أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الحمزة - السياسة الروسية الرسمية والمعارضة السورية















المزيد.....


السياسة الروسية الرسمية والمعارضة السورية


محمود الحمزة
(Mahmoud Al-hamza)


الحوار المتمدن-العدد: 4229 - 2013 / 9 / 28 - 16:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انتظروا بحراً من الدماء
السياسة الروسية الرسمية والمعارضة السورية
د. محمود الحمزة – باحث أكاديمي ومعارض سوري مقيم في روسيا
[email protected]

منذ أن بدات الثورات العربية في تونس ومصر في يناير- فبراير 2011 اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في ألمانيا بأن هذه "الثورات" غير مرحب بها في روسيا.
ومن الجدير بالذكر موقف شيخ المستعربين الروس والدبلوماسي المخضرم الأكاديمي يفغيني بريماكوف الذي صرح في بداية الربيع العربي بأن هذه الثورات ناتجة عن أسباب داخلية وليست مؤامرة كونية. وأكد بأنها ليست اسلامية وإنما يحاول الإسلاميون الهيمنة على هذه الثورات. والملاحظ أن الروس لم يأخذوا موقفاً عدائياً من الثورتين التونسية والمصرية بالرغم من أنهم كانوا ينسقون مع حسني مبارك وأرسلوا إليه ألكسندر سلطانوف نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الاوسط، والتقى بمبارك قبل يوم من تنحيه وواضح انه ابلغه دعم القيادة الروسية له. أما الأمر فاختلف مع الثورة في ليبيا وتدخل الناتو. فقد اعتبر الروس أن الغرب قد خدعهم في تمرير قرار بالحظر الجوي على ليبيا لمنع القذافي من ارتكاب مجازر بحق الليبيين المنتفضين ضده وخاصة في طرابلس ومصراتة وبنغازي. وحدث ما حدث وتم اسقاط القذافي وقتله. وبالمناسبة حدث خلاف حقيقي في النخبة الروسية من الوضع في ليبيا فالرئيس الروسي آنذاك - ديمتري ميدفيدف - المعروف بتوجهاته الليبرالية وافق على امتناع روسيا عن التصويت ضد قرار في مجلس الأمن فتم تمرير القرار والذي أدى إلى اسقاط نظام العقيد القذافي. وحينها نتذكر انتقاد السفير الروسي في طرابلس لميدفيدف بأنه خان مصالح روسيا بعدم استخدام الفيتو لمنع اسقاط القذافي. ونذكر ايضا كلمات بوتين الذي سما حملة الناتو في ليبيا بانها حملة صليبية. وهنا شعر الروس بان الغرب لا يتوقف عن استخدام القوة في اسقاط اي نظام ولكنه يحتاج إلى غطاء قانوني دولي. وعندما بدأت الثورة في سورية اتخذ الروس قرارا استراتيجيا بالتحالف مع نظام بشار الاسد وإيران لمنع اسقاط نظام الاسد بالقوة من الخارج لكي لا يصبح طريقة دارجة في العلاقات الدولية تهدد الأنظمة الديكتاتورية وهي كثيرة من ايران الى كوريا الى دول في آسيا الوسطى ووصولا إلى القوقاز. ومن المفارقات أن العلاقات السورية الروسية (الاقتصادية والسياسية والتجارية) كانت ضعيفة قبل اندلاع الثورة ومع ذلك شعر الروس بأن دمشق هي خط الدفاع الأول عنها وعن إيران حليفتها الأساسية ضمن الهلال الشيعي الذي يفضله الروس لعدم خطورته – كما يعتقدون – على اثارة المسلمين في الداخل الروسي. فأسباب الموقف الروسي السلبي من الثورة السورية متعددة : منها ما هو متعلق بشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أراد أن يثبت للغرب أن روسيا دولة عظمى وأن على الغرب مراعاة مصالحها ومصالح حلفائها وخاصة الصين ودول بريكس وإيران. بكلمة اخرى اراد بوتين وهو يستخدم المشاعر القومية الامبراطورية الروسية أن يثبت للغرب عموماً وهو الذي يمكل مفاتيح اقتصادية ونووية وغيرها ، اراد أن يثبت أن روسيا لن تسمح باسقاط بشار الاسد ليس حباً بشخص بشار وإنما لاثبات مقولة استقلال القرار الروسي واستعداده للدفاع عن المصالح الروسية حتى النهاية. وبالطبع فإن آلية اتخاذ القرار الروسي شبيهة غلى حد بعيد بما هو متبع في النظام السوري. فإدارة الرئيس الروسي بما فيها من مستشارين أمنيين وعسكريين وسياسيين واقتصاديين هم الذين يبلورون الرؤية من الأحداث ويبدو أنهم قبل اندلاع الثورة السورية اتخذوا قراراً استراتيجياً بالدفاع عن نظام الاسد لأنهم بذلك يدافعون عن مصالحهم في بيع الاسلحة وتصدير الغاز والحفاظ على مواقعهم الاستراتيجية في البحر المتوسط. واذكر كلمات لمستشار عسكري روسي يعمل في الأكاديمية الجيوسياسية في روسيا عندما قال في برنامج بانوراما في قناة "روسيا اليوم" بأن البوارج العسكرية الروسية في البحر المتوسط وبالقرب من الشواطئ السورية لا تدافع عن مصالح روسيا وإنما عن مصالح المجمع العسكري الفني ومصالح مجمع النفط والغاز الروسيين. وهنا أهم تفسير لحيثيات الموقف الروسي السلبي من الثورة السورية.
