عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4234 - 2013 / 10 / 3 - 17:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
طوال آلاف السنين الماضية قد استمرت مرجعية السيطرة والحكم على الإنسان تُسند بأشكال متعددة إلى قوى خارقة عديدة تسكن مكاناً ما أعلى الطبيعة أو فيما ورائها. وكانت خدمة واسترضاء تلك القوى الجبارة أسمى أماني الإنسان والغاية من حياته فوق الأرض. ثم، بالتحديد منذ تطور فلسفة ومؤسسات الدولة الوطن(ية) العلمانية قبل حوالي خمسمائة عام، استرجع الإنسان أخيراً حريته المسلوبة من تلك الآلهة والمتحدثين بأسمائها ووقع بإرادته الحرة مع شركائه الراشدين المتساوين والمقيمين معه في نفس الوطن الواحد ’عقداً اجتماعياً‘ وضعياً لكي يقرروا بمقتضاه مصيرهم المشترك ويحكموا أنفسهم بأنفسهم. عندئذٍ قد أصبح الإنسان هو المرجع والمشرع والحاكم الوحيد لنفسه، وسقطت كل مرجعية أو شريعة أو حاكمية غير بشرية أخرى، سواء كانت إلهية أو نبوية أو رسولية أو سلفية أو قديسية أو إمامية أو فقهائية، أو حتى منسوبة في نهاية المطاف للجان والعفاريت الزرق. ما عاد يعلو على الإنسان سوى الإنسان فقط؛ وما عاد للإنسان غاية أسمى من خدمة ورفاهية الإنسان نفسه. قد أصبح الإنسان إله نفسه.
في فلسفة ومعمار الدولة الوطن(ية) لا مكان إطلاقاً لأي لبنة أعلى من الإنسان، المرجع والمشرع والحاكم- ليس فقط لنفسه إنما حتى للآلهة أيضاً؛ طبقاً للقانون، الإنسان هو الذي يحدد بنفسه الأماكن والأوقات المناسبة التي يُعبد فيها الله، بطريقة لا تحدث إزعاجاً للآخرين أو تخل بالنظام العام. سيادة القانون الوضعي في الدولة الوطن(ية) العلمانية لا تستثني من مفعولها دور العبادة ولا رجال الدين؛ وهذا القانون الوضعي الأعلى لم ينزل من عند الله أينما كان، ولم يوضع بمعرفة علمائه أو عباده أو ممثليه في المساجد أو دور الإفتاء، التي بدورها حتى لا تملك أن تبنى أو تعمر أو تزاول عملها من دون رخصة تصدر لها أولاً من البرلمان.
في الديمقراطية، هل بعد أن استرد الشعب السيادة والتشريع والحكومة كاملة لنفسه وحفظ هذه المكتسبات في دستور (عقد اجتماعي) من صنعه وحده لا زال هناك كيان آخر أياً كان يستطيع أن يدعي لنفسه ’حاكمية‘ فوق الإنسان غير الإنسان؟!
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