أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة !















المزيد.....



من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة !


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4231 - 2013 / 9 / 30 - 20:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تمهيد
ما أن أعلنت واشنطن عن رغبتها في انسحاب قواتها من العراق أواخر العام الماضي 2011 حتى احتدم المشهد السياسي على نحو مثير، حيث ازدادت الشكوك والمخاوف بين أطرافها، متخذة تارة بُعداً سياسياً وأخرى بُعداً طائفياً، وفي كل الأحوال كانت المنافسة على السلطة ومراكز النفوذ أقرب إلى ماراثون لا نهاية له أو مصارعة على الطريقة الرومانية لا تنتهي الاّ بالقضاء على أحد المتصارعين وإنهاك الآخر حدّ الموت أحياناً.
كل ذلك يجري فيما سمّي بحكومة الشراكة الوطنية التي اقتربت من التشطير وابتعدت عن التوافق بعد أن كان عنواناً للمرحلة الانتقالية ما بعد الاحتلال وازداد التناقض والصراع بين الفرق المؤتلفة "المختلفة"، سواء اتهام دولة رئيس الوزراء نوري المالكي بالدكتاتورية والتفرّد والاستئثار بالمواقع، أو اتهامه هو خصومه بلعب دور مزدوج، فمن جهة هم يشاركون في السلطة في حين يمارسون دور المعارضة.
وكان من مظاهر تصدّع ما سمّي بالشراكة وضعف أو انعدام الثقة: مطالبة مجلس محافظة صلاح الدين وأعقبها مجلسي محافظتي الأنبار وديالى بالفيدرالية بمبررات التهميش وقلّة الصلاحيات، ومن جهة أخرى، انفلتت حملة اتهامات لجهة بعض أطراف العملية السياسية، تلميحاً أو تصريحاً لغواية الانقلاب العسكري، بل وتم شن حملة اعتقالات شملت المئات من المحسوبين على النظام السابق وبعضهم قريب من القائمة العراقية، وكان اتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الضلوع بالارهاب واعتقال العديد من أفراد مكتبه وحمايته ذروة الانقسام في إطار المشهد السياسي، والأكثر من ذلك حين جرت محاولات لاعتقاله واستمرار الجدل والتهاتر حتى بعد انتقاله إلى كردستان، حيث تحوّلت الخلافات من خلافات سياسية لتصبح صراعات جنائية.
وهكذا تحوّل ما هو نقد أو تذمّر أو اختلاف في الرؤى والتصورات إلى اتهامات خطيرة، بل أقرب إلى كسر عظم لتحطيم الشريك، المنافس، الخصم، العدو. وفي الكثير من الأحيان إلى مناكفة ومناكدة، وشخصنة وهكذا منع نائب رئيس الوزراء، صالح المطلك من دخول مجلس الوزراء على خلفية اتهامه رئيس الوزراء بالدكتاتورية، ومُنح وزراء القائمة العراقية إجازة مفتوحة بعد أن علّقوا حضورهم اجتماعات مجلس الوزراء، وكذلك تعليق حضور أعضاء القائمة العراقية اجتماعات البرلمان(الجميع عادوا لاحقاً باستثناء المطلك الذي اشترط عليه الاعتذار، فامتنع عن ذلك).وطالت اتهامات بالفساد المالي وزير المالية رافع العيساوي.
واندلعت أزمة لم يعد بالامكان لملمتها على الرغم من اتفاق إربيل لاحتوائها سابقاً بمبادرة من مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان، أو مبادرة جديدة من رئيس الجمهورية جلال الطالباني، وهي مبادرات لا يعوّل عليها كثيراً بما فيه المؤتمر الوطني الذي تمت الدعوة إليه مؤخراً والذي تم تأجيله لما بعد انعقاد القمة العربية، 29 آذار (مارس)2012، خصوصاً في ظل أزمة الثقة وهشاشة العلاقة بين الأطراف السياسية، واعتذار القائمة العراقية من الحضور بسبب رفض مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان حضور المؤتمر المذكور، طالما سينعقد في بغداد، وأخيراً عودة البارزاني مجدداً بعد زيارته للولايات المتحدة لتفعيل مبادرة إربيل بالدعوة إلى اجتماع جديد، لكن الأمور لا تزال عائمة ولم ترسي على سكّة كما يقال.
سنحاول في هذا البحث أن نتطرق إلى ثلاث قضايا رئيسية وهذه تغطّي حال النظام السياسي بتحدياته المختلفة ما بعد الاحتلال، ونعني بها: الاحتلال وتداعياته، ثم الدستور وما يرتّب عليه، وأخيراً فكرة الفيدرالية والمطالبة بالأقاليم وما تعكسه من تناقضات المشهد السياسي، الآخذ بالتدهور لدرجة التشظي. وفي مبحث رابع سنتوقف عند تحدّيات المستقبل، المعجّل والمؤجل.
أولاً- الاحتلال والانسحاب وما بينهما!
ثلاثة مرتكزات اعتمدت عليها الإدارة الأمريكية في سياستها إزاء العراق في السنوات الثلاث الماضية، وذلك كي تتجنب المزيد من الخسائر المادية والمعنوية التي تعرّض لها مشروعها الامبراطوري، الذي تكرّس باحتلال العراق في العام 2003، على الرغم مما لاقاه من مقاومة شرسة، ولعل هذه المرتكزات هي:
المرتكز الأول- إعادة تنظيم العلاقة بين بغداد وواشنطن، بحيث يتم اعتماد صيغة جديدة بدلاً من "الاحتلال العسكري " الذي نظّمه القرار 1483 الصادر في أيار (مايو) 2003 عن مجلس الأمن الدولي، والذي يخضع في أحكامه لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 ولقواعد القانون الدولي والقانون الإنساني، إضافة إلى أكثر من عشرة قرارات دولية أخرى صدرت بعده من الأمم المتحدة.
وبإبرام الاتفاقية العراقية- الأمريكية في أواخر العام 2008 وعشية مغادرة الرئيس جورج دبليو بوش، البيت الأبيض والذي أصرّ على إنجازها قبل انتهاء ولايته، تغيّرت صفة الإحتلال من "إحتلال عسكري" إلى " إحتلال تعاقدي"، لاسيما بإسقاط حق العراق بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به، الأمر الذي كان واضحاً أن الصيغة الجديدة هي الأخرى غير متكافئة حسب اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، لأنها انعقدت بين طرفين أحدهما قوي ومحتل، والآخر ضعيف ومحتلة أراضيه، حيث تم استبقاء القوات الأمريكية بحصانة قانونية لمدة ثلاث سنوات، وتم منحها امتيازات على حساب السيادة الوطنية العراقية التي ظلّت معوّمة. لكن هذه الصيغة هي الأخرى وصلت إلى طريق مسدود، وفشلت في تلبية طموحات واشنطن، لاسيما تداعياتها اللاحقة.
وهو الأمر الذي كان مدار بحث وأخذ ورد طيلة السنوات الثلاث الماضية لاعتبارات أمريكية بالدرجة الأساسية، فيما يتعلق بازدياد حجم الضحايا وضغط الرأي العام الأمريكي والعالمي للانسحاب، ثم تداعيات الأزمة العالمية الاقتصادية والمالية، دون إغفال رد الفعل العراقي المقاوم والممانع، الذي اضطّر الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى إعلان الانسحاب قبل نهاية العام 2011.
المرتكز الثاني – إعادة ترتيب العلاقة بين أطراف العملية السياسية، بحيث يتم تشكيل حكومي ثلاثي يضم القائمة الأكبر الفائزة بـ 91 مقعداً وهي القائمة العراقية برئاسة الدكتور إياد علاوي القريب من واشنطن، والقائمة الثانية كتلة الائتلاف الوطني التي ضمت قائمة دولة القانون التي حصلت على 89 مقعداً، والمجلس الاسلامي الأعلى وجماعة السيد الصدر وجماعات إسلامية – شيعية أخرى والتي حصلت على 70 مقعداً، واعتبرت حسب قرار المحكمة الاتحادية، الكتلة الأكبر التي من "حقها" تشكيل الوزارة، حيث تم إعادة تكليف نوري المالكي الذي يعتبر عمقه الستراتيجي لإيران، وأفقه السياسي لواشنطن، وقد حاول الموازنة خلال فترة ولايته الأولى، إضافة إلى الكتلة الكردية وهي المجموعة الثالثة، التي يتزعّمها الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، مع بروز عنصر جديد هو المعارضة الكردية الداخلية، منذ الانتخابات المحلية لإقليم كردستان، خصوصاً "كتلة كوران" القوية في السليمانية.
وقد كُلّف جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي بالمهمة عشية وعقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 آذار (مارس) 2010 والتي تأخّر تشكيل الوزارة بعدها لعام تقريباً، وحتى بعد تشكيلها ظلّت وزارتا الدفاع والداخلية شاغرتين حتى الآن، إضافة إلى وزارة الأمن الوطني ومنصب مدير المخابرات العام، وهذه مناصب يشغلها حالياً رئيس الوزراء العراقي، إضافة الى مناصبه الأخرى، لاسيما كونه القائد العام للقوات المسلحة حسب الدستور.