وبالطبع فإن الروس متخوفين كثيراً من المد الإسلامي الذي يذكرهم بأحداث الشيشان والدعم الخليجي الذي تلقاه المقاتلون الإسلاميون في القوقاز لمجابهة الوجود الروسي هناك.
ولا يخفى بأن كثير من الشباب المسلم في روسيا (وعدد المسلمين في روسيا يزيد عن 20 مليون ونسبة السنة فيهم تزيد عن 95 %) يتابع أحداث الربيع العربي ويظهر تعاطفاً مع الشعوب العربية والإسلامية ضد الأنظمة الشمولية. وفي أحد المؤتمرات المخصصة لمناقشة موقف مسلمي روسيا من السياسة الخارجية والأمنية الروسية، أعرب محللون سياسيون عن وجود احتقان لدى الشباب المسلم وخاصة في منطقة القوقاز وعدم ارتياحهم للسياسة الخارجية الروسية التي تؤيد الأنظمة الديكتاتورية.
ومن اجل تبرير الموقف الروسي المتجني على مطالب الشعب السوري المشروعة والمنحاز لنظام الأسد القاتل لشعبه والمدمر لبلاده، فإن الروس وضعوا خطة سياسية وإعلامية ودبلوماسية ونفسية للدفاع عن النظام السوري وتشويه صورة الثورة السورية والمعارضة السورية.
بالاضافة إلى تقديم السلاح المتطور وخبرات المستشارين العسكريين والأمنيين والسياسيين فإن الروس سخروا وسائل إعلامهم الناطقة باللغة الروسية والعربية وبقية اللغات للدفاع عن نظام الاسد ومحاربة المعارضة والثورة السورية. وأكبر دليل ما تقوم به قناة "روسيا اليوم" وموقع راديو "صوت روسيا" ووكالة أنباء "ريا نوفوستي" التي تبث أخبار النظام السوري بالتفصيل الممل وكذلك تبث تصريحات الخارجية الروسية التي ضربت ارقاماص قياسية في تصريحاتها بخصوص الأحداث في سوريا. لدرجة ان البعض اصبح يتهكم بالقول ان لافروف هو وزير الخارجية السوري وليس المعلم.
ومن جانب آخر اتخذت القيادة الروسية خطة للعمل ليس فقط على جبهة النظام السوري ودعمه والتطبيل له ولكونه يدافع عن نفسه وبأن الثوار يستفزونه ويجبرونه على استخدام السلاح، وإنما سلكت خطاً آخراً وهو العمل على اقامة صلات واسعة مع المعارضة السورية لإشعار العالم بأن روسيا ليست منحازة لاي من طرفي النزاع في سوريا وإنما هي مع القانون الدولي وسيادة سوريا وأن يكون حل المشاكل عن طريق الحوار بين السوريين أنفسهم.
