أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آلان كيكاني - أمم تبني وأمم تهدم














المزيد.....

أمم تبني وأمم تهدم


آلان كيكاني

الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 23:52
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أتيح لي أن أكون في باريس الصيف الماضي لأقضي فيها إجازتي السنوية كسائح، وكانت زيارتي الأولى لهذه المدينة الجميلة التي كنا قد سمعنا الكثير عن عظمتها وجلالها وجمالها وبهائها منذ الطفولة، وقد درت أركانها ومعالمها السياحية والتاريخية بصحبة بعض الأقرباء والأصدقاء. ولم أترك متحف لوفر وكنيسة نوتردام وباستيل وشانزيليزيه وأوبرا باريس وقصر وجنان فيرساي وبرج إيفيل إلا وزرتها مرات ومرات دون أن تقول لي عينايَ كفى غير آبهة بقدميَّ التي باتت تؤلمني بل وتتورم أحياناً، ولم يكن ذهني ليصدق أن ما تراه عيني من بناء قديم وجميل هو من فعل المهندسين والبنائين بل كان يخال له أن الأمر تم بأزاميل النحاتين أو رِيَش الرسامين. وفي كل مرة كنت أعود من مشواري إلى البيت مساءً وأرقب التلفاز وأرى البراميل المتفجرة تهبط من السماء على المباني الهزيلة أصلاً في سوريا كان ينتابني الغثيان والشعور بالقرف والاشمئزاز والحنق من هول الدمار ومن حالة الوحشية والهمجية التي يعيشها شرقنا منذ أمد بعيد. وما كنت آوي إلى فراشي ليلاً حتى يطير النوم عن مقلتي ويبدأ ذهني بالشرود حول سؤال ملح وهو: لماذا تفتقر بلداننا إلى مثل هذه الصروح التاريخية الجميلة؟ ألم تكن الدولة العثمانية في العصر الذي بنيت فيه هذه التحف في باريس إحدى أقطاب العالم من حيث القوة والاتساع، فلماذا لم تبن هذه الدولة مثل هذه الدرر واللآلئ؟
وليس هذا فحسب، فكنيسة آياصوفيا هي جوهرة اسطنبول المعمارية على الإطلاق رغم أن بناءها سبق الاحتلال العثماني للمدينة بحوالي ألف سنة، أي أن عمرها يقترب من خمسة عشر قرناً، وخلال الستة القرون الماضية لم يستطع الأتراك الإتيان ببناء يحاكي آيا صوفيا رغم أن عين الزائر لا تخطئ في كشف محاولات الأتراك لبناء مساجد على هيئة هذه الكاتدرائية العظيمة، مثل مسجد سلطان أحمد ومسجد السلطان سليمان، ولكن أين هذه المساجد من آياصوفيا؟ فرغم الفاصل الزمني الكبير بين بناء آياصوفيا وبناء المساجد العثمانية إلا أن آياصوفيا هي الأبهى والأروع والأعظم والأجمل.
يقال أن الحضارة أينما وُجِدت احاطت بها الهمجية وحاولت النيل منها، والبناء أينما حل كان المخربون له بالمرصاد، فالرومان وخلفاؤهم البيزنطيون كانوا مراكز إشعاع حضاري من القرن الثالث قبل الميلاد حتى السادس عشر بعده. والحضارة التي بنوها امتازت بالتشييد والبناء، ولعل الجسور والقلاع والمسارح التي شيدتها في بلداننا هي نموذج للدقة والجمال والروعة والمتانة منذ نشأتها حتى أيامنا هذه، حتى أن العوامل الطبيعة والبشرية من زلازل وأمطار وأيادي المخربين لم تستطع القضاء عليها، فهي لا تزال قائمة إلى الآن، بل وصالحة للاستعمل أيضاً. ولكن هذه الحضارة على اتساع زمنها لم تسلم من الغزو الهمجي القادم من ألمانيا عبر قبائل القوط والوندال ومن الدول الاسكندنافية عبر القراصنة وقطاع الطرق ومن المشرق عبر غزو الهون والآفار والمغول وأخيراً الأتراك.
وكنت قد زرت مرة مدينة سان بطرسبورغ الروسية قبل بضع سنوات، وعندما وقعت عيني على أرث القياصرة الروس لم تكن دهشتي أقل من تلك التي انتابتني بعدها في باريس، ووقفت حينها مذهولاً من جمال المدينة القديمة بشوارعها الأنيقة ومبانيها وكنائسها الرائعة البنيان حتى تمنيت لو كان لي عيون في قفا رأسي وصدغيه كي لا يذهب عليّ منظر من دون أن أراه. إلا أن دهشتي الكبرى كانت عندما زرت بيتركوف، مصيف القياصرة الروس ، وكان أول شعور لي وأنا أتجول في حدائقه وقصوره هو إحساسي أننا نحن الشرقيون كنا بارعين في خيالنا عندما وصفنا الجنة وأنهارها وأشجارها وفاكهتها وحواريها وغلمانها إلا أن غيرنا كان الأدهى عندما قام بترجمة خيالنا إلى حقيقة، وتحويل أحلامنا إلى واقع. وللأسف فإن العين ما إن تقع على الجزء الذي بناه الشيوعيون من المدينة حتى يدرك المرء أن خطأً ما قد حصل في مسار تاريخ هذه المدينة العريقة والجميلة. فما بناه الشيوعيون منها يعتبر نشازاً ودخيلاً وفي أحسن الأحوال ليس بأجمل من ضواحي دمشق وحلب.
ليس بناء الأمبراطوريات هو معيار عظمة أمةٍ في التاريخ، وإنما العظمة تأتي مما تركته هذه الأمة من آثار تدل على قوتها وما وصلت إليه من علم في الهندسة والبناء ومن ذوق رفيع في اختلاق الجمال فناً وأدباً وعمارةً، وإلا فإن المغول يستحقون أن يصنفوا على أنهم أعظم أمم الأرض لأنهم بنوا أمبراطورية مترامية الأطراف تعد الأكثر اتساعاً في التاريخ البشري، فقد امتدت امبراطوريتهم من الصين إلى الهند إلى أواسط أوروبا. ولا يخفى على أحد أن المغول عُرفوا عبر التاريخ على أنهم أكثر شعوب العالم همجية فهم لم يتركوا بناء في طريق غزواتهم إلا وهدموه ولا جسراً إلا وردموه ولا امرأة إلا واغتصبوها ولا طفلاً أو شيخاً إلا وقتلوه، وكانوا بذلك إحدى أبشع الآفات التي حلت بالبشرية عبر تاريخها.



#آلان_كيكاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أفنت أمريكا صدام فيما امتنعت عن ضرب بشار؟
- بشارالأسد الأصدق منذ بداية الثورة
- الكلمة ووأدها في مهدها
- خفافيش الظلام
- عماة البصيرة
- في تمنيع العقل
- المسلمون وفوضى الحواس
- ثورات الشباب ونصيب الكرد منها
- ثورة تحطيم الأصنام
- اللهم زدني كفراً
- المسلمون مصانع للشهرة
- إلى الأخ آرام في الثوارالبيشمركة
- مرحى للحوار
- والحقد في الصغر كالنقش في الحجر
- مام علي
- أمي
- ملاك الوحي
- ضريبة الزقوم
- كرديستوفر كوردلومبس يكتشف جزيرة كوردسيكا *
- ريح الشمال


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آلان كيكاني - أمم تبني وأمم تهدم