وقد تم "اختراع" صيغة "المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية العليا " لترضية د. إياد علاوي والقائمة العراقية فيما سمّي بوثيقة إربيل، لكن هذه الصيغة سبّبت المزيد من التعقيد بدل التوافق، وظل طريق هذا المجلس غير سالك، لا من الناحية الدستورية، ولا من الناحية العملية، حيث لا موقع له في الدستور، ومن الناحية العملية لا يوجد منطق يبرر وجود "رئيس للرؤساء" وهذا هو مظهر من مظاهر تفجير الأزمة الراهنة.
وقد فشل بايدن الذي زار العراق لعدّة مرات عشية وبُعيد الانتخابات بما فيها عشية الانسحاب الأمريكي من العراق، وكان فشله ذريعاً في خلق الائتلاف العراقي المنشود، بل ازداد التباعد حدّ التناحر، لاسيما في ظل تدهور الوضع الأمني، وظهور نزعات تصفية الحسابات عشية وبُعيد الانسحاب الأمريكي من العراق، إضافة إلى ظهور مشكلة الأقاليم، خصوصاً بعد إعلان مجلس إقليم محافظة صلاح الدين عن رغبته في التحوّل إلى إقليم وكذلك مجلس محافظة الأنبار ومجلس محافظة ديالى، وقبل ذلك تصريحات رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي عن تهميش السنّة، الذين قد يضطرّون إلى تشكيل إقليم مستقل إذا استمرت حالة الإقصاء والعزل.
المرتكز الثالث هو اضطرار واشنطن، إلى سحب قواتها بالكامل من العراق، خصوصاً وقد فشل القادة الأمريكان الإبقاء على 20.000 (عشرون ألف) جندي أو حتى 10.000 (عشرة آلاف) في العراق، لأسباب أمريكية داخلية، فقد كلّفت الحرب ما يزيد عن 4478 قتيل ونحو 30 (ثلاثون ألف) جريح، إضافة إلى نحو ثلاث تريليونات دولار حتى نهاية العام 2008، حسب بعض المصادر، على الرغم أن ما هو معلن رسمياً يزيد على تريليون دولار، والأمر يتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة ورغبة الرئيس الأمريكي أوباما في الترشّح لولاية ثانية، لاسيما وأن موقفه كان مناوئاً للحرب على العراق، وكذلك يتعلق الأمر بضغط الرأي العام الأمريكي والغربي عموماً، إضافة إلى الرأي العام العالمي، ناهيكم عن الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت الولايات المتحدة والعالم أجمع، ولا تزال مستمرة، خصوصاً بانهيار مصارف كبرى وشركات تأمين عملاقة.
وحسبما ما هو معلن فقد استبقي نحو 3.000 (ثلاثة آلاف) جندي أمريكي للتدريب والتأهيل مع طواقم السفارة وملحقاتها بحصانتهم القانونية ليصل العدد إلى نحو 16 ألف، وهو عدد غير قادر على أن يمثل وجوداً عسكرياً مؤثراً، وحسبما يبدو أن واشنطن تحاول الاستعاضة عن وجودها العسكري الكثيف بقواعد عسكرية قريبة من العراق في دول الخليج، للتدخل العسكري عند الحاجة، وهكذا أخذت تفكّك القواعد والمقرّات والمواقع العسكرية وتسلّمها إلى الحكومة العراقية.
لعلّ رفض بقاء قوات أمريكية شعبياً في العراق من جهة وعدم رغبة واشنطن في إبقائها مهددة من جهة ثانية، هي المرّة الأولى التي تحتل فيها واشنطن بلداً وتخرج منه دون الحاجة إلى الإبقاء على قوات أو قواعد عسكرية، ففي ألمانيا لا زال هناك نحو 54.000 جندي وفي اليابان نحو 40.000 جندي، وفي كوريا لا يزال نحو 28.500 جندي.
مشكلات ما بعد الانسحاب الأمريكي
لم يصادف أن انسحبت واشنطن من بلد، الاّ مضطرة كما حصل في الفيتنام، حين كانت تضع لمساتها الأخيرة لمغادرة العراق، فقد تركته في حالة غليان وفوضى لا تزال مستمرة، فنبرة الانقلاب العسكري والتنظيم البعثي عادت إلى الواجهة خصوصاً وقد رافقتها حملة اعتقالات، وشملت الاتهامات بعض الأطراف المشاركة في العملية السياسية والحليفة في ما سمّي بحكومة الشراكة، وهو ما تمت الإشارة إليه في المقدمة.
ولعل هذه الأطراف هي الأخرى تتهم من جانبها الكتل الأساسية، لاسيما المالكي وحزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى وجماعة السيد الصدر ومنظمة بدر وغيرها، بالانحياز إلى إيران وتسهيل مهمتها في العراق، وعاد الانقسام المذهبي والطائفي إلى الواجهة، واستفحل العنف والارهاب مجدداً في الشارع، لاسيما استهداف الأكاديميين ومؤخراً شرطة المرور، ناهيكم عن كواتم الصوت التي أصبحت ظاهرة مخيفة في الفترة الأخيرة. وإذا كان الوضع الأمني قد تحسّن إلى حدود غير قليلة، لكن عدم استقراره وهشاشته واحتمالات اختراقاته لا تزال قوية ويطلّ تنظيم القاعدة الارهابي برأسه بين حين وآخر.
أما ما يسمى بـ" المناطق المتنازع عليها"، فقد ازدادت حدّة وحصل الأمر في خانقين (أواخر العام 2011) برفع العلم الكردي، واضطرار الحكومة الاتحادية مطالبة الأطراف الكردية بإنزاله وازدياد العنف والتوتر في كركوك حيث لا يزال مصير المادة 140 من الدستور المرحّلة من المادة 58 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، غامضاً، ولا أفق سريع في الحل، بل أن الوضع يزداد تعقيداً، لاسيما في ظل احتدام مشكلة عقود النفط بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، حيث ارتفعت درجة التوتّر إلى حدود كبيرة وهو ما عبّر عنه مسعود البارزاني رئيس الإقليم الذي اتهم المالكي بالتفرد بالقرارات، مشدداً على عدم تسليم الهاشمي وذلك خلال زيارته إلى واشنطن (نيسان /ابريل/2012). وأظن أن مشكلة النفط إضافة إلى كركوك تشكل جوهر مشكلة الإقليم مع المركز!
ومثلما فشل الرئيس بوش في إدارة مرحلة ما بعد الاحتلال، لاسيما باستخدام القوة الخشنة Hard Power وزيادة عدد الجنود الذي وصل إلى 170 الف جندي، فقد "خسرت" إدارة أوباما العراق، الذي لا يزال مفتوحاً لاحتمالات شتى، وهكذا بعد سنوات من الشراسة الفاشلة، بدت خطة أوباما باستخدام القوة الناعمة Soft Power فاشلة أيضاً، وكلاهما لم يكونا "قوة ذكية" كما جرى تبريره.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد تركت العراق مضطرة، فإن تنظيم القاعدة لا يزال نشطاً ويمارس إرهاباً شنيعاً على الرغم من الضربات التي تعرّض لها وتقليص دائرة نفوذه، ولكن لا يمكن الحديث اليوم أن حملة مكافحة الارهاب التي أعلنتها واشنطن بعد أحداث أيلول (سبتمبر) الارهابية الإجرامية قد "نجحت" وأنه تم تنظيف العراق من آثارها السوداء. كما أن النفوذ الإيراني في العراق، العدو التقليدي في المنطقة لواشنطن، لا زال قوياً، بل إنه اتّسع وامتدّ إلى العمق العراقي، وبدت الوحدة الوطنية هشّة ومضعضعة، والاحتراب بين القوى السياسية تضاعف إلى حدود تنذر بالخطر، خصوصاً بارتفاع الدعوات إلى "الفيدرالية"، تلك هي التي تعارضها الحكومة.
أما تأمين عقود وتراخيص خاصة في موضوع النفط، وإصدار قانون النفط والغاز الذي ظلّ معلّقاً منذ العام 2007، فإنه لن يكون لوحده، الثمن المجزي لواشنطن، وإنْ كان تعويضاً مناسباً لما خسرته في الحرب، لكن سياساتها في العراق والمنطقة باءت بالفشل، سواءً باستخدامها القوة الخشنة أو القوة الناعمة، ولكن في كلا الحالتين لم تكن سوى قوة غبيّة عاظمت من معاناة شعوب المنطقة، التي ظلّت محرومة من الحريات والحقوق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واستحقاقات التنمية الشاملة، الأمر الذي كانت فداحته غالية كثيراً، ولعل ذلك ليس سوى الصورة الأولى لمخلّفات الانسحاب الأمريكي من العراق.
