أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء الذي تنفست















المزيد.....



الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء الذي تنفست


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4232 - 2013 / 10 / 1 - 20:14
المحور: الادب والفن
    


الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء الذي تنفست


Galileo Galilei: Eppur si muove, (Egitto)


يحار المرء عند الجلوس إلى إنسان ذي قامة، وتزداد حيرته عندما يود الحديث عن كاتب يجمع بين العظمة والإنسانية مثل الروائي والمسرحي أنطونيو غالا، وهما العنصران اللذان ضمنا له نجاحاً وإنتشاراً شعبياً بين قراء الإسبانية، في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، فترجمت أعماله إلى العديد من لغات العالم ومن بينها العربية.
ولد أنطونيو غالا في مدينة قرطبة الأندلسية في الثاني من أكتوبر عام 1936، أي أنه يكمل غدًا عامه السابع والسبعين، لهذا ارتأينا أن نحتفل معه بهذه المناسبة على الضفة الجنوبية لبحر الروم. تخرج في الجامعة حاملاً ثلاث إجازات جامعية، في القانون، والفلسفة والآداب، والعلوم السياسية والإقتصاد، نتاج عبقريته المبكرة، فقد دخل الجامعة وهو في الرابعة عشرة بتصريح خاص.
لم تكن دراسته لهذه التخصصات الثلاثة في الجامعة محض نزوة أو مصادفة، بل من منطلق أن أي معرفة مفيدة للكاتب، لهذا لم يمارس أي إختصاص منها، وكان على ثقة من أن المعرفة كانت وراء هذه التخصصات الثلاثة التي أنهاها وهو دون العشرين، فالقانون علمه التمعن والتفكير والتنظيم، في حين أن التاريخ تعلم منه كل دقائق تاريخ إسبانيا، وكان سبباً في مغامراته في إفهام الشعب الإسباني كيف وصل إلى ما هو عليه، ومن العلوم السياسية تعلم أن الإنسان جزء من كل، فهو عضو من مجتمع يعتمد في علاقاته على الإقتصاد والسياسة.
منذ سنة 1963 قصر حياته على الأدب، فأخذ يمارس كافة أجناسه، فيقرض الشعر، ويكتب القصة والرواية، والمسرح، والمقالة الصحفية، والأعمال التلفزيونية، والأوبرا الإسبانية، وإن كان قد برع في فن المسرح الذي حمله إلى عالم الشهرة. وقد ترجمت له مسرحية " خاتمان من أجل سيدة" إلى العربية على يد الشاعر المصري عبد اللطيف عبد الحليم، ونشرت في سلسلة عالم المسرح بالكويت في منتصف الثمانينات، ورواية "المخطوط القرمزي" التي ترجمها رفعت عطفة ونشرت في نهاية 1996 عن دار بترا في دمشق.
إنه يكتب بقلبه، ويعبر بعواطفه في قالب إنساني، فهو من أكثر الكتاب الإسبان المعاصرين، إستلهاماً للتراث العربي الأندلسي وتوظيفاً له في نتاجه الأدبي، وهو ما حمله على كتابة أول رواية له " المخطوط القرمزي"، والكتاب الوثائقي "غرناطة النصريين"، ورواية "العشق التركي"، ومسرحيتي" حقول عدن الخضراء" و" الأيام الخوالي الضائعة"، وكان هذا العمل الأخير قد فاز بالجائزة الوطنية للآداب في 1972.
هذا إضافة إلى محاضراته ومقالاته الصحفية حول هذا الرافد الهام في الأدب والثقافة الإسبانية. في هذا السياق يؤكد أنطونيو غالا أنه لايمكن فهم إسبانيا دون الثقافة العربية، فاللغة الإسبانية لغة مزدوجة، لاتينية وعربية الأصل، ورفض ذلك يعني السير عكس ما هو كامن في أعماق الإسبان.
وكان أنطونيو غالا قد اضطلع في مطلع الثمانينات برئاسة جمعية الصداقة الإسبانية العربية، إلا أنه إضطر إلى الإنسحاب تحت ثقل الأعباء الإدارية، وإن كان هناك من يقول إن فن "التلسين" العربي كان سبب رحيله عن الجمعية التي لفظت أنفاسها مع غروب شمس عقد الثمانينات. في حين أن جمعية الصداقة الإسبانية الإسرائيلية صامدة ونشطة وكان قد ترأسها كاتب عملاق آخر هو كاميلو خوسيه ثيلا الحاصل على نوبل سنة 1989 ، علماً بأنه ليس أعلى كعباً من الكاتب القرطبي.
ضمن إهتمامه بما هو أصيل في الثقافة العربية قام في خريف العام الماضي بزيارة خاصة لليمن، منذ عدة سنوات، بغية التعرف على هذا البلد العربي، فكانت بمثابة "مفاجأة طيبة له، إذ إنه أحد البلدان المدهشة التي لم تفسدها بعد السياحة والتلفزيون". وقد أسفرت هذه الزيارة عن نظمه لعدد من القصائد أطلق عليها "أشعار يمنية".
