقة من وجهة نظري، فهو أن السياسة الأمريكية في المنطقة تقوم على منع مد خطوط أنابيب البترول عبر إيران بهدف منع تنمية العلاقات الإيرانية مع دول المنطقة، ومن هذا يتضح أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران أيديولوجية، وهذه النقطة مهمة جدًا، والنقطة الثانية هي اتباع نفس السياسة ضد الروس وخاصة خلال الفترة التي مضت من حكم الرئيس بوش الذي تحتوي حكومته على مجموعة يكنون العداء لروسيا، ويتضح ذلك من خلال تاريخهم السياسي.
أما النقطة الثالثة فهي شركات البترول الأمريكية والضغط الذي تمارسه على الحكومة تحقيقًا لمصالحها المالية، وكانت آمالهم معقودة على بوش وحكومته ولكنهما خيبا آمالهم بأكاذيبهما، إننا الآن أمام عدة معادلات، هي: حكومة بوش الجديدة حديثة العهد بالحكم، وخاصة في مجال السياسة الخارجية. عدم الاهتمام بشئون السياسة الخارجية على كافة المستويات وبالتالي عدم الاهتمام بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز، يتزامن ذلك مع معاداة الروس, وفي رأيي أن حل كل هذه المعادلات يكمن في البترول.
المهندس "الشيخ العطار": لا شك أن للروس في هذه المنطقة حضور تاريخي له أبعاده الحضارية والعسكرية والاقتصادية، وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي وأثره على روسيا ودول المنطقة إلا أن روسيا لا تعتبر أن هذه المنطقة من خلال سياستها الخارجية خارج تلك السياسة, بل يطلقون عليها مصطلح "خارج قريب" وينظرون إليها كونها منطقة نفوذ ومنطقة حيوية بالنسبة لهم, ويرغبون في استعادة مكانتهم في تلك المنطقة، وتؤكد تصريحات المسئولين الروس بأن الانسحاب الكامل من جورجيا كان قرارًا خاطئًا، ما زالت آثاره تنعكس على الوجود الروسي في المنطقة، وفي الجانب المقابل، كان التواجد الروسي في أرمينيا إيجابيًا، وساعد في دعم المكانة الروسية في تلك المنطقة, نجد التواجد الروسي في حلف شنغهاي، والذي يضم في عضويته -فضلاً عن روسيا- الصين, قازاقستان، قرغيزستان, طاجيكستان، ومن المتوقع أن يعمل على تعزيز التعاون العسكري والأمني، والرغبة الروسية تلك لا تأتي من منطلق تحقيق مكاسب أكبر، بل لتقليل الخسائر الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفيتي وقيام الجمهوريات المستقلة، ومن المؤكد الآن أن البواعث الروسية في تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة قد ازدادت بسبب قضايا طالبان والشيشان والخطر الذي يستشعرونه من الإسلاميين من جهة أخرى، وعلى الرغم من محاولات التقارب الروسية إلى الغرب، إلا أن النظرة الغربية لروسيا كانت أدنى بكثير مما توقعه الروس، ويرى الساسة الغربيون أنه لا بد من الحذر من روسيا؛ لأن استعادتها لمكانتها ستجعلها أكبر وأقوى مما كانت عليه في زمن الاتحاد السوفيتي، ومن هنا نجد أن دول منطقة آسيا الوسطى والقوقاز نفسها قد سلكت هذا المسلك، ويتضح ذلك من خلال سعي جورجيا, أذربيجان, مولديفيا وأوزبكستان لإقامة اتحاد أمني –اقتصادي- عسكري مع الغرب، ولهذا يطرح بحث توسيع الناتو في الشرق بصورة جدية.
كذلك نتج عن وضع روسيا في المنطقة أن سمحت تركيا لأربعة سباحين أمريكيين بالإبحار في بحر قزوين، وهذه سابقة هي الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاقيات 1921، 1940 والتي أكدت على عدم السماح بتواجد قوات أجنبية من جانب الغرب في حق روسيا، قد يولد لديهم دوافع أقوى لاستعادة مكانتهم في المنطقة، وهذه السياسة واضحة منذ تولي بوتين مقاليد الحكم.
هناك دليل نسوقه على متانة العلاقات الروسية مع دول المنطقة وهو تركمانستان التي باعت الغاز التركماني لروسيا بسعر مناسب من خلال اتفاقيات طويلة الأجل بعد أن لهثت في أثره شركات البترول الغربية، مما دفع الشركات الإنجليزية التي كانت تسعى للحصول على اتفاقية الغاز إلى غلق مكتبها في عشق آباد معلنة عدم إمكانية اكتشاف آبار بترول جديدة في منطقة "آفشور" التركمانية في بحر قزوين. وبخصوص أذربيجان نجد الشعور بالارتياح يسود عقب زيارة بوتين لها وعدم الاعتراض الروسي على مرور خط أنابيب البترول من الأراضي الأذربيجانية، على الرغم من الضوضاء التي صاحبت خط أنابيب باكور -جيحون جاء الاتفاق على خط أنابيب بترول باكو- نوفروسك. في الواقع ارتباط هذه الدول بموسكو يؤكد أن الإلمام الكامل بدول آسيا الوسطى والقوقاز لا يأتي إلا من خلال المعرفة الكاملة بروسيا باعتبارها العامل الأساسي في هذه المنطقة. حتى أرمينيا التي تتمتع بلوبي قوي النفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكثر دول الكومنولث حصولاً على المساعدات الأمريكية، فتتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع موسكو، وعلى الرغم من أن الدعاية الأمريكية في صالح أذربيجان إلا أن المساعدات لصالح أرمينيا. أما بخصوص تركيا فالمسئولون الأتراك يدركون جيدًا أن التورانية، اللغة التركية، مجموعة الأتراك والذئب الرمادي ، ليست إلا شعارات لا تلقي صدى لدى شعوب تلك المنطقة؛ حيث اللغة التركية هناك غير مفهومة، والتعامل بين هذه الدول يأتي باللغة الروسية في المقام الأول، وذلك لعدم فهمهم لغات بعضهم البعض، إن هدف تركيا هو زيادة نفوذها في منطقة تعتبر منطقة حضارة إيرانية وقوة روسية، في الواقع أن سعي تركيا لزيادة نفوذها في هذه المنطقة يأتي كونهم مندوبين للغرب، أمريكا, الناتو وبمساعدة إسرائيل، وتنفيذ هذه المخططات يأتي من خلال مراكز قوى داخل تركيا وليس عن طريق الحكومة التركية، وهنا يلزم أن نصرح أن نفوذ تركيا في آسيا الوسطى والقوقاز لن يقوم على العلمانية، يتضح ذلك من خلال نشاط الإسلاميين الأتراك، سواء حزب الفضيلة أو من هم أكثر تشددًا منه، في تفعيل القطاع الخاص التركي، والذي يمثل العمود الفقري في العلاقة بين تركيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز، لذا فإن النموذج العلماني التركي في تلك المنطقة يواجه فشلاً ذريعًا. أما من ناحية التورانية فقد ثبت أيضًا فشلها وتعارضها مع الأتاتوركية، فضلاً عن كونها تضعف من فرص تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، ونستطيع أن نستدل على مكانة تركيا بين دول تلك المنطقة، من خلال عقد مقارنة بين التبادل التجاري التركي مع كل من روسيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز، لنجد أن الكفة تميل لصالح روسيا عنها في دول آسيا الوسطى والقوقاز. وكذلك في مجال الاتفاقيات الموقعة بين تركيا وروسيا، فهي تفوق تلك الموقعة بين تركيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز عددًا، مما يعني أن تركيا أكثر توفيقًا مع روسيا عنها مع الجمهوريات المستقلة، وقد يرجع السبب في ذلك إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في تركيا وانعكاس ذلك على القطاع الخاص بها وعلاقاته التجارية مع دول المنطقة. كذلك توتر الأوضاع بين تركيا وأوزبكستان, والذي يتزامن مع تحسن ملموس في العلاقات الأزبكية - الأمريكية في حين أن العلاقات التركية والأمريكية مع أذربيجان طيبة للغاية ومرجع ذلك هو موضوع الطاقة، بصفة عامة ، فإن التواجد الأمريكي في المنطقة بهدف الحد من التواجد الروسي والإيراني بها, والهدف من توسيع حلف الناتو هو تحجيم روسيا, والآن يجب علينا أن نقرر كيفية بناء علاقاتنا مع هذه المنطقة؟ من المؤكد أنه لا يمكننا تجاهل روسيا، وفي نفس الوقت لا يجب أن نمنحها دورًا أكبر مما تستحق، وكذلك لا يجب أن نطل على المنطقة من النافذة الروسية، ولكن يجب أن نعمل على أن تكون "روسيا وحدها صاحبة الحضور مع إبداء أسباب توضح لروسيا أن مصالحها في المنطقة لن تتم إذا لم نتعاون مع إيران بصورة ما". وهذا التصور يمكن تطبيقه بدرجات متفاوتة، أعلاها في طاجيكستان وأدناها في أرمينيا، أما في باقي الدول فهناك مشاكل لازالت عالقة، وفيما يتعلق بتركيا فإن المشاكل بينها وبين إيران أكثر من أن يضاف إليها مشكلة التنافس على النفوذ بين البلدين في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، حتى لا تتأزم الأمور ويصبح الحل عسيرًا.
د. كولايي: أريد أن أشير إلى التغير في الأساليب التركية في التعاطي مع دول المنطقة، ففي عهد تورجوت أوزال، اتبعت الحكومة التركية منهجًا قوامه الثورية ولعبت دور الأخ الأكبر، وهو المنهج الذي رفضته دول المنطقة، كما رفضت منهج الأخ الروسي الأكبر، لذا تحولت الحكومة التركية إلى الميادين الاقتصادية، وكان دعمها للقطاع الخاص الذي تستحيل فعاليته دون الدعم الحكومي، وهذا الوضع تفتقر إليه السياسة الإيرانية؛ حيث لا تدعم الحكومة الإيرانية القطاع الخاص الإيراني في دول آسيا الوسطى والقوقاز، وهذا الأمر يوضح مدى إدراك الحكومة التركية لإيجابيات والتزامات المنطقة، وكذلك هناك نقطة هامة، ألا وهي المنافسة التركية -الروسية في المنطقة التي تقع تحت تأثير الميراث التاريخي والجغرافية- السياسية، وقد نتج عن هذه المنافسة تبادل الاتهامات بين الحكومتين حول أحداث الشيشان والقضايا التركية، وتنقلنا هذه النقطة لأن نبحثها من خلال العلاقات الروسية - الأمريكية وتطور هذه العلاقات، وعلاقة إيران وتركيا بكلتا الدولتين.
المهندس "الشيخ العطار": أريد أن أضيف نقطة أخرى بخصوص الدول المعنية بشئون المنطقة، وهي متعلقة بالدور الفرنسي الأخير، حيث اجتمع شيراك برئيس أرمينيا وأذربيجان بمباركة روسية أمريكية، وتوصلا معًا لنتائج طيبة فيما يتعلق بقرة باغ، والجدير بالذكر أن فرنسا قد لعبت دورًا مماثلاً في الفترة بين 1919 ، 1921 قبل استيلاء ستالين على أذربيجان, أرمينيا وجورجيا وأصبح لها نفوذًا إيجابيًا في المنطقة، لذا يجب إضافتها لمجموعة الدول المعنية بشئون جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز.
د. أطهري: الآن ما هي الأطر التي من خلالها يمكن لجمهورية إيران الإسلامية أن تبسط نفوذها في جمهوريات أسيا الوسطى والقوقاز؟ وما هي نقاط الضعف؟ وما هي المقترحات التي يمكن من خلالها طرح السياسة الخارجية؟ وما هي المجالات التي يجب أن تنفذ من خلالها؟ هل هي المجال السياسي والاقتصادي, التجاري الأمني أم العسكري؟
د. لطفيان: بخصوص المجالات، أعتقد أنه يمكننا إنجاز العديد من المهام من خلال المجالات الأمنية بمعناها الجامع، والتي تحتوي على أبعاد اقتصادية، اجتماعية, ثقافية، عسكرية ودفاعية، لكن هناك مجالات أخرى يمكن العمل من خلالها على المدى القصير، مثل حل القضايا المشتركة بين إيران ودول المنطقة، إحدى هذه المجالات هو مجال البيئة، فمن جملة الميراث الذي ورثته هذه الجمهوريات عن الاتحاد السوفيتي، التلوث البيئي، وتتجلى هذه القضية في تلوث بحيرة "آرال" وقد طرحت قيرغيرستان هذه القضية مؤخرًا, حيث دفن الاتحاد السوفيتي نفايات نووية وصناعية سامة في أماكن مختلفة في قرغيزستان دون علم الحكومة هناك، وقد جاء طرح قرغيزستان لهذه القضية في مؤتمرات عقدت مؤخرًا، وطالبوا دول المنطقة والمحافل الدولية بالمساعدة لحل هذه القضية، وأيضًا من مجالات التعون في مجال البيئة، والمراعي والبيئة الجبلية الخلابة لجذب السياح، وهناك مجال آخر أكثر حيوية، ألا وهو التعاون مع الجمهوريات في مجال المصادر المائية، والمثال على ذلك المباحثات الإيرانية - التركمانية لإقامة سد على نهر "شجن" ويمكننا تعميق فاعليتنا في تركمانستان في هذا الصدد, ومن مجالات التعاون الأخرى، التعاون لحل مشكلة أفغانستان، فعلى الرغم من فاعليات مجموعة 2 + 6 التي تكونت تحت رعاية المنظمة الدولية وبمساعدة روسيا وأمريكا إلا أنها لم تصل لحلول تلك المشكلة، وعلينا التعاون مع دول المنطقة لحل هذه المشكلة من جهة، ومن جهة أخرى الحيلولة دون أفغنة هذه الدول. وفي نفس الإطار، يمكننا لعب دور الوساطة بين أرمينيا وأذربيجان لحل مشكلة "قره باغ" وهي نفس الممارسة التي مارستها فرنسا وإن كانت وساطتنا غير مقبولة من الجانب الأذري، إلا أنها موضع ترحيب واستجابة من الجانب الأرميني. ومن مجالات التعاون على المدى القصير، مكافحة الإرهاب، وهي القضية التي تحظى باهتمام عالمي، وصحيح أن الدول الأربع، باستثناء تركمانستان، قد وقعت اتفاقًا أمنيًا يعني بالأمن الداخلي لكل دولة ولا يرقى إلى أمن المجموعة، إلا أننا يمكننا القيام بدور فعَّال في منع المتسللين من الوصول إلى الحدود، وخاصة المتشددين, والهجرة من الخارج وهي القضية المشتركة بين إيران وطاجيكستان، وتهريب المواد المخدرة عن طريق مجموعات إرهابية تسعى لتأمين موارد تمويل الإراهاب عن طريق تهريب المخدرات، وذلك بما لنا من خبرة سابقة في مجال مكافحة المخدرات والتصدي لمهربيها. لكن يبقى السؤال ما هي النتائج التي حققناها في آسيا الوسطى منذ عام 1991 حتى الآن؟ نحن نرى أن دولة مثل إسرائيل قد تمكنت من تحقيق نجاحات أكثر، على سبيل المثال تمكنت من تحقيق فعاليات اقتصادية في أوزبكستان جديرة بالاهتمام، وعلى الرغم من تناقص معدلات الاستثمار الإسرائيلي الآن، إلا أن سوق الواردات والحكومة تحمي التجار والمستثمرين الإسرائيليين, كذلك لا يمكن إغفال دور الغرب في هذه النجاحات، لقد دخلنا أسواق آسيا الوسطى والقوقاز في بدايات عقد التسعينيات، ولكن على الرغم من الفرص التي تتيحها هذه الأسواق إلا أننا لم نحسن استثمارها وعلينا الاعتراف بأن الجميع مقصرون في هذا المجال.