ثانياً- الدستور غير الممكن "دستورياً "
لعل المشكلة التي يواجهها أطراف العملية السياسية اليوم بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق واندلاع الأزمة السياسية، هي موضوع الدستور فلم يعرف العراقيون في تاريخ دولتهم المعاصر جدلاً دستورياً مثلما عرفوه ما بعد الاحتلال في العام 2003. ربّما يعود الأمر في جزء منه إلى تعويض عن غياب دستور دائم منذ "ثورة" 14 تموز (يوليو) العام 1958، حين كرّت الدساتير المؤقتة كل بضعة أعوام أو بعد كل انقلاب عسكري، حيث صدر الدستور المؤقت الأول في 27 تموز (يوليو) العام 1958 وحكم البلاد لغاية 8 شباط (فبراير) 1963، واستبدل هذا الدستور بقانون المجلس الوطني " الدستور المؤقت الثاني" الذي صدر عقب الانقلاب البعثي الأول الذي أطاح بحكومة الجنرال " الزعيم" عبد الكريم قاسم.
أما الدستور المؤقت الثالث فقد صدر عقب انقلاب 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 الذي كرّس عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية بدستور صدر العام 1964. وإثر انقلاب 17 تموز (يوليو) 1968 ومجيء حزب البعث ثانية إلى السلطة، صدر الدستور المؤقت الرابع في أيلول (سبتمبر) 1968، واستبدل هذا الأخير بدستور مؤقت خامس صدر في تموز (يوليو) العام 1970 واستمرّ لغاية العام 2003 أي نحو 33 عاماً.
ومن المفارقة أن تكون فترة الدستور المؤقت الخامس الذي حكم العراق ثلاثة وثلاثين عاماً، مساوية للفترة التي حكم بها الدستور الدائم الأول الذي شرّع العام 1925 بإشراف بريطانيا وهو أول دستور للدولة العراقية المعاصرة بعد تأسيسها في 23 آب (أغسطس)1921، والذي أُبطل في العام 1958.
وإذا كان العهد الملكي قد اتّسم بوجود دستور دائم واستقرار نسبي فقد شهد العهد الجمهوري دساتيراً مؤقتة وانقلابات عسكرية، إلى أن وقعت البلاد تحت الاحتلال وأطيح بنظام صدام حسين الاستبدادي، بعد حروب لا مبرر لها دامت نحو ربع قرن وحصار دولي جائر استمر نحو 13 عاماً، حيث تم سنّ قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية في العام 2004 وقيل أن المشروع الأساسي أعدّه نوح فيلدمان اليهودي الأمريكي المتعاطف مع " إسرائيل".
ولأن "العراقيين" لم يصوغوا دستورهم في الماضي، فإن نقاشاتهم وحواراتهم بدت أكثر سخونة وحدّة، وربما في بعض منها لتعويض فترة الغياب عن ممارسة " حق مفقود" فالدستور الأول الدائم "القانون الأساسي" وضعت مسودته الأولى وزارة المستعمرات البريطانية، أما الدساتير الجمهورية الخمسة فكلّها صدرت بمعزل عن الشعب ولم تتم مناقشتها من قبله، بل كانت هيئات مصغرة تصوغها وتصدرها الجهة التنفيذية وهي " مجلس قيادة الثورة" في الغالب، الذي كان يعطي لنفسه الحق للنطق باسم الشعب باعتباره قائد الثورة وصاحب مشروع التغيير الاجتماعي.
ولم يشذّ قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذي صدر عن مجلس الحكم الانتقالي الذي شكّله بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي في العراق في 8 آذار (مارس) 2004 عن هذه القاعدة، على الرغم من تشكيل لجنة دستورية وإجراء اتصالات أولية، لكنها عجزت عن مواصلة عملها حتى صدر الدستور بتكليفات خاصة، علماً بأن بعض المسوّدات الأولية كانت قد وضعت في واشنطن وتم تداولها قبيل وبعد احتلال العراق.
وكان قانون إدارة الدولة بروفة أولية للدستور العراقي الدائم، ونقلت الكثير من أسسه ونصوصه ومواده إليه، على الرغم من تشكيل لجنة موسعة لإعداده. ومثلما واجهت قانون إدارة الدولة مشكلات عديدة فإن هذه المشكلات استمرت في مواجهة الدستور الدائم، المتعلقة بشكل نظام الحكم والدولة الاتحادية المركبة والعلاقة بين الاسلام والدولة وموضوع الفيدرالية ومشكلة كركوك، ناهيكم عن باب الحريات والحقوق الذي يعتبر متقدماً على جميع الدساتير التي سبقته.
أسس الدولة الجديدة
لعل قانون إدارة الدولة هو الذي وضع أسس الدولة العراقية الجديدة الاتحادية كما حددتها المادة الرابعة حين نصّت " نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي "فيدارلي" ديمقراطي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الأقلية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات".
وهكذا تحوّلت الدولة من دولة بسيطة لاسيما بعد استقلالها ودخولها عصبة الأمم في العام 1932 إلى دولة مركبة " إتحادية" جديدة كانت قد وضعت لبناتها الأولى في اجتماع صلاح الدين للمعارضة العراقية العام 1992. وقد بُني على أساسها قانون إدارة الدولة والدستور الدائم الذي تم إقراره في 15 آب (أغسطس) 2005 وجرى الاستفتاء عليه يوم 15 تشرين الأول (اكتوبر) من نفس العام، وتمت الانتخابات النيابية بموجبه في 15 كانون الأول (ديسمبر) من العام ذاته.
وهكذا أصبح للعراق دستور دائم وإنْ اختلفت وتعارضت وجهات النظر بشأنه، لكنه على الرغم من جميع مساوئه وهي كثيرة وكل مثالبة وهي ليست قليلة وكامل ألغامه وقنابله الموقوتة وغير الموقوتة وهي متشعبة، بل ومعقدة، الاّ أنه احتوى على بعض الإيجابيات التي تتعلق بالحقوق والحريات وقواعد الديمقراطية والمواطنة وفصل السلطات واستقلالية القضاء واختيار الحكّام في إطار التداولية والتعددية، وإنْ كان بعض هذه الحقوق أعطيت بيد وجمّدت باليد الأخرى، لاسيما باشتباك إشكالية الدين والدولة.
قضايا عقدية
بقيت الكثير من القضايا العقدية في الدستور عالقة أو محلّ خلاف انفجر لاحقاً مثل حدود الفيدرالية وسقفها وموضوع حق ثلاث محافظات في إبطال أي تعديل دستوري، وقضية الأقاليم من غير إقليم كردستان، وهي التي تم إقرارها لاحقاً، لكنه تم تأجيل تطبيقها إلى 18 شهراً، وبعد ذلك طواها النسيان، وقضية كركوك والاختلاف بشأن المادة 140 التي جاءت مرحّلة من المادة 58 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وتوزيع الثروة والمياه ومشكلة الموارد الطبيعية، لاسيما النفط والغاز، على الرغم مما ورد في نص المادة 111 من أنهما "ملك الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات"، لكن نصوصاً وتفسيرات تعويمية أخرى أعطت للأقاليم حق التصرف في الحقول غير المستخرجة بالاتفاق مع السلطة الاتحادية (الفيدرالية)، الأمر الذي أثار إلتباسات بين إقليم كردستان وبغداد، خصوصاً بعد رفض السلطات الاتحادية العقود التي وقعتها حكومة الاقليم مع الشركات النفطية، وهكذا نشبت أزمة بين بغداد وإربيل لا تزال مستمرة، بل أنها إذا تفاقمت ستفجّر علاقة المركز بالإقليم، علماً بأن عقود بغداد النفطية تعتبر عقود خدمة في حين أن عقود كردستان هي عقود تراخيص، وهو الأمر الذي تصرّ بغداد على رفضه لأنه يلحق ضرراً بمصالح العراق، ناهيكم عن أن توقيع العقود كان أقل شفافية، كما تقول.
وكان يفترض أن يتم تعديل الدستور، بناءً على اتفاق بين القوى السياسية عشية الاستفتاء عليه، باعتباره شرطاً لبعض القوى التي كانت ممانعة للتصويت عليه بالصيغة المعتمدة، لاسيما جبهة التوافق في حينها، وحُدّدت فترة 4 أشهر بعد افتتاح جلسات البرلمان بعد الانتخابات العام 2005 لإنجازها، وشكّلت لجنة لهذا الغرض، لكنها وصلت إلى طريق مسدود، وقد انتهت الدورة الانتخابية الأولى المحددة بأربع سنوات، وزاد عليها ما يزيد على عام ونصف، منذ انتخابات آذار (مارس) 2010 ونحن في نهاية العام 2011 ولم يتم إجراء التعديلات المذكورة، فلا القوى التي وعدت بتنفيذ ذلك استجابت، ولا القوى التي أصرّت على إجراء التعديلات واصلت ذلك أو طالبت به، وهكذا صدرت الصيغة وهي تحمل عواراً باعتراف جميع القوى.