وقد عاصرت قسماً كبيراً من التواصل بين القيادة الروسية والمعارضة السورية منذ شهر حزيران 2011 وكنت عضوا في تلك الوفود ، عندما جاء أول وفد للمعارضة السورية برئاسة د. رضوان زيادة بضفتهم ممثلين عن المؤتمر السوري للتغيير المنبثق عن مؤتمر أنطالية في تركيا الذي انعقد في مايو 2011. وللأمانة كان الوفد منظماً ولديه خطة واضحة للحديث مع الروس فقد اتفق أعضاء الوفد على توزيع النقاط التي يجب تغطيتها في الحوار مع الخارجية الروسية وولكن الروس سمحوا للوفد بمقابلة ميخائيل مارغيلوف فقط واصدرت الخارجية الروسية بيانا اعتبرت فيه أن زيارة وفد المعارضة السورية ليست رسمية وإنما خاصة!!!! وترافقت الزيارة بحملة كبيرة اعلامية وتشبيحية سورية (من السفارة وعملائها) ضد الوفد والمعارضة وصلت إلى حد محاولة الاعتداء على أعضاء الوفد في المؤتمر الصحفي الذي انعقد في وكالة أنباء "ريا نوفوستي". وكان الرد الروسي طيباص وودياً ولكنه لم يكن له اي قيمة سياسية. فمارغيلوف يومها صرح بأن "لدى روسيا في سوريا صديق واحد هو الشعب السوري" وفرحت المعارضة بهذا التصريح وهللت له. ولكن الموقف السياسي الرسمي في روسيا كان سيئاً لدرجة لا توصف.
وجاء في بداية خريف 2011 وفد آخر من المؤتمر السوري للتغيير برئاسة د.عمار القربي وتكررت نفس الاسطوانة : لقاء مع مارغيلوف فقط لم يعط اي شيء جديد ولكن الروس كانوا يطبلون لمسألة أن روسيا تتحاور مع الجميع في سوريا. وكأنها تستغل هذه الزيارات لكي تغطي على دعمها للنظام ومنحه فرصاً جديدة للمضي في قمع الثورة.
وجاءت زيارة وفد المجلس الوطني السوري برئاسة د. برهان غليون في شهر نوفمبر- تشرين الثاني 2011 وكان اللقاء هذه المرة مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف . وللأسف فالمباحثات كانت بلا فائدة باستثناء أنها اكدت الموقف الروسي الداعم للنظام السوري من كهة، ومن جهة أكد الوفد على التزام المجلس الوطني من أهداف الثورة السورية. ويومها بعد نقاش طويل سأل لافروف الوفد وكنت عضواً فيه هل تريدون ثورة ام مفاوضات؟ فأجابه د. برهان غليون بأننا نقوم بثورة في سورية والمفاوضات وسيلة لبلوغ الهدف وهو تنحي بشار ونظامه . فرد لافروف اذاً انتظروا بحراً من الدماء. تلك عبارة توضح بشكل ساطع جوهر الموقف الروسي من الثورة والنظام الأسدي.
وكان الروس مثلهم مثل الدول الغربية يبحثون دائماص عن حجج ينتقدون بها قوى الثورة والمعارضة السورية ويتهمونها بإنها: إما مشتتة وغير موحدة، أو أنها بدون برنامج عمل سياسي واضح أو أن الإسلاميين مسيطرين عليها أو أنها تتلقى تعليماتها من العواصم الغربية ويتهمون الشخصيات المعارضة بأنها تتلقى أموالاً من قوى خارجية وهي عميلة. ومثلاً في روسيا تعرضت شخصياً لمثل هذه الاتهامات بأنني أتلقى الملايين من الدولارات من فرنسا وقطر وجماعة الحريري وغيرهم، ليس فقط من قبل أزلام النظام السوري في روسيا وإنما من قبل جهات روسية مختلفة.
أما الزيارة الأخيرة للمجلس الوطني السوري في تموز 2012 فقد عملت الكثير من أجل تحقيقها بالتنسيق مع قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الروسية. وكانت الفكرة كالآتي: يأتي وفد من خبراء المجلس الوطني ويجرون مباحثات تمهيدية مع خبراء من الخارجية الروسية لكي يتوصلوا إلى نقاط تفاهم يليها زيارة رسمية لوفد من قيادة المجلس الوطني السوري تتوج هذه المشاورات وتعلن عن اتفاق بين المعارضة السورية وروسيا حول مصير الثورة السورية ومصيلر النظام السوري ، منطلقين من تقديم ضمانات للجانب الروسي بضمان كافة مصالحهم في سوريا بما فيها ميناء طرطوس والمشاريع النفطية والاقتصادية والصفقات العسكرية وكذلك كانت لدينا فكرة بأن نطمئن الروس بأنهم سيبقون يساعدوننا في تحديث الجيش السوري ونريدهم أن يساهموا في بناء سورية الجديدة.
