أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هادي بن رمضان - كيف أصبحت إشتراكيا















المزيد.....

كيف أصبحت إشتراكيا


هادي بن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4235 - 2013 / 10 / 4 - 00:34
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ولدت في عائلة من الطبقة الوسطى تعتبر ثرية وسط ذلك الحي الفقير بضواحي العاصمة .. كنت الابن المدلل لأبوين حصلا على وظيفة قد تبدو معجزة في نظر الجيران .. لما بلغت السن السادسة أقامت أمي حفلا صغيرا .. سألتها لماذا لا نستدعي الجيران و أبنائهم ! أخبرتني أنه من السيىء التفاخر أمام الفقراء .. كنت مختلفا عن أبناء الحي في لباسي, في طعامي, في منزلي, كنت أراهم نادرا لأنه لا مبرر للخروج إلى الشارع فأنا أملك كل وسائل الترفيه ... أصررت على الدخول إلى إحدى المدارس العمومية حيث سأجد كل أبناء الحي .. اخيرا سألعب معهم, أخيرا سأكون واحدا منهم .. في سن التاسعة بدأت بالذهاب إلى الدروس الخصوصية ولم أكن قد كرهت شيئا بمثل ماكرهت تلك الدروس .. كنت أخفي الأمر عن أصدقائي ليس لأن كل من يحضر تلك الدروس ستكون أعداده مرتفعة .. بل لأن سعرها باهض .. وأنا لا أريد ان يعلم أصدقائي بعجز والديهم عن توفير ثمنها .. لأني أريد أن أكون واحدا منهم .. في الرابعة عشرة شاركت في إحدى الفرق الرياضية .. كنت أذهب إلى الملعب على القدمين .. أما في ذلك اليوم ذهبت بالسيارة , وصلت فوجدت الأبواب لازالت مغلقة .. وجدت الكل جالسا ينظر إلي نازلا .. كان شعورا مخجلا .. رأيت في عيونهم كل الفقر كل البؤس رأيت كل الحزن كل الحرمان .. لم أعد منذ ذلك اليوم إلى الملعب .. لا أريد أن يقال أني أشارك أساسيا لأني من عائلة ثرية .. لا أريد أن أركب سيارة .. أريد أن اكون فقيرا, أريد أن أكون واحدا منهم ... في السادسة عشرة ذهبت إلى أحد البحار الشعبية حيث يجتمع الالاف من الفقراء هربا من حر الصيف.. كان شعورا رائعا أن تقف بين كل أولئك ممن ظلمتهم الظروف الإجتماعية القاسية, بين كل أولئك المفقرين و المحرومين , كان شعورا جميلا أن تكون واحدا منهم بمحاسنهم و مساوئهم بانانيتهم و تضامنهم .. كنت مستلقيا على الرمل انظر إليهم .. أنظر كيف تصنع الظروف اخلاق الإنسان و ضميره .. حتى سمعت إمرأة تصيح , إلتفت فوجدت لصا "وكأني رأيته ذات مرة" يأخذ محفظتها و ينطلق راكضا ليختفي وسط المظلات المتلاصقة .. كانت إمرأة في الأربعين من العمر بجانبها صغيران و فتاة في التاسعة من العمر .. نظرت إلى وجهها وهي تبكي فرأيت ماتفعله الظروف بالإنسان .. رأيت ماتفعله الظروف بجسمه وتعابير وجهه .. قالت أنها عملت كمعينة منزلية لتجمع نقودا كافية تسمح لها بإصطحاب أطفالها إلى البحر ولو لمرة واحدة .. كانت تلك المحفظة كل ماتملك .. لقد كانت ستشتري بما في المحفظة من مال قليل ابتسامة و فرحة لأطفالها .. كانت تبكي و تتحدث للحشد عن جزأ بسيط من حياتها .. عن جزأ بسيط من حياة "عبد" قذفت به الظروف إلى كل هاته المعاناة و الألم و الحرمان بينما يجلس السادة في الأماكن الفاخرة يخططون لإقتسام كعكة الوطن .. ذلك الوطن الذي يحكمه الإنتهازيون و الكاذبون و الفاسدون الذين يتمعشون من عرق العبيد .. إن ذلك الوطن اللذي لا يقدم لأبنائه شيئا غير موجود بالنسبة لنا .. ذلك الوطن اللذي لا يقدم إلا الخدمة العسكرية لا يمكن أن يكون وطنا .. إنه مجرد قطعة أرض حولها الساسة إلى مبغى .. إقتربت من الفتاة الصغيرة فوجدتها تبكي بصمت .. رأيت في عينيها, في دموعها, كل قسوة الظروف, رأيت كل أبناء السادة وهم يضحكون و يمرحون .. سألتها عن سبب بكائها فأخبرتني أنها حزينة على أمها .. أخبرتني انه بدون تلك المحفظة لن تستطيع العودة إلى المنزل, أخبرتني أن هذه اخر مرة تأتي فيها إلى البحر لأن والدتها ستستعد لشهر رمضان .. جمعنا لتلك المرأة و صغارها مبلغا كافيا يعيدها إلى منزلها .. لكنه لن يعيد إبتسامة أطفالها التي ذهبت مع ذهاب المحفظة ... أيها اللص, "الذي كأني رأيته ذات مرة", ماذا فعلت بالصغار الأبرياء , لماذا تسرق, إنك تستحق أقسى العقوبات , إنك تستحق أن تقطع يدك , إنك لا تستحق الحياة... مر أسبوعان على تلك الحادثة التي لم تفارق ذهني أبدا .. كنت جالسا أنتظر قدوم الحافلة فرأيت شخصا يقود عجوزا إلى الصيدلية .. كانت تمشي في خطوات بطيئة .. نظرت إلى عينيها, إلى وجهها, إلى تعابير وجهها, إلى الحفر التي على وجهها, إلى عكازها, إلى نحافة رجليها, إلى نحافة يديها, فرأيت كل قسوة الطبيعة, كل قسوة الظروف .. لقد كان الشخص اللذي يرافقها ذلك اللص .. كان وحشا عديم الرحمة في تلك الحادثة لكنه اليوم يبدو حزينا ضعيفا وهو يقود أمه إلى الصيدلية .. هل يستحق حقا أن نوقع به أقسى العقوبات و أكثرها ألما .. أليس سخيفا أن يعاقب المجتمع المجرمين اللذين أنتجهم هو نفسه .. إن اللصوص "الصغار" لا يريدون أن يكونوا لصوصا ولم يختاروا أن يكونوا لصوصا بل الظروف هي التي تدفعهم لأن يكونوا لصوصا ! أيها المال القذر, لماذا وجدت لماذا لا يكون كل شيىء بالمجان لماذا تتدخل لتصنع أخلاق و ضمير الإنسان .. لماذا لسنا إشتراكيين !!!