وإذا كان تعديل الدستور الدائم غير سالك أو مجمّد، فإن نحو 50 مادة من مواده نصّت على صدور قانون لتكون صالحة للاستعمال، الاّ أن هذه القوانين لم يتم تشريعها من جانب البرلمان، وهكذا فإن هذه المواد لا تزال غير نافذة هي الأخرى، وهو أمر يحتاج إلى أكثر من دورة برلمانية اعتيادية لكي يتم إنجازها، قياساً لما هو عليه وضع البرلمان وعلاقة القوى السياسية بعضها بالبعض الآخر، ناهيكم عن الوضع الأمني للبلاد بشكل عام، الأمر الذي يقترب من استعصاء أو استحالة تطبيق الدستور أو الإحتكام إليه بسبب جوانب عملية وأخرى فنية وبالأساس تعقيدات سياسية، لاسيما في ظل التمترس الطائفي والمذهبي واستمرار ظاهرة العنف والارهاب واستشراء الفساد المالي والاداري، على الرغم من تشبث " الجميع" بالدستور!.
أما بصدد الديمقراطية والحريات، وهما مسألتان إيجابيتان وردتا في الدستور، فهناك تضادّات تقف بوجههما وتحدّ من امتداداتهما، لاسيما في علاقة الدين بالدولة، حين نصّ الدستور في المادة الثانية على أن "الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع، وفي الفقرة "أ" لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام وتلك هي أيضاً قضية إشكالية، لاسيما بتداخلها مع اجتهادات وآراء المفسرين والمؤلين الذين يسعون لتوظيفها سياسياً ومذهبياً أحياناً، وهي واحدة من إفرازات الوضع العراقي بعد الاحتلال، ويقابل هذه النصوص، نصوصاً أخرى خاصة بالديمقراطية والحريات حيث أكدت المادة الثانية نفسها الفقرة ب الدستور على أنه: «لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية» والفقرة ج التي نصّت على: «لا يجوز سنّ قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور».
وكقانوني أقول لقد كان كافياً القول إن الإسلام دين الدولة (وخصوصاً أنها فقرة واردة في النصوص الدستورية السابقة) علماً بأن لا دين للدولة، والدين هو للمؤمنين: مسلمين أو مسيحيين أو أيزيديين أو صابئة أو يهود، وتكون الدولة المدنية في العادة، محايدة وتضع مسافة واحدة من جميع الأديان والتكوينات القومية أو الاثنية أو السلالية أو اللغوية أو غيرها.
وحتى لو اعتمدت فقرة تقول بأن الإسلام هو دين الأغلبية الساحقة من السكان، فسيكون الأمر مفهوماً بمراعاته عند صياغة أي قانون أو تشريع؟ ثم ماذا لو حصل اختلاف بين نص دستوري يفسره "الإسلامويون" أو " الإسلاميون" بشيء، وبين الديمقراطية وحقوق الإنسان والحقوق والحريات العامة والخاصة، التي يمكن تفسيرها بشيْ آخر؟ فلمن ستكون الغلبة خصوصاً بين المصادر الأساسية التي يعتبر الإسلام واحداً منها؟
إن هذه النصوص تعكس ارتباكاً حقيقياً في الصياغة، ناهيكم عن عدم وجود فهم مشترك وضعف الثقة بين الأطراف، فضلاً عن تداخل السياسي بالديني، والديني بالمذهبي، وهذا الأخير بالفقهي، في ظل اختلاف الفقه والمجتهدين والاجتهاد تاريخياً؟
وإذا كانت الأوساط السياسية العراقية، لاسيما المشاركة بالحكم والعملية السياسية قد أخذت تتحدث عن الدستور وتدعو إلى التمسك به وتعزو صراعاتها إلى مخالفة أحكامه أو بعض مواده، فذلك يعود إلى انتشار "الثقافة الدستورية"، وهي مسألة إيجابية وإن كان تفسيرها لا يزال اعتراضياً ومصلحياً، وأحياناً بالضد من المعايير القانونية، خصوصاً في النظر إلى دور القضاء، لاسيما عند الفصل في القضايا السياسية الشائكة، مثلما حصل في موضوع "حق الترشيح" للانتخابات لبعض من قيل شمولهم بقانون "اجتثاث البعث"، لكنه في الغالب الأعم يتم استخدام الدستور والإحتكام إليه في غير موضعه، والأغرب من ذلك فإن مواد الدستور غالباً ما يجري الاستهتار بها، ويتم تعطيلها بحجة التوافق، ولعل اتفاق إربيل بخصوص إنشاء المجلس الوطني للسياسات العليا، "غير الممكن دستورياً" سوى أحد هذه المظاهر الصارخة، التي يتم ابتلاعها إذا كانت مصالح الاصطفاف السياسي والمذهبي والإثني تقتضي ذلك، وهناك العديد من الأمثلة التي لا يتّسع المجال لذكرها.
الدولة البسيطة والدولة المركّبة
لعل الاختلاف بين دساتير ما قبل الاحتلال العام 2003 وما بعده وأعني بذلك الدستور المؤقت " قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية" والدستور العراقي الدائم هو شكل الدولة وطبيعتها، فقد كانت في جميع الدساتير السابقة تعتبر العراق دولة بسيطة، وأصبحت بعد العام 2003 دولة مركّبة، أي اتحادية حسبما ورد في المادة الأولى من الدستور التي تقرر "جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ، وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق".
ثم جاءت بقية مواد الدستور لتؤكد التوجّه الفيدرالي في الحكم من حيث اللغات الرسمية المعمول بها في البلاد (م 4)، وكون الدستور الجديد نافذاً في كل أنحاء العراق ولا يجوز سن دستور إقليمي يتناقض معه (م 13)، وتحديد مؤسسات الحكم الاتحادي: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية (م 47، م48، م 65، م89)، والهيئات والمجالس الاتحادية (م105، م 106، م107)، وكيفية توزيع الاختصاصات بين الحكومية الاتحادية وحكومات الأقاليم(م 110، م 111، م 113، م114، م115)، والآليات الدستورية لتكوين الأقاليم الجديدة في الدولة الاتحادية الناشئة (م 118، م119، م120، م121).
وانتبه المشرّع الدستوري إلى الخلط الشائع بين الفكرة الفيدرالية وفكرة التقسيم فقرر في المادة 109 التي نصت على أن "تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي" ولعل الهدف من هذا النص هو وضع عراقيل أمام رغبات البعض في الانفصال، لكن ذلك لم يمنع الجدل والنقاش حول مشاريع التقسيم، سواءً عند إقرار صيغة قانون الأقاليم أو ما بعدها، ولاسيما خلال الترويج لمشروع بايدن العام 2007 الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية 75 صوتاً مقابل 25 لكنه لم يكن ملزماً، وقام هو بجولة على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وعرضها عليهم وذلك قبل أن يصبح نائباً للرئيس أوباما في مطلع العام 2009.
ويتلخص مشروع بايدن بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق أطلق عليها "فيدراليات"، وعندما أصبح نائباً للرئيس أوباما انشغل بالموضوع العراقي إلى حدود كبيرة. يكفي أن نشير إلى أنه حلّ "ضيفاً " مفاجئاً على بغداد ثلاث مرّات خلال فترة قصيرة، سبقت وأعقبت الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 آذار (مارس) 2010، وكان آخر زيارة له (الرابعة) إلى بغداد للإشراف على اللمسات الأخيرة لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وبُعيد إطلاق دعوة الأقاليم أو الفيدراليات إثر مطالبة مجلس صلاح الدين للتحوّل إلى إقليم.

ثالثاً- الفيدرالية والتقسيم
ساد اعتقاد لعقود من الزمان أن الحكومة المركزية تقوم بتجميع المسؤوليات بيد السلطة التنفيذية حيث يتم التغوّل على السلطات الأخرى، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى الدكتاتورية، ولعل الحكومات العراقية السابقة منذ ثورة 14 تموز(يوليو) ولغاية وقوع العراق تحت الاحتلال في العام 2003 تمثل نموذجاً لها، لاسيما في فترة حكم حزب البعث، التي قاربت 35 عاماً، وخصوصاً في فترتها الثانية حين أصبح صدام حسين رئيساً منذ العام 1979، ولذلك تولّد شعور عام ضد الدولة المركزية، لأنها نموذجها السائد هو النموذج الدكتاتوري الاستبدادي.