وقد نسقت في جلسات متعددة مع خبراء في قسم الشرق الأوسط حول هذه المسألة وطلبت من المكتب التنفيذي في المجلس للقائي والحديث والتمهيد للزيارة. وبالفعل قمت بزيارة اسطنبول بناء على دعوة من المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري والتقينا في ثلاثة اجتماعات مكرسة لبحث الموقف الروسي وحيثياته وضرورة وضع خطة للعمل مع الروس. وعدت إلى موسكو وابلغت الروس بنتيجة اللقاءات في اسطنبول. ولكنني لاحظت عدم تحمس الروس لاجراء مباحثات تمهيدية. وفهمت الأمر لأن الروس لا يستطيع الخبراء أن يقرروا شيئاً وإنما بإمكانهم ترديد الموقف الرسمي فقط والسماع لما يقوله المفاوض. وتفادات من المجلس الوطني ايضاً بأنهم استعجلوا في تحديد موعد الزيارة بدون تنسيق معي وكنت ضد الاسراع بالزيارة. لكن الروس نسقوا موعد الزيارة عن طريق باريس ليلتفوا على ما سعينا من أجله للاعداد للزيارة لكي تعطي نتائج جدية ملموسة. وهكذا جاء وفد المجلس برئاسة د. عبد الباسط سيدا ومعه عدد من أعضاء المكتب التنفيذي ومن أعضاء المجلس ومنهم جورج صبرة وبرهان غليون ورياض سيف وبسمة قضماني وخالد الصالح ونجيب الغضبان ومنذر ماخوس ومحمد سرميني وأنا بصفتي ممثل للمجلس في روسيا. وكانت تركيبة الوفد الكبيرة والرفيعة المستوى دليلاً على اهتمام قيادة المجلس بهذه الزيارة ولكن الروس للأسف لم يعطوا اي اهمية لها، وبالعكس قابل لافروف الوفد بلغة قاسية وقطعية مردداً الموقف الروسي الرسمي بأن روسيا حريصة على سيادة سوريا وتطبيق القانون الدولي وأن سورية بلد صديق وأن بشار لا بشارالأسد ولا عائلته أصدقاء لروسيا والدليل أن بشار لم يزر روسيا إلا بعد 5 سنوات من استلامه الرئاسة في سوريا، وكذلك لأن أي من أفراد عائلة الأسدلم يدرس في روسيا وإنما في دول غربية. وكان اللقاء ساخناً لأن رد الوفد السوري كان قوياً وواضحاً لا لبس فيه. فقد أكد الوفد على ثوابت الثورة السورية.
وبعد هذه الزيارة تيقنت من حقيقة أن الموقف الروسي لن يتغير وأن كل التصريحات المضللة من نوع ك بشار تاخر في الإصلاحات. أو على بشار بأن يجري إصلاحات او يتنحى. أو روسيا غير ملتزمة وغير متمسكة باشخاص بما فيهم بشار نفسه. كل ذلك كان نوع من ذر الرماد في العيون ومحاولة التأثير على المعارضة وكذلك توفير فرص جديدة للأسد ليستمر بمحاولاته اليائسة في القضاء على الثورة.
وبالمناسبة أصبحت على قناعة بأن الروس كانوا على ثقة بأن بشار بدعم روسي إيراني سيقضي على الثورة خلال فترة قصيرة أقصاها سنة وهي تاريخ انتخاب بوتين رئيساً لروسيا (مارس- آذار 2012) ولكنهم تفاجأوا بصمود الثورة وأعطوا لبشار فرصة أخرى ورفعوا من مستوى الدعم بالسلاح والخبراء . وعلى ما يبدو جاءت زيارة لافروف وفرادكوف (رئيس المخابرات الخارجية الروسية) في مايو 2012 على عكس توقعات الكثير من المتفائلين بتغير الموقف الروسي ، جاءت لاعطاء فرصة جديدة لبشار ولتوقيت الساعات لكي يقضي على الثورة وإلا فسيصبح الروس في مأزق أمام المجتمع الدولي. ويكفي الإشارة إلا ان رئيس المخابرات الخاجية الروسية نادراص جداص ما يزور دولة، إلا إذا حدث شيء غير عادي، وزيارتهم جاءت لدعم الأسد وليس لإقناعه بالتنحي.
