أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جريمة عند مدخل الرياض















المزيد.....

جريمة عند مدخل الرياض


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4234 - 2013 / 10 / 3 - 21:11
المحور: الادب والفن
    



هذا ما قرأته بصفحة الحوادث، في صحيفة مغربية:
" كازابلانكا "، الفيلم الهوليوودي الكلاسيكي، كان دافعاً للمهاجر الهندي المسلم، " مستر محمودي "، لأن يستقرّ في مدينة " الدار البيضاء " إثر اعتزاله للإخراج السينمائي في الولايات المتحدة. معرفة اللغة الفرنسية، ولقليل من العربية الفصحى، ساعدا الرجل في بداية حلوله بهذه المدينة المغربية، الكبرى. ومع سمرة بشرته وجلابيته المحليّة، ما كان من الممكن تمييز مخرجنا المتقاعد عن أهالي زنقته؛ اللهمّ إلا بشكل لحيته، المقصوصة على طريقة " السكسوكة ". بيْدَ أنّ منغصاً مفاجئاً، طارئاً، عليه كان أن يبلبل سكينة هذا الرجل الخمسينيّ، المؤثر لحياة التوحّد والعزلة.
قبل حوالي العام، وردت المعلومات أولاً بأول للشخص المدعو، " مولاي كريم "، عن رجل غريب قد اشترى رياضاً قديماً في صدر الزنقة، وأنه ينوي إجراء ترميم له، شامل. على الرغم من أنّ لقبَ " مولاي "، المهيب، منذورٌ للأشراف المنحدرين من السلالة النبوية، غير أنه التصق باسم هذا الرجل اعتباطاً؛ فكان يُعرف به من لدن الأتباع وساكني الحَوْمة على حدّ سواء. قبلاً، كان من المستحيل على أيّ انسان، كائناً ما كان، أن يقوم بعملية بيع أو شراء لعقار ما في الحيّ، دونما إذن من سيّده؛ " مولاي كريم ". وها هوَ شخصٌ غريب ( أمريكيّ الجنسية فوق ذلك )، لا يأبه حتى بمجرّد القدوم إلى سيّد الحيّ لتحيته. هذا الأخير، كان يقيم في رياض آخر على جانب كبير من الفخامة، غير بعيد عن مسكن ذلك الرجل الغريب. صفة المكر والدهاء، المتطبّعة في خلق السيّد ذي الجذور الريفية، جعلته يُهمل تماماً شأن الجار الجديد إلى حين أن اكتملت أعمال الترميم والصيانة في رياضه. عند ذلك، شاءَ " مولاي كريم " أن يشرّف " مستر محمودي " بزيارته الأولى.
بغض الطرْف عن هدف الزيارة، ومدّتها المبتسرة، فإنّ المضيفَ أدرك بسهولة أنه أمام أحد رؤوس المافيا في هذه المدينة الفاتنة، التي لطالما داعبت خيالهُ فكرة الإقامة فيها. من جانبه، راحَ " مولاي كريم " يتجوّل بعينيه في أنحاء صحن الرياض، مُبدياً إعجابه بطريقة الترميم الحاذقة، المعيدة إليه أثالَ مجده التليد، شبه المندثر. ولم ينسَ حتى امتداح القهوة العربية، التي أعدّتها مدبّرة المنزل ( وهي أيضاً في نحو الخمسين من عمرها، اسمُها الزهراء ). ولكن الضيف، في المقابل، اعتذر عن تناول الحلوى بسبب معاناته من مرض السكّري. وفيما كان يرشف القهوة الساخنة من فنجانه، كانت عيناه الضيقتان، المنبعث منهما بريق منتصرٌ، تحطان هذه المرة في عينيّ صاحب البيت: " سأشتري منك هذا الرياض، كي أجعله نزلاً للسيّاح الأجانب.. "، قالها بنبرَة رصينة ثمّ أضاف " وطبعاً بالسعر الذي يناسبك ". وكان " مستر محمودي "، المصدوم الآن ولا ريب من هذا العرض المفاجيء، قد سبق وألمّ بسيرة الضيف بفضل ثرثرة مدبّرة المنزل. على ذلك، فإنه ارتأى أن يتعامل مع الوضع في حكمة وهدوء. فلم يرفض العرض فوراً، بل أبدى للرجل العتيّ بعضاً من الضيق حَسْب، قبل أن يطلب منه مهلة للتفكير: لقد عُرِضَ عليه للتوّ نفس ثمن الرياض، حينما اشتراه قبل أعمال الترميم والصيانة، التي كلفته مبالغ جسيمة..!