وواجه مثل هذا الاعتقاد الخاطئ، اعتقاد آخر لا يقلّ خطأً مفاده أن اللامركزية ولاسيما النموذج الفيدرالي سيؤدي إلى التقسيم والانفصال، خصوصاً وأن ثقافة الدولة المركزية الشمولية ظلّت سائدة ومهيمنة. ومثل هذا الاعتقاد كان يُثار بوجه الكرد ومعهم قوى يسارية حيث كانوا يطالبون بالحكم الذاتي وفيما بعد بالفيدرالية. وكانت مثل تلك المطالبات أقرب إلى المحرّمات التي تصل إلى حدّ الخيانة، قبل اتفاقية (بيان 11 آذار/مارس) العام 1970 بين الحركة الكردية بزعامة الملا مصطفى البارزاني والحكومة العراقية برئاسة أحمد حسن البكر، لكن الأمور تغيّرت تدريجياً وأخذت الكثير من الأوساط تقتنع بحقوق الكرد وتقرّ لهم بصيغة الحكم الذاتي ولاحقاً وربما، على مضض في إطار المعارضة العراقية بحق تقرير المصير وبنوع من الفيدرالية، أطلق عليها "نظام الولايات" رديفاًُ لها، وهو ما تمت محاكاته من التاريخ الاسلامي لإرضاء أوساط إسلامية بفكرة الفيدرالية.
لكن الاعتقاد الأول مثلما هو الاعتقاد الثاني بشأن مركزية أو لا مركزية الدولة، طرأ عليه الكثير من التغييرات بل والانقلابات، مثلما حصل في الخريطة السياسية للقوى والأحزاب العراقية، لاسيما بعد العام 2003 وقد حصل ذلك في ظرف إتسم بالخوف وعدم الثقة وهو ما تم نقله إلى أجواء إعداد الدستور الدائم، الذي استند في غالبية مواده، لاسيما ذات الطبيعة العقدية والإشكالية على قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وهكذا سُلقت على عجل، مسألة إنجاز مسوّدة الدستور من لجنة موسعة، وعلى الرغم من التحفظات التي أبدتها بعض الكتل على موضوع الفيدراليات وعلى مواد أخرى في الدستور، حيث تم الاتفاق على تعديلها، الاّ أنها صوّتت في نهاية المطاف لصالحه عند عرضه للاستفتاء العام.
وكان من المفترض أن يتم تعديل الدستور الدائم حسب الاتفاقات قبيل انتخابات العام 2005 وهو لا يزال مطروحاً، لكنه لم يتم التقدم بخطوات ملموسة على هذا الطريق وتركت الأمور للقوائم السياسية، التي لم تتفق على شيء، بقيت جوفاء نحو 50 مادة دستورية ذيّلت: "على أن تنظم بقانون"، وذلك لتصبح نافذة، لكن الأمر لم يحصل وظلّت الغالبية الساحقة من هذه المواد مثل التعديلات غير منجزة، وكلا الأمرين يحتاجان إلى عمل مضني بسبب التباعد بين القوى السياسية وتدهور الوضع الأمني من جهة، وتنامي عوامل الشك والحذر والخوف، لاسيما عشية الانسحاب الأمريكي من العراق من جهة أخرى.

تغييرات في الخريطة السياسية
لعل تبدّلات كبيرة وخطيرة قد حصلت في المشهد السياسي العراقي، فالقوى التي رفضت الدستور ولم تصوّت عليه أو صوتت ضمن "صفقة سياسية لم تكتمل" بسبب تضمّنه موضوع الفيدرالية، أصبحت هي اليوم أكثر حماسة له، لاسيما وأن بعضها هو الذي تبنّى مطلب الفيدرالية التي لم يجد لها من بدٍّ أو بضعة تبريرات أو لم يعارضها على أقل تقدير.
ومن المفارقة أن مطلب الفيدرالية الذي كان "مدنّساً" في السابق في محافظات صلاح الدين والأنبار والموصل وإلى حدود معينة في ديالى، أصبح "مقبولاً"، ولاسيما بعد تأويلات وتفسيرات وتبريرات مختلفة له على الرغم من وجود معارضة شديدة، ضده في هذه المحافظات وفي أوساط شعبية واسعة، باستثناء إقليم كردستان الذي كان رأيه من البداية تشجيع قيام أقاليم، وكان موقفه خلال الدورة السابقة للبرلمان، تأييد سن قانون خاص بالأقاليم الذي كان أحد دعاته السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى والذي صوّت عليه البرلمان (طبقاً للدستور) لكنه تم تجميده إلى 18 شهراً، ثم طواه النسيان بسبب المواقف المتعارضة بشأنه.
المفارقة الأخرى أن أكثر من ثلثي الناخبين في محافظتي صلاح الدين والأنبار صوّتوا ضد الدستور (لأنه نصّ على الفيدرالية)، وكان من المفترض أن يسقط الدستور لو صوّتت محافظة الموصل بأكثر من ثلثي الناخبين ضده، وكاد الأمر أن يحصل بفارق بسيط، وربما بتداخلات أدّت إلى تغيير المسار حيث كان يمكن لثلاث محافظات أن تبطل مفعول الدستور فيما إذا عارضه ثلثي الناخبين في تلك المحافظات.
الوجه الآخر لهذه المفارقة هو أن الذين كانوا يتحمسون للدستور وللفيدرالية وخصوصاً المجلس الاسلامي الأعلى وحزب الدعوة وغيرهما، بدوا وكأنهم استبدلوا مواقعهم مع جبهة التوافق والحزب الاسلامي وأطراف مهمة من القائمة العراقية لاحقاً، بحيث انتقل هؤلاء من مواقع المؤيدين إلى مواقع المعارضين لتطبيق النظام الفيدرالي أو قانون الأقاليم خارج نطاق إقليم كردستان، بحجة أن الظرف غير موات وأن حدود الأقاليم لم يتم الاتفاق عليها، وخصوصاً بوجود ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها وأن إقليم صلاح الدين سيتحول إلى ملاذ للبعثيين المخلوعين والمحرّم عليهم العمل السياسي بموجب قانون الاجتثاث. وهكذا تم استبدال المواقع فقد انتقل المعارضون أو المتحفظون على مشروع الفيدراليات، إلى متحمسين أو دعاة، أو من يجد المبررات والذرائع، والعكس صحيح أيضاً.
إن تغييراً جوهرياً حصل في الخريطة السياسية العراقية، بحيث أصبح بعض دعاة اللامركزية أشد مركزية من مروجيها، أما من كان يتمسك بالنظام المركزي، فقد بدا أكثر رغبة في حكم لا مركزي فيدرالي، وهو القرار الذي اتخذه مجلس محافظة صلاح الدين الرافض للفيدرالية سابقاً، والمرفوض حالياً من جانب المالكي والائتلاف الشيعي المؤيد سابقاً للفيدرالية، والرافض لها حالياً والمتمسك بخيار حكومة مركزية قوية، ومثل هذا الموقف سبق لرئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي أن اتخذه بخصوص دعوته إلى الخيار الفيدرالي للسنّة الذين يشعرون بالتهميش والإقصاء، فيما إذا استمر الوضع كما هو، في حين أن الذي روّج للخيار الفيدرالي سابقاً والذي سمّي بالأقاليم هو المجلس الاسلامي الأعلى ورئيسه السيد عبد العزيز الحكيم، الأمر الذي يعني أن كثباناً رملية كبيرة يمكن أن تتحرك لتغيّر الخريطة السياسية العراقية. لاسيما بعد مطالبة مجلس محافظ الأنبار وكذلك مجلس محافظة ديإلى بالتحوّل إلى إقليم حيث اندلع الجدل حاداً وساخناً حول موضوع الخيار الفيدرالي الذي يؤيده غالبية أعضاء مجالس المحافظات الثلاث ويعارضه آخرون، ولكن ردود فعله ملتبسة في مجلس النواب، وبشكل خاص لدى رئيس الوزراء، وبشكل أكبر في الشارع العراقي.
لقد كانت مبررات المحافظات المذكورة برفض الفيدرالية، إضافة إلى أوساط سياسية من خارج وداخل العملية السياسية، أن الفيدرالية تؤدي إلى تقسيم البلاد تمهيداً إلى انفصالها، لاسيما بعد مشروع جو بايدن الذي أصبح نائباً للرئيس الأمريكي، حين اقترح في العام 2007 تقسيم العراق إلى 3 مناطق: كردية وسنية وشيعية ووضع نقاط تفتيش وإصدار هويات للأقاليم أقرب إلى جوازات سفر، أو يمكن أن تكون كذلك لاحقاً، لاسيما بوجود قوات عسكرية محلية في الفيدراليات الثلاث لتنظيم وحماية حدود هذه الأقاليم، التي هي في الواقع العملي ليس سوى المرحلة ما قبل النهاية للانفصال. ولعل بعضهم أبدى تخوّفاً من زيارة بايدن الأخيرة إلى بغداد خوفاً من ارتباطها بهذا المشروع، على الرغم من أن واشنطن حسبما يبدو ليس في وارد الغوص فيه بعد الانسحاب.