من هذا المنطلق كتب أنطونيو غالا أول رواية له "المخطوط القرمزي"، الحائزة على جائزة دار نشر بلانيتا سنة 1991- أكبر جائزة في إسبانيا من الناحية المادية-، حول آخر ملك عربي حكم الأندلس، أبو عبد الله الصغير، في محاولة، حسب قوله، لرد إعتباره وتصحيح الصورة السلبية عن هذا الحاكم المظلوم تاريخياً على أساس أنه متخاذل ومسؤول عن ضياع الأندلس، وتغيير صورته المألوفة في كتب التاريخ، فلم يكن جباناً ولا إنهزامياً، ولا ينطبق عليه ما ينسب إلى أمه عائشة عندما قالت له "إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً، لم تحافظ عليه مثل الرجال".
إضافة إلى محاولة غالا كشف الوجه الأسود لسقوط غرناطة، آخر معاقل العرب في الأندلس، وإدراك ما كان يمكن أن تكون عليه إسبانيا لو لم يقع ما سمي بحرب الإسترداد التي إنتهت بطرد العرب في 1492السنة التي إكتشفت فيها القارة الأمريكية.
واللون القرمزي هو لون الوثائق والأوراق المستخدمة في بلاط غرناطة قبل سقوطها، وعلى هذا النوع من الأوراق كتب أبو عبد الله الصغير يومياته فأطلق عليها المخطوط القرمزي الذي قام أنطونيو غالا باستلهامه في بناء روايته بعد أن إطلع على هذه اليوميات وعلى وثائق أخرى تتعلق بتلك الحقبة العربية.
ويرى غالا أن التهجين والتوليد وتمازج الأجناس في إسبانيا هي حقيقة ماثلة، لا يمكن إنكارها، في إسبانيا، وأوروبا إبنة التوليد، إذ تمازجت على أرضها ثقافات الشرق والغرب، وبشكل خاص في حوض البحر المتوسط.
وتكريماً لدوره في التعريف بالثقافة العربية الأندلسية قررت جمعية الصحفيين العربي في إسبانيا منحه جائزتها السنوية للتعاون، وسلمت إليه في حفل أقيم في مدريد في نهاية التسعينات، ضمن الحفل السنوي الذي يقيمه نادي الصحافة الدولي وجمعية المراسلين الأجانب وجميعة مراسلي أمريكا اللاتينية، وحضره عدد من رموز الحياة السياسية والثقافية والفنية في إسبانيا.
عندما طلبت منه إجراء المقابلة لم يدع أنه مشغول، على غير عادة كبار الكتاب المشهورين، وأنا أعلم مسبقاً أن إرتباطاته كثيرة، وعجل بموعد اللقاء عندما علم أنها لقراء العربية، فاستقبلني في منزله بالعاصمة الإسبانية الذي تملأ جدرانه الكتب واللوحات والتحف الفنية، وقد أدهشني أدبه الجم وعذوبة ألفاظه، ورقة كلماته كأنك تجلس إلى أمير أندلسي ممسكاً بعصاه المميزة، ومنديل حريري يلتف حول عنقه، وإبتسامة شفافة تعلو شفتيه طوال هذا الحوار الذي ما أن إنتهى ودعني على عجل لينصرف بغية المشاركة في فعالية ثقافية:
* كيف يمكن الجمع بين كونك مسرحياً وشاعراً وروائياً وكاتب مقال؟
- إنني أؤمن بنظرية لأفلاطون، هي أن الإبداع عندي هو الشعر، أي أنه كل شئ. إنه كأي سائل يتكيف مع شكل الإناء الحاوي له. وهكذا نجد بيوت القصيدة شعراً، وهناك شعر روائي يتمثل في المسرح، وشعر قصصي في القصة، وشعر المقالة، وشعر الحياة، كيفية تأمل الحياة، الطريقة التي نرى بها مرورها وقدوم الموت.
وعند الكتابة، أنا لا أختار الشكل، فكل لحظة لها من لحظات الكتابة عندي تقرر الشكل النهائي للعمل. والكاتب يتمتع بهذه الصفة لأن له موهبة الإستقبال والإدراك التي تحركه.
* معروف أن أنطونيو غالا من أكثر الكتاب الإسبان المقروئين ، فما سر ذلك في رأيك؟
- أقر المختصون في علم الإتصال الذين درسوا هذه الظاهرة، أن هذا الأمر يرجع إلى أنني أتكلم مثلما أكتب، وأكتب مثلما أتكلم، أي أن هناك تواصلاً بين الفعلين. أعتقد أن لاوجود لفاصل أوفارق بيني وبين القراء، فأنا منهم وأنتمي إليهم، وأتحدث بالطلاقة وبالطريقة التي يفهمونها. هناك كتاب كثيرون يعتقدون أنه كي تبدو كتاباتهم أكثر عمقاً يقومون بتعقيدها. إنني أحاول توضيحها قدر الإمكان.
إنني أرى أن نتاجي الأدبي كعصير البرتقال، كالرحيق، يصل من الشجرة إلى الشفاه مباشرةً دون وسيط. وهذا التواصل كتيار الدم لايقف في طريقه عائق، أي بين ما أكتب وما يدركه ويفهمه القراء. وهو ماحدث لي دائماً، بما في ذلك عند نظم الشعر، رغم أن الشعر صعب الفهم.