ما ان خرجَ الضيف الثقيل، حتى هُرعت " الزهراء " في خفّة لتعبّر لسيّدها عن اشمئزازها من هذا الرجل الجشع والطمّاع. كان واضحاً أن المدبّرة، التي التزمت حجرة المطبخ الصغيرة طوال تلك الزيارة القصيرة، قد انصتت لما دار فيها من حديث. إذاك، قرر " مستر محمودي " أن يستأنسَ برأيها. ها هيَ تتكلّم بدون مواربة ( وبلغة فرنسية جيدة )، فيما حجرا حدقتيها، السوداوين، يتحركان دونما توقف: " عادةً، حينما كنا في البادية نواجه هكذا موقف، فإننا كنا نستعين بالسمّ بلا تردد ". ثمّ راحت تسهبُ في شرح فعالية نوع معيّن من السموم، وأنه لا يترك أثراً يمكن أن يقود إلى شبهة جنائية. مختتمة القولَ وهيَ تهز كتفيها باستهانة " ولنفترض أن الشرطة اكتشفت عن طريق التشريح بأنه مات مسموماً، فإنها ستشكر قاتله بدون ريب..! ". وإذ رأت أن تفكهها لم يَرُق للسيّد، فإنها عادت لتقول " هذا رجلٌ لديه عشرات الأعداء، علاوة على نسائه الأربع اللواتي يتمنين هلاكه. ثمّ أنني مستعدة، في أسوأ الحالات، بتحمّل المسئولية أمام القاضي فأقسم له ببراءتي قائلةً: أ سيدي..! لقد كنتُ أبغي خلط القهوة بعشبة مطيّبة، إلا أنني أخطأت في شكل العلبة فوضعت في الدلّة من العشبة الأخرى، السامة، التي استعملها عادةً في التواليت لقتل الجرذان ".
بعد أيام ثلاثة، وفي الموعد المحدد، حضرَ " مولاي كريم " مجدداً إلى الرياض لكي يعرف قرار صاحبه في شأن العرض ذاك، المعلوم. وبما أنّ الوقتَ كان على مشارف شهر حزيران، الشديد الحرارة، فقد استقبلَ " مستر محمودي " ضيفه في حجرة المدخل الرطبة؛ ثمّة، أين تقوم قاعدة الدرج الحجريّ، المؤدي إلى الدورين العلويين. بحَسَب خطته المدبَّرة ( كيلا يقرّب الشبهة من نفسه )، أعلن المضيف عن قبوله لعرض المشتري مشترطاً طلباً واحداً: أن يُستثنى من عقد البيع سطحُ الرياض، الذي يحتوي على حجرتين وحمّام علاوة على الترّاس.
" مفهوم، مفهوم.. "، ردد الضيف بلهجة جذلة ثمّ أضاف متبسّماً " أقدّرُ شغفك بهذا الرياض الرائع، وأيضاً رغبتك بالاستقرار في حومتنا اللطيفة والهادئة! ". كذلك أعربَ الرجل عن تفهمّه لسبب تأخير عقد البيع لمدة ثلاثة أيام أخرى، طالما أن البائع ستكون لديه مشاغل حزم الأمتعة والأثاث تمهيداً للانتقال إلى حجرات ملحق الدار، العلويّ. شربَ الضيف قهوته بسرعة، مطنباً من جديد بجودة طعمها ونكهتها، وما عتمَ أن مضى لحال سبيله بعدما تمّ الاتفاق على توقيت اجراءات البيع.
بعد حوالي العام، قرّرَ " مستر محمودي " مغادرة هذه المدينة فجأةً؛ هوَ من لم يعثر فيها على أيّ أثر من الرومانسيّة، التي سبق وأسَرَته في كل مرة كان يعيد فيها مشاهدة فيلم " كازابلانكا ". إلا أنه لم يفكّر ببيع الرياض، بل قدّمه بدون مقابل لخادمته المخلصة. " الزهراء "، من ناحيتها، ذهلت ولا مراء حينما عرضَ عليها سيّدها الكريم امتلاك الرياض، فراحت تشكره وتدعو له فيما الدموع تغشى عينيها.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة من أجل كنز
- جريمة حول مائدة السّادة
- جريمة في منزل الضجر
- في عام 13 للميلاد
- جريمة على الطريق العام
- حكاية من - كليلة ودمنة - 8
- حكاية من كليلة ودمنة 7
- حكاية من - كليلة ودمنة - 6
- حكاية من - كليلة ودمنة - 5
- حكاية من - كليلة ودمنة - 4
- صورة الصويرة؛الضاحية2
- حكاية من - كليلة ودمنة - 3
- العقلية المشتركة للسلطة والمعارضة
- حكاية من - كليلة ودمنة - 2
- صورة الصويرة؛ الضاحية
- صورة الصويرة؛ الحاضرة 2
- صورة الصويرة؛ الحاضرة
- مَراكش؛ جبل توبقال 2
- مَراكش؛ جبل توبقال
- بشار ابن أبيه


المزيد.....




- الأدب الروسي يحضر بمعرض الكتاب في تونس
- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - جريمة عند مدخل الرياض