أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - شنيشل وذاكرة النهر والمدينة














المزيد.....

شنيشل وذاكرة النهر والمدينة


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4241 - 2013 / 10 / 10 - 20:34
المحور: الادب والفن
    




كانت طفولتنا الحافية في أيام العيد، تقف بطوابير ملونة أمام صريفة شنيشل بفرح وفضول كي يصلنا الدور لمشاهدة (الشاذيّة) النزقة مروضها الزنجيّ .. آخر المتبقين من أحفاد ثورة العبيد.

لقد إعتاد الجميع في أزقة وأرصفة الناصرية، يشاهدون المهرج شنيشل صاحب القردة، التي تتربع على كتفه أثناء قيادته الدراجة الهوائية، كنا نلوح ونرحب بالقردة التي كانت تقشر ثمار الموز أو تقضم التفاح أو تزعق أحياناً بغضب حين كنا نشاكسها . عُرف شنيشل بجرأته وسخريته من المجتمع ومن السلطة وله طرائف كثيرة مازال يتذكرها أهل المدينة.

حين بدأت الحرب العراقية - الإيرانية ، وماخلفته تلك الحرب العبثية من خراب رهيب . إتشحت أعيادنا بالأحزان والسواد ، وتلاشت الصريفة السومرية من ساحات الأعياد، و ماتت القردة سجينة الدار هناك من الضجر وصدأت دراجة شنيشل المحطمة والمركونة في إحدى زوايا الدار.

استمرت دوامة عذابات شنيشل وتعاظمت فجيعته ومأساته ، بعد حرب الخليج الأولى - عاصفة الصحراء - حين فقد زوجته عند سقوط جسر الناصرية ، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة كأم تتشبث ببقايا الحياة ، وتأبى أن تودع وجوه صغارها. طالما احتضن جسر المدينة ووريدها الأخضر ، ومعبر العشاق بين الضفتين، أبجديات الحب ومفردات المدينة.

في ظهيرة مشمسة حيث كان الكثير من الناس يحاولون العبور الى الجهتين المتعاكستين، حينها هاجت طائرة مسعورة من قواعد خليج العهر العربي ونفثت بغلّها ونيرانها فوق الجسر وألقت ببراكين الموت وعناقيد الشر فوق جسر السلام ، فتشظت الأجساد في الفراغ وتطايرت قرطاسية الأطفال وعباءات النساء مثل خيام سوداء في سماء الفجيعة، وتمزقت مع قصائد العشاق ولعب الاطفال، ثم هوت تلك الأشلاء في النهر وفوق طين الضفتين.. حينها كان الفرات شاهداً للنكبات ومواكب الأحزان والندب ودم المدينة المهدور... فكان عاشوراء آخر يباح .

هرع شنيشل راكضاً ومصدوما كمجنون صوب الجسر ، باحثاً وسط الجثث وبين الماء والطين عن بقايا زوجته، بعد أن وجد آخر ألواحها حمل المنكوب عشتاره القتيلة من هناك ، ليدفنها في أرض أوروك . رجع شنيشل كسير القلب ومنحي الظهر الى أطفاله اليتامى وداره البائسة .. جلس في زوايا الغرفة المظلمة واجهش ببكاء مرير وطويل،مثل أبدية حزن الفرات .

بدأت حرب البر فلم يستطع جيش الموهوم طاغية العراق البقاء إلاّ بضعة أسابيع، ثم إنسحب الجيش مهزوماً وذليلاً من أرض الكويت .. فأ قام الملوك والأمراء احتفالات فوق جثث جنودنا المحترقة وأسلحتهم المهانة . ثم إندلعت إنتفاضة الوطن المقهور .. التي نكأت جراحات شنيشل حين ساند الشعب المظلوم ضد طغيان السلطة .. ولم تدم فرحة الشعب وإنعتاق الحرية التي حطمت حاجز رعب السلطة أكثر من عشرين يوماً .. حين هجمت فلول بقايا من جيش الطاغية ومن لقطاء القتلة كي يستبيحوا المدن ويقمعوا الثورة . بعد تآمر السفلة . ....

وظهر يهوذا مرة أخرى مع قوافل الهمج وهو يشي بمخبأ شنيشل . فالقوا القبض عليه بعد أن سحله الجنود من داره بسيل من الشتائم والركلات .. ثم عذبوه أمام مرآى الجميع وداست بساطيل الجنود الثقيلة فوق جسد شنيشل النحيف، ثم أفرغ الضابط البدوي الجلف بأخر إطلاقة بندقيته وكآنه في رحلة صيد في جسد الضحية..إشرأب شنيشل المظلوم برقبته نحو أخر غيمة في المساء وهي تودع السماء .. ثم خر صريعاً وسط بركة دم فوق رصيف الفجيعة



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسفار الحزن في رحلة حمار
- ترنيمات في معبد
- حين يترك الجمر تضاريسه فوق الرماد
- ملامح لعاشق في مرايا الروح
- لوعة النهر والضفاف
- خوف داخل أسوار المدرسة
- صدى لحكايات في افق الذاكرة
- وشم فوق جسد موجة
- قلبي ان لم يضمه العشق يصدأ
- الاغنية الاخيرة فوق ناصية العشق
- مرثية رصيف الطفولة والوطن
- سمفونية العطور وكرنفال العشق
- حين يتسلل القدر نافذة المساء الاخير
- تقويم العشق
- تعويذات المتيّم
- العاشق وفتاة النهر
- ياوجع الارتحالات والغياب
- تهجدات في ظل فيضّك
- مكابدات فوق ضفاف الجرح
- قداس في محراب القمر


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - شنيشل وذاكرة النهر والمدينة