أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - الساعة تدق السبعين















المزيد.....

الساعة تدق السبعين


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4234 - 2013 / 10 / 3 - 09:42
المحور: الادب والفن
    




صعبٌ علىّ وربما عليكم تصور أني بلغت عامي السبعين ..هكذا تعبث بنا السنين..هل ثمة لعبة أو كمين؟ أم مؤامرة كونية لاختطاف طفولتى التي أعتز بها وأتمسك بأحوالها وبراءتها وجنونها وقوة الأمل المترسبة في قاعها .. لكن المؤامرة لن تجدي لأني لا زلت برغم السبعين طفلا يلعب ويضحك ويركض ويرقص ويحن لأمه التي رحلت منذ ثلاثين عاما ويفرح بالعيد ونزول البحر، ومايزال مولعا بكل الحيوانات حتى وحيد القرن وسيد بك قشدة والفهد والسبع ، وإن كان يميل أكثرإلى الفيل والطيور .. أنا طفل لأني أكره الأحزان ولا أمنحها الفرصة لتأكل قلبي كما يأكل الصدأ الحديد ،ولم يكن ما أدركته بحكمة العمر ولكن بالفطرة .. أتعس ما يصيب الإنسان تلك الأحزان التي يلذ لها أن تهاجمنا مع أن كثيرا منها هش وضبابي ومجرد سحابات من الدخان لا تستحق حتى النظر إليها فضلا عن أن نسمح للعقل أن يفكر فيها وتصبح همه.
خدمتنى طفولتى بأن شجعتنى على تجاهل الشيخوخة التي هى في الأساس حالة نفسية وعقلية ، وقد عرفتها طبعا عبر الصحة المتراجعة تدريجيا بدهاء ونعومة كنعومة اللصوص والمحتالين. قد لا يؤمن البعض أن الهِرم ( بكسر الهاء ) محتال يتقن عمله ويبرع فيه ويدهسنا وهو يبتسم ، ويلقي على أسماعنا النكات التي تسخر من الشباب. . وشجعتنى طفولتى على أن أحسن الظن بالناس وألتمس لهم الأعذار لأن أخطاءهم ليست كلها من صنع أيديهم .. الإنسان لم يخلق نفسه ونادرا ما يجري تعديلا على خلقته. وسوء الظن نافع لكنه يورث الهم وأنا لم أسمح للهموم أن تبنى عُشا لها في قلبي لأنه خلق فقط للحب ، ولم أستسلم للأحزان .. لقد تسلل إلىّ اعتقاد بأن الهرم لا يحل إلا إذا أعلن الإنسان انتهاء علاقته بالشباب وقررالتوقف عن اللعب والفكاهة وتطوير الأدوات وتذوق طعم التجارب ورأى أن من العيب معانقة الحياة .. أنا لا أفكر في الموت مطلقا ، أولا لأن الموت قادم لا محالة وثانيا لأن الموت بوابة مثل البوابات الإلكترونية المنتشرة الآن عند كل عبور حتى لو كان لدخول الحمامات بغرض الكشف عن المقتنيات المادية المخالفة ، وثالثا وهو الأهم لأني حاولت أن ألبى قدر طاقتى وصايا الرب فأسعد لحظات حياتي أن أرضي حبيبى الأول الذي اعتدت أن أكلمه وأرجوه وأعاتبه و أشكوه له .
على أننى إذا كنت قد بلغت درجة من النضج ، فقد دفعت مقابلها ثمنا غاليا .. خليط معتق من السنين واللحظات الحرجة والألم واليأس والكمد والفشل والخيانة والغدروالحوادث والفقد ، أما اللحظات المبهجة فقليلة والأصدقاء المخلصون أقل والنجاحات نادرة لكن الآمال كبيرة ، ووجود الأمل في حد ذاته في رأيي مصدر خرافي للسعادة ، وهذا هو السر في قيمة الإيمان بالله ، بوصفه السند الأعظم الذي بفضله أحط على الوسادة رأسى التى أرهقها العمل والتفكير ، وسرعان ما أغط في نوم عميق .. الإيمان إذن له علاقة وثيقة بالنوم ، كما أن له علاقة بالتواضع وتجنب الصخب والضجيج لأن الرزق يعرف عنواني .
