أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم ألصفار - التغيير المغامر وانتاج النكسة














المزيد.....

التغيير المغامر وانتاج النكسة


جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)


الحوار المتمدن-العدد: 4244 - 2013 / 10 / 13 - 10:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يحكى في قديم الزمان أن قوم من الأقوام كانوا يقيمون في وادٍ محاط من جميع جوانبه بالجبال ألشاهقة. وقد كان لسكان هذا الوادي نظام حياة خاص محكوم بقوانين صارمة تحدد حرية حركة الناس وطموحهم لسبر أغوار ألمجهول. فقد كان على كل مواطن أن يحمل حول خصره منذ طفولته حزام خشبيي تعلق عليه أثقال تعيق حاملها من تسلق الجبال، ألتي يسكنها، حسب ألمعتقدات ألسائدة، الشياطين والوحوش ألكاسرة.

ولكن هذا ألنمط ألحياتي ألذي تفرضه قوانين رادعة، لم يرق للجميع. لذا نمت وتسربت بين الشباب أفكار جديدة تنادي بالتحرر من الأثقال وترسم للآخرين حلم ما بعد الحرية. ومع اتساع انتشار هذه الأفكار ألتحررية وزيادة عدد المنادين بها، تهيأت الظروف ألمناسبة للتغيير ألثوري. فاستلم الشباب المنادي بالحرية، ألسلطة هناك وسنوا قوانين جديدة تمنع حمل هذه الأثقال وتغير نمط الحياة ألسائد والقائم على الخرافات والخوف من ألمجهول.
رميت الاثقال جانبا، وغمرت الفرحة الجميع وهم يتدربون على حفظ توازنهم عند المشي دون قيودهم واثقالها. ولم يتوقف الامر عند متعة التعود على المشي بحرية وسرعة اكبر عند الطواف في الوادي الذي صغرت مساحته في عيون سكانه، فجاشت رغبتهم في سبر اغوار الجبال المحيطة به والتعرف على ما تخفيه ورائها. فتنادى شباب القوم جماعات لتسلق الجبال. وهكذا بين فترة وأخرى تتهيأ مجموعة من الشباب تتبعها اخرى لرحلات طالت في زمنها دون ان يعود منها أحد. وبعد كل عملية تسلق يسمع سكان الوادي صراخ انسان مفجوع يتردد صداه في الجبال بين الحين والاخر.
تسرب ألقلق الى نفوس السكان بعد انتشار شائعات تحكي روايات مفزعة عن المصير ألمأساوي ألذي لاقاه المتسلقون المغامرون ألذين لم يأبهوا لتقاليد قومهم ففتكت بهم الضواري وتلبست ارواحهم الشياطين.

وشيئا فشيئا يترسخ الايمان القديم-الجديد الذي يرى في افكار التحرر نقمة ورجس من عمل الشيطان ويستعيد انصاره بعد تنظيم انقلاب ناجح، السلطة في الوادي. وتعود الحياة هناك الى سابق عهدها قبل ان تعصف بها رياح التغيير وتصبح القيود والاثقال من جديد تقاليدا وسبلا للخلاص وللأمان. فتزداد سطوة القوانين ألمقيدة للحريات، وتنتعش الخرافات ألدينية ألتي تحرم ألمعرفة والطموح لاكتشاف ألجديد وسبر غور ألمجهول. وتغلق الطرق بوجه اي احتمال للتحرر وتغيير نمط الحياة السائد.
استعير هذه الرواية القديمة بتصرف يعطيها دلالات اخرى لتأكيد حقيقة ازلية، وهي أن أي تغيير او مسعى للتغيير، منطلقاته النوايا الحسنة والشعارات الثورية الرائعة وحدها ودون حساب دقيق وصحيح للتبعات، لابد وان يأتي بردة فعل تسحق كل براعم التغيير المنشود وتقضي على الامل لسنوات عجاف طوال.
كانت لماركس ملاحظاته الخاصة على مسار التغيير الذي اتت به كومونة باريس وتحفظاته على الممارسات التي رافقت الثورة الفرنسية. ولكن بعد ان حوصر الكومونيون وخيروا بين الاستسلام او الابادة، ادرك ماركس بحسه الثاقب ان استسلام الكومونيون سيؤخر الثورة الاشتراكية في فرنسا عشرات وربما مئات السنين. وهذا ما حصل بالفعل. فالعمل المغامر غير المدروس وغير المسلح بمنهج علمي ورؤيا واقعية سيكون ضارا ومدمرا لمسار التطور في جميع اصعدته.
لقد كان للثورة الاشتراكية في روسيا في بداية القرن الماضي خيارات اخرى غير الخيار البلشفي، لا بل ان خيارات التحول كانت متنوعة حتى في داخل الصف البلشفي نفسه. وقد كانت لآراء ومناهج الاشتراكيين الروس القدرة على انتاج مشتركات سياسية واقتصادية واجتماعية لبناء مؤسسات دولة متطورة في بعديها السياسي الديمقراطي والاقتصادي الحر المنضبط في توجهاته ومضامينه وفقا لمتغيرات معايير العدالة الاجتماعية. وقد كان التأييد الواسع لشعار (كل السلطة للسوفييتات) خير دليل على امكانية توحيد الصف الاشتراكي وتصحيح مسار التحولات صوب الاشتراكية في روسيا آنذاك.
ولم يكن الاتهام الذي اطلقه المفكر الاشتراكي الكبير بليخانوف لسلطة البلاشفة الجديدة ووصفه اياها بالعقيمة الا تقييما لعدد من الاجراءات والطروحات التي ابتعدت عن مبادئ الاشتراكية الاممية والمنهج الماركسي في فهمه للتحولات الثورية في المنظومة الاقتصادية الاجتماعية وخلق ممهداتها.
حل الجمعية التأسيسية واغلاق صحف المعارضة، بما فيها الصحافة الاشتراكية، عام 1917 م وبناء مؤسسات الدولة البيروقراطية كانت بداية النهاية لمشروع الامل الاشتراكي في روسيا. على ان ذلك المشروع لم يمت تماما الا بعد ان تحولت قيادة الدولة والثورة من البلشفية الى الستالينية. من فكر بلشفي يحمل في داخله متناقضات الامل واليأس ببناء مشروع اختلف على طريقة بنائه قادته، خاصة بعد مرض لينين، الى فكرٍ ستاليني لا حياة فيه ولا امل.
وها نحن اليوم نتلمس اثار النكسة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الدولية المتحالفة معه في سلوك ونمط تفكير الشباب العراقي الذي اصبح يستنكف من مفاهيم الاشتراكية واليسار ويقرنها بتجربة من الماضي فاشلة وخاطئة لا جدوى من التوقف عندها والتأمل فيها، عداك عن الانتساب اليها. والعيب ليس في شبابنا ولا في نمط حياتهم الجديدة، بل هو في نمط تفكير الاشتراكيين العراقيين.....بعد النكسة.



#جاسم_ألصفار (هاشتاغ)       Jassim_Al-saffar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات في ضواحي بيرسلافل
- آراء عند الخطوط الحمراء
- قراءة جديدة للجذور
- رسالة اخرى الى الاحياء
- تساؤلات بعد الفاجعة
- هوامش في ذاكرة متعبة
- -عمود السحاب--دروس وعبر (ألجزء ألثاني-ألمفاجئات)
- -عمود السحاب--دروس وعبر (ألجزء ألأول-ألبدايات)
- رسائل قصيرة من بغداد-2 (حوار في موضوع المقاومة)
- رسائل قصيرة من بغداد-1
- قضية ألبروليتاريا هي قضية ألمجتمع بأسره
- قراءة لرسائل مفتوحة
- ألأصالة
- قراءة هادئة للوضع في سوريا
- ألذاكرة وألتوبة
- أفكار إشتراكية في ألمسألة ألقومية
- لمن تقرع أجراس ألربيع ألعربي
- يسار خارج ألزمان وألمكان
- ألإشتراكية وألديمقراطية
- ملاحظات نقدية على ألوثيقة ألفكرية للمؤتمر ألوطني ألتاسع للحز ...


المزيد.....




- شاهد تطورات المكياج وتسريحات الشعر على مدى الـ100 عام الماضي ...
- من دبي إلى تكساس.. السيارات المائية الفارهة تصل إلى أمريكا
- بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل: ما هي الدول المنخرطة؟
- السفارة الروسية: طهران وعدت بإتاحة التواصل مع مواطن روسي في ...
- شجار في برلمان جورجيا بسبب مشروع قانون - العملاء الأجانب- (ف ...
- -بوليتيكو-: شولتس ونيهمر انتقدا بوريل بسبب تصريحاته المناهضة ...
- من بينها جسر غولدن غيت.. محتجون مؤيدون لفلسطين يعرقلون المرو ...
- عبر خمس طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني
- هاري وميغان في منتجع ليلته بـ8 آلاف دولار


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم ألصفار - التغيير المغامر وانتاج النكسة