إن هذا التواصل هبة لم أبحث عنها. أعتقد أنني لا أبحث عن أسلوبي، فالبحث عن أسلوب أمر ضار أدبياً. إننا نملك وسيطاً بين ما يُحكى وبين الصورة التي يُحكى بها، إننا كالحنجرة المستعارة، مثل يد الفنان التشكيلي الإسباني بلاثكيث المستعارة، وعلينا أن نتصرف ونعمل متخفين ومتنكرين قدر الإمكان.
* إلى من تكتب؟
- في الواقع لا أكتب لأحد على الإطلاق. إنني أكتب لأتعلم ولأنني بحاجة للكتابة، فالكتابة بالنسبة لي طريقة للعيش بعمق وكثافة. وأنا لم أكتب البتة للإتصال بالآخرين، بل أريد إبلاغهم شيئاً أعتقد أن الآخرين يمكنهم أن يتعلموه معي. الكتابة بالنسبة لي مصير، قدر، ليست موهبةً. وإذا كانت موهبة لربما ناقضتها.
* ومع ذلك فإن المتابع لشخصيات أعمالك يدرك أنك تبحث عن شئ ما؟
- إن معنى الحياة يكمن في أنها بحث وإستقصاء. وبحث المرء عن نفسه أهم ما يمكن أن يقوم به الإنسان. وسؤال: من أنا؟ هو أول الأسئلة، ولكن إذا لم تكن تستطيع الإجابة على هذا السؤال بطريقة جذرية فإنك ستظل خارج عن معرفة حقيقة ذاتك، والإستمرار على هذه الحال يعني خللاً وعدم ثبات، أي إنفصال عن الواقع، أو كسلعة تباع معرضة للغش. لهذا من الضروري أن يعرف الإنسان من هو.
بيد أن عملية البحث طويلة، وقد يكشف جوانب من ذاته ويثريها شيئاً فشئ، ولكنها ليست جانباً واحداً بل أوجه عديدة. لهذا فإن عملية البحث والإستقصاء هذه ضرورية و لا نهاية لها، وإذا وصلت إلى لحظة تعرفت فيها على نفسي تماماً، أي لم أعد أندهش أمام ذاتي، فإن هذا لن يعني أن ساعة موتي قد حانت.
* من منطلق ممارستك لكافة أجناس الأدب، أيها أقرب إلى القراء وأقوى تأثيراً عليهم؟
- في حالة إدراك الناس للحقيقة، قد تكون القصيدة الشعرية أكثر تأثيراً لأنها درب للمعرفة، ليست شكلاً تعبيرياً كالمسرح، بل هي شكل معرفة ودراية، لهذا إن وصلت القراء تأثروا بها. بعد الشعر يأتي المسرح على أساس أنه مباشر، يصل بلا وسيط إلى قلب المتفرج، وتأثيره يختلف عن تأثير العمل الروائي حيث يتصل القارئ بالكاتب رغم المسافة التي تفصل بينهما عند القراءة. المسرح يتمتع بالظاهرة الجماعية، مشاركة الجمهور، وهو شأن القصيدة، إذ يفترض أنها تكتب لتنشد على الجمهور، وإن كانت هذه الخاصية قد سرقها المسرح من القصيدة، إضافة إلى أنه أكثر تأثيراً ومباشرةً. ربما كان هذا هو سبب ممارستي لكتابة المسرح أكثر من أي لون أدبي آخر.
بيد أن المسرح لايغير، فوظيفته التنبيه، الإيقاظ. إنه يشير إلى موطن الداء، ولا يضع الدواء. أما مهمة التغيير فتقع على عاتق الحكام.
* تحدثت مسبقاً عن الشعر، وحسب معلوماتي فقد بدأت نظمه وأنت مراهق وواصلت في مرحلة الشباب، ثم توقفت عن قرضه...
- إنني لم أترك الشعر ولم يتخل الشعر عني، فأنا أكتب دواوين شعر قدر ما يجب أن أكتب من هذا الفن الأدبي، وكل مايحدث أنني أشعر بخجل جم يمنعني من نشر هذه الدواوين. ودور النشر تلاحقني كي أسمح لها بنشر أشعاري. نشر الشعر في إسبانيا يتم في كتب صغيرة الحجم، وهو ما لاينطبق على شعري، فالكثيرون ينتظرونه. وكنت مصراً على التوصية بنشره بعد رحيلي عن هذا العالم، إلا أن إحدى دور النشر أقنعتني بالتراجع عن رأيي هذا ونشره في ربيع هذه السنة 1997.
كنت قد بدأت نظم الشعر في سن مبكرة فعلاً، فأصدرت بمعية بعض الأصدقاء، وقد صاروا اليوم جميعاً كتاباً، مجلتين خصصناهما للشعر، الأولى في إشبيلية والثانية في مدريد، في محاولة للهروب من الوحدة والإنطواء على النفس والإحساس بالشاعرية والعيش في برج عاجي. وكان لتلك التجربة فضل في عدم شعوري بالوحدة في تلك السن المبكرة، إذ كنت في السادسة عشرة، وأنا طالب في جامعة إشبيلية، فكتبنا ونشرنا.
*ألا يرجع ذلك إلى أن الكثير من الكتاب يبدأون حياتهم الأدبية بكتابة الشعر، ثم يتحولون إلى القصة عند نضوجهم أدبياً ؟
- على الأديب أن يغادر الشعر بعد أن تكون قد قُبِّلَت كافة الشفاه، وتمت زيارة كافة المدن. المشكلة تكمن في أن الكثيرين يخلطون بين الشعر والقئ الطيب الرائحة، فبما أنه سريع ونحن كسالى، نكتبه مرةً واحدة ثم نصححه أو لا نقوم بهذه المهمة، فتختلط الأمور على القراء.