وخاب أمل السوريين بتغير الموقف الروسي يوما بعد يوم. وأثبتت الأيام بأن الروس يسعون في كل لقاءاتهم مع المعارضة بكافة أطرافها إلى اقناعهم بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع نظام الأسد ، بكلمة اخرى إلى اجهاض الثورة السورية التي تعتبرها روسيا خطراًعليها بقدر ما هي خطرة على حكام دمشق.
واتضح لنا أن هناك مخططاً كبيراً لدى النظام وحلفائه بأن ينظموا معارضة بعدة اصناف : فمنهم مثل هيئة التنسيق الوطنية التي طالبت بالتغيير الوطني الديمقراطي السلمي ورفضت اي تدخل خارجي (لكنها صمتت عن التدخل الإيراني الفعال) ورفضت العنف ورفض الطائفية (متناسية في كثير من الأحيان من يقوم بالعنف ومن يزرع الطائفية) وكذلك استقبل الروس مرات عديدة نماذج مختلفة من أشباه المعارضة من أمثال قدري جميل (الذي رسم له الروس أدواراً مهمة في سورية الجديدة وكذلك معروف عنه ارتباطه شخصياً بروسيا بمصالح اقتصادية كبيرة) وشركائه من أمثال عادل نعيسة وفاتح جاموس وعلي حيدر، التي أعدت باتقان من قبل السلطات السورية. وكلهم ينادون بالتغيير والحوار ولكنهم يصبون غضبهم على المعارضة الوطنية الممثلة بالثورة والمجلس الوطني. بينما تخبطت قوى معارضة أخرى سمت نفسها ديمقراطية (عارف دليلة وميشيل كيلو) ولم نعرف حتى الآن ما هو جوهر دورهم في الثورة السورية.
ولا بد بهذه المناسبة من قول بعض الكلمات المختصرة عن وضع المعارضة السورية في روسيا وما تعرضت له من ضغوطات وتحديات.
من المعروف تاريخياً أن الجالية السورية في روسيا تعمل تحت مظلة السفارة السورية وهناك شيء يجمع أغلبية ابناء الجالية وهو "الموقف الوطني الممانع للنظام السوري" وبنفس الوقت هناك من ينتقد بشكل أو بآخر السياسة الداخلية للنظام السوري. ولكنني متأكد من أن السفارة السورية جندت عملائها واباعها لمراقبة كل سوري في روسيا وممارسة الضغط عليهم. إلا أن بعض السوريين عملوا تحت مظلات مختلفة (في قوى سياسية أو بصفة مستقلة) متسترين إلى أن جاءت الثورة فكشفت كل الأوراق.
ولكن المزاج العام كان انتقادياً لما يسود في سوريا من تخلف عن العصر ومن تمييز بين المواطنين ومن الفساد والتسلط والاستبداد وسرقة خيرات البلد.
وكل ذلك في وادٍ وامكانية نقد صريح وعلني للنظام السياسي السوري وضرورة تغييره كانت في روسيا من قبيل الحلم والخيال. ويخيل لي أحياناً أننا في روسيا عشنا ظروفاً مشابهة لما عاناه السوريون في سوريا.
وكان أول إعلان رسمي عن دعم الثورة والانحياز للثورة السورية القادمة الكلمة التي ألقيتها في يوم النيروز في حفل ضم ما يقارب الألف إنسان في قاعة سينما ن حينها العنت أننا ننحاز للثورة وأن النظام يجب ان يتغير. وكان ذلك انطلاق شرارة الثورة على مستوى الجالية السورية في روسيا، تبعها مشاركات في مؤتمر صحفي للقائم بأعمال السفارة السورية أعلنا يومها أننا معارضون ونؤيد الثورة وندعم تغيير النظام السوري علانية. وتبلورت بعدها مجموعة من الناشطين السوريين وأسسنا لجنة دعم الثورة السورية من روسيا. وقامت اللجنة بجملة من النشاطات في ظروف غير مريحة وتحت ضغوطات كبيرة من السفارة ومن أصدقاء السفارة من الروس.