ومن المفارقات أن بعض القوى الرافضة سابقاً للفيدرالية كانت تتهمها صراحة باعتبارها جزءًا من مشروع صهيوني وامبريالي، لتفتيت البلدان العربية وتحويلها إلى كانتونات أو دوقيات، بتجزئة المجزأ، لكن بعضه أخذ يبحث في المبررات المذهبية وغير المذهبية لتبرير مطالبته بالفيدرالية، لاسيما في ظل سياسات الإقصاء والتهميش كما يقول، ناهيكم عن أنه تبنّى حجج معارضيه بشأن أن الفيدرالية هي مدعاة للوحدة وتوزيع الصلاحيات وتنظيم العلاقة بين السلطات، وهي المبررات التي كانت حججاً لخصومه، دون البحث جدّياً في مآلها القانوني والسياسي في إطار الوحدة الوطنية، التي يمكن أن تزداد لحمة أو تتشظى بحسب أجواء الثقة والتوافق.
المثير في الأمر هو اتهام مجلس محافظة صلاح الدين أو المطالبين بالفيدرالية لشعورهم بالتهميش والتمييز وثقل أعباء الحكومة الإتحادية، بالانفصالية، وأن طلبهم هذا غير مشروع توقيتاً وهدفاً، لاسيما وقد جاء عشية الانسحاب الأمريكي من العراق ولحماية البعثيين، في حين أن النص الدستوري يفترض أن يعرض رئيس الوزراء طلب مجلس المحافظة على البرلمان العراقي، وفيما بعد يتم إجراء استفتاء، لاسيما وأن المادة 119 من الدستور منحت الحق لكل محافظة أن تصبح إقليمياً بطلب من ثلثي الأعضاء في كل مجالس المحافظات أو بطلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تريد تكوين إقليم. هكذا تبدو الفيدرالية العراقية كثباناً رملية متحرّكة لا تعرف حدودها!
وإذا كان وراء كل مشكلة قانونية إشكالية سياسية، فإن المسألة لا تتعلق بالدستور حسب، بل بالعملية السياسية ككل، وقد تداخل الأمر بينهما لدرجة الاشتباك بحيث أصبح من الصعب حلّه، لا فيما يتعلق بالصياغات والقواعد القانونية العامة، وإنما من خلال المواقف والإستقطابات السياسية، وهو ما ثار بين القائمة العراقية برئاسة د. أياد علاوي وبين دولة القانون برئاسة نوري المالكي رئيس الوزراء، وستكون مثل هذه الاصطفافات أكثر حدّة وربما تناحراً في المستقبل، خصوصاً وقد انسحبت القوات الأمريكية من العراق في نهاية العام الماضي 2011، ولاحت المعركة مكشوفة بين الفرقاء، لاسيما وقد اقترنت الأزمة بتداخل خارجي إقليمي، من جانب إيران، وهو ما تبديه بعض القوى السياسية، التي أعربت عن تعاظم قلقها ومخاوفها.

رابعاً – المعجّل والمؤجل
عندما بدأت موجة التغيير التي اجتاحت البلدان العربية وانتقلت من عاصمة إلى أخرى ومن مدينة إلى ثانية، لم يكن العراق استثناءً، فقد شهد الوضع العراقي وبغضّ النظر عمّا سبّبه الاحتلال من تدمير للدولة العراقية ومرافقها ومؤسساتها، وخصوصاً بعد حل الجيش وانفلات الوضع الأمني.. حراكاً وديناميكية غير معهودة، لا سيما بعد نظام شمولي دام أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، فتحركت قوى وشخصيات ومثقفين وجمعيات مجتمع مدني للمطالبة بالتغيير وإلغاء نظام المحاصصة ومحاربة الفساد وإطلاق سراح المعتقلين، مؤكدين على الوحدة الوطنية العابرة للطوائف والإثنيات، خصوصاً وقد زاد على تلك المطالبة استمرار الارهاب والعنف والنقص الفادح في الخدمات، لاسيما الكهرباء والماء الصافي وكذلك عدم كفاية الاجراءات المتخذة لتحسين الوضع التعليمي والصحي، على الرغم من الزيادة الهائلة التي وفّرتها واردات النفط وبلغت ميزانية العراق في السنة الأخيرة نحو 100 مليار دولار، لكن أمر المواطن وأمنه ورفاهه لم يتحسن باستثناء ارتفاع رواتب وأجور الموظفين وزيادة القدرة الشرائية، ناهيكم عن بعض أجواء حرية التعبير التي اختلفت عن السابق ولكن في الوقت نفسه زاد استهداف الاعلاميين والنشطاء وأساتذة الجامعات والعلماء والمثقفين بشكل عام.
واتخذت الحركة الاحتجاجية السلمية شعارات مطلبية وواقعية تتعلق بصلب الاحتياجات الحياتية والإنسانية ودون ضجيج أيدولوجي، مثلها مثل انتفاضات تونس ومصر واليمن وليبيا والجزائر وسوريا والبحرين والأردن وعُمان وغيرها، وشهدت المحافظات والمدن العراقية من البصرة وحتى السليمانية والموصل، فضلاً عن الفرات الأوسط وبغداد والرمادي وغيرها، تحركات واسعة. ولم تقتصر كما هو واضح على الجانب العربي، بل شملت الجانب الكردي أيضاً، بل أنها وخصوصاً في بغداد مثلت شكلاً جديداً من أشكال الرفض للمشاريع المذهبية والتقاسم الوظيفي الطائفي والإثني.
وعلى الرغم من أن الشعب العراقي جرّب سلاح الانتفاضة العفوية عام 1991 ردّاً على مغامرة غزو الكويت وهزيمة الجيش العراقي لكنها لم تكن شاملة، بل محدودة، وذلك، حين اندلعت حركة احتجاجية وغضب شعبي شمل 14 محافظة كادت تطيح بالنظام السابق بعد توقيع اتفاق مذل في خيمة صفوان، لولا مساومة دولية حصلت ومفاجأة من جانب "قوات التحالف". أضف إلى ذلك أن إيران وبعض القوى المتعاونة معها استثمرت الهبّة الشعبية الهائلة ورفعت بعض الشعارات الطائفية التي استفزت أوساطاً غير قليلة شعبياً، ناهيكم عن دور بعض دول الجوار الإقليمي الذي لم يكن متهيئاً للتغيير، الأمر الذي سهل مهمة قمع الانتفاضة، على الرغم من كل الملاحظات السلبية بخصوصها، الاّ أنها في بداية الأمر كانت حركة شعبية عفوية دون قيادة ميدانية فكرية أو سياسية، بقدر كونها حركة احتجاجية وقد جرت محاولات لتوظيفها، مثلما جرت مساومات لإجهاضها.
ويبدو أن ما قرّره اجتماع باريس أواخر عام 1990 بخصوص ما سمّي بالنظام الدولي الجديد، وبعده اجتماع برلين في يونيو/حزيران 1991 (بُعيد تحرير الكويت وتدمير العراق) من توجهات بخصوص التعددية والانتخابات وسيادة القانون في ظل توجّه ديمقراطي على المستوى العالمي، لم يكن قد وضع موضع التطبيق، لا في ما يتعلق بالعراق فحسب، بل حتى في ما يتعلق بمشروع التغيير الديمقراطي في المنطقة ككل، وعند أول بادرة للتغيير تم اكتشاف هزاله وزيفه أيضاً، أي أن البيئة الدولية لم تكن مشجعة آنذاك، فضلاً عن اختلاطها بمحاذير طائفية وتداخلات لدول الجوار.
وإذا كانت رياح التغيير التي هبّت على أوروبا في أواخر الثمانينيات وغيّرت أنظمتها الشمولية، الاستبدادية، فإن هذه الرياح انكسرت عند شواطئ البحر المتوسط، لأسباب تتعلق بوجود "إسرائيل" والنفط وعدم توفر البيئة الدولية المشجعة، فضلاً عن ضعف العامل الذاتي، بسبب القمع المعتّق الذي عانت منه الحركة الشعبية المطالبة بالاصلاح والتغيير.
ولعل التنظيرات " للتغيير الديمقراطي" على الطريقة الأمريكية وليس لمصلحة الشعوب العربية بدأت بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية الإجرامية ومن ثم ورطة واشنطن في كابل عام 2001 وبغداد عام 2003 وكانت قد اتخذت شكل دعوة إلى شرق أوسط كبير، وبعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو/تموز 2006 طرحت كوندوليزا رايس مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، لا سيما بعد تهيئة الأجواء من خلال تنظيرات "نهاية التاريخ" التي جاء بها فرانسيس فوكوياما و"صدام الحضارات" لصاحبها صموئيل هنتنغتون التي ارتفعت وتيرتها بعد الإطاحة بأنظمة أوروبا الشرقية، وصعود موجة الإرهاب الدولي التي تعكّزت عليها واشنطن لشن حرب كونية.
ولعل صندوق الاقتراع وحده ليس مؤشراً أو دليلاً على الديمقراطية، إنْ لم يقترن بالمساواة والمساءلة وسيادة القانون والمواطنة السليمة والحريات والعدالة.