* هل من الممكن جعل الشعر في متناول الجميع، شعبياً، حتى يصل إلى أكبر عدد من الناس؟
- إنها مشكلة حقب ومراحل، فهناك حقب فائقة الثقافة. من الصعب الهبوط بالشعر إلى العامية، جعله أدباً جماهيرياً، والدليل على ذلك في إسبانيا أن أفضل شعر فدريكو غارثيا لوركا ليس ما يلقى الآن في الأمسيات الشعرية، بل تُلقى من أشعاره تلك التي يسهل على العامة فهمها واستيعابها، وغير أنه ليس أردئ ما كتب هذا الشاعر الغرناطي. هناك شعراء يعكرون المياه مثل الجاموس كي تبدو هذه المياه أكثر عمقاً.
* إهتمامك بالتراث العربي الأندلسي جلي وواسع، فكيف بدأ هذا الإهتمام ؟
- أعتقد أن طفلاً يولد في مدينة أبيلا-شمالي إسبانيا- ليس مثل آخر يولد في قرطبة، ليس أفضل ولا أسوأ، بل بكل بساطة مختلف. والطفل الذي أدافع عنه طفل يشم هواءً معيناً، ويرى أثاراً خاصة، ويعيش في وسط مختلف.
عندما يسألونني عن أثر الأندلس في شخصيتي لا أملك سوى الضحك، لأن الأندلس تتملكني، إنها الهواء الذي تنفست والحليب الذي رضعت في الصغر، فهي عميقة وقوية وصريحة في أعمالي وفي شخصيتي، إنها كل أعمالي. وعملي قبل الأخير، رواية " خلف الحديقة"، تجري أحداثها في إشبيلية، وإشبيلية الحالية هي أكثر المدن أندلسيةً أو إحتفاظاً بروحها الأندلسية...
إنه الإهتمام بأجدادي، بأصولي. وإن كان التطور قد أساء إلى الأندلس، فالتقدم يعني التخلف هناك. كانت الأندلس عظيمة، ولكي تصبح عظيمة من جديد عليها أن تعود كما كانت عليه في الماضي. كانت حلماً تاريخياً. الطريق الذي كان يصل بين قرطبة ومدينة الزهراء كان مرصوفاً بمسحوق الذهب والطيب والقرفة، حتى لاتطأ أرجل العبيد، الذين كانوا يحملون الهودج، الأرض في طريقهم إلى مدينة الزهراء، وهو ما يحملني على الشعور بالأسى عندما أرى طريقاً سريعاً يمر بقرطبة. فقرطبتي كانت أفضل بكثير مما هي عليه الآن. وإذا كان لي أن أتكلم عن الأثر التاريخي الذي خلف أعمق بصمة في حياتي فإنني سأختار بلا تردد المسجد الكبير في قرطبة، ولو لم يكن هذا الأثر موجوداً في مسقط رأسي لتغيرت حياتي كثيراً.
إنني أشعر أنني أنتمي إلى الثقافة العربية. وقد درستها بتأنٍ ورويةٍ لأكتشف أنها ثقافة مدهشة. ومن منطلق هذا الإعجاب الشديد قمت بتأسيس جمعية الثقافة الإسبانية العربية.
إنني أشعر أن إسم الأمويين محفور على جبهتي، وفي قلبي إسم العباسيين الإشبيليين، وفي يدي إسم بني نصر الغرناطيين. إنني أشعر بصلةٍ قويةٍ تجمعني بالأندلس، لهذا أردت أن يكون أول عمل روائي لي هو "المخطوط القرمزي"، وكما تعرف تدور أحداثه في غرناطة العربية.
* كيف تتعامل مع التراث الأندلسي إنسانياً وأدبياً، خاصة وأن من المعروف أنك تعارض الإحتفال بعيد الثاني من يناير، يوم سقوط غرناطة، وتقف ضد الإحتفال بحرب الإسترداد...
- لقد فسرت حرب الإسترداد - طرد العرب من الأندلس- من قبل المنتصرين. فليس صحيحاً أن التوتر كان سائداً طوال ثمانية قرون، فالتعايش كان غاية في الخصوبة والإنسانية والإنسجام بين الطرفين، وهو ما تعالجه الفصول الأخيرة من " المخطوط القرمزي".
اللغة الإسبانية لغة ثنائية، أصلهاعربي بقدر ماهو لاتيني. والكلمات الأكثر رقةً وتسميات الحرف والمهن في الإسبانية عربية الأصل، فالعربية هي التي وضعت كلمات مثل الأحجار الكريمة، وأسماء الوظائف المهمة، والتقدم، والمواطنة، والحمامات. أي أن كل ما يعني تقدماً وجمالاً وفرحاً حيوياً في اللغة الإسبانية قَدم من العربية. هذا بالإضافة إلى تعريف الأرض والزراعة وعلم النبات والبساتين.