نقطة أخرى هامة، أشار إليها جميع المشاركين، ألا وهي قضية الطاقة وأهميتها في المنطقة، حيث يجب إجراء بحوث موسعة في مجال الحظر الأمريكي على الشركات الأجنبية التي تزيد استثماراتها في قطاع الطاقة في إيران، أو مد خطوط أنابيب لنقل بترول بحر قزوين من شمال إيران إلى جنوبها، والسؤال الآن هو: هل لدى إيران الإمكانيات لمد هذا الخط بالجهود الإيرانية الذاتية؟ أعتقد أنه إذا ما توافرت هذه البدائل وتم تنفيذها على أرض الواقع، سيكون ذلك بمثابة خط دولي يساعد دول المنطقة على نقل بترولهم إلى الخارج، وبذلك يتم إجهاض الخطر الأمريكي على إيران ووضع أمريكا أمام الأمر الواقع.
د. أطهري: هل يمكن طرح اقتراح إقامة منظمة للأمن والتعاون في آسيا الوسطى والقوقاز؟ يعني ما هي الموانع التي تقف أمام إيران ودول المنطقة لتحقيق هذه الفكرة؟
د. لطفيان: مع مراعاة الأطر التي تبحث فيها الجلسة فروسيا وأمريكا يشكلان المانع الرئيسي في هذا الصدد للأسباب الآتية:
أولاً : السياسة الأمريكية تقوم على فرض الهيمنة الكاملة والسيطرة لكن هذه السياسة باءت بالفشل.
ثانيًا: سياسة التحجيم التي أشارت إليها د. "كولايي"، والتي تهدف لتوسيع حلف الناتو في آسيا الوسطى والقوقاز لتأمين الدفاع عن هذه المنطقة على المدى البعيد، لكن هذه السياسة أيضًا ستفشل، ومرجع ذلك إلى استياء دافعي الضرائب الأمريكيين من تحمل كلفة حفظ الأمن في آسيا الوسطى والقوقاز، وقد يكون هناك أسباب أخرى ستضح فيما بعد.
في ظل هذه الظروف، نقترح إقامة نظام أمني جماعي برعاية الناتو أو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المؤكد أن هناك نظمًا أمنية قائمة تحت رعاية دول الكومنولث، لكن قيام نظام أمني كامل ومستقل بين إيران ودول آسيا الوسطى والقوقاز بدون تدخل روسي أو أمريكي، أمر ليس مستبعدًا.
د. كولايي: فيما يتعلق بسبل تنمية التعاون والإمكانيات في المجالات الباقية بين إيران ودول المنطقة لتأمين المصالح القومية لإيران في تلك الجمهوريات، لا شك أن خبرتنا في هذه المجالات ستكون موضع استفادة بالغة، ومما لا شك فيه أيضًا أن المعطيات والنتائج في هذه الجمهوريات في التعامل مع دول من المنطقة أو من خارجها، قد اختلفت خلال السنوات الماضية نتيجة للتجارب التي مرت بها مؤخرًا، ولا يجب غض البصر عن الأوضاع الجغرافية لهذه المنطقة وتأثيرها على النماذج وتنميتها، ونسوق مثالاً على هذا الوضع في قزاقستان، حيث وقعت مع شركة أمريكية اتفاقية في عام 1992 أثمرت شركة "شورون" وهي من أنشط الشركات التي تعمل في مجال البترول، لكن بعد استخراج الخام، واجهتهم مشكلة صعوبة نقله مع محدودية النقل عبر خط الأنابيب الروسي، وحيث إن سعر المنتج النهائي يجب أن يكون ذا قدرة تنافسية في الأسواق العالمية، لذا وقعت المنافسة في تلك الجمهوريات تحت تأثير الوضع الجغرافي.
كذلك الوضع في أذربيجان، التي وقَّعت اتفاقية "بترول باكو" عام 1994، إلا أن البحث ما زال جاريًا حول خط سير خطوط أنابيب نقل هذا البترول، ومرجع ذلك للأوضاع السياسية للمنطقة والتي يرجع بعضها للرؤى الروسية، حيث تسعى هذه الدول لاستمرارية دورها داخل تلك الجمهوريات كما كانت عليه الأوضاع قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، ويرجع بعضها الآخر إلى العلاقات مع الجمهوريات الأخرى، ومع الوضع في الاعتبار موقع إيران كأفضل السبل لمد خطوط الأنابيب التي تخدم هذه الجمهوريات، وخاصة أذربيجان، يتضح مدى تأثر استراتيجية الاحتواء الأمريكي ضد إيران في إضاعة الفرص من تلك الجمهوريات، والإخلال بمصالحها في الأسواق العالمية.
وفي الواقع فإنه يجب الاهتمام بتطورات العلاقات الأمريكية الإيرانية، والدور الأمريكي في المنطقة والفرص الضائعة من جراء فرض هذا النوع من العلاقات والتطورات الناجمة عنها، حتى تصل مصادر الطاقة لهذه الجمهوريات إلى الأسواق العالمية. يجب وضع آسيا الوسطى والقوقاز ومنطقة بحر قزوين وأوراسيا في إطار السياسة الخارجية العليا لإيران، ولا يغيب عن بالنا، أن السياسة الخارجية هي استمرار للسياسة الداخلية واضعين في الاعتبار أن الميراث التاريخي والثقافي في هذه المنطقة يزيد من فرص تواجد النفوذ الإيراني بها، ولا شك أن النظام الاقتصادي والصناعي في فترة الاتحاد السوفيتي قد أتاح الفرص لإيران بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في سد العجز في احتياجات دول آسيا الوسطى والقوقاز من الصناعات الاستهلاكية، ومن ثم الولوج إلى أسواق تلك المنطقة بصورة طبيعية وتنمية التعاون التجاري والاقتصادي معها. لكن مع بالغ الأسف، لم تتم الاستفادة من هذه الفرص، بسبب عدم خبرة كافة الأجهزة ذات الشأن في هذا المجال، ونفوذ وسيطرة الحكومة على قطاع التجارة وعوامل أخرى متعددة لا يتسع المجال لإحصائها، ومن وجهة نظري أن إدراك هذه المعطيات سيفتح أسواق دول آسيا الوسطى والقوقاز على مصراعيه لتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية مع هذه الجمهوريات. وعلى صعيد المجالات الاجتماعية سيطر على السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية شعار "لا شرق ولا غرب" لكن الآن بات على رأس الأولويات تنمية العلاقات مع الغرب، لسد الفجوة الشاسعة في التكنولوجيا بين الاتحاد السوفيتي والغرب، وهو نفس النهج الذي اتبعته جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز في سعيها إلى الغرب، ومن هنا تبرز مكانة جمهوريات إيران الإسلامية بالنسبة لهذه المنطقة, ومن المؤكد أن الحرب الداخلية في طاجيكستان (الجمهورية الوحيدة التي سمحت بقيام حزب إسلامي ومشاركته في الحياة السياسية) أوجدت نوعًا من الإحساس بعدم الأمن تجاه جمهورية إيران الإسلامية والإسلام السياسي.
أعتقد أن التطورات التي شهدتها السياسة الخارجية الإيرانية في السنوات الأخيرة، والتأكيد على تقوية العلاقات التجارية الاقتصادية والثقافية الكفيلة بإزاء هذه الكبوة لدى دول آسيا الوسطى والقوقاز, والمتمثلة في أن الخطر الإسلامي في المنطقة مرتبط بالتفعيل الإيراني أعتقد أن الفرص سانحة اليوم أمام جمهورية إيران الإسلامية لتغيير هذه الفكرة مع مراعاة ما تقوم به طالبان والتهديدات الأمنية الناتجة عن فاعلياتها والمجموعة الؤيدة لها في تلك الجمهوريات, وأيضًا مع مراعاة الدور الإيراني لإقرار السلام في طاجيكستان، كذلك يمكن لإيران الاستفادة مما تقدم في العلاقات مع روسيا للتحرك تجاه نظام متعدد الأقطاب ومجابهة الرغبات والسياسات الأمريكية في المنطقة.
يجب الاهتمام بكافة المضامين التي تصلح من شأن السياسات الإيرانية المعمول بها والتي من بينها السعي لتوفير الخبرة لدى الأجهزة الإيرانية المعنية بشئون المنطقة والإلمام بالبيئة نظرًا لأهميتها، وخير مثال على ذلك نجاح إسرائيل في تلبية حاجات تلك الجمهوريات في مجال الزراعة، في بيئة تندر فيها المياه، حيث تعاني دول المنطقة من قلة المياه، هكذا نلاحظ أن نجاح المعنيين بشئون المنطقة منوط بالمعرفة الصحيحة لدول المنطقة، ونخلص من ذلك إلى وجوب دراسة المنطقة دراسة مستفيضة واستخلاص عناصر علاقاتنا بها وتحليل هذه العناصر تحليلاً وافيًا؛ حتى لا يتعارض تواجدنا في المنطقة مع الإلمام بها, والاستفادة من تلك النتائج أفضل استفادة حتى نلقنها للخبراء والمتعاملين مع هذه المجتمعات، كذلك يجب الإقرار بعدم إمكانية فصل الاهتمام بالسياسة الخارجية عن الاهتمام بالسياسة الداخلية.
د. أطهري: هل تعتقدون بإمكانية ترجيح الشمال عن الجنوب، إذ ما أردنا إقامة علاقات مع هذه الدول؟ وهل يمكن التحالف مع هذه الدول؟
د. كولايي: في تصوري أن الواقع والظروف الجغرافية السياسية لجمهورية إيران الإسلامية قد أتاحت إمكانيات يمكننا الاستفادة منها في هذا الخصوص، وهو الأمر الذي لا يتوافر لكافة المعنيين بشئون المنطقة، ولكن الاستفادة من هذه الإمكانيات يجب أولاً تحديدها ورصدها، وعندئذٍ لن يكون الدور الذي نلعبه في المنطقة قاصرًا على المجال الأمني، والمثال على ذلك التواجد الفرنسي الفعال في قره باغ وأثر اللوبي الأرميني في فرنسا على هذا المجال.
د. سجادبور: إن ما أشارت إليه د. "كولايي" يطرح ثلاثة محاور: أولها مجال المواصلات والعلاقات التي يمكن أن نقوم من خلالها في النواحي الجغرافية والإمكانيات التي توفرها، وهذا المجال تنفرد به إيران عن غيرها من بين الدول المعنية بشئون تلك المنطقة، ثانيها: مسألة الطاقة ثالثها: ثقافة تلك المنطقة والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحضارة والثقافة الإيرانية، ويمكن لإيران الاستفادة من تلك المحاور خاصة في المحور الأول، ويمثل المحور الثاني أكبر الميادين التي يمكن لإيران أن تبسط نفوذها من خلاله في المنطقة. أما فيما يتعلق بالمعوقات التي يمكن أن تعوق السياسة الإيرانية على المحاور الثلاثة، فمن وجهة نظري أنها معدومة، وقد حققت إيران نجاحات حقيقية على هذه المحاور الثلاثة، إلا أن الحديث عنها قليل للغاية، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي، وهذه النقطة بالذات موضع اهتمام المتخصصين من الخارج الذين يهتمون بشئون هذه المنطقة، سواء كانوا أوربيين أو غير أوربيين، وأنا أرى أن وسائل الإعلام هي نقطة ضعف إيران، ومن المؤكد أن إيران من الناحية الإدارية قد تمركزت في منطقة بكر، فإذا ما قارنا بين وضع إيران في لبنان سواء قبل الثورة أو بعد الثورة، والذي يحتوي على عشرات الجماعات والمنظمات الإيرانية، ووضع إيران في تلك الجمهوريات الحديثة النشأة، لأدركنا إلى أي مدى حققت إيران نجاحًا في تلك الجمهوريات على أية حال من وجهة نظري أننا لم نعالج تحركاتنا إعلاميًا بالقدر الكافي.
نقطة ثانية: من وجهة نظري أيضًا, وهي افتقار إيران للتوازن في الاهتمام بالأشياء، وهذه عادة ثقافية لدى الإيرانيين، فهم يقبلون على الشيء إذا استحسنوه، وبعد فترة يفتر هذا الإقبال ويخبو لقد زاد الاهتمام بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، واليوم يتجه اهتمام إيران إلى العرب وأوروبا ولا يعني هذا أننا أسقطنا من حساباتنا الاهتمام بآسيا الوسطى والقوقاز، ولكننا في حاجة إلى اهتمام متوازن، وهذه النقطة أيضًا تعد من نقاط الضعف في الرؤية الخاصة بالسياسة الخارجية. وفي النهاية فإن نقطة الضعف الرئيسية في السياسة الخارجية لإيران هي افتقارها للتنسيق الكامل, للتدليل على ذلك يمكننا طرح مجموعة الأسئلة على النحو التالي: كم سيمنار عقد في الجامعات لمناقشة هذه القضايا خلال السنوات العشر التي مرت على انهيار الاتحاد السوفيتي، وكم كتاب ومقالة كتبت عن آسيا الوسطى والقوقاز؟ الإجابة هي أن تناول الموضوعات الرسمية لا يكون إلا عن طريق العاملين في السياسة الخارجية، وهم أفراد معدودون ، وعدد محدود منهم هم المهتمون بهذه القضية، وهذا يوضح غياب التنسيق بين القطاع الخاص والحكومة وبين القطاع التنفيذي والقطاع الفكري، من المؤكد أن هناك مقالات مهمة كتبت، وترجمات أهم ترجمت، ولكن كم عدد المستفيدين منها؟ كل ذلك يوضح أن أحد نقاط الضعف في إيران هو الغياب النسبي للتنسيق في السياسة الخارجية بخصوص الاقتراحات أعتقد أنه يجب أن يكون لدينا مفهوم إيجابي وخلاق، يجب دراسة المنطقة دراسة وافية؛ لأن آسيا الوسطى تختلف عن القوقاز، وبعد الدراسة الوافية، نعقد جلسات للتحليل الدقيق وترتيب الأولويات والخروج بمفهوم إيجابي وخلاق، مثلاً منظمة التعاون الأمني فكرة يجب بحثها جيدًا، تلك الفكرة يمكن أن تكون جزءًا من المفاهيم, وجهة نظري هي أننا نحتاج إلى مفهوم إيجابي وخلاق بالنسبة لهذه المنطقة.
