أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - بعث الوطن في أزمنة بيضاء لغريب عسقلاني















المزيد.....

بعث الوطن في أزمنة بيضاء لغريب عسقلاني


سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 4243 - 2013 / 10 / 12 - 13:06
المحور: الادب والفن
    


بعث الوطن في أزمنة بيضاء
لغريب عسقلاني

-------------
من أين نبدأ؟
من غريب عسقلاني؟
أم من روايته أزمنة بيضاء؟
فغريب في الحياة غريبا .
وغريب في الرواية غريبا .
وبدا لي انه رغم أننا أمام عمل روائي عظيم القيمة ، فان غريب في الحياة ، هو ذاته الغريب في الرواية ، وقد وجدت اننى أمام ذكريات متشعبة،لإنسان مشرد بعيدا عن وطنه .. ، لذا أظن أن غريب حولها لشكلا من أشكال السرد،لسبب مهم ويقول الناقد " عبد الرحيم حمدان "ربما كان دافع الكاتب إلى كتابة سيرته الذاتية هذه هو رغبته في العودة إلى الجذور، وتحقيق ذاته من خلال اشتداد البعد المكاني الذي قد يثير مخاوف استمرار انقطاعه عن وطنه،"
ويقول نقاد آخرون في تلك الإشكال الروائية، أنهم يكتبونها ليتحرروا من ذكرياتهم بضغوطها.
لكنى أرى أن الأمر يتجاوز ذلك، ليصل لحد الخوف من الضياع .. ضياع تاريخ وطن .. وطمس الانتهاكات والنضال وضياع الحقوق.. فغريب كمثقف لم يحكى مجرد حكاية ، ولا يختزل هويته، بل يحكى تاريخا ممتد الجذور ، ويروى الأرض الفلسطينية بالثراء الإنساني ، ليشعر بها الفلسطيني وغير الفلسطيني .. والفلسطينيون يعشقون الحكايات وحنين الإنسان الفلسطيني إلى الحكايات هو حنين لا يقاوم ، لأنه يرتبط بحياتهم وتاريخهم ، حياة الأجداد ، حياة بتفاصيلها وأمجادها باقية في الضمير الشعبي ، تتمدد في الأحاديث والأمثال والحكايات ، يلتف الجميع حول الحكاية ، بلهفة ، فيتعلمون ثقافة مجتمعهم ويتذكرون تراثهم وقيمهم وعاداتهم يوما بعد يوم ، أن الحكاية هي المقاومة ضد المحو الصهيوني، لمعالم المكان والتاريخ والتراث. ورغم ان ظاهر "أزمنه بيضاء" مبنية على غياب المكان .. والمكان الغائب هو بلده عسقلان التي احتلت .. وإذا كانت الرواية كتبت في الغربة ، وسيطر عليها أمكنه ظاهرة مابين الإسكندرية والقاهرة من خلال حركة القطار.فان الجسد الحقيقي المسيطر على النص هو المكان الغائب ، بلده عسقلان أو فلسطين .. يستدعيها بجمالياتها الخاصة ..ففي احد مقاطع الرواية :
"مرقدي في حضن الجميزة يا غريب"، ويؤكد أبوه أن:"الجميزة قديمة في عسقلان، وفي عسقلان فقط تطرح سبعة بطون، والجميزة بشرتها لينة مطيعة للخدش، وتنز حليباً سرعان ما يتخثر عن أثر أزلي، أية أزمان عاشوا؟ وعلى أي طعام اقتاتوا؟ وأي سرائر بيضاء عاشروا؟"
وبمقطع أخر صفحة 25
""أحجية! أم كرامة مكان!!
تكعيبة تظلل الممر الطويل الممتد الى براندة الدار، العناقيد ثريات حمراء تتدلى من سقف التكعيبة، أوراق الدالية عفية، ينبثق من أديمها زغب ناعس يمتص ندى الفجر، يرضعه لثمار مشدودة مزدحمة بشحم وفير وعصير مركز، وبذور غائصة في شهد الحالة.
والحالة عناقيد مطرزة بحلمات حمراء منتصبة.
الكرامات لا تظهر في غير أرضها.""

وهكذا رغم غياب المكان، لم يفلت عسقلان ككاتب فلسطيني من الشرط المكاني .. فبلدته تحاصره، لكن بلا بلاغات سياسية ولا وعظ ولا بكاء على أطلال .. فأدواته الجمالية تليق بعظمة القضية .
يرسم غريب صورًا من الذاكرة والمخيلة لمعالم حياتية ومكانية ويمنحها ألوانًا من القراءة الإبداعية التي تنهض على مفردات وعناصر معرفية وأدبية ووقائع وأحداث عينية :
"وفي موسم التقليم تتعرى الدالية، ويعمل فيها مقص الرجل تشذيباً، يطرد الفروع التي لا تستجيب للإثمار..يعلّم البنات ما علّمته له كروم الخليل من خصائص العنب وعاداته تسأله شمس المأخوذة بجلده وصبره ونفاذ بصيرته:
- كيف تعلمت فنون العنب يا أبي؟""
وبمقطع اخر :
........."مازلت تهرب مني يا ..
رجفت، تقضم شفتها السفلى..تدخلت شمس تخفف من توتر قد يصير الى انفجار:
- لا تظلميه يا أمي، له ولد هناك.صامت فارس وقف بين امرأتين، صورة من أصل، أم أصل لأصل. همست شمس في أذن لطيفة :
- إنه ابن شهيد.
عادت لطيفة عدوا للوراء "يوم ودعها، مع الفجر وقبل يد أبيه على سجادة الفجر..عند باب الدار توقف. دمعه لهثت في عينيه قال :
- لا تخذلي أبي يا لطيفة، وأوصيك بالصبي إبراهيم، يوم يحضر كالعادة لا تقطعي عنه خير يديك، اخبريه أن غيابي لن يطول".............
يستهل الكاتب رحلته :
"قطار يأخذني إلى هناك، يحملني مع أسئلتي:
كيف تقطع امرأة زوادتها حفنة من أعواد ثقاب دروب العتمة، كم هي مساحة ضوء عود الثقاب،وكم هي العتمة التي تضاف الى كثافة الظلام بعد موت العود؟ وهل تنزع العتمة المكان عن أزمنته،أم أن المكان يغادر المكان،كما الزمن يترك أزمنة خلفه سيرة يتناقلها الناس، وتشهد عليها الآثار علامات واشارات، تطرح من الاختلاف أضعاف ما تكسبه من الاتفاق"