كيف إذن يمكن السماح لمدينة كغرناطة بأن تحتفل بيوم سقوطها إذا كان يعني الرعب، وعدم إحترام ما تم الإتفاق عليه أثناء الإستسلام -بين أبي عبد الله والملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيسابيل-، في الوقت الذي حاول فيه أبو عبد الله الصغير الخروج في صمت حفاظاً على كل شئ؟ كيف لمدينة أن تحتفل بيوم الثاني من يناير؟
إنه أمر صعب وقاسٍ. كيف يمكن السماح لمدينة أخرى، هي مالقة، الإحتفال في أغسطس بيوم سقوطها، اليوم الذي لم يبق فيه على قيد الحياة سوى خمسة عشر آلاف نسمة في هذه المدينة، فاستعبدوا جميعاً. إنها أمور لاتحتمل. لايمكن السير ضد التاريخ، فإذا كنا متأثرين إنسانياً بما هو عربي، بالمناخ والوسط حسب الطرق والسبل العربية، فلايمكننا إنكار هذا وإلا أنكرنا ماكنا وما نحن عليه.
* كيف ولدت رواية " المخطوط القرمزي" ؟
-إنني لا أبتدع المواضيع، فالحياة هي التي تحملني إلى إختيار مواضيع أعمالي الأدبية، ومنها موضوع أبي عبد الله الذي راودني منذ زمن بعيد، بكل ما يعنيه. إن حضارة بني نصر كانت تمثل النقاء، الصفوة والقمة، وفي الوقت نفسه تدهور ماهو عظيم.
لقدت إهتممت بكل شئ حتى المادة التي تشكل الهندسة المعمارية العربية في إسبانيا، فالمعمار الأندلسي ترك أثره على مدى العصور. فهناك الحجر الذي صنعت منه حضارة الموحدين في إشبيلية، والجص والمعجون وهو قمة التقدم وعلى أساسه بني قصر الحمراء، النموذج الحي لحضارة بني نصر.
هذا في الوقت الذي ساعدتني فيه الظروف على التعرف على هذا الفن، على هذه الحضارة، وبشكل خاص على كل ما هو متعلق بحضارة بني نصر.
أذكر أنني كنت أتناول الغداء مع تسعة سفراء عرب في منزلي هذا حيث نجري الحوار، وقلت لهم " أرجو أن توفروا لي كل ما لديكم في بلدانكم حول هذه الفترة الأخيرة من الوجود العربي في إسبانيا، لأن أقسام المحفوظات هنا لاتحتوي على وثائق حولها، فأنا أريد أن أكتب كتاباً عن أبي عبدالله الصغير". وفجأة خيم الصمت على طاولة الطعام، لأن أبا عبد الله لايتمتع بسمعة طيبة على ما يبدو بين العرب. حينئذ فكرت في أن هذه الشخصية التي كانت سبب صمت السفراء العرب هي التي يجب أن أكتب عنها. كان من الضروري إسترداد هذه الشخصية التي لم تنصف، فالتاريخ يفسره ويكتبه دائماً المنتصرون، ويكتبونه بشكل سيئ.
المؤكد أن أبا عبد الله عاش محصلة ظروف صعبة ومعقدة، لم يكن له دور في صياغتها. لقد تسلم مقاليد الحكم في ظروف غاية في الصعوبة إضطر على أثرها قبول الإستسلام وقضاء بقية حياته في فاس، وإن كان قد بكى فإن بكاءه كان جزءاً من المشاعر الإنسانية النبيلة وليس ذلاً أو تخاذلاً.
* ولكن هل إهتمامك بهذا الرجل، أبي عبد الله، كان لدواعٍ إنسانية؟
- إنني أعتقد أن أبا عبدالله ربي تربية كأمير ليحكم في عصر النهضة، لهذا كان أكثر أهمية من أمراء قشتالة- المسيحيين- من أترابه. إضافة إلى أن كتابي هذا كان محاولة لمعالجة التاريخ وسرده من خلال الشخصية الأرقى تربية والأكثر أهمية في عصره، فهو في رأيي أكثر أهمية من فرناندو الكاثوليكي أو إنريكي الرابع. من هنا جاء إختياري لهذه الشخصية لتقديم الصيغة التي كان من الممكن أن تكون عليها إسبانيا ومايمكن أن تصبح عليه.
أبو عبد الله الصغير لم يبكِ مثل النساء، كما قيل عنه، ولم يكن خائناً. كان أميراً من أمراء عصر النهضة، وكل ما أراده هو الإنسحاب دون أدنى ضجيج حتى لا تتضرر الثفافة التي تركها أسلافه العرب فوقع على مواثيق إستسلام وافق عليها الملكان الكاثوليكيان، فرناندو وإيسابيل، وهما يعلمان مسبقاً أنهما لن يحترما هذه المواثيق.
* فيم يختلف أنطونيو غالا عن الكتاب الإسبان الآخرين الذين تطرقوا إلى مسألة الأندلس في أعمالهم الأدبية مثل الشاعرين الأندلسيين رفائيل ألبرتي وفدريكو غارثيا لوركا، أو الكاتب فرناندو سانشيث دراغو؟
- سانسيث دراغو تطرق إلى هذا الموضوع بشكل أقل ومن منظور مختلف. أعتقد أن الفارق يكمن في أنني أعشق ما هو أندلسي، إضافة إلى أنني، وقد لايصح أن أقول هذا، بحثت أكثر في هذا الأمر، من الناحية العلمية، إلى درجة أن كتاب " المخطوط القرمزي" كان على وشك أن يفلت مني ليصبح كتاباً علمياً، بعيداً عن الأدب، مما دعاني إلى اللجوء إلى الخيال حتى أنقذه من المنحى العلمي. ولهذا أعتقد أنني أحب إلى درجة العشق كل ماهو أندلسي، وقد عالجته أكثر من ألبرتي ولوركا.