الاقتراح الثاني: مسألة القطبية, من وجهة نظري, تمثل "مشهد قطبًا طبيعيًا لمنطقة آسيا الوسطى" والتي يمكن من خلالها الطيران إلى "بيشكك" في الوقت الذي لا يمكن فيه ذلك من طهران، وأيضًا يمكن من مشهد الطيران إلى "دوشنبه" وطاجيكستان هذا القطب الطبيعي يمكن عن طريق قرارات أكثر دقة تحويله إلى قطب سياسي وهذه القطبية لا تتوافر في القوقاز ولا تبرز الاقتراح الذي أتبناه في النهاية هو البحث والحور أكثر بخصوص آسيا الوسطى.
د. أطهري: وماذا عن الأولوية بين الشمال والجنوب.
د. سجادبور: إنني أنظر لهذه القطبية نظرة متوازية، فلا نقدر على إهمال العالم العربي ولا يمكن الانسحاب من ملعب الشمال، ولذا ستكون الأولوية للموضوعية، مثلاً قضيتنا في الجنوب هي إشاعة جو من الثقة، ومع الشمال هي مرور خطوط أنابيب نقل البترول عبر إيران.
المهندس الشيخ العطار: الجهل وعدم الإدراك الكافي هما السبب في الفشل، وأنا أؤيد وجهة نظر د. "سجادبور" بالكامل، حيث من المحتم أن نحقق نجاحًا في تلك المنطقة, والسبب في قلة هذه النجاحات يرجع إلى أننا نحارب أنفسنا، فمثلاً لو حققت وزارة الخارجية نجاحًا، تقلل من شأنه وزارة الخارجية وتحقره وتظهره على أنه فشل ذريع، إن قراءتنا للأحداث فردية, وهناك تداخل في عمل الهيئات والوزارات ومن المحتمل أن أسهب في هذا المجال نظرًا لأنني عملت في تلك المنطقة لفترات طويلة، ولذا أؤكد على ضرورة الإلمام الكامل بالمنطقة, ولتحقيق ذلك يجب توظيف أفراد على علاقة وصلة بالمنطقة ومتخصصين فيها، وهذا ليس بالأمر الصعب؛ لأن هذه المنطقة امتداد طبيعي لحضارتنا ويوجد بها العديد من المؤيدين، وعدم توظيف مثل هؤلاء الأفراد يعد إحدى نقاط ضعفنا، يجب أن يلم العاملون لدينا إلمامًا كاملاً بالمنطقة فمن النادر إيفاد إرسال وزارة الخارجية لبعثات إلى هذه المنطقة لإرجاء بحوث متعمقة، حتى على مستوى الجامعات، لا يحدث أن يحصل الطلبة على التشجيع الكافي لإجراء بحوث حول هذه المنطقة.
إن تقييمنا لأهمية المنطقة يتضح من خلال الأفراد المعنيين من جانب إيران, في تلك المنطقة نقطة أخرى يجب طرحها وهي العلاقات الشخصية، فللسيد محمد خاتمي، وكذلك السيد هاشمي رفسنجاني، علاقات شخصية واتصالات مع قادة المنطقة وزعمائها، وهناك تبادل للزيارات والاتصالات بين الطرفين، لكن للأسف قل الاهتمام بهذه المنطقة، إن عنصر العلاقات الشخصية يعد من أهم عناصر نجاح السياسة الخارجية، والذي بسببه فشلت تركيا في هذه المنطقة بعد وفاة تورجوت أوزال. يمكننا إقرار علاقات في مختلف الميادين، السياسية، الاقتصادية، والثقافية، لكن شريطة ألا تقر من جانب شخصية حكومية، يجب أن تكون العلاقات بين إيران وتلك الجمهوريات على المستوى الشعبي.
إن الأولوية في العلاقات -من حيث بناء الثقة- اقتصادية ثم ثقافية ثم سياسية ثم أمنية، وفي المجال الثقافي يجب أن تقوم العلاقات بين الشعوب بمعنى أن تكون ثقافة شعبية بعيدًا عن الحكومة، ولا تقتصر على النواحي الدينية، أما فيما يتعلق بالعلاقات السياسية فقد أثبتت التجارب نجاح السياسة الإيرانية في القضايا متعددة الأطراف، مثل القضية الأفغانية، أما على صعيد العلاقات الأمنية مثل قضايا الإرهاب والمواد المخدرة التي أشارت إليها د. "لطفيان"، فيمكن أن تكون بداية جيدة لمضمار العلاقات الأمنية، ويجب أن لا نتقوقع، وألا نخشى تهديدات مسئولي الأحزاب في تلك البلدان، خاصة أذربيجان، وفي نهاية عرضي أود أن أوضح الاهتمام المتزايد من جانب روسيا بتلك الجمهوريات والواضح من خلال سياسة "فلاديمير بوتين" بعد أن سخر منهم "بوريس يلتسين" بالأمس أن أكبر المشاكل التي كانت تواجه الروس في تلك المنطقة هي جمهورية أذربيجان، وأخيرًا لا أنسى أن أشير إلى أن روسيا تطلق على هذه المنطقة في سياستها الخارجية مصطلح "خارج قريب" وتوليها اهتمامًا كبيرًا.
ont-family: Traditional Arabic -;- mso-bidi-language: AR-EG">"الأيكو" كعضو مراقب، وقد اعتبر أن قيام الاتحاد الاقتصادي "اسلاف" مؤشرًا لإزالة التهديدات التي صاحبت تنمية منظمة "الأيكو".
أما عن المنافسة التركية الإيرانية للتواجد في المنطقة، فهي تقوم على نموذجين: الأول ديني إيراني، والثاني علماني تركي، وتركيا تسعى لتثبيت نفوذها في المنطقة من منطلق تاريخي؛ دعمًا لارتباطها بالاتحاد الأوروبي، لذا طرحت تركيا بحث التوازن وتنمية الامبراطورية التاريخية التركية, لكن من المؤكد رفض هذه القضية لعدم اهتمامها بواقع المنطقة، وبالتالي عدم قبول فكرة الأخ التركي الأكبر أو الأخ الأكبر للمسلمين.
وباستثناء المنافسة بين إيران وتركيا في المنطقة، يجب الاهتمام بموقف روسيا وأمريكا باعتبارهما إطارًا مؤثرًا في العلاقات في المنطقة، أشرنا كثيرًا إلى نقاط الخلاف في وجهات النظر تجاه آسيا الوسطى والقوقاز، ومفهوم انفصال واستقلال الجمهوريات عن بعضها البعض في النصف الأول من عقد التسعينيات، هذه القضية في حاجة إلى إعادة النظر في النصف الثاني من نفس العقد، فلم ترغب روسيا ولا الجمهوريات في الاستقلال من الناحية الأمنية، يتضح ذلك من خلال الأحداث التي شهدتها جمهوريات: طاجيكستان، جورجيا مولدفيا والشيشان، كما يتضح من أن نظرة روسيا لتلك المنطقة تواجه برفض أمريكي قاطع، فالنظرة الأمنية الروسية لتلك الجمهوريات تواجه باستراتيجية أمريكية هي نفس استراتيجية السيطرة على فيدرالية روسيا، ولا شك أن هذا الوضع هو صحة جديدة لأفكار الحرب الباردة بين البلدين، لذا فقد وقعت العلاقات الإيرالنية التركية -على الرغم من النقاط التي أشرنا إليها- تحت تأثير التطورات في العلاقات الروسية الأمريكية فضلاً عن ذلك، وفيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية الروسية أعتقد أننا لم نهتم بالدرجة الكافية بظروف وإمكانيات ممارسة السياسة الخارجية الإيرانية بين باقي الدول المعنية بشئون المنطقة، وبالتالي فإننا لم نراع نقل وعناصر العلاقات بين روسيا وإيران، لدرجة أن بعض أوجه العلاقات القائمة تتيح الفرصة لفيدرالية روسيا، وتحقيق أهداف هذه الفيدرالية تلك الأهداف طرحت تطورات العلاقات الروسية الأمريكية وتجعل من روسيا تابعًا لأمريكا بصورة أكثر جدية. بناء على هذا ، يجب الاهتمام بالتنافس القائم بين إيران وتركيا للتنمية في آسيا الوسطى والقوقاز، مع الوضع في الاعتبار النظرة الأمنية الروسية والطوق الأمني الذي تطالب به روسيا, ورفض التعريف الأمريكي للإطار الأمني الروسي في المنطقة نبذًا للتبعية ورفضًا لأي تدخل أمريكي بهدف حل القضايا الأخرى المتعلقة بهذا البحث.
د. أطهري: أشارت د. "كولايي" باستفاضة إلى مفهوم نموذج التنمية الإيراني والتركي، إن تركيا لديها عدة قضايا للانضمام للاتحاد الأوروبي منها على سبيل المثال، توفيق قوانينها حماية حقوق الإنسان الحريات, كذلك ما يطرحه رئيس تركيا من انعدام الحرية العقائدية كل هذه القضايا توضح إلى أي مدى تركيا بعيدة عن الديمقراطية.
ثانيًا: أؤكد أن شعوب تلك المنطقة ترفض النموذج التركي للتنمية وذلك يتضح من عدم اكتراث الأقليات القومية به، وأيضًا التيارات الإسلامية، قضية أخرى أريد أن ألقي الضوء علهيا، نعتقد أن روسيا مدركة للخطة الأمريكية للمنطقة، فهل حقًا ما زال الروس يفكرون على طريقة الحرب الباردة بنفس القدر؟ يعني هل ننتظر من روسيا أن تلعب الدور الذي لعبته ضد أمريكا في فترة الحرب الباردة؟ لماذا يحاط موضوع مشاركة إيران في حلف "الناتو" بهذا القدر من الحساسية على الرغم من أنه يضم في عضويته غالبية دول العالم؟
هناك قضية أخرى تتعلق بالتركيبة الأمنية في المنطقة، ألا وهي قضية إسرائيل -آسيا الوسطى- تركيا, وإمكانية الربط بين آسيا الوسطى وإسرائيل عن طريق الأردن وهذه القضية على درجة عالية من الأهمية، وأخيرًا هناك نقطة أطرحها للمناقشة هي قرار جمهورية أذربيجان بمنح "الناتو" قاعدة على أراضيها.
د. سجادبور: فيما يتعلق بتركيا وإيران، فالملاحظ أن المنافسة بين البلدين هي ذلك النوع الذي يريده الطرفان الآخران, فإيران لا تسعى في زيادة المنافسة حتى تسبق تركيا في هذا المضمار, وتجدر الإشارة إلى تصريحات المسئولين الإيرانيين في تلك الفترة أن كلاً من الحرب المفروضة والسلام المفروض ليسا بالأمر الحسن، كذلك الحال في المنافسة المفروضة.
النقطة الثانية في المنافسة بين إيران وتركيا هي أن كليهما واقع تحت تأثير الظروف الداخلية العامة فالقطاع الخاص في تركيا أكثر فاعلية وجدية منه في إيران، أما السواد الأعظم من التعاملات الاقتصادية في إيران فيخضع للحكومة، وهو الأمر الذي انتهى في تركيا فمعظم التعاملات الاقتصادية يسيطر عليها القطاع الخاص، الذي وفق أوضاعه بالارتباط بالشبكات الدولية، وفي اسطنبول هناك قاعدة للشركات الكبرى متعددة القوميات والنموذج لذلك هو بنك "مانهاتن" أريد أن أؤكد على أهمية القطاع الخاص والتخلص من سيطرة إدارة الحكومة على هذه العلاقات.
النقطة الثالثة فيما يتعلق بإيران وتركيا، وهي التناقض في السياسة التركية تجاه تلك المنطقة، فالفكر "الأتاتوركي" هو المسيطر على السياسة التركية الخارجية، وليس من شك أن الاختلاف قائم بين الثورية والأتاتوركية، وقضايا الممكن والمحدود هي التي تفسح الطريق لأوروبا إلى آسيا الوسطى، لذا فتركيا أيضًا ليست في وضع مناسب.
د. سجادبور: حقيقة أن الخلاف قائم، ولكن ليس على النحو القائم في الدوائر الساسية، وليس واردًا تهميش أي من البلدين لدور البلد الآخر، أما بخصوص الدور الأمريكي، والذي يحوز أهمية فائقة من وجهة نظري، فهو أن السياسة الأمريكية في المنطقة تقوم على منع مد خطوط أنابيب البترول عبر إيران بهدف منع تنمية العلاقات الإيرانية مع دول المنطقة، ومن هذا يتضح أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران أيديولوجية، وهذه النقطة مهمة جدًا، والنقطة الثانية هي اتباع نفس السياسة ضد الروس وخاصة خلال الفترة التي مضت من حكم الرئيس بوش الذي تحتوي حكومته على مجموعة يكنون العداء لروسيا، ويتضح ذلك من خلال تاريخهم السياسي.
أما النقطة الثالثة فهي شركات البترول الأمريكية والضغط الذي تمارسه على الحكومة تحقيقًا لمصالحها المالية، وكانت آمالهم معقودة على بوش وحكومته ولكنهما خيبا آمالهم بأكاذيبهما، إننا الآن أمام عدة معادلات، هي: حكومة بوش الجديدة حديثة العهد بالحكم، وخاصة في مجال السياسة الخارجية. عدم الاهتمام بشئون السياسة الخارجية على كافة المستويات وبالتالي عدم الاهتمام بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز، يتزامن ذلك مع معاداة الروس, وفي رأيي أن حل كل هذه المعادلات يكمن في البترول.
