عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4233 - 2013 / 10 / 2 - 03:06
المحور:
الادب والفن
كلام على ورق
وهو ينفث دخانه من منخريه بتفنن نحو الأعلى قال, لم يكن لك خيار غير الذهاب معي أخر مشواري أو تموتي كصبارة متروكة في حافة الصحراء حيث لا أنا ولا المطر.
_تصور أن صديقته ستؤيد مزاعمه, أخبرته تلك أمنية قاحلة ,لا يمكنني التسليم ,أنت تعرف أني أملك شهوة المقاتلة الأمزونية وحبها للدفاع عن وجودها.
_قالت ولكن ذلك لا يمنع أني مفتنة بك , هذا شيء وذاك أخر.
_قد يكون هذا الجواب هو ما دفعه لأن يرمي ببقايا سيجارته بعيدا ومن خلال النافذة ليعود الصولة .
_سأمنحك فرصة لأثبات القدرة على المقاومة.
_لا داع.
_بل أصر على اقتراحي.
_اشتدت حمية صاحبي فهو معروف أيضا بقسوة البعض من المثقفين الذين يتخذون من الحدة أسلوب حياة, لكن ستندمين ,عندها لا تجدين أناملي تفرد خصلات شعرك وأنت تسندين ظهرك على صدري وتمدين بقدميك على الرمال.
_بمنتهى البساطة سأجد ألف صدر , لكن أنت وحدك الذي ستفقد متعة اللعب بحرير شعري.
انتهت المحاورة وانصرف يبحث عن نهاية لا تكون حزينة بهذا القدر من القساوة.
الحب وحده لا يمكن أن يبنى سعادة بين شخصين مارسا لعبة التحدي وجرح القلوب.
كانت تفكر بما مضى لتفحص مواطن من ذاكرتها يمكنها التمسك بها لديمومة الحب هذا الذي ولد كأنه طفل يمارس حياته خارج قوانين الممكن.
هو يعرف أن المضي بعيدا في العناد والحدة سيجلب له خسائر غير متوقعة لذا عليه أن يرمم تلك الفجوات التي قد تفسد له شعوره بالتفرد وشيء من الاستعلائية الذكورية لكن بقليل من اللياقة.
عاد للكرسي ينظر على طاولته التي رأي فيها وكأنها المرة الأولى هذا الكم من أعقاب السجائر ,هناك فنجان من القهوة لم يفقد حرارته فقط بل فقد قدرته على أثارة الرغبة فيه.
هكذا أذن سجائر ,سجائر ,وتلك الرغبة الميتة في تناول شيء يسد فراغا في معدتي الخاوية ,لم يعد هناك مجال مع امرأة فقدت أنوثتها الطبيعية مع الطعام وغزو عقلي, البحث عن حنان في حضن مقاتلة كالبحث عن ماء في سطح القمر, يا للهول هذه العبارة جميلة سأدونها لأثيرها من جديد.
ترك الغرفة بعد ن شعر بالحاجة للذهاب بعيدا عن ساحة معركة ستحتدم بين دقيقة وأخرى , وترك ورقة معلقة على مرأة الخزانة وقد نقش عبارته المثيرة بقلم الكحلة ورسم خارجها قلب بأحمر الشفاه.
كنت أظن أن هذه العبارة ستثير حنقها وتشعل نار تحدي مجدا بينهم لكنها وبعد أن رأتها وضعت بالقرب من الصورة وبأحمر الشفاه أيضا كلمة (GOOOOOOOO WAY), أعدت في مخيلتي ترتيب المشهد المتوقع , لكن ولقلة اطلاعي على مفهوم لمعنى الكلمة عند صاحبي تركت الأمر للأحداث تتلاحق.
_حاول أن يبتلع تلك الإهانة ويمضي في سياسة ضبط النفس وأن لا يعط مبرر لتفاقم خيبته منها مجددا, ومضى يبحلق في دفتر الكتابة عله يجد ما يعيد تدفق أفكاره عن تلك التي اقتحمت حياته لتثير فيها تفاصيل بركانية تتعارض مع هدوءه المعتاد.
كان اللقاء الأول أيضا غير معتاد هناك في قاعة الانتظار في أحد مكاتب الأصدقاء للقاء غير مخطط له أصلا أمتد لربع ساعة أنتهى بالإعجاب المتبادل وتبادل لأرقام الهواتف ,أعقبه رسائل على البريد الإليكتروني ووجهات نظر تدفع بهما لمزيد من التواصل ليكتشف كل منها تطابق في وجهات النظر غير متفاوتة كثيرا في عالم الأدب والفن والسياسة ليتلقيا في حبهم المشترك للكتابة الأدبية بالغة التمشدق في أطار فلسفي ينضح واضحا بأستخدام المصطلحات والرموز الفلسفية.
سألها وهو ينظر صوب الخزانة ومرأتها التي كانت نوعا من كشف الذات للأخر ... هل تظنين أن الرحيل مهما ليكشف لنا ما لم تكشفه المرأة.
_ليس مهما ما تكشف لنا رحلة الذهاب بقدر ما تطبعنا بقناعة في تحديد الاتجاه ومساره.
_لكنك لن ولم تتخلي عن دور الفارسة المسترجلة.
_قناعتي تبدلت كثيرا فقط بسبب رغبتك بالإستعباد , هذا تحدي ,هل تشعر بالتحدي لمجرد إني أتمسك بهويتي التي عرفتني بها.
_لا ولكن أحيانا يكون لوضع الأمور نصبها الطبيعي إقرار بقانون الطبيعة.
_قانون الطبيعة يفرض أيضا نوع الصراع عندما لا يكون هناك ما يجمع.
_ما الفائدة أن نتفق على ما هو غير ممكن الاتفاق خلافه.
_وهل تعتقد أن الإنسان مضطرا أحيانا ليقول ما ليس بممكن أن يستظهره خارج اطار الأنا.
_الأنا نتاج الطبيعة وما هو طبيعي يكون في الغالب هو الواجب الأخذ به.
_أراك تظهر رجعية فكرية غير معتادة.
_ليس كذلك بل هو تمرين اعتياد.
مزق بعض الأورق التي كانت أمامه لينهي الحديث ويحاول أن ينزوي بعيدا عن هذ الحوار السقيم, بادرته بضحكة انتصار لتسحق أخر ما في جعبته من تعقل مصطنع.
مراقبة الحدث من بعيد هنا تعني لي المزيد من التأمل ومنسحبا لذاكرتي وأنا اقرأ بعض كتاباته حول استرداد الوعي الإنساني كونه حق يجب أن يمارس علنا وبضجيج وأيضا ليمزق للأخرين قناعاتهم المتوارثة حول تغيب وقهر واستلاب الحرية.
_كأس من عصير الليمون بطبق واسع يعطيك مساحة للسفر بخيالك حيث يجب أن تكون.
تذكرت أن حواء لم تعطي أبينا إلا تفاحة طازجة ,ما دهاها أن تستخلص روح الليمون لتقدم أغراءها على طبق واسع, كنت أظن أن الفلسفة لعبة الرجال الأذكياء.
عكس ما فعله أدم ترك كل شيء ليبرد وتهدأ عاصفة, الحب أحيانا يموت تحت وطأة الرياح العاتية.
_هكذا أنت تقفين بعد كل صرعة تأتي بها حواء المجنونة.
_بل هذ ما يجب أن يدركه آدم أن حواء ليست إلا مجموعة متشابه من العواطف معك وإن كانت التعبيرات مختلفة بيننا لكنها مشتركة على العموم.
حاولت أن أطرق حديث أخر كي أفك الشراك المعقد بين الأثنين فكريا وخاصة أن كليهما تشكلت ملامحه الأنوية في جزء منها بمزاجي أشعر بشيء من الذنب تجاههم لكني لست مسؤولا بالطبع عما جرى فهو يسير وينبسط بمزاجهم الخاص.
نصحتها أن تكون أكثر واقعية فالرجل لم يغادر كينونته فعلا فهم يعيش ويكتب في ظلها ,والظل لا يمثل دوما حقيقة قائمة إنها فعل الأخر وليس فعل الموضوع ذاته.
_بادرتني ولكن لا ظل لمن ليس له وجود أنوي حقيقي.
_نعم أتفق معاك وتبقى الظلال تتشابه فيما بينا برغم الفوارق بين حقيقة الأشياء التي تندرج بمسميات وأشكال قد لا تكون واحده.
_الظل يتشكل تبعا لصاحب الظل ,هل ترى مثلا ظلي يشبه ظله.
_نعم يتشابهان من حيث الشكل العام وإن اختلفت الحدود لكن يبقى كلاهما ظل.
شعرت أن اجابتي غير مقنعة وهي كذلك, هنا تدخل صاحبي ليتفلسف قليلا.
_الظل دوما واحد من حيث كينونته وسيرورته لكن حركته تبقى تتغير بحدود المتحرك الأصلي وما يمكن أن يشكله من إيحاء.
_إذن أن تحرر المفهوم من الكونية الوحدوية لتعيدها للفعل.
_ربما
_لا شيء يشبه سواه.
أقررت أنا بنهاية هذا التسليم لأنسحب خلف حدود ما أكتبه وما تفرزه تقريرات هذه الأنثى التي تمنيت أن تكون من نصيبي أنا حتى تقبل مني تقريراتي أنا ,أحيانا الحب يعطي للمنتصر حدود أكثر لتوسيع الواقع عندما يتدخل القلب ليغالب العقل.
_أظنك عقل مجرد يا حواء.
_لماذا ألست حواء أنا؟, قد لا تعرف أن العقل في جزء كبير منه خارج اطارية التصنيف, الوعي هو الذي يبدل حواء لتتبدل معه.
أغلقت دفاتري لكي لا أفتح على نفسي الكثير من الشبابيك التي ستطيح بكل ما عمرته من بنايات فكرية شاهقة ولكي لا أدين نفسي قبل أن يدينني أخرون.
قد توجد أنثى بهذا الوصف ولكن من يقبل أن يقترن بمحاربة ومتفلسفة, هكذا أخبرني صاحبي في نهاية السطر الذي أقرأه الآن.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