وبقدر ما يتعلق بالتجربة العراقية، فقد تمكّنت الولايات المتحدة من الإطاحة بالنظام الدكتاتوري السابق، لكنها لم تستطع بناء نظام ديمقراطي على أنقاضه، فضلاً عن ذلك فإن أزمتها العالمية اقتصادياً ومالياً -وهي جزء من دورة النظام الرأسمالي العالمي المستفحلة- قد تعمّقت بسبب الغرق في المستنقع العراقي، حيث كلفتها الحرب أكثر من تريليون دولار حسب بعض التقديرات التي تصل إلى نحو ثلاثة تريليونات دولار، وأكثر من 4478 قتيل وأكثر من 30 ألف جريح، حسب الأرقام المعلنة من طرف وزارة الدفاع الأميركية كما سبق أن تمت الإشارة إليه، الأمر الذي دفعها للهروب إلى الأمام بعد توقيع اتفاقية مع العراق نقلت فيه الاحتلال العسكري إلى إحتلال تعاقدي، واضطرت لاحقاً إلى الانسحاب من العراق نهاية العام 2011، مع وجود قوات عسكرية محدودة وطواقم كبيرة للسفارة الأمريكية والمتعاقدين معها وبقاء "اتفاقية الإطار الستراتيجي" التي تنظم العلاقات بين العراق والولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وتربوياً وثقافياً وغير ذلك من الأمور الحيوية، التي تكون فيها الولايات المتحدة على إطلاع، كاف بكل ما يحصل في أمور الدولة العراقية.
لا يمكن للولايات المتحدة اليوم القول إنها بنت نظاماً ديمقراطيا في العراق، حتى وإن جرت انتخابات وأبرم دستور جديد احتوى بعض المبادئ الديمقراطية الإيجابية، لكن فيه الكثير من الألغام التي يمكن أن تنسف الإيجابيات الواردة فيه، فضلاً عن القيود الكثيرة، التي تكبّله، كما وينتظر الدستور تعديلاً جوهرياً لا يزال مسكوتاً عنه، وهو ما تمت الإشارة إليه.
وقد تفاقم الفساد إلى درجة مريعة، بحيث احتل العراق الصدارة بين دول العالم في تقارير منظمة الشفافية الدولية، وارتفعت موجة العنف الطائفي والمذهبي والإثني إلى درجة تشظي المجتمع العراقي، لا سيما في ظل وجود المليشيات المعلنة أو المستترة، ناهيكم عن جماعات الإرهاب الخارجة عن القانون، بما فيها تنظيمات القاعدة الإرهابية، واستمرت معضلة الخدمات، فالماء الصافي شحيح والكهرباء لا تزال غائبة في معظم الأوقات، والبطالة تضرب أطنابها، والحكومة معوّقة على الرغم من إجراء الانتخابات منذ مارس (آذار) 2010، وبعد ولادة عسيرة دامت أكثر من عشرة أشهر لا تزال الوزارات الأمنية فارغة، فأي إنجازات ديمقراطية يمكن الحديث عنها؟ وكل هذه الأمور هيأت تربة خصبة لتحرك شعبي واسع حتى وإن لم يستطع إنجاز التغيير المنشود لأسباب سنحاول تسليط الضوء عليها، بل إن هذا التحرك الذي بدأ قوياً وتعرّض لقمع شديد ومحاولات للإساءة واتهامات ظالمة.ولم تكن بغداد بعيدة عن شقيقاتها من العواصم العربية يوم أنزلت الحكومة العراقية "شقاوات" إلى ساحة التحرير ومنعت المتظاهرين من الوصول إليها بحجة حماية أمن التظاهرة، ولم يكن هؤلاء سوى بلطجية وشبيحة ورجال أمن ارتدوا ملابس مدنية، كما أفادت قوى سياسية وشخصيات شاركت في التظاهرات وبعضها جزء من الائتلاف الحكومي، مثلما فعل العديد من الأنظمة التي جابهت تحركات شعبية.
لقد حذّر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من التظاهر، لا سيما من المندسين وخصوصاً تنظيمات القاعدة والبعثيين، في محاولة لإجهاض التحرك الذي يطالب باستعادة الخدمات ومحاربة الفساد ومساءلة المفسدين وإيجاد فرص عمل للعاطلين وتقليل رواتب المسؤولين وتحسين مفردات الحصة التموينية وغيرها. وإذا كان ذلك مفهوماً لأي حاكم اللجوء إلى إيجاد مبررات وذرائع للحفاظ على ما هو قائم والدفاع عن نظامه، لكن ذلك سيكون مناقضاً للتشدق بالديمقراطية وحرية التعبير، وتلك قواعد أقرّها الدستور العراقي رغم نواقصه وعيوبه الكثيرة، الاّ أنه يكفل حق التظاهر السلمي.
والشيء بالشيء يُذكر: لماذا توفر الحكومة كل طاقات الدولة لحماية زوار يؤدون الطقوس والشعائر الدينية في المناسبات الدينية، وهو أمر جيد ولا اعتراض عليه في إطار احترام حرية العقائد والممارسات للطقوس والشعائر الدينية، ولكن السؤال يطرح نفسه لماذا لا تؤمن الدولة مثل ذلك للمتظاهرين السلميين.
وإذا كانت ذريعة الإندساس جاهزة، فإن هذا السبب يمكن أن ينطبق على أي تجمّع سواءً كان لزيارة المراقد أو المراكز الدينية أو بمناسبة عاشوراء أو غيرها، حيث يمكن أن يؤدي إلى انضمام مندسّين، الأمر الذي لا يستوجب إلغاءها من جانب المعنيين سواءً الحكومة أو رجال الدين المتنفذين وما يطلق عليهم اسم "المراجع العظام"، والمقصود بهم أربعة أساسيين هم آيات الله: السيد علي السيستاني، والسيد محمد سعيد الحكيم، وإسحاق فياض، وبشير نجفي. وهو ما يتطلب حماية المتظاهرين طبقاً للدستور، لا وضع العقبات أمامهم أو اعتقال النشطاء منهم أو توجيه الاتهامات إليهم.
ومرة أخرى أقول: إذا كان موقف رئيس الوزراء مفهوماً، فموقف ما يسمى المرجعية الدينية (الشيعية) غير مفهوم أو لا يزال ملتبساً ويتراوح بين التأييد والتنديد، وبشكل عام ظل ضبابياً، من خلال تصريحات الناطقيْن باسم السيستاني، وأعني بهما الكربلائي والصافي اللذين ظلا على مدى شهرين يحرّضان بشدة على الدفاع عن بعض المطالب الشعبية مثل عدم استحداث المزيد من المناصب الحكومية لمنع ترهل الدولة وأجهزتها، ويتحدثان عن سوء الخدمات وتفاوت الرواتب واستشراء الفساد والبطالة وعدم التلاعب بمفردات البطاقة التموينية، وهو أمر إيجابي تبنّاه أيضاً المجلس الإسلامي الأعلى وجماعة السيد مقتدى الصدر وقوى دينية أخرى وهو بالأساس مطالب الحركة الاحتجاجية غير الطائفية، لكنه عاد عشية مظاهرة 25 شباط/ فبراير 2011 إلى إصدار تحذير من الاندساس ووضع شروط تقترب من الامتناع عن المشاركة، وهو ما جاء متناغماً مع تصريحات رئيس الوزراء. وقبل ذلك دعا السيد مقتدى الصدر إلى تأجيل الاحتجاجات لمدة ستة أشهر لإعطاء فرصة للحكومة.
لماذا لم يصدر مثل هذه التحذيرات من الإندساس في المناسبات الدينية الكبرى التي توضع جميع أجهزة الدولة تحت تصرّفها أو تسخّر لتسهيل مهمتها، في حين تحذّر الحكومة ومن يرّوج لها من الإندساس بالنسبة للتظاهرات السلمية الاحتجاجية، وهو ما يتناغم مع ظاهرة الهجوم على التظاهرات الاحتجاجية العربية من جانب مسلحين مجهولين تزعم السلطات الاّ علاقة لها بهم في حين تمرّ التظاهرات المدعومة من الحكومة دون اندساس أو حوادث، بل ترفرف الاعلام والورود أحياناً وصور الرؤساء فوق الرؤوس!!.
وإذا كانت المظاهرات قد نجحت في لفت النظر رغم العقبات التي وضعت في طريقها وإغلاق الطرق والجسور والاعتقالات التي شملت بعض الصحفيين، وتوقيعهم على تعهدات تذكّر بتعهدات النظام السابق واغتيال بعضهم (الاعلامي والمسرحي هادي المهدي)، فإنها أكّدت استمرارها وتجددها، الأمر الذي اضطرت معه المرجعية إلى التأكيد على لسان من يمثلها أنها مع شرعية المظاهرات إذا ما حافظت على الإطار السلمي دون نسيان التعبير عن قلقها، وشكرت المتظاهرين كما شكرت الذين لم يتظاهروا -أي الذين استجابوا للمرجعية- ودعت حكومة المالكي إلى تقديم الخدمات والاستماع إلى المطالب، وقال من ينطق باسمها إن المرجعية طالما حذرت الحكومة من خطورة هذا الأداء، ولقد صبر الناس طويلاً.