المهندس "الشيخ العطار": لا شك أن للروس في هذه المنطقة حضور تاريخي له أبعاده الحضارية والعسكرية والاقتصادية، وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي وأثره على روسيا ودول المنطقة إلا أن روسيا لا تعتبر أن هذه المنطقة من خلال سياستها الخارجية خارج تلك السياسة, بل يطلقون عليها مصطلح "خارج قريب" وينظرون إليها كونها منطقة نفوذ ومنطقة حيوية بالنسبة لهم, ويرغبون في استعادة مكانتهم في تلك المنطقة، وتؤكد تصريحات المسئولين الروس بأن الانسحاب الكامل من جورجيا كان قرارًا خاطئًا، ما زالت آثاره تنعكس على الوجود الروسي في المنطقة، وفي الجانب المقابل، كان التواجد الروسي في أرمينيا إيجابيًا، وساعد في دعم المكانة الروسية في تلك المنطقة, نجد التواجد الروسي في حلف شنغهاي، والذي يضم في عضويته -فضلاً عن روسيا- الصين, قازاقستان، قرغيزستان, طاجيكستان، ومن المتوقع أن يعمل على تعزيز التعاون العسكري والأمني، والرغبة الروسية تلك لا تأتي من منطلق تحقيق مكاسب أكبر، بل لتقليل الخسائر الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفيتي وقيام الجمهوريات المستقلة، ومن المؤكد الآن أن البواعث الروسية في تعزيز علاقاتها مع دول المنطقة قد ازدادت بسبب قضايا طالبان والشيشان والخطر الذي يستشعرونه من الإسلاميين من جهة أخرى، وعلى الرغم من محاولات التقارب الروسية إلى الغرب، إلا أن النظرة الغربية لروسيا كانت أدنى بكثير مما توقعه الروس، ويرى الساسة الغربيون أنه لا بد من الحذر من روسيا؛ لأن استعادتها لمكانتها ستجعلها أكبر وأقوى مما كانت عليه في زمن الاتحاد السوفيتي، ومن هنا نجد أن دول منطقة آسيا الوسطى والقوقاز نفسها قد سلكت هذا المسلك، ويتضح ذلك من خلال سعي جورجيا, أذربيجان, مولديفيا وأوزبكستان لإقامة اتحاد أمني –اقتصادي- عسكري مع الغرب، ولهذا يطرح بحث توسيع الناتو في الشرق بصورة جدية.
كذلك نتج عن وضع روسيا في المنطقة أن سمحت تركيا لأربعة سباحين أمريكيين بالإبحار في بحر قزوين، وهذه سابقة هي الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاقيات 1921، 1940 والتي أكدت على عدم السماح بتواجد قوات أجنبية من جانب الغرب في حق روسيا، قد يولد لديهم دوافع أقوى لاستعادة مكانتهم في المنطقة، وهذه السياسة واضحة منذ تولي بوتين مقاليد الحكم.
هناك دليل نسوقه على متانة العلاقات الروسية مع دول المنطقة وهو تركمانستان التي باعت الغاز التركماني لروسيا بسعر مناسب من خلال اتفاقيات طويلة الأجل بعد أن لهثت في أثره شركات البترول الغربية، مما دفع الشركات الإنجليزية التي كانت تسعى للحصول على اتفاقية الغاز إلى غلق مكتبها في عشق آباد معلنة عدم إمكانية اكتشاف آبار بترول جديدة في منطقة "آفشور" التركمانية في بحر قزوين. وبخصوص أذربيجان نجد الشعور بالارتياح يسود عقب زيارة بوتين لها وعدم الاعتراض الروسي على مرور خط أنابيب البترول من الأراضي الأذربيجانية، على الرغم من الضوضاء التي صاحبت خط أنابيب باكور -جيحون جاء الاتفاق على خط أنابيب بترول باكو- نوفروسك. في الواقع ارتباط هذه الدول بموسكو يؤكد أن الإلمام الكامل بدول آسيا الوسطى والقوقاز لا يأتي إلا من خلال المعرفة الكاملة بروسيا باعتبارها العامل الأساسي في هذه المنطقة. حتى أرمينيا التي تتمتع بلوبي قوي النفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكثر دول الكومنولث حصولاً على المساعدات الأمريكية، فتتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع موسكو، وعلى الرغم من أن الدعاية الأمريكية في صالح أذربيجان إلا أن المساعدات لصالح أرمينيا. أما بخصوص تركيا فالمسئولون الأتراك يدركون جيدًا أن التورانية، اللغة التركية، مجموعة الأتراك والذئب الرمادي ، ليست إلا شعارات لا تلقي صدى لدى شعوب تلك المنطقة؛ حيث اللغة التركية هناك غير مفهومة، والتعامل بين هذه الدول يأتي باللغة الروسية في المقام الأول، وذلك لعدم فهمهم لغات بعضهم البعض، إن هدف تركيا هو زيادة نفوذها في منطقة تعتبر منطقة حضارة إيرانية وقوة روسية، في الواقع أن سعي تركيا لزيادة نفوذها في هذه المنطقة يأتي كونهم مندوبين للغرب، أمريكا, الناتو وبمساعدة إسرائيل، وتنفيذ هذه المخططات يأتي من خلال مراكز قوى داخل تركيا وليس عن طريق الحكومة التركية، وهنا يلزم أن نصرح أن نفوذ تركيا في آسيا الوسطى والقوقاز لن يقوم على العلمانية، يتضح ذلك من خلال نشاط الإسلاميين الأتراك، سواء حزب الفضيلة أو من هم أكثر تشددًا منه، في تفعيل القطاع الخاص التركي، والذي يمثل العمود الفقري في العلاقة بين تركيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز، لذا فإن النموذج العلماني التركي في تلك المنطقة يواجه فشلاً ذريعًا. أما من ناحية التورانية فقد ثبت أيضًا فشلها وتعارضها مع الأتاتوركية، فضلاً عن كونها تضعف من فرص تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي، ونستطيع أن نستدل على مكانة تركيا بين دول تلك المنطقة، من خلال عقد مقارنة بين التبادل التجاري التركي مع كل من روسيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز، لنجد أن الكفة تميل لصالح روسيا عنها في دول آسيا الوسطى والقوقاز. وكذلك في مجال الاتفاقيات الموقعة بين تركيا وروسيا، فهي تفوق تلك الموقعة بين تركيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز عددًا، مما يعني أن تركيا أكثر توفيقًا مع روسيا عنها مع الجمهوريات المستقلة، وقد يرجع السبب في ذلك إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في تركيا وانعكاس ذلك على القطاع الخاص بها وعلاقاته التجارية مع دول المنطقة. كذلك توتر الأوضاع بين تركيا وأوزبكستان, والذي يتزامن مع تحسن ملموس في العلاقات الأزبكية - الأمريكية في حين أن العلاقات التركية والأمريكية مع أذربيجان طيبة للغاية ومرجع ذلك هو موضوع الطاقة، بصفة عامة ، فإن التواجد الأمريكي في المنطقة بهدف الحد من التواجد الروسي والإيراني بها, والهدف من توسيع حلف الناتو هو تحجيم روسيا, والآن يجب علينا أن نقرر كيفية بناء علاقاتنا مع هذه المنطقة؟ من المؤكد أنه لا يمكننا تجاهل روسيا، وفي نفس الوقت لا يجب أن نمنحها دورًا أكبر مما تستحق، وكذلك لا يجب أن نطل على المنطقة من النافذة الروسية، ولكن يجب أن نعمل على أن تكون "روسيا وحدها صاحبة الحضور مع إبداء أسباب توضح لروسيا أن مصالحها في المنطقة لن تتم إذا لم نتعاون مع إيران بصورة ما". وهذا التصور يمكن تطبيقه بدرجات متفاوتة، أعلاها في طاجيكستان وأدناها في أرمينيا، أما في باقي الدول فهناك مشاكل لازالت عالقة، وفيما يتعلق بتركيا فإن المشاكل بينها وبين إيران أكثر من أن يضاف إليها مشكلة التنافس على النفوذ بين البلدين في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، حتى لا تتأزم الأمور ويصبح الحل عسيرًا.
د. كولايي: أريد أن أشير إلى التغير في الأساليب التركية في التعاطي مع دول المنطقة، ففي عهد تورجوت أوزال، اتبعت الحكومة التركية منهجًا قوامه الثورية ولعبت دور الأخ الأكبر، وهو المنهج الذي رفضته دول المنطقة، كما رفضت منهج الأخ الروسي الأكبر، لذا تحولت الحكومة التركية إلى الميادين الاقتصادية، وكان دعمها للقطاع الخاص الذي تستحيل فعاليته دون الدعم الحكومي، وهذا الوضع تفتقر إليه السياسة الإيرانية؛ حيث لا تدعم الحكومة الإيرانية القطاع الخاص الإيراني في دول آسيا الوسطى والقوقاز، وهذا الأمر يوضح مدى إدراك الحكومة التركية لإيجابيات والتزامات المنطقة، وكذلك هناك نقطة هامة، ألا وهي المنافسة التركية -الروسية في المنطقة التي تقع تحت تأثير الميراث التاريخي والجغرافية- السياسية، وقد نتج عن هذه المنافسة تبادل الاتهامات بين الحكومتين حول أحداث الشيشان والقضايا التركية، وتنقلنا هذه النقطة لأن نبحثها من خلال العلاقات الروسية - الأمريكية وتطور هذه العلاقات، وعلاقة إيران وتركيا بكلتا الدولتين.
المهندس "الشيخ العطار": أريد أن أضيف نقطة أخرى بخصوص الدول المعنية بشئون المنطقة، وهي متعلقة بالدور الفرنسي الأخير، حيث اجتمع شيراك برئيس أرمينيا وأذربيجان بمباركة روسية أمريكية، وتوصلا معًا لنتائج طيبة فيما يتعلق بقرة باغ، والجدير بالذكر أن فرنسا قد لعبت دورًا مماثلاً في الفترة بين 1919 ، 1921 قبل استيلاء ستالين على أذربيجان, أرمينيا وجورجيا وأصبح لها نفوذًا إيجابيًا في المنطقة، لذا يجب إضافتها لمجموعة الدول المعنية بشئون جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز.
د. أطهري: الآن ما هي الأطر التي من خلالها يمكن لجمهورية إيران الإسلامية أن تبسط نفوذها في جمهوريات أسيا الوسطى والقوقاز؟ وما هي نقاط الضعف؟ وما هي المقترحات التي يمكن من خلالها طرح السياسة الخارجية؟ وما هي المجالات التي يجب أن تنفذ من خلالها؟ هل هي المجال السياسي والاقتصادي, التجاري الأمني أم العسكري؟
د. لطفيان: بخصوص المجالات، أعتقد أنه يمكننا إنجاز العديد من المهام من خلال المجالات الأمنية بمعناها الجامع، والتي تحتوي على أبعاد اقتصادية، اجتماعية, ثقافية، عسكرية ودفاعية، لكن هناك مجالات أخرى يمكن العمل من خلالها على المدى القصير، مثل حل القضايا المشتركة بين إيران ودول المنطقة، إحدى هذه المجالات هو مجال البيئة، فمن جملة الميراث الذي ورثته هذه الجمهوريات عن الاتحاد السوفيتي، التلوث البيئي، وتتجلى هذه القضية في تلوث بحيرة "آرال" وقد طرحت قيرغيرستان هذه القضية مؤخرًا, حيث دفن الاتحاد السوفيتي نفايات نووية وصناعية سامة في أماكن مختلفة في قرغيزستان دون علم الحكومة هناك، وقد جاء طرح قرغيزستان لهذه القضية في مؤتمرات عقدت مؤخرًا، وطالبوا دول المنطقة والمحافل الدولية بالمساعدة لحل هذه القضية، وأيضًا من مجالات التعون في مجال البيئة، والمراعي والبيئة الجبلية الخلابة لجذب السياح، وهناك مجال آخر أكثر حيوية، ألا وهو التعاون مع الجمهوريات في مجال المصادر المائية، والمثال على ذلك المباحثات الإيرانية - التركمانية لإقامة سد على نهر "شجن" ويمكننا تعميق فاعليتنا في تركمانستان في هذا الصدد, ومن مجالات التعاون الأخرى، التعاون لحل مشكلة أفغانستان، فعلى الرغم من فاعليات مجموعة 2 + 6 التي تكونت تحت رعاية المنظمة الدولية وبمساعدة روسيا وأمريكا إلا أنها لم تصل لحلول تلك المشكلة، وعلينا التعاون مع دول المنطقة لحل هذه المشكلة من جهة، ومن جهة أخرى الحيلولة دون أفغنة هذه الدول. وفي نفس الإطار، يمكننا لعب دور الوساطة بين أرمينيا وأذربيجان لحل مشكلة "قره باغ" وهي نفس الممارسة التي مارستها فرنسا وإن كانت وساطتنا غير مقبولة من الجانب الأذري، إلا أنها موضع ترحيب واستجابة من الجانب الأرميني. ومن مجالات التعاون على المدى القصير، مكافحة الإرهاب، وهي القضية التي تحظى باهتمام عالمي، وصحيح أن الدول الأربع، باستثناء تركمانستان، قد وقعت اتفاقًا أمنيًا يعني بالأمن الداخلي لكل دولة ولا يرقى إلى أمن المجموعة، إلا أننا يمكننا القيام بدور فعَّال في منع المتسللين من الوصول إلى الحدود، وخاصة المتشددين, والهجرة من الخارج وهي القضية المشتركة بين إيران وطاجيكستان، وتهريب المواد المخدرة عن طريق مجموعات إرهابية تسعى لتأمين موارد تمويل الإراهاب عن طريق تهريب المخدرات، وذلك بما لنا من خبرة سابقة في مجال مكافحة المخدرات والتصدي لمهربيها. لكن يبقى السؤال ما هي النتائج التي حققناها في آسيا الوسطى منذ عام 1991 حتى الآن؟ نحن نرى أن دولة مثل إسرائيل قد تمكنت من تحقيق نجاحات أكثر، على سبيل المثال تمكنت من تحقيق فعاليات اقتصادية في أوزبكستان جديرة بالاهتمام، وعلى الرغم من تناقص معدلات الاستثمار الإسرائيلي الآن، إلا أن سوق الواردات والحكومة تحمي التجار والمستثمرين الإسرائيليين, كذلك لا يمكن إغفال دور الغرب في هذه النجاحات، لقد دخلنا أسواق آسيا الوسطى والقوقاز في بدايات عقد التسعينيات، ولكن على الرغم من الفرص التي تتيحها هذه الأسواق إلا أننا لم نحسن استثمارها وعلينا الاعتراف بأن الجميع مقصرون في هذا المجال.
نقطة أخرى هامة، أشار إليها جميع المشاركين، ألا وهي قضية الطاقة وأهميتها في المنطقة، حيث يجب إجراء بحوث موسعة في مجال الحظر الأمريكي على الشركات الأجنبية التي تزيد استثماراتها في قطاع الطاقة في إيران، أو مد خطوط أنابيب لنقل بترول بحر قزوين من شمال إيران إلى جنوبها، والسؤال الآن هو: هل لدى إيران الإمكانيات لمد هذا الخط بالجهود الإيرانية الذاتية؟ أعتقد أنه إذا ما توافرت هذه البدائل وتم تنفيذها على أرض الواقع، سيكون ذلك بمثابة خط دولي يساعد دول المنطقة على نقل بترولهم إلى الخارج، وبذلك يتم إجهاض الخطر الأمريكي على إيران ووضع أمريكا أمام الأمر الواقع.
د. أطهري: هل يمكن طرح اقتراح إقامة منظمة للأمن والتعاون في آسيا الوسطى والقوقاز؟ يعني ما هي الموانع التي تقف أمام إيران ودول المنطقة لتحقيق هذه الفكرة؟
د. لطفيان: مع مراعاة الأطر التي تبحث فيها الجلسة فروسيا وأمريكا يشكلان المانع الرئيسي في هذا الصدد للأسباب الآتية:
أولاً : السياسة الأمريكية تقوم على فرض الهيمنة الكاملة والسيطرة لكن هذه السياسة باءت بالفشل.