ومع انطلاقة الثورة في تونس تابعها السوريون بحماس وكأنها ثورتهم وكذلك الثورة في مصر، وقمت في شباط 2011 بمساعدة ابني فراس بانشاء موقع الكتروني سميته "سورية الجديدة" (www.new-syria.com) وبدأت بإرسال رسائل قصيرة بالهاتف لعشرات السوريين بأن 5 شباط هو يوم الغضب السوري واستغرب الكثيرون ظهور هذه الاصوات الداعية للتغيير الشامل في سوريا، في روسيا لأن الجميع خائف من السفارة السورية وعملائها وضغوطاتهم. وبدأت بكتابة المقالات ونشرها بأسماء مستعارة عن قدوم الثورة في سوريا. وقبل يومين من أول مايو 2011 عيد العمال العالمي الذي يحتفل به الشعب الروسي بشكل واسع، اتصلت بممثلي الحزب الشيوعي الروسي وطلبت منهم المشاركة بالمظاهرة ولكننا سنرفع شعارات خاصة بسوريا فقبلوا بعد دراسة للموضوع. وتفاجئنا بعد ساعات برفض طلبنا بعد تدخل السفارة السورية وابو فراس الجوهري (من كفر بطنا، وهو رجل أعمال ومن جماعة قدري جميل وكذلك عضو في الحزب الشيوعي الروسي) الذي حاربنا بكل قوته وهو الذي طلب من الحزب الشيوعي رفض مشاركتنا في المظاهرة. ولكننا قررنا ان نخرج إلى المظاهرة ولو اعتقلتنا الشرطة الروسية. وخرجنا ورفعنا اللافتات وشعارات الثورة وكانت هذه المظاهرة قنبلة مدوية علقت عليها جريدة تشرين بأنها ليست مظاهرة وإنما مجموعة من المندسين بين الروس وأن قناة الجزيرة هي التي فبركت الصورة. وبالمناسبة فقد غطت تلك المظاهرة العديد من وسائل الإعلام العربية والروسية وحتى الصحف الروسية منها ونشروا صور الشباب السوريين المتظاهرين من قلب موسكو تأييدا للثورة السورية. واستمرت النشاطات بصور مختلفة من مظاهرات واجتماعات جماهيرية ومعارض صور الشهداء ويوم الطفل السوري وأمسية شموع حداداً على أرواح الشهداء وندوات ومؤتمرات صحفية وطاولات مستديرة ومشاركة في المقابلات التلفزيونية والراديو والسائل الإعلام الروسية والعربية . كل ذلك أثار امتعاض السفارة السورية وأتباعها.
والمرحلة الثانية المهمة في نشاطنا المعارض في موسكو كان قيام لجنة دعم الثورة بتأسيس مركز إعلامي وموقع باللغة الروسية تحت اسم "نوفايا سيريا" (سورية الجديدة) (www.new-syria.ru) فقام بعض أزلام السفارة بإعداد قائمة باسماء مجموعة من الناشطين في الحقل الإعلامي ومنهم بعض أعضاء لجنة دعم الثورة واصدقاء عرب وروس واتهمونا بتلقي رواتب كبيرة من قبل السفارة القطرية واننا عملاء لقطر ونحارب النظام السوري. وطبلت وسائل الإعلام الروسية والسورية الرسمية بما فيها وكالة أنباء سانا والتلفزيون السوري لههذ القائمة واعتبروها اكتشافاً عظيماً لمجموعة تجسس ممولة من قطر تشوه سمعة النظام السوري في موسكو. وتعرض الناشطين السوريين لضغوطات هائلة منها تهديات من قلب السفارة بالتصفيات الجسدية وكذلك بالتشبيح على المتظاهرين المؤيدين للثورة واعتداءات على شباب سوريين من طلبة وغيرهم ووصل الأمر إلى التسبب بفصلي من عملي منذ اكثر من سنة وبعدها تم فصل جميع المؤيدين للثورة السورية من العمل في قناة "روسيا اليوم" (ومنهم ابني فراس وهو مبرمج وقالوا له بالحرف الواحد بتوجيه من الأمن الروسي تم فصلك لأنك تشرف على موقع للمعارضة السورية في روسيا وهو موقع "سورية الجديدة"، وكان يعمل مديراً فنيا لموقع القناة ) وتم استدعاء عدد من الناشطين السوريين إلى أجهزة الأمن الروسية والتحقيق معهم ومحاولة تجنيد بعضهم وكذلك تلقى عدد من المعارضين تهديدات من قبل روس متهمين إيانا بأننا عملاء وخونة وبما أن سورية تعيش حالة حرب فالخائن يجب معاقبته حسب قوانين الحرب أي بالتصفية. وقامت السلطات الروسية بترحيل بعض المعارضين خارج روسيا. وما زالت الحملة الشرسة ضد المعارضين ومنهم أنا بشكل خاص في صفحات الانترنت الروسي وهناك تجييش مسعور ضدنا معتبرين إيانا خونة لسوريا وروسيا بنفس الوقت.