وبالقطار يعود بالمخيلة إلى وطنه ، يبدأ باستقصاء الأمكنة والأحداث القابعة في ذاكرته، لينتقل منها صوب عسقلان
التي يصف ذكرياته عنها:
"في الكرم توتة كبيرة نستحم في عبها، تحرسنا جميزة أبدية تستقبل الحساسين والهداهد والخضير وتطرد البوم والغربان".
وفي معرض تعرضه لصبابات العشق:"قبل صلاة الفجر خبأتنا التوتة، وتطهرنا بماء بارد من آثار ليلة الدخلة، وخرجنا نحفر اسمينا على جذع الجميزة، فنشهدها وعلى سنة الله ورسوله" ان العبد العسقلاني قد عبر حلاله آمنة بنت ابراهيم..
أشاكسه مداعباً :
- ولماذا الجميزة بالذات يا ختيار، ألا تخاف على آمنة من لسع دبور؟
يتلمظ وتنط من عينه العتيقة ذبالة حب شقى:
- الجميزة قديمة في عسقلان، وفي عسقلان فقط تطرح سبعة بطون، والجميزة بشرتها لينة مطيعة للخدش، وتنز حليباً سرعان ما يتخثر عن أثر أزلي."

والمجتزأ التالي من الرواية يجسد الصراع الدائر داخل غريب بين رغبة العودة والعجز عنه، أنّ النجاح في تجسيد الصراع هنا يرتبط بأسلوب الكاتب في الربط بتلقائية وانسياب بين زمنين وجماليات المكان والحجم المخيف للنكسة:

"أية أزمان عاشوا، وعلى أي طعام اقتاتوا، وأي سرائر بيضاء عاشروا وأنا الذي خرجوا بي رضيعاً حملت الحكاية عشرين عاماً، حتى اذا انفتحت البلاد إثر احتلال النكسة، طيرني شوقي، غابت التوتة (قطعوها) والجميزة لا زالت تنتظر، والوشم على جلدها محاط بدرنات من قيح يستنكر ما جرى لآمنة بنت إبراهيم وزوجها العبد العسقلاني."
ان الشعور بفقد الوطن والشوق إليه يتسرب إلى كل سطور الرواية،لنلاحظ المقطع التالي :

"ها هو القطار لا يحيد عن سكتة، ولا يتوقف عند المحطات حتى يدرك محطته الوحيدة والأخيرة".
ويظهر أن القطار هنا معادل موضوعي للكاتب نفسه .. فرحلة الغربة مستمرة، والمحطة الأخيرة هي الوطن نفسه في زمن ابيض ، زمن خال من الدماء والتشريد والمعاناة ، يجد الإنسان الفلسطيني فيه هويته ويجمعه من الشتات .
وهكذا يفرز الكاتب الفلسطيني ، أسلوب للنضال يخصه وحده، وغير مشابه لأساليب الآخرين
من خلال أنشاء الصلة بالوطن بالحكى، لبعثه بتاريخه وتراثه وإنسانيته في الذاكرة الجمعية
--------
هوامش وإحالات :
1- أزمنة بيضاء – غريب عسقلاني – منشورات دار الماجد للطباعة والنشر – رام الله
2- اللغة الشعرية وتجلياتها في (البحث عن أزمنة بيضاء)
عبد الرحمن حمدانhttp://www.diwanalarab.com/spip.php?article15298



#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العادلى والإبادة لسيناء
- ما بعد مبارك طليقا !!!!!!
- البرادعى، ضد حارس الديمقراطية !!
- الاعتصام : - الجريمة والعقاب-
- أنفاق غزة شرعية
- المجتمع كائن اخرس
- البعد الثوري والإنساني في رواية أمواج ورمال
- إشراقة أمل
- غزة تنتصر ..
- غزة ، بلد لن يموت
- غزة ، الخيانة والموت
- فلسطين , الحلم والضياع
- كثوب قديم اهترىء
- بياض على بياض
- -الصوامت- لصباح الانبارى
- أنت في أول الليل وآخره
- سكن الليل وحدتي
- حمدين صباحي .. القيمة والمستقبل
- غزة وسيناء، في التفكير الإسرائيلي
- خطة هدم الثورة بمصر


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - بعث الوطن في أزمنة بيضاء لغريب عسقلاني