ثانيًا: سياسة التحجيم التي أشارت إليها د. "كولايي"، والتي تهدف لتوسيع حلف الناتو في آسيا الوسطى والقوقاز لتأمين الدفاع عن هذه المنطقة على المدى البعيد، لكن هذه السياسة أيضًا ستفشل، ومرجع ذلك إلى استياء دافعي الضرائب الأمريكيين من تحمل كلفة حفظ الأمن في آسيا الوسطى والقوقاز، وقد يكون هناك أسباب أخرى ستضح فيما بعد.
في ظل هذه الظروف، نقترح إقامة نظام أمني جماعي برعاية الناتو أو الولايات المتحدة الأمريكية، ومن المؤكد أن هناك نظمًا أمنية قائمة تحت رعاية دول الكومنولث، لكن قيام نظام أمني كامل ومستقل بين إيران ودول آسيا الوسطى والقوقاز بدون تدخل روسي أو أمريكي، أمر ليس مستبعدًا.
د. كولايي: فيما يتعلق بسبل تنمية التعاون والإمكانيات في المجالات الباقية بين إيران ودول المنطقة لتأمين المصالح القومية لإيران في تلك الجمهوريات، لا شك أن خبرتنا في هذه المجالات ستكون موضع استفادة بالغة، ومما لا شك فيه أيضًا أن المعطيات والنتائج في هذه الجمهوريات في التعامل مع دول من المنطقة أو من خارجها، قد اختلفت خلال السنوات الماضية نتيجة للتجارب التي مرت بها مؤخرًا، ولا يجب غض البصر عن الأوضاع الجغرافية لهذه المنطقة وتأثيرها على النماذج وتنميتها، ونسوق مثالاً على هذا الوضع في قزاقستان، حيث وقعت مع شركة أمريكية اتفاقية في عام 1992 أثمرت شركة "شورون" وهي من أنشط الشركات التي تعمل في مجال البترول، لكن بعد استخراج الخام، واجهتهم مشكلة صعوبة نقله مع محدودية النقل عبر خط الأنابيب الروسي، وحيث إن سعر المنتج النهائي يجب أن يكون ذا قدرة تنافسية في الأسواق العالمية، لذا وقعت المنافسة في تلك الجمهوريات تحت تأثير الوضع الجغرافي.
كذلك الوضع في أذربيجان، التي وقَّعت اتفاقية "بترول باكو" عام 1994، إلا أن البحث ما زال جاريًا حول خط سير خطوط أنابيب نقل هذا البترول، ومرجع ذلك للأوضاع السياسية للمنطقة والتي يرجع بعضها للرؤى الروسية، حيث تسعى هذه الدول لاستمرارية دورها داخل تلك الجمهوريات كما كانت عليه الأوضاع قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، ويرجع بعضها الآخر إلى العلاقات مع الجمهوريات الأخرى، ومع الوضع في الاعتبار موقع إيران كأفضل السبل لمد خطوط الأنابيب التي تخدم هذه الجمهوريات، وخاصة أذربيجان، يتضح مدى تأثر استراتيجية الاحتواء الأمريكي ضد إيران في إضاعة الفرص من تلك الجمهوريات، والإخلال بمصالحها في الأسواق العالمية.
وفي الواقع فإنه يجب الاهتمام بتطورات العلاقات الأمريكية الإيرانية، والدور الأمريكي في المنطقة والفرص الضائعة من جراء فرض هذا النوع من العلاقات والتطورات الناجمة عنها، حتى تصل مصادر الطاقة لهذه الجمهوريات إلى الأسواق العالمية. يجب وضع آسيا الوسطى والقوقاز ومنطقة بحر قزوين وأوراسيا في إطار السياسة الخارجية العليا لإيران، ولا يغيب عن بالنا، أن السياسة الخارجية هي استمرار للسياسة الداخلية واضعين في الاعتبار أن الميراث التاريخي والثقافي في هذه المنطقة يزيد من فرص تواجد النفوذ الإيراني بها، ولا شك أن النظام الاقتصادي والصناعي في فترة الاتحاد السوفيتي قد أتاح الفرص لإيران بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في سد العجز في احتياجات دول آسيا الوسطى والقوقاز من الصناعات الاستهلاكية، ومن ثم الولوج إلى أسواق تلك المنطقة بصورة طبيعية وتنمية التعاون التجاري والاقتصادي معها. لكن مع بالغ الأسف، لم تتم الاستفادة من هذه الفرص، بسبب عدم خبرة كافة الأجهزة ذات الشأن في هذا المجال، ونفوذ وسيطرة الحكومة على قطاع التجارة وعوامل أخرى متعددة لا يتسع المجال لإحصائها، ومن وجهة نظري أن إدراك هذه المعطيات سيفتح أسواق دول آسيا الوسطى والقوقاز على مصراعيه لتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية مع هذه الجمهوريات. وعلى صعيد المجالات الاجتماعية سيطر على السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية شعار "لا شرق ولا غرب" لكن الآن بات على رأس الأولويات تنمية العلاقات مع الغرب، لسد الفجوة الشاسعة في التكنولوجيا بين الاتحاد السوفيتي والغرب، وهو نفس النهج الذي اتبعته جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز في سعيها إلى الغرب، ومن هنا تبرز مكانة جمهوريات إيران الإسلامية بالنسبة لهذه المنطقة, ومن المؤكد أن الحرب الداخلية في طاجيكستان (الجمهورية الوحيدة التي سمحت بقيام حزب إسلامي ومشاركته في الحياة السياسية) أوجدت نوعًا من الإحساس بعدم الأمن تجاه جمهورية إيران الإسلامية والإسلام السياسي.
أعتقد أن التطورات التي شهدتها السياسة الخارجية الإيرانية في السنوات الأخيرة، والتأكيد على تقوية العلاقات التجارية الاقتصادية والثقافية الكفيلة بإزاء هذه الكبوة لدى دول آسيا الوسطى والقوقاز, والمتمثلة في أن الخطر الإسلامي في المنطقة مرتبط بالتفعيل الإيراني أعتقد أن الفرص سانحة اليوم أمام جمهورية إيران الإسلامية لتغيير هذه الفكرة مع مراعاة ما تقوم به طالبان والتهديدات الأمنية الناتجة عن فاعلياتها والمجموعة الؤيدة لها في تلك الجمهوريات, وأيضًا مع مراعاة الدور الإيراني لإقرار السلام في طاجيكستان، كذلك يمكن لإيران الاستفادة مما تقدم في العلاقات مع روسيا للتحرك تجاه نظام متعدد الأقطاب ومجابهة الرغبات والسياسات الأمريكية في المنطقة.
يجب الاهتمام بكافة المضامين التي تصلح من شأن السياسات الإيرانية المعمول بها والتي من بينها السعي لتوفير الخبرة لدى الأجهزة الإيرانية المعنية بشئون المنطقة والإلمام بالبيئة نظرًا لأهميتها، وخير مثال على ذلك نجاح إسرائيل في تلبية حاجات تلك الجمهوريات في مجال الزراعة، في بيئة تندر فيها المياه، حيث تعاني دول المنطقة من قلة المياه، هكذا نلاحظ أن نجاح المعنيين بشئون المنطقة منوط بالمعرفة الصحيحة لدول المنطقة، ونخلص من ذلك إلى وجوب دراسة المنطقة دراسة مستفيضة واستخلاص عناصر علاقاتنا بها وتحليل هذه العناصر تحليلاً وافيًا؛ حتى لا يتعارض تواجدنا في المنطقة مع الإلمام بها, والاستفادة من تلك النتائج أفضل استفادة حتى نلقنها للخبراء والمتعاملين مع هذه المجتمعات، كذلك يجب الإقرار بعدم إمكانية فصل الاهتمام بالسياسة الخارجية عن الاهتمام بالسياسة الداخلية.
د. أطهري: هل تعتقدون بإمكانية ترجيح الشمال عن الجنوب، إذ ما أردنا إقامة علاقات مع هذه الدول؟ وهل يمكن التحالف مع هذه الدول؟
د. كولايي: في تصوري أن الواقع والظروف الجغرافية السياسية لجمهورية إيران الإسلامية قد أتاحت إمكانيات يمكننا الاستفادة منها في هذا الخصوص، وهو الأمر الذي لا يتوافر لكافة المعنيين بشئون المنطقة، ولكن الاستفادة من هذه الإمكانيات يجب أولاً تحديدها ورصدها، وعندئذٍ لن يكون الدور الذي نلعبه في المنطقة قاصرًا على المجال الأمني، والمثال على ذلك التواجد الفرنسي الفعال في قره باغ وأثر اللوبي الأرميني في فرنسا على هذا المجال.
د. سجادبور: إن ما أشارت إليه د. "كولايي" يطرح ثلاثة محاور: أولها مجال المواصلات والعلاقات التي يمكن أن نقوم من خلالها في النواحي الجغرافية والإمكانيات التي توفرها، وهذا المجال تنفرد به إيران عن غيرها من بين الدول المعنية بشئون تلك المنطقة، ثانيها: مسألة الطاقة ثالثها: ثقافة تلك المنطقة والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحضارة والثقافة الإيرانية، ويمكن لإيران الاستفادة من تلك المحاور خاصة في المحور الأول، ويمثل المحور الثاني أكبر الميادين التي يمكن لإيران أن تبسط نفوذها من خلاله في المنطقة. أما فيما يتعلق بالمعوقات التي يمكن أن تعوق السياسة الإيرانية على المحاور الثلاثة، فمن وجهة نظري أنها معدومة، وقد حققت إيران نجاحات حقيقية على هذه المحاور الثلاثة، إلا أن الحديث عنها قليل للغاية، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي، وهذه النقطة بالذات موضع اهتمام المتخصصين من الخارج الذين يهتمون بشئون هذه المنطقة، سواء كانوا أوربيين أو غير أوربيين، وأنا أرى أن وسائل الإعلام هي نقطة ضعف إيران، ومن المؤكد أن إيران من الناحية الإدارية قد تمركزت في منطقة بكر، فإذا ما قارنا بين وضع إيران في لبنان سواء قبل الثورة أو بعد الثورة، والذي يحتوي على عشرات الجماعات والمنظمات الإيرانية، ووضع إيران في تلك الجمهوريات الحديثة النشأة، لأدركنا إلى أي مدى حققت إيران نجاحًا في تلك الجمهوريات على أية حال من وجهة نظري أننا لم نعالج تحركاتنا إعلاميًا بالقدر الكافي.
نقطة ثانية: من وجهة نظري أيضًا, وهي افتقار إيران للتوازن في الاهتمام بالأشياء، وهذه عادة ثقافية لدى الإيرانيين، فهم يقبلون على الشيء إذا استحسنوه، وبعد فترة يفتر هذا الإقبال ويخبو لقد زاد الاهتمام بمنطقة آسيا الوسطى والقوقاز عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، واليوم يتجه اهتمام إيران إلى العرب وأوروبا ولا يعني هذا أننا أسقطنا من حساباتنا الاهتمام بآسيا الوسطى والقوقاز، ولكننا في حاجة إلى اهتمام متوازن، وهذه النقطة أيضًا تعد من نقاط الضعف في الرؤية الخاصة بالسياسة الخارجية. وفي النهاية فإن نقطة الضعف الرئيسية في السياسة الخارجية لإيران هي افتقارها للتنسيق الكامل, للتدليل على ذلك يمكننا طرح مجموعة الأسئلة على النحو التالي: كم سيمنار عقد في الجامعات لمناقشة هذه القضايا خلال السنوات العشر التي مرت على انهيار الاتحاد السوفيتي، وكم كتاب ومقالة كتبت عن آسيا الوسطى والقوقاز؟ الإجابة هي أن تناول الموضوعات الرسمية لا يكون إلا عن طريق العاملين في السياسة الخارجية، وهم أفراد معدودون ، وعدد محدود منهم هم المهتمون بهذه القضية، وهذا يوضح غياب التنسيق بين القطاع الخاص والحكومة وبين القطاع التنفيذي والقطاع الفكري، من المؤكد أن هناك مقالات مهمة كتبت، وترجمات أهم ترجمت، ولكن كم عدد المستفيدين منها؟ كل ذلك يوضح أن أحد نقاط الضعف في إيران هو الغياب النسبي للتنسيق في السياسة الخارجية بخصوص الاقتراحات أعتقد أنه يجب أن يكون لدينا مفهوم إيجابي وخلاق، يجب دراسة المنطقة دراسة وافية؛ لأن آسيا الوسطى تختلف عن القوقاز، وبعد الدراسة الوافية، نعقد جلسات للتحليل الدقيق وترتيب الأولويات والخروج بمفهوم إيجابي وخلاق، مثلاً منظمة التعاون الأمني فكرة يجب بحثها جيدًا، تلك الفكرة يمكن أن تكون جزءًا من المفاهيم, وجهة نظري هي أننا نحتاج إلى مفهوم إيجابي وخلاق بالنسبة لهذه المنطقة.
الاقتراح الثاني: مسألة القطبية, من وجهة نظري, تمثل "مشهد قطبًا طبيعيًا لمنطقة آسيا الوسطى" والتي يمكن من خلالها الطيران إلى "بيشكك" في الوقت الذي لا يمكن فيه ذلك من طهران، وأيضًا يمكن من مشهد الطيران إلى "دوشنبه" وطاجيكستان هذا القطب الطبيعي يمكن عن طريق قرارات أكثر دقة تحويله إلى قطب سياسي وهذه القطبية لا تتوافر في القوقاز ولا تبرز الاقتراح الذي أتبناه في النهاية هو البحث والحور أكثر بخصوص آسيا الوسطى.
د. أطهري: وماذا عن الأولوية بين الشمال والجنوب.
د. سجادبور: إنني أنظر لهذه القطبية نظرة متوازية، فلا نقدر على إهمال العالم العربي ولا يمكن الانسحاب من ملعب الشمال، ولذا ستكون الأولوية للموضوعية، مثلاً قضيتنا في الجنوب هي إشاعة جو من الثقة، ومع الشمال هي مرور خطوط أنابيب نقل البترول عبر إيران.
المهندس الشيخ العطار: الجهل وعدم الإدراك الكافي هما السبب في الفشل، وأنا أؤيد وجهة نظر د. "سجادبور" بالكامل، حيث من المحتم أن نحقق نجاحًا في تلك المنطقة, والسبب في قلة هذه النجاحات يرجع إلى أننا نحارب أنفسنا، فمثلاً لو حققت وزارة الخارجية نجاحًا، تقلل من شأنه وزارة الخارجية وتحقره وتظهره على أنه فشل ذريع، إن قراءتنا للأحداث فردية, وهناك تداخل في عمل الهيئات والوزارات ومن المحتمل أن أسهب في هذا المجال نظرًا لأنني عملت في تلك المنطقة لفترات طويلة، ولذا أؤكد على ضرورة الإلمام الكامل بالمنطقة, ولتحقيق ذلك يجب توظيف أفراد على علاقة وصلة بالمنطقة ومتخصصين فيها، وهذا ليس بالأمر الصعب؛ لأن هذه المنطقة امتداد طبيعي لحضارتنا ويوجد بها العديد من المؤيدين، وعدم توظيف مثل هؤلاء الأفراد يعد إحدى نقاط ضعفنا، يجب أن يلم العاملون لدينا إلمامًا كاملاً بالمنطقة فمن النادر إيفاد إرسال وزارة الخارجية لبعثات إلى هذه المنطقة لإرجاء بحوث متعمقة، حتى على مستوى الجامعات، لا يحدث أن يحصل الطلبة على التشجيع الكافي لإجراء بحوث حول هذه المنطقة.
إن تقييمنا لأهمية المنطقة يتضح من خلال الأفراد المعنيين من جانب إيران, في تلك المنطقة نقطة أخرى يجب طرحها وهي العلاقات الشخصية، فللسيد محمد خاتمي، وكذلك السيد هاشمي رفسنجاني، علاقات شخصية واتصالات مع قادة المنطقة وزعمائها، وهناك تبادل للزيارات والاتصالات بين الطرفين، لكن للأسف قل الاهتمام بهذه المنطقة، إن عنصر العلاقات الشخصية يعد من أهم عناصر نجاح السياسة الخارجية، والذي بسببه فشلت تركيا في هذه المنطقة بعد وفاة تورجوت أوزال. يمكننا إقرار علاقات في مختلف الميادين، السياسية، الاقتصادية، والثقافية، لكن شريطة ألا تقر من جانب شخصية حكومية، يجب أن تكون العلاقات بين إيران وتلك الجمهوريات على المستوى الشعبي.
إن الأولوية في العلاقات -من حيث بناء الثقة- اقتصادية ثم ثقافية ثم سياسية ثم أمنية، وفي المجال الثقافي يجب أن تقوم العلاقات بين الشعوب بمعنى أن تكون ثقافة شعبية بعيدًا عن الحكومة، ولا تقتصر على النواحي الدينية، أما فيما يتعلق بالعلاقات السياسية فقد أثبتت التجارب نجاح السياسة الإيرانية في القضايا متعددة الأطراف، مثل القضية الأفغانية، أما على صعيد العلاقات الأمنية مثل قضايا الإرهاب والمواد المخدرة التي أشارت إليها د. "لطفيان"، فيمكن أن تكون بداية جيدة لمضمار العلاقات الأمنية، ويجب أن لا نتقوقع، وألا نخشى تهديدات مسئولي الأحزاب في تلك البلدان، خاصة أذربيجان، وفي نهاية عرضي أود أن أوضح الاهتمام المتزايد من جانب روسيا بتلك الجمهوريات والواضح من خلال سياسة "فلاديمير بوتين" بعد أن سخر منهم "بوريس يلتسين" بالأمس أن أكبر المشاكل التي كانت تواجه الروس في تلك المنطقة هي جمهورية أذربيجان، وأخيرًا لا أنسى أن أشير إلى أن روسيا تطلق على هذه المنطقة في سياستها الخارجية مصطلح "خارج قريب" وتوليها اهتمامًا كبيرًا.

وشهد العالم خلال العقد الأخير من القرن العشرين تطورات جيوبوليتيكية كبيرة تبعتها تغيرات في أنماط التفاعلات الصراعية والتعاونية بين دول العالم، وقد اعتبر انهيار الاتحاد السوفيتي بداية هذه التطورات. وقد مثل انهيار الاتحاد السوفيتي بداية ظهور منطقة آسيا الوسطى والقوقاز على الساحة العالمية نظرًا لما تتمتع به من أهمية استراتيجية. وتمتد تلك المنطقة من بحر قزوين في الغرب حتى الصين في الشرق, ومن سهول سيبيريا في الشمال حتى حدود إيران وأفغانستان في الجنوب. وكانت هذه المنطقة تسمى في البداية تركستان الغربية، وتتميز بأنها غنية بالموارد المعدنية والزراعية، كما تتمتع بأهمية استراتيجية على المستوى الإقليمي، وقد تم تقسيم هذه المنطقة إلى خمس جمهوريات هي: كازختسان، أوزبكستان، طاجيكستان، قيرغيزستان، وتركمانستان. واجهت هذه الجمهوريات، مع بداية استقلالها مشكلات كثيرة ولكن وبواسطة المساعدات التي قدمت إليها من جانب الدول المتقدمة، إلى جانب انضمامها للتكتلات الاقتصادية الإقلميية، بدأت في مواجهة مشكلاتها بنجاح.
تأثير انهيار الاتحاد السوفيتي على منطقة آسيا الوسطى:
كان انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال الجمهوريات الخمسة سببًا في حدوث تغيرات جيوبوليتيكية مهمة. وقد فتح استقلال هذه الدول الباب أمام تدخل الدول الكبرى -وخاصة الولايات المتحدة- في المنطقة؛ لكونها تتمتع بمميزات كثيرة أهمها:
- غنى المنطقة بموارد اقتصادية كبيرة، الأمر الذي يعطيها ميزة في عملية التبادل التجاري، ومن ثم ظهرت أهمية إنشاء طرق مواصلات من أجل تنمية هذه المنطقة أكثر من ذي قبل.
- التجانس الثقافي بين دول المنطقة والذي أعطاها هوية خاصة.
بيد أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان له تأثيرًا سلبيًا على هذه الجهوريات، فقد أدى إلى انخفاض معدل الناتج الصناعي لديها؛ حيث فقدت طاجيكستان وقيرغيزستان في عام 1991 – 1992 أكثر من 53 % من حجم إنتاجها الصناعي.
وضع إيران في المنطقة:
تتمتع إيران بمميزات استراتيجية تمكنها من لعب دور حيوي في المنطقة, ويمكن إجمال هذه المميزات في الآتي:
- التقارب الجغرافي وامتلاك إيران للإمكانات اللازمة لإنتاج السلع الاستهلاكية التي تحتاجها هذه الدول.
- خبرة إيران وامتلاكها الكفاءات والقدرات العالية في إنتاج وتكرير البترول والغاز والذي يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للجمهوريات المستقلة وخاصة تركمانتسان وقزاقستان.
أهمية المنطقة بالنسبة للهند:
تحظى منطقة آسيا الوسطى بأهمية استراتيجية بالنسبة للهند, وقد كان استقلال جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية والتوسع المفاجيء لباكستان في هذه الجمهوريات مع الأخذ في الاعتبار اٍلأسلحة الذرية التي تمتلكها قزاقستان، سببًا في سعي الهند لإقامة علاقات قوية مع هذه الجمهوريات, ويرجع النفوذ الكبير للهند حاليًا في آسيا الوسطى إلى هذه العلااقت التي أقرتها مع تلك الجمهوريات، وهناك ميزة كبيرة تحظى بها الهند في آسيا الوسطى وهي النفوذ الثقافي لها في هذه المنطقة. وتعتبر الهند في كثير من الجوانب موضع ثقة، وهذا ما فتح المجال لوجودها في آسيا الوسطى. وربما تكون أوزبكستان هي أقدم دول المنطقة في التعاون مع الهند في فترة وجود الاتحاد السوفيتي السابق، وبالإضافة إلى الاتفاقيات الثنائية والتعاونية مع دول آسيا الوسطى عقدت الهند ودول المنطقة اتفاقيات وعلاقات ثلاثية، وعند بحث العلاقات الثنائية للهند مع دول آسيا الوسطى يجب أن نهتم بدرجاتها، فالعلاقة مع أوزبكستان قوية لأسباب تاريخية وثقافية وأكثر قوة مع كازاخستان لأسباب سياسية واقتصادية، وفي المراحل التالية تأتي تركمانستان وقيرغستان وأخيرًا طاجيكستان.
مجالات التعاون الإيراني الهندي:
قبل انهيار الاتحاد السوفيتي كان اقتصاد جمهوريات آسيا الوسطى اقتصادًا موجهًا بصورة مركزة ومخططة عن طريق موسكو، لذا فإنه وبعد استقلال دول هذه المنطقة عن الاتحاد السوفيتي، عانت هذه الجمهوريات من مشكلة عويصة، وهي فقدان البنية التحتية اللازمة لبناء اقتصاد قوي، وبالتالي أصبح هناك ركود في التعاون الاقتصادي بينها. لكن بعد تحكم هذه الجمهوريات في اقتصاداتها ومواردها جذبت اهتمام المستثمرين الغربيين، وتوافق ذلك مع بداية بحث هذه الجمهوريات عن شريك استراتيجي مناسب. إلا أنه يجب عند اختيار هذا الشريك توافر عدد من الشروط اللازمة مثل التقارب الجغرافي و الثقافي مع الأقطاب الاقتصادية في العالم. وفي النهاية يتم اختيار الأفضل والأكثر أمانًا، من بين الشركاء الفعليين وتعتبر الهند بمثابة أهم دولة في مجموعة دول المحيط الهندي، وتعد إيران بمثابة دولة محولة في منظمة التعاون الاقتصادي ( الأيكو).
فكلتا الدولتين لها مميزات خاصة ويكملان بعضهما البعض, ومن الواضح أن تعاون البلدين في آسيا الوسطى سوف يحقق مصالح كثيرة للأطراف الثلاثة.
ثمة عدة ملاحظات يجب أخذها في الاعتبار عند بحث كيفية دعم التعاون الإيراني. الهندي في آسيا الوسطى وهي:
1- يجب أن يزداد حجم الأنشطة الاقتصادية في تلك المنطقة, وتدلل دعوة إيران للهند من أجل التعاون بينهما على حسن نية إيران تجاه تلك المسألة.
2- تحظى الهند من الناحية التجارية بخبرة جيدة، وفي عهد الاتحاد السوفيتي كانت العلاقات بين الطرفين مزدهرة للغاية ولهذا كان أكبر حجم من الصادرات السلع الهندية يذهب إلى آسيا الوسطى.. لذا اشتهرت السلع الهندية في هذه المنطقة, وبالتالي فإن تعاون إيران والهند سيحقق مصالح اقتصادية للطرفين.
3- من الناحية السياسية فإن حضور الهند في هذه المنطقة لم يثر شك وارتياب الدولة صاحبة النفوذ مثل روسيا أو حتى الدول الغربية, وذلك لأن الهند لم يكن لها مع دول هذه المنطقة حدود مشتركة, كما أن الهند لم تسبب أي تغيير في العلاقات مع الدول خارج المنطقة.
4- من الناحية التكنولوجية تستطيع الصناعة الهندية توفير الكثير من احتياجات دول المنطقة، ومع الأخذ في الاعتبار الإمكانيات التي توجد في كل جمهورية من تلك الجمهوريات، فمن الممكن أن يكون هناك تكامل اقتصادي بين هذه الدول والهند.
5- كان حديث السيد "رفسنجاني" في لقائه مع وزير خارجية الهند السيد "ادوارد فلاريو" في أغسطس 1992 بشأن التعاون الإيراني ـ الهندي دليلاً على النظرة الإيجابية لإيران تجاه الهند. فالهند تستطيع عن طريق إيران أن يصبح لها طريق مباشرة إلى آسيا الوسطى. وتشير تصريحات المسئولين في البلدين إلى أن دولتي الهند وإيران من الممكن أن يساعدا جمهوريات آسيا الوسطى في التخطيط للتنمية والتقدم في جميع المجالات. وقد رحبت الأوساط السياسية في الهند بهذه الخطوة ترحيبًا كبيرًا.
6- من الناحية الجيوستراتيجية تهدف الهند إلى منع تكوين حزام إسلامي بالقرب منها, نتيجة تقارب هذه الدول مع باكستان، وتعد محاصرة باكستان في آسيا الوسطى أحد أهداف الهند من تقاربها مع إيران، ومن ثم مع آسيا الوسطى.
7- أفضلية الموقع الجيوبوليتيكي لإيران والذي يهييء أنسب طرق تجارة الترانزيت من الهند إلى أوروبا عن طريق الخليج ( الفارسي ).
وبالنظر إلى ما سبق، فإن الهند أصبح لها حضور قوي في آسيا الوسطى على الرغم من ضعف موقعها الجيوبوليتيكي, ولكن دور الهند في آسيا الوسطى يرتبط إلى حد كبير بالاستقرار السياسي في المنطقة. والأمر الغريب أن الهند تبدي تأييدًا ودعمًا من أجل نشر العلمانية في آسيا الوسطى على عكس إيران التي تحاول الحفاظ على الهوية الإسلامية لهذه الجمهوريات بهدف تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما، لذا فإن البعض يعتقد أن إيران بصدد مواجهة العلمانية في المنطقة مع معارضة روسيا والصين والهند. بخلاف ذلك فإن إيران والهند بصدد إنشاء خط حديدي من بندر عباس إلى تركمانستان وذلك لاستغلال مصادر الطاقة مثل الغاز الطبيعي في تركمانستان وسوف يدعم ذلك من التقارب بينهما.
8- بموجب مذكرة التفاهم التي وقعت خلال زيارة السيد "رائو" رئيس الوزراء الهندي في 1994 لإيران والمتعلقة بالتعاون في مجال الشحن والنقل ستتمكن الهند عن طريق إيران من زيادة معدل تبادلها التجاري مع آسيا الوسطى.
آفاق التعاون المشترك بين إيران والهند:
ثمة عدة مميزات تتمتع بها كلتا الدولتين فيما يتعلق بتعاونهما مع جمهوريات آسيا الوسطى وتفسير ذلك كالتالي:
1- على الجانب الإيراني، فإن لإيران نفوذًا ثقافيًا مذهبيًا في المنطقة، كما كان للهند حضور في عهد الاتحاد السوفيتي. هذا بخلاف القرب الجغرافي لإيران مع آسيا الوسطى، كما أن التعاون المشترك بين الهند وإيران سيجذب من جهات مختلفة ثقة الشعوب وحكومات المنطقة في الدولتين. وقد أقدمت شعوب المنطقة على السلع والمنتجات الهندية في عهد الاتحاد السوفيتي وعلى نظيرتها الإيرانية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وأوجدت عضوية دول المنطقة في منظمة التعاون الاقتصاي ( الأيكو ) مجالات كثيرة للتعاون المشترك والتي تحظى بأهمية كبيرة نتيجة مشاركة إيران فيها.
2- كان التعاون المشترك بين الهند وإيران موضع تأييد من روسيا لما للدولتين من علاقات قوية معها, والأهم من ذلك أن تعاون الهند وإيران مع دول آسيا الوسطى سيؤدي إلى تحسين العلاقات الروسية مع هذه الجمهوريات، وتعتبر إيران حلقة الوصل بين آسيا الوسطى والهند ويمكن أن يكون هناك طريق بري يربطها بالهند.
3- كانت رغبة كازاخستان في الانضمام إلى التعاون الثلاثي "إيران ـ الهند ـ تركمانستان" في مجال الشحن والنقل إشارة للدور الذي تلعبه الهند وإيران في المنطقة.
بالإضافة إلى أهمية الموقع الجيوبوليتيكي لإيران للربط بين الهند وآسيا الوسطى.
ودولة مثل الهند تستطيع أن تساعد دول آسيا الوسطى في التخطيط لبرامج التنمية في جميع المجالات وهو الشيء الذي لاقى ترحيبًا كبيرًا في الأوساط السياسية في الهند.
4- وفرة النفط والغاز في هذه المنطقة وحاجة الهند لهما تعد سببًا في زيادة التعاون الإيراني الهندي في آسيا الوسطى, ومن ثم فسوف تمثل عملية النقل والشحن الجوي عوامل مساعدة في زيادة التعاون المشترك في المنطقة, وبذلك يصبح الوضع الجغرافي الإيراني وضعًا خاصًا في هذه المنطقة.
5- من الناحية التكنولوجية فإن الصناعات الهندية تستطيع أن تفي بالكثير من احتياجات دول المنطقة. ومساهمة الهند في برامج التنمية التابعة للأمم المتحدة بجانب خبرات إيران سوف يؤدي إلى تجديد وتحديث الصناعات في آسيا الوسطى, ومن ثم تطوير التعاون المشترك بين الأطراف الثلاثة.
6- كان التعاون الثلاثي ( إيران ـ الهند ـ تركمانستان ) في مجال الشحن والتفريغ وترانزيت البضائع بمثابة نموذج ناجح للتعاون المشترك في سائر المجالات الاقتصادية بين إيران والهند ودول آسيا الوسطى.
وفي الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في فبراير 1997 تم الاتفاق على توقيع اتفاقية ترانزيت بضائع, وقد وقع وزراء خارجية الدول الثلاثة على مذكرة تفاهم والتي على أساسها انضمت قيرغيزستان لهذه الاتفاقية, واتفقوا أيضًا على إنشاء مصنع نسيج في (مشهد وأوجابهار) بجانب إنشاء مجمع بتروكيماويات وإنشاء سلسلة متاجر وتوصيل غاز تركمانستان إلى الهند, وبناء السفن في المناطق الحدودية لإيران وتركمانستان.
وقد كان للجهورية الإسلامية الإيرانية في سنة 1994 تبادل تجاري مع جمهوريات آسيا الوسطى بلغت قيمته 250 مليون دولار، ووقعت إيران مع هذه الجمهوريات على مذكرات تفاهم كثيرة ( فكان نصيب كازاختسان وحدها حوالي 40 مذكرة تفاهم في مجال التبادل التجاري )، وقد اتخذت إيران والهند عدة إجراءات من أجل الحضور الواسع والتعاون المشترك مع دول آسيا الوسطى وخاصة كازاخستان.
وبالنظر إلى ما سبق، فكلما ازداد هذا التعاون بين الأطراف الثلاثة فستتحول هذه الأطراف إلى كتلة اقتصادية كبيرة.
فالهند وإيران تمتلكان الكفاءات والخبرات والمهارات ودول آسيا الوسطى تمتلك الموارد والإمكانات فإذا تم التعاون بينهم فسوف يتم تكوين قوة اقتصادية إقليمية متكاملة, وسوف يمتد هذا التعاون إلى دول مثل باكستان وأفغانستان، ومنظمة التعاون الإقليمي ( أيكو ) تستطيع أن تساعد في دعم هذا التعاون الإقليمي والتعاون الإيراني – الهندي, مع الاستفادة من الإمكانات التي توجد لدى منظمة الأيكو ( إمكانات إعلامية ـ خطوط الطيران ـ بنوك التأمين ) كل ذلك سيساعد على وجود بنية تحتية مناسبة للتعاون الإقليمي القوي في هذه المنطقة بين إيران والهند ودول آسيا الوسطى.
إلى جانب ذلك، فإن العلاقات الاقتصادية لإيران والهند مع دول آسيا الوسطى بالنظر للتقارب الجغرافي سوف تؤدي في النهاية إلى ظهور سوق مشتركة جديدة يتم من خلالها تبادل جميع الخبرات المتاحة.

الكيان الصهيوني ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى .. طبيعة وأهداف التواجد
هناك دراسة نشرتها موقع المجد تتناول التواجد الصهيوني في القوقاز وآسيا الوسطى، موضحة أهمية تلك المنطقة وطبيعة التواجد الصهيوني فيها، والعوامل التي ساعدت على هذا التواجد، والأهداف التي ترجوها دولة الكيان من تواجدها في تلك المنطقة
الموقع والأهمية الاستراتيجية
تتكون هذه المنطقة من قسمين، هما القوقاز ويحتوى على ثلاث دول هي أرمينيا وجورجيا وأذربيجان، وآسيا الوسطى وتحتوى خمس دول هي أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان، قرغيزستان، تركمنستان. وتعد هذه الدول منطقة تنافس استراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وقد كانت هذه الدول تابعة للاتحاد السوفيتي سابقا ثم نالت استقلالها بعد انهياره، وتتمتع هذه المنطقة بموقعها المتميز، إذ أنها تشترك في حدودها مع روسيا وإيران والصين وتركيا، وتطل على بحر قزوين الغني بالنفط.
وبعد استقلال هذه الدول سارعت دولة الكيان الصهيوني والعديد من الدول الإقليمية والدولية للعب دور فيها بسبب أهميتها الجيوسياسية الكبيرة؛ لذلك تولي دولة الكيان أهمية قصوى إلى تلك المنطقة حيث تم توسيع قسم منطقة "أوراسيا" في الخارجية الصهيونية، وهو القسم المسئول عن العلاقات مع الجمهوريات السوفيتية السابقة، بحيث أصبح القسم المعروف باسم "أوراسيا 2 " مسئول عن العلاقات مع الجمهوريات السوفيتية السابقة في منطقتي جنوب القوقاز وآسيا الوسطى.
وتتلخص الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى في المحاور التالية:
1. أنها تقع في موقع متوسط بين روسيا وتركيا والصين وإيران وبحر قزوين، ما يجعل منها محل تأثير على هذه المناطق الحساسة.
2. ممر مهم لخطوط الطاقة القادمة من آسيا الوسطى وبحر قزوين، والواصلة للبحر المتوسط.
3. تعتبر سوق تجاري مهم، حيث أنها نالت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينات، ما جعلها سوقا متعطشة للاستثمارات وأسواقا مفتوحة للمنتجات.
4. سعي تلك الدول لإعادة بناء جيوشها، ما جعلها سوقا مفتوحة لاستيراد السلاح والخبرات العسكرية والأمنية، خاصة بعد الحرب على أفغانستان والحروب التي خاضتها بعض تلك الدول ضمن الاتحاد السوفييتي.
5. المخزون الهائل من النفط والغاز والفحم واليورانيوم والذهب والفضة وباقي المعادن الاستراتيجية، إذ أن كازاخستان تمتلك ربع احتياط العالم من اليورانيوم، وتمتلك تركمنستان رابع احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، وتعد أوزبكستان ثالث أكبر منتج للقطن في العالم، وتمتلك رابع أكبر احتياطي عالمي من الذهب، وعاشر احتياطي عالمي من النحاس، إضافة للكميات الضخمة من النفط والغاز في بحر قزوين.
مراحل التواجد الصهيوني في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى
يمكن تقسيم الوجود الصهيوني في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى إلى ثلاث دورات زمنية:
•-;--;--;--;-المرحلة الأولى (1948– 1985): تميزت بوقوف المنطقة موقف الخصم مع الكيان الصهيوني تبعاً لمقتضيات الحرب الباردة والعلاقات السوفيتية الأميركية، وكذلك العلاقات العربية – السوفيتية، والصراع العربي – الصهيوني، ولم تكن لدول هذه المنطقة " كونها كانت تابعة للسياسة المركزية للاتحاد السوفيتي" أية علاقات مع الكيان الصهيوني.
•-;--;--;--;-المرحلة الثانية (1985-1991): شكلــت نقطة تحول في تاريخ العلاقة، ولعبت سياســــة غورباتشوف- آخر رئيس للاتحاد السوفيتي قبل انهياره- دوراً مهماً في تسويق الكيان الصهيوني وتقديمها لدول المنطقة، وتبعاً لتحسن العلاقات بين موسكو والكيان كان الأمر ينسحب على العلاقات مع تلك المنطقة.
•-;--;--;--;-المرحلة الثالثة( بعد1991): شكل انهيار الاتحاد السوفيتي نقطة انطلاق للمرحلة الثالثة من العلاقة التي جاءت في مصلحة الكيان الصهيوني، حيث اعترفت دولة الكيان باستقلال تلك الدول وعملت على بدء علاقات معها على كل الأصعدة، وقد لعبت تركيا آنذاك دوراً كبيراً في فتح الباب للنفوذ الصهيوني، واستطاعت العديد من الشركات الصهيونية، بدعم وغطاء من الشركات التركية، أن تبدأ مشاريع ضخمة في القوقاز، وبذلك بدأ التدخل الاقتصادي والسياسي والأمني الصهيوني في تلك المنطقة.
عوامل ساعدت الكيان الصهيوني على التوغل في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى
•-;--;--;--;-مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل الصهيوني، وتدعيمه سياسيًا وماديًا:، فقد دعمت التعاون الصهيوني التركي الذي ساعد دولة الكيان على التوغل في تلك الدول، إضافة لدعمها المالي لدول المنطقة التي تتماشي مع سياستها، ويرجع ذلك لرغبة أمريكيا في محاصرة روسيا والصين وإيران وتأمين موارد النفط في تلك المنطقة، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك44% من أصول شركات النفط في منطقة القوقاز وبحر قزوين، وتسعى إلى تقليص اعتمادها إلى أقصى حد ممكن على نفط الخليج.
•-;--;--;--;-التقارب الصهيوني التركي في تلك الفترة، الذي مهد الطريق لدخول تل أبيب بقوة إلى تلك الدول، خاصة أن أنقرة لديها علاقات قوية مع هذه الدول ذات الأغلبية الإسلامية.
•-;--;--;--;-ضعف الهيكل الأمني والسياسي والاقتصادي للمنطقة: فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال تلك الدول، وجدت نفسها تعاني من أزمة اقتصادية وأمنية، استطاعت دولة الكيان الصهيوني استغلال هذه الفرصة وتلبية حاجات تلك الدول، من حيث التعاون العسكري أو الاستثمارات الاقتصادية، أو تزويدها بالمعونة الفنية التي هي في أمس الحاجة إليها.
•-;--;--;--;-حاجة أنظمة تلك الدول لإعادة بناء قواتها الأمنية والعسكرية لتقوية حكمها، ومنع المنظمات "الإرهابية" من الإطاحة بها، تحت لافتة مكافحة "الأصولية الإسلامية" التي تقض مضاجع النخب الحاكمة في هذه العواصم.
•-;--;--;--;--;--;--;--;-غياب الدور العربي والإسلامي عن المنطقة، ما جعل الساحة مفتوحة للكيان الصهيوني دون منازع أو ممانع.
•-;--;--;--;--;--;--;--;-عدم وجود عداء تاريخي بين الكيان الصهيوني ومنطقة آسيا الوسطى والقوقاز، ما ساعد على تَقَبُّل التواجد الصهيوني فيها.
•-;--;--;--;-الجالية اليهودية: ساعدت الجالية اليهودية لتمهيد الطريق للتغلغل الصهيوني، ورغم قلة عددهم إلا أن لهم تأثير كبير، بما يتمتعون به من قوة سياسية ومالية.
•-;--;--;--;--;--;--;--;-رغبة تلك الدول في التحرر من الشيوعية واتجاهها للدول الغربية، وتبنيها الأفكار الليبرالية.
أهداف الكيان الصهيوني في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى
تنقسم أهداف الكيان الصهيوني في تلك المنطقة إلى:
•-;--;--;--;--;--;--;--;-سياسية:
1. الظهور كقوة إقليمية تلعب دورا مؤثرا في المنطقة، معززة بذلك نفوذها العالمي.
2. إضعاف الأمن القومي للدول العربية، وعزل العرب عن الامتداد إلى الدول الإسلامية في تلك المنطقة، وعزل تلك الدول عن المحيط العربي.
3. التأكيد على دورها الوظيفي المنوط بها لصالح الغرب وأمريكا، وذلك بالعمل علي منع عودة روسا كقوة عظمى، و منع التوسع الإيراني والصيني والعربي في المنطقة، ومحاولة عمل بديل عن خطوط النفط المارة بروسيا والمتوجهة لأوروبا.
4. مد نفوذها السياسي في تلك المنطقة بما يعزز الاعتراف بها دوليا، ويحسن صورتها ويمنحها دعما دعائيا.
5. الهجرة : حيث عملت دولة الكيان الصهيوني على جلب الآلاف من يهود تلك المنطقة للسكن في دولة الكيان، فقد جلبت ما يقرب من 23 ألف يهودي من جورجيا، و70 ألفا من أوزبكستان، والآلاف من أذربيجان وباقي دول تلك المنطقة، وأنشأت العديد من مكاتب الهجرة لاستقدام أكبر قدر ممكن من اليهود، بالإضافة لافتتاح العديد من المراكز الثقافية اليهودية للترويج للثقافة والأفكار الصهيونية.
6. تركيا: بعد التوتر الذي شاب العلاقة بين الدولتين مؤخرا، فإن دولة الكيان تسعى لمحاربة تركيا في تلك المنطقة، وهذا ما جاء على لسان وزير خارجيتها ليبرمان من أنه سيعزز علاقة دولة الكيان الصهيوني مع أرمينيا، "ذات العداء التاريخي مع تركيا بسبب ما يعرف بمجازر الأرمن".

•-;--;--;--;--;--;--;--;-اقتصادية:
1. تأمين خط جيهان النفطي: حيث تسعى لتأمين منابع النفط التي تغذى خط الأنابيب الذي يمتد من أذربيجان، ثم جورجيا حتى ميناء جيهان التركي ثم إلى ميناء عسقلان المحتل، وينقل النفط الأذربيجاني والكازاخستاني الذي يزودها بما يقارب 40% من حاجاتها النفطية. وتسعى مستقبلا لعمل خط أنابيب يصل عسقلان بإيلات المحتلة على البحر الأحمر، لتصدير النفط من إيلات لدول آسيا كاليابان والهند والصين، لتصبح واحدا من ممرات الطاقة العالمية، مقللة بذلك الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس، والهيمنة الروسية على ممرات النفط، وكذلك إضعاف تأثير روسيا على آسيا الوسطى والقوقاز، وعزل الصين وإيران عن الثروات النفطية لتلك المنطقة.