* من خلال الدراسة العلمية إكتشف أثر الشعر الأندلسي في الكثير من شعراء جيل الــ 27، وهو ما إعترف به ألبرتي في لقاءاتي به، وبشكل خاص كتاب إميليو غارثيا غوميث " قصائد عربية أندلسية" فما رأيك في هذا الأمر؟
- هذا حقيقي ففي فترة الوجود العربي كان الشعر العربي متفوقاً على شعر قشتالة التي لم يكن فيها سوى شعراء معدودين، في حين أن الأندلس أنجبت حضارة متلاحمة، أفرزها العرب والأندلسيون، نتيجةً للحب من أول لحظة بين الشعبين، فالإسبان فتحوا أبواب بلادهم أمام العرب، أثناء الفتح، لأنهم كانوا قد سئموا حكم القوطيين ذوي الحضارة المتخلفة التي كانت لاتقارن بحضارة العرب الفاتحين.
هذا في الوقت الذي شعر فيه العرب أنهم لم يخرجوا كثيراً من ديارهم، فقد سبق لهم أن تعرفوا على الثقافة الرومانية إلى حد ما في الهند وبلاد فارس وسورية، لهذا عندما وصلوا إلى الأندلس لم يشعروا بالغربة، في حين وجدت فيهم الأندلس رحيق الشرق الذي تركه لها من قبل الفينيقيون والقرطاجنيون. فكان هذا التزاوج بين الثقافتين، والإحترام الشديد بينهما، مما أفرز شعراء عظماء في الأندلس العربية.
* معروف أنك لفترة كنت على إتصال مباشر بعرب اليوم من خلال رئاسة جمعية الصداقة العربية الإسبانية في الثمانينات، فهل تعرفت على الأدب العربي المعاصر؟
- نعم، قرأت أعمالاً عدة أثناء رئاستي لأول جمعية صداقة عربية إسبانية حيث كنت على صلة مباشرة بأساتذة الأدب العربي في إسبانيا، مثل بدرو مارتنث مونتابث وكارمن رويث وإليسا مولينا، وهو ما سهل لي التعرف إلى الكتاب العرب الذي ترددوا على إسبانيا في تلك الفترة. ملاحظاتي هي أن الأدب العربي يمر بحالة تشبه الركود، حب الذات، النظر إلى الوراء بدلاً من التوجه إلى الأمام. وهو ما يحدث في الأندلس إذ تنظر إلى ما فعلته في الماضي، وهو ماضٍ جميل، فتحدث حالة ركود، وعندما تريد التقدم إلى الأمام على الطريقة الغربية تكون خطواتها مثقلة، أي في حالة مقاومة لتقاليدها، وهو أمر ليس طيباً. مدينة قرطبة عندما حاولت الخروج عن طبيعتها الأندلسية أصبحت قبيحة، إن جمالها يكمن فيما هي عليه، عندما تحافظ على ماضيها، على ما كانت عليه.
* كيف كانت تجربتك على رأس جمعية الصداقة العربية الإسبانية؟
- كانت طيبة. إلا أن فكرتنا عن الوطن العربي ورغبتنا فيما يمكن أن يكون لم تتحقق بسبب الخلافات بين الدول العربية داخل الجمعية، فكل واحد كان يريد أن يقيم علاقة منفردة لبلاده مع إسبانيا، منفصلة عن بقية الدول الشقيقة، مما زاد الأمر صعوبةً. لهذا تركت الجمعية في يدي بدرو مارتنث مونتابث، فهو أكثر دبلوماسيةً وفطنةً مني بهذه المسائل. وإن كان هذا لايمنع أني إستمتعت كثيراً من تلك التجربة.
* هل روايتك " العشق التركي" تعود إلى إهتمامك بما هو أندلسي أو بإهتمامك بإمتزاج ثقافات البحر المتوسط ؟
- يتعلق بالتزاوج والتوليد بين ثقافات البحر المتوسط. إنني أعتقد أن الثقافات تصبح غاية في السذاجة عندما تزعم النقاء، ولا تثير إهتمامي. سكان إقليم الباسك، شمالي إسبانيا، يزعمون ويفتخرون بأنهم لم يتأثروا بالثقافة الرومانية، وهو مايحملني على عدم الثقة في هذا النوع من الثقافات، فالثقافة التي تزعم أنها لم تتأثر بثقافات أخرى لاتثير إحترامي. الثقافة نتاج التزاوج والتوالد، فأي مدينة من منطقة مغلقة وبعيدة تختلف تماماً عن أخرى مفتوحة مرت بها ثقافات العالم إذ تثريها.
* ما رأيك في الفيلم الذي أخرجه بثنتي أرندا عن هذه الرواية؟
- إنه سيئ، فالسينما لاتتعامل مع الأدب بشكل جيد، لأن همها الفكرة البسيطة، الحكاية، بعيداً عن تعقيدات العمل الأدبي ومايحيط بقصة حب مثل حب سكرتيرة لرئيسها في العمل أو سائحة للمرشد السياحي. من الصعب معالجة الأدب سينمائياً. ورغم هذا التبسيط لاقى الفيلم نجاحاً كبيراً من منطلق فضول الناس الذين قرأوا الرواية أو سمعوا بها. الفيلم لاصلة كبيرة له بروايتي، فأنا لم أشارك في كتابة السيناريو، وقد يرجع هذا إلى أن المنتج يلعب دوراً هاماً في تسيير الفيلم أكثر من المخرج ومن الكاتب. وبالرغم من هذا فإنني أرى أن الفيلم يهم من لم يقرأ الرواية. فالفيلم ليس رديئاً فنياً، لكنه لايعكس روحها.
* الملاحظ أن الحب تعالجه غالبية أعمالك الأدبية، وأصبح محوراً لها، فما سر هذا الشعور عندك؟
- إنني مثل دانتي، في كتابه "الكوميديا الإلهية"، أعتقد أن الحب هو الذي يحرك الشمس والنجوم الأخرى. ومن خلال الحب فقط يمكن فهم هذا الأمر، فهو ملئ بالجسور المتحركة، إنه الذي يجعلنا نفهم الأخرين، الثقافات الأخرى، وكان وراء عشق وإفتتان الإسبان بالثقافة التي حملها العرب إلى الأندلس. الظواهر التاريخية العظيمة كانت نتاج الحب، فالتكنولوجيا وما تحمله من مشاكل وحسنات للبشرية ما هي إلا نتاج حب البحث.
ليس الحب الشخصي، حبي وحبك، هو مايهمني، بل حب الآخرين، وإدراجهم في مشروع. ليس التأمل وتبادل النظرات بين فردين، بل النظر إلى شئ معاً، الشروع في عمل مشترك، العمل من أجل عالم أفضل يسكنه المحبون، حينها يتحول الحب إلى شئ قوة فاعلة.
* ألم يكن الحب وراء كتابة مسرحية " الحسان النائمون" التي عرضت على خشبة المسرح منذ عدة سنوات؟
- بلى. وعروض هذه المسرحية جاوزت الأربعمائة عرض، وهو مؤشر طيب ونجاح ساحق، إذا أخذ بعين الإعتبار حال المسرح الآن في إسبانيا.
* الحب في حياتك...
- لم أكن وحدي قط، وإن كانوا يطلقون عليَّ الآن المحب المستوحد. الحب بشكله البسيط، أعني حب شخص يهمني، أصبح بالنسبة لي ذكرى. إنني أحب الناس جميعاً بصراحةٍ. أعتقد أن الإنسان ليس هو الوحيد الذي يثير الأمل أو يضيعه. إنني أحب كل مايحيط بي، وهو مايحمل الكثيرين من الشباب على الكتابة إلي بعد قراءة مقالتي الأسبوعية في الصحف.
* في بداية روايتك الأخيرة " الحب بين ثلاثة" تقول " لم يكن الحب أكثر حيويةً مما كان عليه لحظة الخيانة..." أيعني هذا أن المعاناة شرط لازم في الحب؟
- لا أعتقد ذلك. قد يكون ضرورياً في حالة هذه الشخصية الماسوكية، ولكن لا أعتبر أن الحب مؤلم بالضرورة. إنني أوافق على أنه يسبب ألماً، ولكن في حالة الإنكفاء عليه، فالإقتصار يتطلب مزيداً من التضحية والمطالب. الحب ليس كالصداقة التي تنمى وتمارس بلا مقابل. والحب يطلب ريعاً وكل نوع من المكاسب معقد ومؤلم. والغيرة هي نتيجة لهذا الإقتصار أو حق التصرف بلا منازع، في الحب. وهي تتوقف على تصرف المحبوب غير الفاعل.
* يبدو أن الإنسان بعد هذه العمر الطويلة لم يتعلم الكثير عن الحب إذ ما زال يرتكب الأخطاء ذاتها؟
- في الواقع موقف الإنسان بهذا الصدد متناقض، فلم يتعلم شيئاً ولم يتعمق فيه كثيراً رغم أنه هو الذي إخترعه، فالحب ليس فطرياً لأن لا يولد مع الإنسان. وهو كما نفهمه اليوم لا يتعدى عمره أربعة أو خمسة قرون. ولكن إذا تكلمنا عن الحب الجنسي فإن الإنسان حقق تقدماً في معرفته. أما الحب الآخر فيعيش داخله.
لا يوجد مخلوق يثير يأساً في نفسي كالذي يثيره الإنسان، غير أن البشرية نفسها تثير أكبر الآمال. والبشر يسببون الجرح وفي الوقت نفسه الشفاء. إن هذا الوضع يشبه مفهوم الخير والشر، أسطورة قابيل وهابيل.
* المرأة لها حضور رئيسي ومكثف في نتاجك الأدبي، فمعظم شخصيات أعمالك نساء، فما سر هذا الحضور؟ وهل هذا يعني أنك تعرف روح المرأة بعمق؟
- إن الثقافة التي أنتمي إليها أعارت المرأة مكانةً خاصةً، فهي المثاليات والعواطف والأحاسيس في المجازات، وجسمتها في كافة الصور البلاغية، وفي العقلانية والثورة.