أنا لم أفاجأ ببلوغي السبعين لكنى فوجئت ببلوغي الستين ، فقد انْقضّت علىّ سن التقاعد وتم إبلاغي بأني أصبحت خارج دائرة العاملين الفاعلين بالمجتمع من وجهة النظر الرسمية ، وبعد استسلامي للخبر الجديد واقتناعي بأني أصبحت في زمرة كبار السن غدوت أراقب الأيام والسنون ( كلمة مقصودة ) دون أن أسمح لآلة المراقبة والتربص والتوجس أن تمر على روحي ، وقد أشرقت علىّ مجددا اهتماماتي الفلسفية بالزمن .. أنا ممن يرون أن الزمان وإن كان مُكونًا رئيسا من مكونات الكون ، بل أبالغ فأقول إن الكون ذاته ليس إلا تشكيلا ماديا لتسهيل مهمة الزمن ، وأري في الوقت ذاته أن الزمن وجهة نظر فهناك زمن نفسي وزمن وجودي وزمن فزيائي وزمن تخييلي ، وقد أختلف عن كثيرين يقدرون المكان أكثر من الزمان ، مع أنه الأجدر بالاهتمام لأنه السر الكامن وراء حياة كل الكائنات حتى في الصحراء حيث لا مكان إلا الخلاء .
المكان زمان يتجمد ، والزمان مكان يتحرك .. الزمن يحاصرنا ويدقق في كل حركة وكل همسة وكل نَفَس .. الزمن هو الميلاد والموت . الزمن يكمن لنا في كل نجاح وفشل ، وصحة ومرض وحب وكراهية . الزمن كائن خطير أحترمه ولا أخافه لأنه متابع وليس المسئول عن أي جرم أو إخفاق أو ضياع أو نصر ولا لحظة سعادة . لكن تجاهله تماما ليس أمرا مقبولا ولا منطقيا .
الزمن غير الوقت وغير العمر .. الزمان قياس لمسيرة الكون والكائنات وحركة المجرات والمبتدأ والمنتهي. أما العمر فقياس شخصي للإنسان أو الحيوان والجماد . والوقت هو المسافة الزمنية بين حدثين. إن كنت أحترم الزمن فلا أنشغل به كثيرا ولا أخافه لأنى أومن أن الحب أقوي سلاح ضد الزمن .. الحب إكسير الحياة وحاميها من الزمن ، ولذلك أشعر بالغبطة لأني من عشاق الحب بكل أنواعه وألوانه..أنام وأصحو وأكتب وأغضب وأثور وأعمل وأنام بالحب .. الحب كالأمل غذاء الروح .. يكمن فيهما سر الحياة السعيدة والممتدة إلى ما بعدها .. الحب أكبر من الأمل لأنه يمنح الإنسان عمرا فوق العمر المقرر له عمقا وطولا .. كمّا وكيفا .
أنا طبعا لا أكف عن الحلم ولا عن الأمل في غد أفضل لي ولوطنى وللعالم ، وكم يبهجنى أن أسمع عن تقدم ولو مليمتر في حياة أي شخص في الكون ، لكننى لست أسير أحلامي ولا أنتظرتحققها بوله وشغف ، وأعترف أني أعمل من أجلها وأحاول مساعدتها على أن تتجسد في الواقع بالجهد والتفكير ، لكننى لا أحزن إذا لم تتحقق فأنا أعرف أن المعطيات التي بثها الله في جيناتي هي أوراق اللعب الخاصة بي وليس علىّ أن أسرق ورقة من هنا أو هناك ..