يمكن تفهّم حرج موقف المرجعية الدينية التي دفعتها الأحداث إلى إبداء رأيها والنطق بعد اضطرار طويل إلى الصمت في زمن النظام السابق، كما أقدر حرصها على حماية الأرواح والممتلكات، فهو أمر مشروع ومفهوم، خصوصاً إزاء محاولات الاندساس والعبث، ولكن مثل هذا الأمر قد يحدث أيضاً خلال الزيارات للمراقد وفي المناسبات الدينية، لكنها لم تتخذ الموقف ذاته، علماً بأن القضية لا تتعلق هذه المرّة بطقوس أو شعائر أو روحانيات، بل إن المسألة تتعلق بصميم حياة الناس واحتياجاتهم الإنسانية، لا سيما الضرورية والأساسية.
كخلاصة لهذا البحث يمكن القول: دون تفاؤل مفرط أو تشاؤم محبط ومن خلال الوضع السياسي وخريطة القوى على نحو مفصل أن الأمور ستبقى تراوح في مكانها لحين موعد إجراء انتخابات جديدة (ربيع العام 2014) دون وهم بأ، تغييراً جذرياً سيحصل بعدها، لأن وجود قانون انتخابي مثلما هو القانون العراقي، فضلاً عن الاصطفافات والاحتدامات الطائفية والمذهبية، وفي ظل سياسة المحاصصة، سيؤدي إلى نتائج مقاربة لما هو عليه ولكنه دون شك سيؤدي إلى تغيير بعض الوجوه والمواقع.
وعلى الرغم من تفاقم الأزمة الراهنة ومطالبة قوى وجماعات لسحب الثقة عن حكومة المالكي وعن رئيس الوزراء تحديداً، لكن الاعتقاد الذي يخيل إليه أن تلك المحاولات لن يكون حظّها من النجاح كبيراً، وذلك لأن المالكي حتى الآن نجح في كسب ثقة واشنطن ودعمها، كما استطاع الاحتفاظ بدعم طهران وتأييدها، وعمل على أن يكون في منتصف الطريق واستطاع أن يفتت خصومه ويشق محاورهم وهو غير عابئ بالاتهامات التي تم توجيهها إليه بل هو ماضٍ في مشروعه ولاسيما في تعزيز مواقعه، فضلاً عن ذلك فإن الإئتلاف الشيعي لا يزال يقدّم دعمه للمالكي على الرغم من ملاحظاته الكثيرة عليه، لكنه في نهاية المطاف سيصطف معه لاعتبارات مذهبية وآيديولوجية، وهو ما تريده إيران، كما أنه يمسك بالأجهزة الأمنية والحكومية بقبضة من حديد، ولذلك فاحتمالات استبداله حالياً تبدو ضعيفة جداً.
ولعل ذلك ما يفرزه توازن القوى في الوقت الحاضر، دون مبالغات تؤدي إلى تعظيم الذات أو الاستخفاف بقوة الآخر، فالمالكي لا يزال يتمتع بصلاحيات وإمكانات الدولة، ولهذا فإن بعض الرغبات تحاول تضخيم العامل الذاتي لكي يتساوق مع العامل الموضوعي، أو الرهان على نضج العامل الموضوعي دون حساب قصور الأداة الذاتية، فمثل هذا سيوقع هذا الفريق أو ذاك بإرادوية يُراد اسقاطها على الواقع، الأمر الذي لا يسبب سوى الاحباط والقنوط وإلى المزيد من التباعد.
وباعتقادي فإن عملية التغيير ستكون مساراً طويلاً ولا زال الطريق في بدايته ولم تصل إلى اللحظة الثورية المنشودة بفعل عوامل ضاغطة وأخرى كابحة وثالثة معطّلة .ولا تصل عملية التغيير إلى لحظتها الثورية إنْ لم ينتقل الخوف من المحكومين إلى الحكام، وعند هذه اللحظة بالذات يبدأ العدّ التنازلي، لاسيما حين تبدأ شعارات التغيير تقترب من أهدافها الأولى المباشرة. وإذا كان حاجز الخوف مكسوراً لدى المحكومين في العراق، لكنه لا زال لم ينتقل إلى الحكام ولم يشكّل فوبيا كاملة لهم، فحتى وقت قريب كانوا يتمتعون بحماية خارجية " أمريكية" ودعم إيراني ولا زالوا، ثم هناك قوى وأجهزة ضاربة لديهم، تلك التي تستثمر الانقسام الطائفي والإثني، بل وتلعب على وتره، بالنسبة للمجموعات الحاكمة، يضاف إلى ذلك غياب مشروع وطني جامع وموحد، يضم القوى والشخصيات الرافضة للاحتلال ولتركيباته اللاحقة، إذ لا يمكن مناهضة المشروع الطائفي بمشروع طائفي معاكس. ولعل غالبية القوى التي تتصدر المشهد تعمل بشكل معلن أو مستتر في إطارات ليست بعيدة عن التأثيرات الطائفية والإثنية، مهما أطلقت على نفسها من تسميات.
إن غياب مثل هذا المشروع عطل ويعطّل انخراط قوى وطاقات شعبية مستقلة في عملية التغيير، فالتغيير كعملية ديناميكية كبرى، لا تنتظر اليوم بضعة مسلحين وهجوم على القصر الجمهوري والسيطرة على دار الإذاعة والتلفزيون وإذاعة البيان الأول، للهيمنة على بغداد التي ستلتحق بها المدن والمحافظات الأخرى.
التغيير عمل طويل الأمد يحتاج إلى جهود مضنية، خصوصاً وأن سنوات طويلة من السياسة الشمولية كانت قد عطّلت طاقات كثيرة ومنعت من تراكم التجربة، الأمر الذي يحتاج إلى عمل شاق لاستعادة المبادرة وتدريب وتأهيل الجماهير بعمليات نوعية جزئية وسريعة، وفي كل الميادين، لكي تستطيع استعادة ثقتها بنفسها، وكلّما اقتربت القوى والشخصيات الوطنية من المشروع الوطني والتعاون والعمل الموحد، وإن كان في إطار التعددية وتبنّت شعارات واقعية ووضعت لنفسها برامج متدرّجة للمستقبل وحددت أشكال وأساليب الكفاح المطلوبة، وذلك باختيار وتنويع البدائل المناسبة، كلّما كان بالامكان قيادة مجابهات طويلة الأمد وصولاً للهدف المنشود، لاسيما وأن استقطابات جديدة واصطفافات مستحدثة قد تنشأ بحيث يتخذ الصراع بُعداً سياسياً وليس مذهبياً أو طائفياً.
لعل النظر إلى التغيير بعين واقعية سياسية قد جاء معه بعض الحقائق، أولها أن التغيير ضرورة، ولا يمكن استمرار الحال إلى ما هو عليه، وثانيها إن البيئة الداخلية جاهزة وناضجة، مثلما هي البيئة الخارجية حيث المنطقة كلها تنوء بالتغيير، وثالثها إمكانية التغيير بالسلم والانتصار باللاعنف بوجه الحكام الذين يستخدمون العنف أو القوى الارهابية، ورابعها إن حاجز الخوف قد انكسر، وخامسها سيادة شعورعام بالتمسك بالوحدة الوطنية، وسادسها اعتماد المشاركة والتعددية بما فيها مشاركة المرأة، ولعل ذلك تغييراً مهماً في مزاج الجماهير، وسابعها أهمية مؤسسات المجتمع المدني ودورها على الرغم من ضعفها وقلّة تجربتها وثامنها أن حركة التغيير، ستكون عابرة للطوائف والإثنيات وهي أقرب إلى الحداثة، الأمر الذي يحتاج الى استكمال العامل الذاتي وتوظيف العامل الموضوعي، بما يبقي على حركة الاحتجاج مستمرة وصولاً لتحقيق أهداف التغيير.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفكير السياسي لسسيولوجيا المعرفة الإسلامية!
- حيرة المثقف!
- ما بعد الكيمياوي!
- في الحاجة إلى التسامح: منظور إليها عراقياً!
- اللاجئون السوريون والضربة العسكرية: متى تنتهي المأساة؟
- ساعة الصفر السورية في واشنطن!
- هل المسيحيون أقلية مضطهدة؟
- أوراق خيرية المنصور وشجرة يوسف شاهين
- الرسالة الأمريكية لسورية!
- خريطة التغيير العربية: إضاءات في أطروحات مغايرة!
- تكلفة العدالة الانتقالية !!
- عنصرا اليقظة: الحرّية والقانون
- المبدع في حضوره وغيابه
- وجها الإرهاب: القاعدة ونظام المحاصصة!
- الجامعة وهجرة العقول!
- تصادمت السياسات فانفجر الدم
- مثقف اليوم
- العراق ومشاريع التقسيم!
- آفة التمييز العنصري: هل من علاج؟
- لاهاي وهاجس العدالة!


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة !