أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - هل معركتي-اعزاز- و-باب السلامة- هما لسيطرة -داعش- على موقع آخر،أم لقطع طرق الامداد على مقاتلي المعارضة الآخرين، أم لتأكيد وجود مقعد لها في مؤتمر جنيف خصوصا بعد تشكيل -جيش الاسلام-؟















المزيد.....


هل معركتي-اعزاز- و-باب السلامة- هما لسيطرة -داعش- على موقع آخر،أم لقطع طرق الامداد على مقاتلي المعارضة الآخرين، أم لتأكيد وجود مقعد لها في مؤتمر جنيف خصوصا بعد تشكيل -جيش الاسلام-؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4238 - 2013 / 10 / 7 - 00:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسئلة تحتاج الى اجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
السؤال الثالث والخمسون :
هل معركتي"اعزاز" و"باب السلامة" هما لسيطرة "داعش" على موقع آخر،أم لقطع طرق الامداد على مقاتلي المعارضة الآخرين، أم لتأكيد وجود مقعد لها في مؤتمر جنيف خصوصا بعد تشكيل "جيش الاسلام"؟

المعركة التي دارت قبل سبعة عشر يوما في مدينة "أعزاز" بين مقاتلي دولة العراق والشام الاسلامية "داعش" ومقاتلي الجيش السوري الحر - لواء عاصفة الشمال، وأدت الى اضطرار مقاتلي الجيش السوري الحر الى مغادرة البلدة ، امتدت بعد ذلك بعدة أيام لتشمل القتال حول السيطرة على باب السلامة الحدودي الفاصل بين سوريا وتركيا.

وبطبيعة الحال، فان المعركة ليست بالضرورة حول معبر "باب السلامة" فحسب، اذ أن المقصود بها هو السيطرة على طرق الامداد التي تمكن قوات المعارضة من الجيش الحر او الفصائل الأخرى، من استلام احتياجاتهم من الذخيرة والسلاح والأموال اضافة الى دخول مزيد من المقاتلين. فسيطرة "داعش" على هذا المعبر، سوف يعزز بطبيعة الحال موقفها ويضعها في موقف أفضل من كل الجماعات المعارضة الأخرى، حيث ان طرق امدادها ستظل مؤمنة طوال سيطرتها على ذاك المعبر، خلافا للمجموعات الأخرى من مقاتلي المعارضة اللذين سيواجهون بعض المتاعب رغم وجود معابر أخرى على الحدود التركية السورية.

فهناك معبر "باب الهوى" وهو غير بعيد عن مدينة حلب، ويمكن استخدامه أيضا لقدوم المقاتلين والذخائر والأسلحة والامدادات الغذائية والأموال، علما بأن "داعش" قد حاولت مرارا السيطرة عليه أيضا، ويرجح أن تحاول مرات أخرى. وهناك معبر ثا لث قريب من القامشلي، وآخر غير بعيد عن اللاذقية. ولكن هذا المعبر الأخير يتعذر استخدامه من قبل المعارضة، لكونه قريب جدا من مدينة اللاذقية التي يسيطر عليها الجيش السوري النظامي سيطرة تامة. فميناء ومدينة اللاذقية يقعان في المنطقة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس بشار الأسد والتي تدين بالولاء التام للرئيس السوري.

والواقع أنه في معرض محاولات السيطرة المتكررة على المعابر، حاولت "داعش" قبل فترة غير بعيدة جدا، وربما شاركتها في ذلك مجموعة "النصرة" لوجود مصلحة مشتركة، التقدم في المنطقة العلوية في مسعى للوصول الى ميناء اللاذقية. فسيطروا فعلا على ثمانية قرى ساعين للوصول الى الميناء بغية تأمين طرق الامدد.

فالسيطرة على الميناء، ما كانت ستؤمن لداعش وللنصرة ضمان وصول الامدادات فحسب ، بل كانت ستؤمن لهما أيضا حرية الامداد. فوصول الامدادات عن طريق احد المعابر الفاصلة بين سوريا وتركيا، كان سيوفر فعلا وصول الامدادات ، ولكنها ستكون امدادات تحت رقابة تركيا التي لن تسمح الا بوصول الكم والنوع من الامداد الذي تبـيحه تركيا والدول الداعمة من عربية أو أجنبية . فهناك سيطرة ومراقبة تركية على تلك الامدادات، وهي رقابة تساعد على تحديد الحجم والكم والنوع من الأسلحة التي تصل الى داعش، أو للنصرة، أو لكليهما معا. أما السيطرة على ميناء اللاذقية، فيعني الحرية التامة في تحديد زمان استلام الامدادات من سلاح وغيره عن طريق الزوارق والسفن الصغيرة (التي قد تفلح في تجنب سفن مراقبة اليحار الكبيرة)، وكذلك في تحديد الكم والنوع من تلك الامدادات التي ترغب في استلامها . ومن هنا تـتجلى لنا الأسباب التي دفعت القوات السورية النظامية الى طرد مقاتلي "داعش والنصرة" من القرى العلوية الثمانية التي احتلوها، وذلك بغية الحيلولة بـينهما وبين الوصول الى الميناء. فالمعركة مع الفريقين المتشددين، كانت معركة هامة ومصيرية.

لكن المعارك التي جرت في الشمال السوري سواء في "أعزاز" او قرب معبر "باب السلامة" والتي اضطرت لواء "عاصفة الشمال" التابع للجيش السوري الحر ، لارسال استغاثة للواء التوحيد، أحد ألوية الجيش السوري الحر، طالبا ارسال النجدة اليه ،لم تكن هي المعارك الوحيدة التي خاضتها "داعش" ضد قوات أخرى من المعرضة السورية، اخاضت معارك أخرى في مواقع أخرى من فصائل المعارضة السورية، كما اشتبكت في منطقة "تل العسل" ومناطق كردية اخرى مع العديد من المقاتلين الأكراد كلما حاول مقاتلو داعش السيطرة على بعض المكناطق الكردية فيتصدى لهم المقاتلون من شباب الأكراد.

هذا القتال بدرجاته المتفاوتة ، انما يكشف عن أمرين: أولهما وجود قتال في الشمال ، بين الحين والآخر، بين فصائل المقاومة ذاتها، وثانيهما مدى تعدد وتشابك تلك الفصائل التي من الصعب حصرها وتحديد انتماءتها أو تبعيتها لهذه الدولة أو تلك.

والواقع أن تشكيل هذه الفصائل يتبدل بين الفترة والأخرى لدرجة أنه تضيع الطاسة أحيانا، كما يقولون بالعامية، فيصعب تتبع تشكيلاتها أو انتماءاتها . فالتشكيل كما وصلني في المرحلة الأولى، كان يتكون من أربع فئات. وتلك التجمعات الأربعة كانت تبدو كالتالي : جبهة تحرير سوريا الاسلامية. وهذه جبهة سلفية ولديها مشروع سياسي. وتضم هذه الجبهة تشكيلين، الأول لواء الاسلام والتوحيد والفرقان، والثاني كتائب الفاروق .
الجبهة الاسلامية السورية. وهذه الجبهة منبثقة عن منظمة القاعدة وتضم حزب النصرة وكذلك جماعة دولة العراق والشام الاسلامية القادمة من العراق، وتسمى اختصارا ب"داعش". وكانت هاتين المنظمتين تشكلان منظمة واحدة ، لكن الخلاف الذي دب بين قيادتيهما ، أدى الى انشطارهما الى فصيلين رغم محاولات "أيمن الظواهري"، زعيم القاعدة ، اجراء مصالحة بـيـنهما. وهناك كتلة ثالثة يحتمل انتسابها الى الجبهة الاسلامية السورية ، وتلك هي أحرار الشام التي يقودها السيد "حسان عبود" وقيل بأنها تضم ثلاثين ألف مقاتل. ولكن البعض يرجح انتساب تكتل "أحرار الشام " الى جبهة تحرير سوريا لكونها سلفية الانتماء، وذلك خلافا لنوعية انتماء جماعة القاعدة الذي يعتبر انتماء جهاديا تكفيريا .
مقاتلو حركة الاخوان المسلمين وتضم ألوية الحبيب المصطفى، وكتائب شباب الهدى. وحركة الاخوان هي حركة سياسية، ومنتسبوها قد ينتمون للسلفيين، أو للصوفيين، ولا شيء يمنع من انتمائهم للتيار التكفيري الجهادي دون أن يكونوا بالضرورة منتمين لمنظمة القاعدة .
الجيش السوري الحر، ويتضمن عسكريين منشقين عن الجيش السوري النظامي، ولا شيء يمنع من انضمام بعض المدنيين لهم من سكان المناطق التي يسيطرون عليها. ويضم الجيش السوري الحر عدة ألوية منها لواء الاسلام، ولواء التوحيد، ولواء عاصفة الشمال. والمرجح أن يكون لواء الاسلام هذا، غير لواء الاسلام والتوحيد والفرقان المنتمي لجبهة تحرير سوريا الاسلامية.

واضافة لتلك الفصائل الأربعة، هناك تشكيلة أخرى من المقاتلين، هم مقاتلو الأكراد اللذين تسلحوا للدفاع عن أحيائهم التي كان مقاتلو" داعش" يحاولون باستمرار السيطرة عليها. والواقع أن مقاتلي "داعش" هم الأكثر بأسا وشدة في القتال، ولكنهم أيضا الأكثر اشتباكا مع المقاتلين المنتمين لمجموعات أخرى داخل المعارضة السورية، ومثالها اشتباكاتهم المتكررة مع المقاتلين الأكراد، وأحيانا مع المقاتلين المنتسبين للجيش السوري الحر. ولكن أكثر ما يسجل عليهم من السلبـيات، هو مجموعة من الأعمال الوحشية، ومنها تنفيذ عقوبات قاسية كعقوبة الجلد، وقطع الرؤؤس، واختطاف المدنيين وأخذهم رهائن، والتعامل بوحشية مع الأقليات وخصوصا المسيحيين منهم والعلويين . ويتنافس معهم في هذا الأسلوب من التعامل غير الحضاري مع الآخرين ، جبهة النصرة التي يمكن أن يضاف الى السيئات السابقة ، سلوكها الذي توسع ليشمل قضية اغتصاب النساء. وهناك حكايات كثيرة تروى عنهم لعل أبرزها حكاية اغتصاب "ماريا" ذات الخمسة عشر ربيعا ، ابنة مدينة القصير، اذ اغتصبت من قبل خمسة عشرة من مقاتلي " النصرة" ، ثم قتلت وألقيت جثتها أمام منزل والديها . ولكن أكبر هذه السيئات مدعاة للادانة ،(وهي سيئة مشتركة بين "داعش” و"النصرة") قضية اعدام الأسرى بدم بارد خلافا لمعاهدة جنيف في كيفية التعامل مع الأسرى .

ولكن هذه السيئات المنسوبة لبعض فصائل المعارضة السورية ، ليست هي الأمر الوحيد الذي يسجل عليهم. فالمشكلة الكبرى التي يصعب تتبعها بموضوعية كافية، هي تعدد فصائلهم لدرجة
أن قناة "روسيا اليوم" قدرت في أحد نقاريرها، أن أعداد تلك الفصائل قد يصل الى ألف فصيل . وقد يكون في ذلك مبالغة كبرى أو خطأ غير مقصود. فلو قيل مائة فصيل، لكان الأمر مقبولا وربما قريب من الحقيقة. ومع ذلك فان الصعوبة الكبرى لا تـتوقف عند كثرة عدد الفصائل ، بل في تحديد اتجاهاتهم السياسية نتيجة التبدلات المستمرة، والمفاجئة أحيانا، كخروج قائد لواء التوحيد السيد عبد العزيز سلامة على طاعة الجيش السوري الحر، واعلان تشكيله في السادس والعشرين من أيلول ، تكتلا مستقلا ضم ثلاثة عشر فصيلا كان من بينها "داعش" و "النصرة". وكان أحد هذه الفصائل أيضا لواء الاسلام الذي يفترض به أن يكون من الوية الجيش السوري الحر أيضا.

ولكن هذا الفصيل، أي لواء الاسلام، رغم توقيعه على بيان قائد لواء التوحيد، فاجأ المراقبين باعلانه بعد ثلاثة أيام فقط (أي في التاسع والعشرين من أيلول)، عن تشكيل جيش الاسلام جاعلا لواء الاسلام نواته، مع انضمام ستة وأربعين لواء وكتيبة أخرى الى صفوف هذا الجيش الاسلامي، مما وضع المراقبين في حيرة حول هذا الجيش المعلن عنه بعد ثلاثة أيام فقط (كما سبق وذكرنا) من صدور بيان قائد لواء التوحيد: هل هو جيش حديث النشأة ، أو جيش حديث الكشف عن وجوده فقط ، اذ كان حتى الآن خفيا على المراقبين، حيث كان يجري تكوينه وتنظيمه سرا وبعيدا عن العيون. واذا كان هذا الجيش قد شكل منذ زمن ولم يكن قد أعلن عنه بعد ، فلماذا وقع الشيخ " زهران علوش" قائد جيش الاسلام (وقائد لواء الاسلام أيضا ) على وثيقة قائد لواء التوحيد طالما أنه كان يستعد للاعلان عن وجود أو عن تشكيل جيش الاسلام ، علما أن "عبد العزيز سلامة"، قائد لواء التوحيد، لم ينضو هو أو لوائه تحت راية جيش الاسلام ، رغم ترويج مصادر جيش الاسلام لوجود مفاوضات صامتة حول هذا الشأن، أي حول احتمال انضمام لواء التوحيد مع الفصائل الأخرى التي وقعت على بيانه الى جيش الاسلام.

فانضمام لواء الاسلام الى قائد لواء التوحيد في الخروج على سيطرة الجيش السوري الحر، بل وعلى رفضهما معا التعامل مع الائتلاف الوطني السوري بقيادة "أحمد الجربا"، أو الاعتراف بالحكومة المزمع تشكيلها بقيادة " أحمد طعمة "، كان عملية مفاجئة بكل معنى الكلمة . ولكنها مفاجأة لم تبق على قيد الحياة الا لثلاثة أيام فقط. اذ تلتها (كما سبق وذكرنا) المفاجأة الأخرى ، بل المفاجأة الأكبر، باعلان تشكيل جيش الاسلام من قبل الشيخ محمد زهران قائد لواء الاسلام الذي وقع بنفسه على وثيقة التمرد العتيدة التي يبدو وكأنها قد دفنت في المهد أو خسرت جزءا كبيرا من زخمها ، علما بأنني قد شبهت تلك الوثيقة في حينه، بالبـيان رقم واحد لانقلاب عسكري سوري جديد من سلسلة الانقلابات التي اعتاد السوريون عليها في الماضي غير البعيد جدا وخصوصا في الخمسينات والستينات من القرن العشرين . وعزز ذلك التشبـيه، أن "عبد العزيز سلامة " نفسه قد وصف بـيانه بالبيان رقم واحد اقـتداء بالانقلابيين السوريين السابقين.

فهذه المفاجآت الكثيرة والمتتالية أحيانا ،والتي تشبه كثيرا المفاجآت التي ترد في مسلسل تركي، لا تثير الدهشة فحسب، بل تستدعي التساؤل ان كانت هذه الـثورات والانقلابات والتغييرات، هي مجرد صراع بين قادة ألوية الجيش السوري الحر اللذين بدأوا ينفضون عن قيادته وكذلك عن مؤسسيه، أم هو المخاض الأليم قبل وصول المولود العظيم وهو مؤتمر جنيف2 . فمن سيفاوض في المؤتمر: هل هو جيش الاسلام وممثليه، أم الجيش السوري الحر وممثليه اللذين يفترض بهم أن يكونوا أعضاء الائتلاف الوطني السوري وحكومته التي لم تشكل بعد والتي، على ضوء هذه التطورات والمفاجاءات ، قد لا تشكل أبدا. أم ستقوم بالتفاوض جبهات أخرى، حيث من المتوقع مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر جنيف في موعده المحتمل في منتصف شهر تشرين الثاني القادم، أن تجري عملية تصفيات عسكرية كبرى بين المنظمات المعارضة في محاولة لتأكيد وجودها كفصيل هام وحاسم، بحيث يصبح تمثيله في مؤتمر جنيف أمرا ضروريا. ولا يستبعد بعض المراقبين والمحللين، أن يلعب تشكيل "داعش" وجبهة "النصرة " المفاجأة الكبرى بالاعلان عن اعادة توحيدهما في منظمة واحدة تحا ول، و بسرعة فائقة وغير متوقعة، السيطرة على العديد من المناطق السورية وخصوصا الشمالية منها، مع السعي لاحتواء عدد من الفصائل الصغيرة والاعلان عن انضمامها الى صفوفها بغية تعزيز مركز جماعة القاعدة. فالشهر الحالي والقادم أيضا، سوف يكونان من الأشهر التي تنطوي على العديد من المفاجآت، وهي المفاجآت التي ستضيف الكثير والمؤثر في كيفية سير المفاوضات في ذلك المؤتمر العتيد.

واذا كانت التطورات المفاجئة هذه قد بدأت تظهر الآن على ساحة المعارضة العسكرية ، وكان من أبرزها الاعلان المفاجىء عن تشكيل جيش الاسلام، فان الساحة السياسية لم تخل أيضا من المفاجآت عبر السنتين الماضيتين. فقد سمي التشكيل السياسي الأول الذي مثل المعارضة السورية باسم المجلس الوطني السوري. وقد تـنقـل على كرسيه العديد من السياسيين السوريين كان أبرزهم الكاتب السياسي برهان غليون، الى أن انتهى الأمر بجلوس ميشيل صبره على مقعد رئاسة ذاك المجلس. وكان اختيار ميشيل صبرة لرئاسته عمل ذكي، لأن السيد صبره كان الى حين عضوا بارزا في الحزب الشيوعي السوري، كما أنه مسيحي الانتماء مما شكل نوعا من بث الطمأنينة لدى الأقلية المسيحية، وكذلك لدى اليسار السوري بصفته (أي رئيس المجلس) شيوعي سابق. لكن هذا الأمر لم يدم طويلا، اذ سرعان ما تم تشكيل مجلس الائتلاف الوطني السوري ليحل محل المجلس الوطني، وتربع عليه فور تشكيله الامام السابق لجامع أمية الذي سرعان ما استبدل"بأحمد الجربا" الذي انتخب بدعم من المملكة السعودية. ورئيس المجلس أحمد الجربا ينتمي لكتلة " ميشيل كيلو" المكونة من أربعة عشر عضوا، علما بأنه يوصف بالمعارض المعتدل نسبيا قياسا بالمعارضين الآخرين ذوي الانتماءات الاسلامية ، بما فيها تيار الاسلام السياسي المتشدد . ولكن ما كاد الأمر يستقر لأحمد الجربا الذي ذهب الى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت ذهب فيه اللواء سليم ادريس، رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر في زيارة لباريس ، حتى وقع التمرد في غيابهما على كل من السلطة العسكرية والسلطة السياسية في آن واحد. وقد جرى ذلك في وقت تفجر فيه القتال بين فصائل المعارضة ذاتها، كما تجلى الأمر في معركتي "أعزاز" و "باب السلامة " الحدوديتان، وفي تل العسل ومناطق أخرى .

ويظل السؤال عن الأسباب الكامنة وراء هذه التجاذبات. هل هي صراع نفوذ ونتيجة مساعي بعض الدول للسيطرة على مصدر القرار في المعارضة السورية ؟ هل هناك صراع محتدم بين دولتين أو أكثر كدولة قطر والمملكة السعودية مثلا ؟ وربما يكون لتركيا دور ما في هذا الأمر.

وابلغني اعلامي أردني يغطي أخبار المعارضة في سوريا، أن ثمانين بالمائة من المنتسبـين للمعارضة السورية يرغبون في حلول حكم اسلامي محل نظام الرئيس بشار الأسد، وأن الخلافات بينهم تدور حول نوعية ودرجة سيطرة الفكر الاسلامي على الدولة وأجهزتها. هل يكون النظام شبـيها بنظام الاخوان المسلمين السائد حاليا في تركيا ، أم يكون نظاما ذو طابع اسلامي أكثر تشددا، كأن يكون نظاما سلفيا مثلا، أم ترى يريدونه نظاما تكفيريا جهاديا على نمط نظام القاعدة ؟ ولكن الجميع يتفقون على المطالبة بأن يكون الاسلام هو المصدر الوحيد للتشريع الذي سيستمد قوانينه من أحكام الشريعة الاسلامية ولا يجوز أن يستمدها من أي مصدر آخر.

والواقع أن نظاما على نمط نظام القاعدة ، هو ما تنسعى اليه حركتي " داعش " و "النصرة" اللتان لم تندمجا مع مجموعة جيش الاسلام . وليس من المعلوم حتى الآن أي من تلك الفصائل الثلاثة عشر التي وقعت على بيان لواء التوحيد الانقلابي ، ستظل على ولائها لذاك البيان رغم انسحاب لواء الاسلام وانضمامه لجيش الاسلام. فمعظم الموقعين على بيان لواء التوحيد كقائد لواء التوحيد نفسه، وكتائب أحرار الشام الاسلامية ( وهو الفصيل الكبـير)، لم يعلنا عن انضمامهما لجيش الاسلام. وكذلك بعض الكتائب الأخرى الموقعة كألوية صقور الشام، وحركة فجر الاسلام ، وكتائب نور الدين زنكي، وحركة النور الاسلامية وغيرها من الكتائب والألوية. فهذه لم يعرف بعد موقفها من جيش الاسلام، ويرجح أن معظم هؤلاء ذوو ميول سلفية ربما لا تنسجم مع توجهات جيش الاسلام التي قد تكون، كما قدر البعض، ذات توجه وهابي .

أهم ما في الأمر، أن خارطة التركيبة لدى المعارضة السورية المسلحة ، قد تبدلت ولم تـتبدل فعلا . ذلك أن جبهة تحرير سوريا الاسلامية السلفية الانتماء، قد ظلت كما هي لكن مع انضمام آخرين اليها كلواء التوحيد بقيادة عبد العزيز سلامة المنشق عن الجيش السوري الحر، وربما بانضمام آخرين ممن وقعوا على البيان رقم واحد الذي تلاه قائد لواء التوحيد. وربما يكون من أبرز المنضمين المحتملين من بين الموقعين على ذلك البيان العتيد، كتائب "أحرار الشام " لاحتمال وجود توجهات سلفية لديها. وبالنسبة للجبهة الاسلامية السورية، فان التطور الأبرز المتوقع مع اقتراب مؤتمر جنيف، هو عودة "داعش والنصرة " الى الوحدة التي كانت موجودة بينهما ، ثم فقدت بسبب خلافات شخصية بين قيادتـيهما. أما الاخوان المسلمون المنتمون رغم انتمائهم لتيار المؤسس حسن البنا، ومعهم العديد من التيارات الاسلامية السنية الأخرى، فقد انضوت تحت بيارق جيش الاسلام الذي يسعى للحلول محل الجيش السوري الحر حيث حصل التبدل الأهم الى الآن. فالتبدل الأهم كان في تراجع دور ذاك الجيش الذي انكمش بعدد افراده وألويته نتيجة انسحابات بعض الألوية منه اضافة الى محاولة جيش الاسلام للحلول محله.

ولكن أحدا لا يعلم بعد أي شيء عن احتمالات التبدل القيادية القادمة لا محالة مع وجود العديد من الدول المؤثرة والممولة والمسلحة لتلك الفصائل والتي تريد الحفاظ على مكانتها وعلى دورها الذي تتطلع اليه في مؤتمر جنيف باعتباره المؤتمر الذي سيحدد مكانتها في الدولة السورية المستقبلية. كل ما في الأمر أن تبدلا جوهريا حقيقيا قد وقع نتيجة انكماش دور الجيش السوري الحر، وذلك هو الدور الحقيقي لسوريا المستقبل . فاذا كان الهدف الحقيقي لما سمي بالثورة السورية، كان وضع حد لما سمي بالنظام الدكتاتوري في سوريا دون التخلي عن النهج العلماني فيها، واحلال نظام ديمقراطي محله لا يبعد كثيرا عن العلمانية التي كانت سائدة ، فهذا الهدف قد خرج تماما عن مساره : أولا) بظهور هذا العدد الغفير من المنظمات المعارضة ذات الأغلبية الاسلامية والبعيدة عن العلمانية . ثانيا) بانكماش وتراجع دور الجيش السوري الحر الذي تشكل من انشقاقات عن الجيش السوري النظامي، وكان يتوقع منه أن يحل محل الجيش النظامي عندما يسقط النظام السوري، مع تحقيق مزيد من الديمقراطية، وتطوير النهج السياسي من الممانعة الى الموافقة، ولكن مع المحافظة على الحد الأدنى من العلمانية .

أما الآن، وبعد تشكيل جيش الاسلام، وتوقع تنام واضح في صفوف السلفيين، وتطورات في صفوف الجبهة الأكثر تشددا والمنتمية للقاعدة، مع ضعف الجيش السوري الحر وتراجع دوره في تحقيق الديمقراطية مع الحفاظ على العلمانية، فان مستقبل سوريا، العلمانية على الأقل، قد بات على شفير الوقوع في الهاوية السحيقة، هاوية الابتعاد تماما عن العلمانية، واحلال نظام قد لا يكون بالضرورة تماما كالنظام الذي تبتغيه القاعدة، لكنه من المرجح أن يكون قريبا منه.

وهنا يأتي دور الولايات المتحدة، وبالذات دور الرئيس أوباما الذي يبدو رئيسا طيب القلب ويثق بمساعديه اللذين لا يبلغونه بالضرورة بكافة التطورات الواقعة في المنطقة وخصوصا في سوريا . فكما أن "ازبيغنيو بريجنسكي" قد ضلل الرئيس كارتر في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات حول الدور الذي رسمه للتيار الاسلامي المتشدد في أفغانستان لمحاربة السوفيات، فانقلب ذلك التيار بعد ذلك على أميركا، والدور الذي رسمه بعد ذلك لرجال الدين – الملالي وآيات الله الايرانيين الذين رشحهم للحلول محل الشاه، مرجحا أنهم سيشعلون حربا على الحدود السوفياتية الايرانية، واذا بهم يشعلونها ضد السفارة الأميركية في طهران، (وهذا أمر كررته أكثر من مرة وفي أكثر من مقالة ، ولكن من الضروري تكراره الآن أيضا). فالمستشارون الحاليون للرئيس الأميركي، يلعبون مرة أخرى، ربما عن جهل أو بحسن نية، الدور الخاطىء الذي لعبه " بريجنسكي" في السبعينات والثمانينات.

فالدور الذي يرسم الآن لسوريا، لن يكون مقتصرا على سوريا وحدها، اذ أنه مرشح للتسلل للمناطق المجاورة من أردن ولبنان والعراق، بل والى دول الخليج كلها، علما بأن ضابط الأمان الوحيد في مؤتمر جنيف 2 الذي ما زال متوقعا ومعقودة الآمال عليه، فهو الدور الروسي الذي لن يقبل بحدوث تغيير جوهري في سوريا، حليفته الوحيدة في المنطقة. فقد يوافق على بعض التغييرات المحدودة كزيادة مساحة الديمقراطية، والتقليل من مساحة الممانعة السورية، بل وقد يوافق على استبدال الرئيس السوري برئيس آخر عند الضرورة. أما الموافقة على استبدال النظام العلماني بنظام غير علماني، فهذا أمر قد يكون مستبعدا ان لم يكن مستحيلا، رغم كل التبدلات والتغيـيرات، بل والتطوير في كيفية تشكيل المعارضة السورية، العسكرية منها والسياسية ، طالما أنها معارضة تسعى للابتعاد تماما عن العلمانية التي لا مناص عنها في الدول الحديثة المتحضرة.

فالحكومة الروسية لديها مصالحها الخاصة التي تقتضي أولا عدم التضحية بالنظام الصديق القائم في سوريا، وثانيا عدم السماح بانشاء دولة دينية قد تصبح مرشحة للمساهمة في اشعال الفتن في الشيشان وفي الجمهوريات الاسلامية الصغيرة المنضوية تحت جناح الاتحاد الروسي ولو من باب الانتقام للموقف الروسي المؤيد للنظام القالئم، ان لم يكن لأسباب أخرى أيضا. فواحد من هذين السببين كاف لمقاومة استبدال النظام السياسي في سوريا، أو استبدال العلمانية فيه بالتوجه الديني. فكيف اذا اجتمع السببان معا؟

Michel Haj



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لم يزهر ربيع عربي في قطر. ولماذا تصر أصغر الدول العربي ...
- هل جاء دور إخوان السودان في الرحيل ، بعد رحيل إخوان مصر ؟
- هل يؤدي الانقلاب شبه العسكري داخل المعارضة السورية، إلى الشر ...
- هل هناك منظمة -قاعدة- شريرة ، وأخرى -قاعدة- شريفة ؟ كيف؟ وأي ...
- لماذا كانت المنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى وحتى ال ...
- لماذا يلاحق -أوباما-مخالفات لاتفاقية دولية تحظر استخدام السل ...
- هل تشكل معركة -إعزاز- علامة فاصلة في كوكتيل تحالفات المعارضة ...
- هل يدمر نتنياهو سلاح إسرائيل الكيماوي، بعد أن تعهدت سوريا بت ...
- متى يقوم -أوباما- باستبدال اسم سوريا ليصبح -سوريستان-؟
- هل يؤدي الاقتراح الروسي حول الكيماوي، إلى قرار شبيه بالقرار ...
- متى تسقط ورقة التين عن البعض، كما سقطت منذ حين عن البعض الآخ ...
- السؤال الحادي والأربعون : هل أصبح النفط نقمة ، ولم يعد نعمة ...
- السؤال الأربعون : هل باتت ما سميت بالثورة السورية ، هي الثور ...
- هل يتعظ اوباما من تجارب بوش وبوش في العراق ؟وهل انتهى زمن ان ...
- كم ستقتل الولايات المتحدة من السوريين، انتقاما لضحايا الكيما ...
- هل تسعى عملية دول الغرب العسكرية إلى إنهاء الحرب في سوريا، أ ...
- لماذا لا يسمح بإقامة التوازن النووي في الشرق الأوسط؟
- لماذا ...لماذا ...لماذا ؟؟؟
- متى يتعلم الأميركيون من أخطائهم ؟ متى ؟
- هل أطل علينا أخيرا ربيع عربي حقيقي، أم علينا أن ننتظر؟


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - هل معركتي-اعزاز- و-باب السلامة- هما لسيطرة -داعش- على موقع آخر،أم لقطع طرق الامداد على مقاتلي المعارضة الآخرين، أم لتأكيد وجود مقعد لها في مؤتمر جنيف خصوصا بعد تشكيل -جيش الاسلام-؟