2. عملت على ربط اقتصاد بعض دول تلك المنطقة باقتصادها، بحيث يصعب على تلك الدول فك هذا الربط، وتسعى من خلال ذلك لتقوية اقتصادها بفتح تلك الأسواق لمنتجاتها واستثماراتها، إضافة للتحكم في تلك الدول اقتصاديا.
•-;--;--;--;--;--;--;--;-أمنية وعسكرية:
1. محاربة التنظيمات الإسلامية: إذ تسعى دولة الكيان الصهيوني لملء الفراغ الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفيتي في الجمهوريات السوفيتية الإسلامية، لضمان عدم ظهور إسلاميين في تلك المنطقة، وضمان بقاء تلك الدول على حالها من حيث الضعف والتبعية لواشنطن "وتل أبيب" على حد سواء، مستعينة بالأنظمة الحاكمة المستبدة في هذه الجمهوريات التي تستشعر خطر الحركات الإسلامية عليها.
2. تكثيف تواجدها العسكري والأمني في تلك الدول، والاستفادة من بيع الأسلحة والتعاون الاستخباري معها.
3. إضعاف نفوذ إيران الاقتصادي والعسكري والسياسي في تلك المنطقة، واستخدام تلك الدول "المجاورة لإيران" كورقة ضغط على إيران لتهديدها عسكريا وأمنيا.
4. تسعى دولة الكيان الصهوني وبدعم أمريكي وغربي لتقييد الدور الروسي في القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك الحيلولة دون عودة روسا كدولة عظمى، عبر إيجاد دول معادية على حدودها وإشغالها بها، ومحاولة إفقادها أهيمتها في نقل النفط من خلال نقله عبر دول منطقة القوقاز، وكذلك التأثير على الموقف الروسي تجاه دعم بعض الدول كإيران وسوريا(عسكريا وسياسيا).
5. تأمين حاجاتها من المواد الأساسية: كالقمح واليورانيوم والنفط، فقد اشترت دولة الكيان مجمع لمعالجة اليورانيوم من كازاخستان، حيث استطاعت بذلك توفير كل متطلباتها من اليورانيوم، واستفادت أيضا من قاعدة بايكونور الفضائية الكازاخية في إطلاق أكثر من قمر صناعي لها من هناك.
مظاهر النفوذ الإسرائيلي في القوقاز وآسيا الوسطى
•-;--;--;--;-سياسيا: سارعت دولة الكيان الصهوني منذ إعلان تلك الدول استقلالها عام1992، للاعتراف بها وإقامة علاقات دبلوماسية معها، وتقديم نفسها كوسيط لجذب رؤوس الأموال الغربية والأمريكية، وفتح أبواب واشنطن وغيرها من العواصم الغربية، وبدأت الوفود الحكومية الصهيونية بالقيام بالعديد من الزيارات لتلك الدول، حيث قامت بتوقيع العديد الاتفاقيات، معبدة الطريق أمام الشركات الصهيونية لغزو تلك المنطقة.
•-;--;--;--;-اقتصاديا: بعد استقلال تلك الدول، استغلت دولة الكيان الصهيوني حالة الضعف الاقتصادي التي تمر بها، وأقامت العديد من المشروعات مستعينة بالجالية اليهودية فيها، وقامت بإنشاء غرفة للتجارة والصناعة خاصة بدول آسيا الوسطى لتسهيل التجارة معها، وتعاونت مع تلك الدول في شتى المجالات، الاقتصادية والصناعية والزراعية والري والصحة، وتقديم الخبرات والدعم الفني وتدريب الكوادر، حيث قامت ببناء مشروع ري وتدريب خبراء في زراعة القطن في أوزبكستان، وقامت بتقوية مصفاة تكرير النفط في تركمنستان، كما قامت باستثمارات محلية في قطاع البنوك والمحلات التجارية الكبرى والاتصالات، وعملت على استخراج النفط ومده حيث أنها تلبي 40 % من حاجاتها النفطية من كازاخستان وأذربيجان.
•-;--;--;--;-عسكريا: استغلت دولة الكيان الصهيوني الفراغ الأمني بعد استقلال تلك الدول، وقامت بتدريب أجهزة مخابراتها أساليب مكافحة ما يسمى بـ "الإرهاب" ، وقد ساعد على ذلك خوف حكام تلك الدول من المنظمات "الإرهابية" ، وما قامت به الإدارة الأميركية من حملة ضد "الإرهاب" ، وخاصة الحرب ضد أفغانستان، حيث عملت جمهوريات آسيا الوسطى على تحديث منشآتها العسكرية بما يلبي متطلبات حلف شمال الأطلسي، فقدمت دولة الكيان خبراتها في إعداد القيادات الأمنية، ما فتح المجال للتوغل العسكري والاستخباري الصهيوني، وقامت بإبرام العديد من الصفقات لتحديث وبيع الأسلحة لتلك الدول خاصة جورجيا وأذربيجان وكازاخستان.
ومن أهم مظاهر التوغل العسكري في تلك المنطقة:
•-;--;--;--;-التواجد العسكري في جورجيا: إذ تعد جورجيا ذراع الكيان الصهيوني في منطقة القوقاز، فقد أعدت دولة الكيان الصهيوني الجيش الجورجي وأمدته بأحدث الأسلحة من طائرات بدون طيار وتحسين طائرات "سيخوي-25" لتتوافق مع استخدام الأسلحة الغربية، إضافة لوجود أكثر من ألف خبير عسكري صهيوني عملوا على إعداد الجيش الجورجي، منهم جنرالات سابقين في الجيش الصهيوني، كالجنرال احتياط إسرائيل زيو الذي كان قائد قوات المظليين في حرب لبنان الأولي 1982، وقائد لواء المظليين وفرقة غزة إبان الانتفاضة الثانية 2000، والجنرال احتياط غال هيرش قائد فرقة الجليل في حرب لبنان الثانية 2006، والجنرال روني ميلو وهو عضو كنيست سابق، إضافة أن وزير الحرب الجورجي يهودي يحمل الجنسية "الإسرائيلية" ؟؟!!
ولقد كان لدولة الكيان اليد الكبرى في توريط جورجيا مع روسيا، وبالتالي قيام حرب هاجمت فيها القوات الروسية جورجيا عام 2008. وقد استفادت دولة الكيان الصهيوني من هذا النفوذ، فقد بلغت مبيعات الأسلحة لجورجيا بعد الحرب الجورجية الروسية 200 مليون دولار سنويا، وقد حصلت على حق استخدام مطارات في جورجيا لنصب صواريخ وإقلاع طائرات مهددة بذلك الأراضي الإيرانية، واستطاعت الضغط على روسيا لمنعها من بيع أسلحة متطورة لسوريا وإيران، مثل صواريخ أس 300 وصواريخ إسكندر، مقابل عدم بيع الكيان الصهوني أسلحة متطورة لجورجيا.
•-;--;--;--;-التواجد العسكري في أذربيجان: فقد قامت دولة الكيان الصهيوني بتوقيع صفقات سلاح بمئات ملايين الدولارات مع أذربيجان، منها اتفاقية بشأن مشروع مشترك لصنع طائرات صغيرة من دون طيار، والتزود بوسائل اتصال، وتطوير بعض الأسلحة، وتدريب دولة الكيان لطيارين في سلاح الجو الأذري ، إضافة للتعاون الأمني الاستخباري بين البلدين، ما مكن دولة الكيان الصهيوني من التجسس على إيران، والتهديد بضربها من أذربيجان التي تشترك معها في الحدود، والقريبة من منشئاتها النووية.
تحديات الكيان الصهيوني في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى
•-;--;--;--;-الثورات العربية: بعد الثورات العربية فإن دولة الكيان الصهيوني تخشى من انتقال العدوى لتلك الدول، كون أكثر دول المنطقة إسلامية تعيش نفس الحالة من سيطرة أنظمة وحكام مستبدين موالين لها.
•-;--;--;--;-الحرب الجورجية: بعد الحرب الجورجية الروسية الأخيرة تكشّف الدور الصهيوني الكبير في جورجيا، ما لفت أنظار القوى الإقليمية لمحاولة حصر هذا النفوذ.
•-;--;--;--;-تركيا: بعد التوتر الذي شاب العلاقات الصهيونية التركية، فمن المتوقع أن تسعى تركيا لتحجم ومحاربة الدور الصهيوني في تلك المنطقة.
•-;--;--;--;--;--;--;--;-إيران: تسعى إيران لمحاولة صد التوغل الصهيوني في تلك المنطقة، لما يشكله من خطورة على أمنها القومي.
•-;-تراجع الدور الأمريكي وبروز القوة الروسية: بعد التراجع الذي تعانيه أمريكيا فإن هذا قد يشكل تحديا لاستمرار الدعم المقدم لدولة الكيان الصهيوني في المنطقة.
•روسيا: إذ تسعى روسيا لإعادة بسط نفوذها على تلك الدول، وتأمين أمنها القومي عبر منع تواجد أي قوة مؤثرة في تلك المنطقة، إضافة لسعيها للعودة كقوة عالمية.
•أرمينيا: خلافا لدول المنطقة انتابت العلاقات الأرمينية الصهيونية حالة من الفتور، نظرا للتحالف الأرميني الروسي الذي يمنع أي تواجد قوي لدولة الكيان في تلك الدولة، بالإضافة للعلاقات الوطيدة بين تركيا – ذات العلاقات التاريخية المتوترة مع الأرمن – والكيان الصهيوني، حيث أن دولة الكيان لم تعترف حتى الآن بالمجازر العثمانية المزعومة ضد الأرمن. إلا أنه وبعد تقلص وتوتر العلاقات بين تركيا ودولة الكيان الصهيوني بعد مواقف حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب أردوغان الداعمة للقضية الفلسطينية وذات التوجه نحو العمق العربي والإسلامي، تسعى دولة الكيان في الآونة الأخيرة لإعادة صياغة تحالفاتها بما يضمن محاصرة ومواجهة توجهات التركية الجديدة بتعزيز العلاقة مع الدول ذات الخلافات مع تركيا ومنها أرمينيا واليونان.
تحوي المنطقة لغات وعائلات لغوية مختلفة. يوجد هناك أكثر من 50 مجموعة عرقية تعيش في القوقاز. ومن اهم تلك الشعوب التي حاربت لفترة أطول من الشيشان و غيرهم هم الشراكسة ولديهم لغة خاصة في النسخة الأجنبية المترجم منها هذا المقال .يعود اصل ال شراكس و الشيشان و غيرهم إلى الاباظة و الاباظة لديهم أيضا لغة خاصة فإن شدة وحدة المصير والتشابه بالتقاليد والثقافة المشتركة رغم اختلاف اللغات يجعل التمييز صعبا خاصة وأن كلمة شركس تطلق على من قبل من استقبل مهجري
ينقسم القفقاسيون في يومنا هذا إلى فئتين رئيسيتين: السكان الأصليون و الوافدون. ينقسم السكان الأصليون بدورهم إلى فئتين رئيسين: تعود جذور الفئة الأولى ـ حسب تقارير البيزنطيين و الرومان و الجنويين و اليونان ـ إلى جميع الذين استوطنوا المنطقة منذ الألف الخامس ق.م. أما جذور الفئة الثانية فيعود تاريخها إلى الفترة المحصورة ما بين القرنين الرابع و الثاني عشر الميلادي حيث تدفق سيل الأقوام المهاجرة من الشرق الأقصى باتجاه الغرب و بقي قسم منهم في القفقاس ليستوطن قلب المنطقة
ينقسم القفقاسيون في يومنا هذا إلى فئتين رئيسيتين: السكان الأصليون و الوافدون. ينقسم السكان الأصليون بدورهم إلى فئتين رئيسين: تعود جذور الفئة الأولى ـ حسب تقارير البيزنطيين و الرومان و الجنويين و اليونان ـ إلى جميع الذين استوطنوا المنطقة منذ الألف الخامس ق.م. أما جذور الفئة الثانية فيعود تاريخها إلى الفترة المحصورة ما بين القرنين الرابع و الثاني عشر الميلادي حيث تدفق سيل الأقوام المهاجرة من الشرق الأقصى باتجاه الغرب و بقي قسم منهم في القفقاس ليستوطن قلب المنطقة
بهذا ينقسم السكان الأصليون إلى مجموعات ثلاث
سكان وسط و غرب القفقاس المتمثلين بالأديغة و الأبخاز و تشمل هذه المجموعة كل من الأبزاخ و الشابسوغ و البجيدوغ و الجمكوي و الحاتقواي و القبردي و الأوبيخ و الأباظة و غيرها سكان شرق القفقاس من الشيشان و الأنغوش ويشملهم اسم الفايناخ قبائل الداغستان كالأندي و الأصفار و اللاق و الدارغين و الليزكي و الغازي قموق و غيرها
و من السكان المحليين من هم ذوو أصول طورانية كالقراشاي و البلقار و النوغاي و القموق، و منهم من هم ذوو أصول فارسية كالأسيتين
و لئن حدثنا التاريخ عن بعض الخلافات و المجابهات التي حدثت بين السكان الأصليين و المستوطنين الجدد، إلا أن القفقاسيين وعلى تنوعهم، قد نجحوا في صياغة تعايش سلمي؛ فكونهم يدينون جميعا بدين واحد هو
الإسلام و يواجهون عدوا واحدا (الروس) يخوضون ضده عين النضال و يتشاركون في الأفراح و الاحزان فقد انصهروا جميعا في ثقافة واحدة والأباظة في البلدان العربية يطلق على الابخاز كلهم .
في حين ان الاباظة هم شعب من الابخاز



#محمد_النعماني (هاشتاغ)       Mohammed__Al_Nommany#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النصر قريب .... ما هم حصل
- الدكتور محمدالنعماني امام المؤتمر الدولي السابع للتقريب:المع ...
- البيريسترويكا الروحانية الايرانيةوالانفتاح على الغرب والي اي ...
- كلمات وعبارات
- متىء يعلنون هولاء وفاة الحراك الجنوبي وكل ابناء الجنوب وكل ا ...
- وطني الجنوب القادم حر وديمقراطي ومن قرح يقرح
- عشق 50 سنة
- اللة يلعنها بلد دولة
- بلاغ صحفي من -تاج- حول بيان مايسمى بإعتذار الحكومة الاحتلال ...
- المجدللة وللشعب ..والنصر للثورة المصرية والسقوط للاخوان
- تمانية تمانية ...88
- للصحفيين في عدن عظم اللة اجركم وعيدكم سعيد
- من الجنة عيد سعيد دكتور محمد
- اللهم انصرناعلي البلاء واصحاب البلاء
- انهيارحكم وسلطة الاخوان المسلمون في مصر
- يا مصر قومى , عودى زى زمان
- 30 يونيو استرداد الثورة المسروقة في مصر وكشف الوجة القبيح لل ...
- الاخوان المسلمون وصناعة الكراهية
- مصر ومعركة استرداد الثورة المسروقة من قبل الاخوان المسلمون
- ارتجليات


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد النعماني - آسيا الوسطى والقوقاز والصراع القادم في العالم