أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم حسين صالح - العراقيون..والأحزان..تحليل سيكوبولتك















المزيد.....

العراقيون..والأحزان..تحليل سيكوبولتك


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 4239 - 2013 / 10 / 8 - 08:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في بلاد كانت تسمى ما بين النهرين وأرض السواد..وينطبق عليها الآن اسم بلد الفواجع والأحزان..صار فيه اللامعقول معقولا والفساد مقبولا،وصار استثنائيا في أهله وحكّامه.فوجه الحاكم فيه اكثر صلفا من وجه الزاني في ممارسة الزيف على الناس، وقلبه صار بعد ان امسكت يداه بالسلطة والثروة..وكأنه قدّ من حجر..فلا يكاد يمر يوم في العراق لا تتطاير فيه اشلاء العراقيين..فيما هو ساه لاه يمارس خداع الناس بقباحة ويعدهم بانه سيجعل من العراق جنة..بعد ان صار وصيّره الاحتلال خرابا.
مقابل هذا النقيض لحكّام دول العالم الذين يحترمون شعوبهم،لدينا بشر نقيض للبشرية.فمن الشائع لدى البشر أنهم يتباهون بما لديهم من مال وحلال أو جمال أو مكانة أو أولاد..إلا العراقيين فأنهم مهووسون بالتباهي بالهموم والأحزان،في حالة ينطبق عليها قول الشاعر نزار قباني:" معتقلون داخل أحزاننا،وأحلى ما بنا..أحزاننا ". لاحظ ذلك بين أصدقائك،فما أن يبدأ أحدهم بالشكوى من همّ أو ضيق حتى يقاطعه الآخر قائلا :( يا أخي أنت زين..لكن لو تشوف آني..) ويروح مسترسلا يروي بألم أكثر ما حلّ به،وبدراما تصور للمقابل وكأن مصائب الدنيا وقعت كلها فوق رأسه!.
وفي ( الدارمي ) وهو،راوية الحزن العراقي،حكاية تفي بإيصال المعنى،مفادها:أن امرأة ذهبت الى صديقتها تشكو حالها،فقالت لها :
( ما تدري بيّ الناس العلّة خفية
بالكلب سبع أزروف ويلاه يخيه )
أي..إن الناس لها الظاهر ولا تدري ياأخيتي بأن الهموم أحدثت سبعة ثقوب في قلبي.
وكان المفروض بصديقتها أن تواسيها وتهّون عليها الأمور،لكنها أجابتها بالدارمي أيضا:
( نيالك بدنياك بس سبعة ازروف
الكلب منخل صار بيه العمى يشوف)
أي..سعيدة أنت بدنياك اذا كان بقلبك سبعة ثقوب فقط، فأنا قلبي صار منخلا يرى من خلاله حتى الأعمى!
ولهذه الحالة ( التباهي بالحزن )أسبابها النفسية.فالعراق يكاد يكون البلد الأكثر تعرّضا للكوارث والحروب والفواجع والمحن..بدءا من الطوفان وصولا الى ما هو عليه الآن.وأظن أن أول تراجيديا في العالم كانت في العراق..أعني تراجيديا جلجامش وأنكيدو. وأن أقسى تراجيديا كانت على أرضه..أعني أحداث واقعة كربلاء.ومنذ ذلك التاريخ ( 61هج ) وإلى الآن حكمت العراق أربعة أنظمة( الأموي والعباسي والعثماني والبعث ) كانت قاسية جدا في ظلمها للناس وبطشها بالخصوم،حتى أنه مرت أزمان على العراقيين ما خلا فيها بيت من كارثة.والأقسى أن السلطة كانت تمنع أسرة من تنهي حياته أن تقيم مجلس عزاء لفقيدها..فأحدثت اشراطا نفسيا بين الظلم والقسوة والتعبيرعن الحزن بانفعال أشد.
وثمة مسألتين نفستين نوجزهما بالآتي :
إن المكّون السلوكي للانفعالات يكون أما شفويا(كلام)،واما بلغة الجسد(إشارة..حركة).ويتفق السيكولوجيون على أن لغة الجسد تكون أصدق أحيانا من لغة الكلام،وأن تعابير الوجه هي الأكثر تعبيرا عن الحزن من اللسان.ويطرح آخرون فرضية اسمها ( التغذية الراجعة لتعبير الوجه ) مفادها أن عضلات الوجه وارتعاش الشفتين وسيلان الدموع على الخدود،أو مشهد العينين وهما تبكيان بصمت..ترسل إشارات الى أكثر من مركز في الدماغ تعمل على تنشيط الجهاز العصبي الخاص بالانفعالات ( الهيبوثلاموس،الأمجدالا..) يؤدي بدوره الى تصعيد الانفعال لدى المشاركين في المشهد.
ومع أن تعابير الوجه عن الحزن تكاد تكون متشابهة عند خلق الله،إلا أن الملاحظ على العراقيين أنهم يضخّمون ويبالغون في التعبيرعنها.وهذا ناجم عن هول ما أصابهم من فواجع ومحن وكوارث عبر أكثر من ألف سنة..جرى التعبير عنها بمشاركة وجدانية اقتضى الحال أن تكون بمستوى الفجيعة..ثم تحول هذا التعبير،عبر تكرار الفواجع وما صاحبها من تعزيز،الى تقليد،حتى صار من غير اللائق اجتماعيا أن يكون الانفعال هادئا أو باردا في مواساة من كان انفعاله ملتهبا.
ولأن الفجيعة عند العراقيين يتناقلونها مثل كرة السلة،فأن العراقي كان يشارك بانفعال حار أخاه المفجوع،ليس من جانب أنساني فقط ،إنما أيضا – وهذا أهم – لأن الفجيعة ستحل بالآخر يوم ما،وعلى المقابل أن يردّ الفضل ساعتها.والغالب عند العراقيين أنهم يردّون الفضل بأحسن منه.فأن كان الفضل بكاء ساعة مثلا،فأن ردّ الفضل يكون بكاء ساعتين وأن أمكن فبأكثر!..والمثل يقول( دين بدين حتى دموع العين ) .
والشائع عن النساء أنهن عاطفيات،يعبرّن عن انفعالاتهن بشكل أشد وأعمق،حتى صارت العواطف مرادفة لـ( الأنوثة )،وتحديدا الانفعالات الرقيقة والحزن في مقدمها،فيما الانفعالات الخشنة مرادفة لـ( الرجولة ) والغضب في مقدمها.ولو تمعّنا في العواطف الرقيقة ( الأنثوية ) لوجدنا أنها مقتصرة على ( الانفعالات العاجزة ) من قبيل:الحزن والقلق والخوف،وهي انفعالات تعمل على أن تجعل الفرد يبدو ضعيفا وعاجزا.والمسألة النفسية هنا،هي أن الإنسان يتعاطف أكثر مع الإنسان الضعيف العاجز،وأن هذا العاجز تدرب على تجسيد انفعال الحزن، بفعل تكراره، فصار ماهرا في تمثيل دوره،فكيف اذا كان هذا الإنسان هو المرأة !.
ولأن الحزن في المجتمع العراقي كان بحجم فواجعهم،فأنه اختار المرأة لتكون بطلته.ولقد أجادت و( أبدعت ) في تجسيد هذا الدور بدراما تراجيدية.فكما في المسرحية التراجيدية،فأن في مأتم الحزن النسائي العراقي أكثر من جوقة،تتصدرها جوقة النائحات اللاتي يجدن الصراخ والعويل،وجوقة اللاطمات على الخدود،وجوقة ناثرات الشعر وشاقات الصدور..تقودهن قائدة أوركسترا المأتم( الملاّيه )في إيقاع يجمع هذه الجوقات ويوحدهّن في مباراة بينهن،في أيهما تجيد دور التعبير عن انفعال الحزن،وأيهما كان لها التأثير الأكبر بين الحاضرات المشهد.
وبعد أن تعلن قائدة الأوركسترا( الملاّيه )عن فترة استراحة،فأنه يتم فيها تقويم للمشاركات على وفق معايير ( موضوعية ) من بينها:شدة احمرار الوجه،ولا بأس اذا كان مخرمشا بالأظافر، أو سيلان الدم على الخدود،أو تقطيع شعر الرأس،أو تمزيق الملابس،أو شدة بحة الصوت،أو من أغمي عليها صدقا أو هستيريا..وتحظى الفائزة منهن بالاهتمام والتعاطف والإطراء والمديح على وفائها وطيبتها وصدق مشاعرها.
حتى الرجال..صار النواح عندهم مقبولا وصاروا يدّربون اطفالهم على ضرب الزنجيل واستقبال الحياة بالأحزان..بل قل الحب ايضا..الذي نشيعه في اغانينا المشبعة بالمازوشية..ولا يعلمون أن أفدح خسائر الحزن هو عدم الاحساس بـ(بمعنى الحياة)وما ينجم عنه من كراهية النفس والآخر.
ان الحزن انفعال انساني وعاطفة بشرية تنتاب معظم الناس في المجتمعات كافة حين يتعرضون الى ازمة او فاجعة كفقدان عزيز او الشعور بمعاناة آخرين..وأنه يستمر عندهم لمدة محدودة..فيما هو عند العراقيين (مكتوب عليهم)..والغريب أنهم ماضون بالتباهي في التعبير عن أحزانهم وطول حدادهم،وجلدهم لذواتهم..بالرغم من أنهم جزعوا منها،وفي أعماق كلّ واحد منهم صرخة تصيح: أما لهذه الأحزان من آخر!!



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة نفسية(91): حذار من الحبوب المنوّمة!
- ذاكرة التاريخ..بين بغداد واسطنبول
- استذكار..عن ليلى العطار
- الضمير العراقي..الى أين؟
- العراقيون..وكراهة الحاكم - تحليل سيكوبولتك
- روح فهمه للديج!
- كيد النساء..و..جواد سليم
- الفساد في العراق - الأسباب والمعالجات
- ثقافة نفسية(90):تفسير الألوان
- العراق..بلد مخبول!
- الشاعر حين يكون عبقريا..وسلطويا!.عبد الرزاق عبد الواحد أنموذ ...
- زواج القاصرات ..في الزمن الديمقراطي!
- الأخوان..بعد واقعة 15 آب - تحليل سيكوبولتك
- الموسيقى..في الزمن الديمقراطي!
- ثقافة نفسية (85): الاعجاب.. حين يكون مرضا نفسيا
- ايها المصريون..العالم يحيكم!
- بين امراض الاسلام السياسي واخطاء العلمانيين..أين الحل؟
- لماذا حقق المصريون ما عجز عنه العراقيون؟
- علي الوردي..الساخر الفكه
- لماذا نجح المصريون في تحقيق ما عجز عنه العراقيون-تحليل سيكوب ...


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم حسين صالح - العراقيون..والأحزان..تحليل سيكوبولتك