وللأسف في هذه الظروف الصعبة والتحديات والضغوطات من قبل السفارة السورية وبعض الجهات والشخصيات الروسية التي أساءت لنا كثيراً، انطلقت بنفس التوقيت حملة قادها أحد اتباع عمار القربي في روسيا هدفت إلى تشويه سمعتي شخصياً واتهمتني بتلقي أموال طائلة من كتلة سعد الحريري وغيرها من التهم التي صبت بنفس اتجاه السفارة. وتعرضنا لضغوطات هائلة اتدمجت فيها جهود منظمة وموجهة إلى جانب مزاجات شخصية وأجندات شخصية وقلة وعي سياسي ، لأن كثير من المؤيدين للثورة في روسيا يعملون في التجارة وبعضهم أميين في السياسة وتربوا في كنف النظام السوري، فعندما انخرطوا في دعم الثورة لم يحدث اي تغيير في عقليتهم وسلوكهم بل نقلوا أمراضهم إلى داخل المعارضة فخلقوا حالة متوترة ومشحونة أدت لعرقلة العمل والنشاط المؤيد للثورة واعتقد أن جهود بعض الجهات السورية والروسية شجعت هذه الأوضاع المتشنجة ودعمتها عن طريق أصدقائها داخل المعارضة السورية في روسيا (وهم للأسف أمر واقع لا يمكن إنكاره).
ومن واجبنا ان نذكر التبرعات المالية والإغاثية التي قام بها أبناء الجالية من رجال الأعمال لدعم أهلنا في سوريا والتي استمرت لفترة سنتين تقريباً، إلا أنها تقلصت كثيراً نتيجة الضغوطات الروسية واتهام بعض المعارضين السوريين في روسيا بجمع الأموال وتمويل الثورة السورية بالسلاح. وتلقى البعض تهديدات بالترحيل ونزع الجنسية الروسية فأثارت هذه الشائعات خوفاً حقيقياً لدى البعض.
ولكننا مستمرين في نشاطاتنا ودعمنا للثورة إعلامياً وسياسياً وإغاثياً (حسب الامكانية) رغم الصعوبات والتحديات والتهديدات.
والغريب في الأمر أن معظم المواطنين الروس يؤيدون السياسة الرسمية الروسية التي تدعم نظام الأسد ضد الضغوطات الغربية المزعومة، وكأنهم يعيشون حالة الحرب الباردة متأثرين بما تبثه وسائل الإعلام الروسية وخاصة المرئية منها ليلاً نهاراً بأن عدو روسيا هو أمريكا والغرب، علماً ان النخبة الروسية تميل إلى النموذج الليبرالي الغربي ولكن بنكهة ديمقراطية على الطريقة الروسية.






#محمود_الحمزة (هاشتاغ)       Mahmoud_Al-hamza#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات سريعة بمناسبة قرار مجلس الامن بنزع السلاح الكيماوي ا ...
- أما آن لنا أن نصدق مع أنفسنا ومع ثورتنا؟
- حول علاقة السياسة بالدين (نموذج الأحزاب الدينية)
- تحيا الأخوة العربية الكردية (هر بيجي كرد وعرب رمز النضال)
- تضامنوا مع انتفاضة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة
- جمعة آزادي ومأزق النظام السوري
- بيان من المغتربين السوريين في روسيا
- يا للعار .. النظام السوري يساعد المجرم القذافي في ذبح الشعب ...
- نداء من مغترب عربي سوري من أبناء الجزيرة السورية إلى الشباب ...
- -شوايا- سورية سيسقطون نظام التعسف والفساد
- رسالة من شيوعي سوري قديم إلى الشيوعيين وكل الوطنيين في سوريا
- تساؤلات حول ماهية الاستقرار المزعوم في سوريا
- رد على مقالة ميثم الجنابي - تعزية صدام – طائفية أزلام وأعراف ...


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الحمزة - السياسة الروسية الرسمية والمعارضة السورية