جائني صوت من بعيد ليخبرني أن الإشتراكية هي الفقر, هي أن أفقد كل شيىء, هي أن يكون كل شيىء لكل الناس, هي النهاية لحياة الترف, هي النهاية لكل شيىء جميل !
أخبرني أن الإشتراكية هي الرحيل بهذه الحياة الجميلة, صحيح ان البعض سيموتون من الجوع والفقر والمرض لكني ساملك فرصة لان اكون مميزا عنهم, ان اكون فوقهم !
نظرت مرة أخرى إلى العجوز, الى الشحاذين على قارعة الطريق, إلى أبناء الشحاذين البؤساء في البطحاء, كان يجب ان اختار طريقي, ان اختار قضيتي !
لقد قررت ! إن الملكية الخاصة تعني أن يقاسي ويجوع ويموت البعض ليحيا اخرون في سعادة والموت والجوع والقسوة التي تصيب البعض ولو كانوا قلة تجعلني حزينا, تجعل كل إنسان يفسر الأشياء بمشاعره وأحاسيسه لا بخططه ومصلحته حزينا !
لهذا فإني سأكون إشتراكيا, سأنحاز إلى الحياة في أقل مستوياتها ضد العبودية التي قد تجيأ بحياة في أعلى مستوياتها. أي بالموت الجسدي والروحي في أعلى مستوياته !

في تلك اللحظة قلت في نفسي وكأني أخاطب كل أهل الأرض : أيها العبيد, لماذا أنتم صامتون لماذا تخشون سادتكم وترتمون تحت أقدامهم, ألم تقرأوا قول برودون إن الملكية الخاصة سرقة ! .. دمروا كل الملكيات الخاصة, كل السادة, دمروا كل الألهة و الأديان التي تبرر الفقر و العبودية, كل الكهنة كل وعاظ السلاطين الذين يشرعون دكتاتورية السادة .. أقتلوا ذلك الصحابي "الجليل" الذي حارب أبا ذر .. أقتلوه ذلك الذي يخشى بقصوره و أمواله و جنوده و سلطته من كلمات أبي ذر... أبا ذر, يا نبي الفقراء, يا أيها النبي بلا وحي, يا من مشى وحده ومات وحده و يبعث يوم القيامة وحده .. أصبحت أراك كلما رأيت فقيرا كلما رأيت ثريا كلما رايت أحدا يجوع كلما رأيت أحدا يسخر من الجوعى بهروبه منهم, وكأنه يهرب لئلا يشعر بهم لئلا يحزن لهم .. أبا ذر, لقد رأيتك في كل الثورات في كل العالم رأيتك تحرض كل الناس على كل السادة .. أيها الناس, أيها العبيد, هل تنتظرون من الزعماء و الحكومات و الأحزاب أن تغير قدركم .. إن كل هؤلاء الذين لا يعرفونكم إلا مع بداية كل حملة إنتخابية .. إن هؤلاء ليس لهم وجود معنا .. إنه لا يوجد من يقاتل معنا سوى أقلامنا و"بنادقنا" ...

إن الظلم والفقر والعبودية, أي الحياة في صيغتها الحالية هي سجن يراد به أن يقتل الإنسان ليهب الحياة للذين يريدون أن يكونوا فوق الإنسان ... هي سجن يراد به ان يجعل البعض بلا خبز, ان يجعل البعض بلا روح, أن يجعل البعض بلا روح بلا خبز, أن يجعل البعض بلا حرية بلا كرامة بلا شرف, أن يجعل الأرض بلا إنسان ... فماذا تنتظرون !



#هادي_بن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفاشية الدينية في السودان تحتضر
- جنون داعية
- المدينة الأناركية (1)
- الطبيعة تنتقم للفقراء
- الظروف هي القاتل
- الثوار ثلاثة
- أعداء الإنسان وأصدقاؤه
- الذباب هو القاتل
- حين يعجز المنطق
- الرد على من شكك في نبوءة نيوتن عليه السلام
- أحلام طفل


المزيد.....




- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هادي بن رمضان - كيف أصبحت إشتراكيا