المرأة هي التي تشد أزر الرجل. إنها الموهبة والخلق، وهو مايجعلها تفهم وتجيد تجسيد أي دور في المسرح، أكثر من الرجل. في الحياة اليومية نجد أن الرجل والمرأة يعملان، إلا أن الرجل يميل إلى الصمت، فهو مقل في التعبير عن ذاته وإفهام الآخرين بتصرفاته، على عكس المرأة تشرح نفسها وتفسر تصرفاتها. إنها تعبر بوضوح عما يخالجها، ولهذا يستغل المسرح هذه الخاصية.
بالنسبة للشق الثاني من السؤال فإن الروح لا جنس لها. ولا أزعم أنني أعرف شيئاً بعمق. إنني أحب المرأة، وهي تثير إعجابي، وأنا ممتن لها لكثير من الأشياء. إنني أراقبها لأن ذلك يدخل ضمن عملي.
* إلى أي حد تركت الوحدة أثرها على حياتك؟ ( ألفت إنتباه القارئي أن أنطونيو غالا لم يتزوج ويعيش وحده...)
هناك نوعان للوحدة، ولا يوجد لهذا الشعور سوى كلمة واحدة في الإسبانية... لهذا يصعب معرفة ما إذا كانت هذه الوحدة مفروضة أم مرغوبة وتم البحث عنها. تعلمت من خلال تجربتي أن الوحدة المفروضة مؤلمة للغاية، غير أن الوحدة الأكثر ألماً وأسفاً هي تلك التي يشعر بها إنسان في صحبة آخر. يصلني يومياً مايقرب من مائة وخمسين رسالةً وهناك نسبة عشرين في المائة منها تصلني من أناس يعيشون هذه الوحدة.
على أية حال هناك بشر يؤثرون الإنزواء من أجل عملهم، وهذه حالتي. ووحدتي لا تعزلني نظراً لأنني أستقبل صدى الخارج، ما حولي. وأنا أرغب في إستمرار هذه الوحدة من أجل خدمة الآخرين بشكل أفضل. وكان هذا الوضع قد حمل البعض على إعتباري التضامني الوحيد.
* معروف أن ليس لك أصدقاء بين الكتاب... فما السبب؟
- قلة هم أصدقائي من بين الكتاب، وذلك لسبب بسيط وهو أن الكتاب يريدون الحديث عن أعمالهم وهذا لايروق لي إطلاقاً لأنني لا أتكلم عن نتاجي. والأدب على عكس الحب، فالحب لا يحكى، بل يمارس فقط. أما الأدب فيحكى ولا يمارس. أعتقد أن من السخف عمل حياة أدبية.
* لماذا هذه الفترة الطويلة بين مسرحيتي " المحتالة" و"الحسان النائمون" ؟
- كنت أكتب رواية، وبعد الإنتهاء من عملي الروائي الثالث " وراء الحديقة"، بدأت كتابة عمل مسرحي قصير. المسرح يمر بمرحلة سيئة، ليس فقط في إسبانيا بل في العالم كله. لقد تراجع قليلاً أمام خصوم أقوى مثل التلفزيون والسينما، لهذا ولى الناس ظهورهم للمسرح إلى حد ما، وعلينا توعيتهم بأن المسرح مرآة يتعرفون على أنفسهم فيها، وإلا لمات المسرح.
* الملاحظ أن أعمالك المسرحية الأخيرة تتجه إلى المسرح الغنائي، فهل هذا يحدث بحثاً عن الجماهير؟
- ليس بالضبط البحث عن أكبر عدد من المشاهدين، كما أنه من غير المنطقي أن تجمع ثمانمائة فرد أمام خشبة المسرح ليشعروا بالملل. يجب أن تقدم لهم شيئاً يلفت إنتباههم، إستعراض أو فرجة بلغة الجمهور. ما أقدمه مسرح جاد مغلف كأي مسرح كلاسيكي، ملغف بورق فضي حتى لا يشعر المشاهد بالضجر.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأثير نوبل نجيب محفوظ على الترجمة من العربية إلى الإسبانية
- عالم الأندلسيات محمود مكي يترجل إلى الآخرة من بلاد الأندلس
- الغيطاني وجدلية المجرد والمحسوس في -متون الأهرام- *
- الشاعر رفائيل ألبرتي : تأثرت بالشعر العربي الاندلسي وغارثيا ...
- الإسلاميون والديمقراطية في مفترق طرق
- سورية في قلب أم الدنيا
- الرؤيا في شعر البياتي
- لا تجبروا جيش الشعب المصري على أن يكون فاعلاً على غرار جيوش ...
- أزمة اللغة في -المسرح الجديد- في إسبانيا
- مشاهد بعد معركة الإخوان المسلمين
- العرب بين الإنتحار واللهو بتطبيق الشريعة: مصر على شفا جَرف ه ...
- من البنية إلى البلاغة في السميوطيقا البصرية
- التأليف الموسيقي في خدمة الصورة السينمائية (الخطاب الموسيقي ...
- توظيف وتطبيق العلامات المسرحية
- حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل
- مكان الطقس في سميوطيقة العرض
- السارد في المسرح
- سميولوجيا العمل الدرامي
- الشاعر أوكتابيو باث في ذكراه:على العالم العربي أن يبحث له عن ...
- المسرح والخيال


المزيد.....




- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء الذي تنفست