أرنو للهدف ثم أشتبك من أجله في عمل شاق وإصرار وأرقب النتائج وأرضي بها أيا كانت مؤمنا بأنه الرزق ، فأحمد الله على ما آتاني ، ولا أحاول ليّ عنق الرزق بزيادته بأساليب تتنافي مع الكرامة ، بل كثيرا ما أخجل من طلب حقي ثقة في أن أصحاب الضمير سيردونه ، وعادة لا يردونه خاصة الحكومة .. المهم ألا يمس كرامتى طلب شيء مهما كان ثمينا ، فالكرامة أغلى من الحياة .. وخلو جيبى مع الكرامة هما الثراء الحقيقي .. أنا أنظر إلى كل شيء ولكل شخص ما عدا أولادي ووالديّ رحمة الله عليهما بعيون الكرامة .. إنها الميزان الذي أزن به سلوكي تجاه الآخرين وسلوكهم تجاهي. ويمكن القول أني مبرمج لأتحرك في الحياة طبقا لمبادئ غرستها أمي في نفسي وأضاف إليها آخرون من أمثال جمال عبد الناصر الذي زادها رسوخا مثل الكرامة وتقديس العمل . الإرادة . كراهية الظلم . الاكتفاء الذاتي . الاعتماد على النفس . الاستقلالية . الأهمية القصوى للعلم والثقافة .احترام الآخرين والتسامح . الوطن قبل أي شخص أو متعة أو امتلاك . وأنا سعيد ببساطتى فأنا لا أطلب من الدنيا – ماديا - إلا القليل لأن المبالغة في طلب المادة يقتضي القلق ويلهب الصراع ويلقي بالروح في أتون المعارك.
لقد اختارت لي المقادير أن أهوي الأدب والثقافة فوهبتهما نور عيوني وقلبي وكل فكري ووقتى ، ونادرا ما أنفقت ساعة في التقاط متعة شخصية بل كان كل ما أملك من أجل الهواية الوحيدة الجميلة التي أعتز بانتسابي إليها حتى أخرجت خمسين كتابا في الرواية والقصة القصيرة والدراسات وأدب الطفل ، اتخذت لنفسها طريقا صاعدة قي اتساق طبيعي مع السن والتجربة والنضج ،وخدمت المؤسسات الثقافيةعلى مدي خمسين عاما بلا كلل وبقدر كبير من الإخلاص والابتكار ، وسافرت إلى خمسة وعشرين دولة من أجل التحصيل الثقافي ، وقرأت نحو اثنى عشر ألف كتاب ونلت شرف تقديم أكثر من مائتى كاتب جديد للساحة الثقافية بعضهم تألق ، ولذلك فالرضا أحيانا يراودني بعد أن أحسن بي الظن كتابٌ ومسئولون ونقاد فحصلت على عدد من الجوائز المميزة تقديرا لما منحته عمري كاملا دون أن أبقي إلا القليل لعائلتىّ الصغيرة والكبيرة ، وإن كنت أطمع في إضافة وقت مستقطع حتى أنتهي من صياغة ما يشغلنى من أفكار، وأملي أن يكون ما قدمته للمكتبة العربية ذا قيمة .
إننى الآن وقد عبرت إلى السبعين وهي سن لا تسمح بطويل الأمل وتسمح فقط بالاعتدال نحو القبلة لدخول النفق الأخير أسأل نفسي وأسأل جميع من عرفوني ..هل يا تُري ضاع العمر هدرا ؟؟.



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الأديان خطيرة ؟1
- استرخاء
- لا تغيير بلا ثقافة
- المثقفون والسلطة
- حَدثني عن البنات
- الكتابة من الوضع راقدا
- نزهة في حدائق الألم
- خطأ السيسي الفادح
- مصر في قبضة الشياطين
- جمهورية -رابعة -
- لا تصالح
- العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب ( 2 )
- العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب (1)
- خذوا مرسي وهاتوا أردوغان
- زيارة لسجن طرة
- هل قامت في مصر ثورة؟
- صندوق الحرية الأسود
- هُوية مصر ليست إسلامية فقط
- تعود سيناء أو يذهب مرسي
- مرسي المالك الوحيد لقناة السويس


المزيد.....




- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - الساعة تدق السبعين