أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد ابرهموش - المجاعات والأوبئة : دراسة في تاريخ العقليات.















المزيد.....

المجاعات والأوبئة : دراسة في تاريخ العقليات.


محمد ابرهموش

الحوار المتمدن-العدد: 4228 - 2013 / 9 / 27 - 18:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


المجاعات والأوبئة : دراسة في تاريخ العقليات.
يعتبر تاريخ الاوبئة والمجاعات من ابرز المباحث التي تولدت في خضم "الحراك" الذي عرفه علم التاريخ مع مدرسة الحوليات في القرن 20، عندما رفعت افق البحث في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، في هذا السياق يندرج هذا الكتاب: "المجاعات والأوبئة في مغرب القرنين"، ل"برنار روزنبرجي وحميد التريكي" ، ترجمة عبدالرحيم حزل من اللغة الفرنسية الى اللغة العربية، عن دار الامان، الرباط، الطبعة الثانية 2010.
يتكون هذا الكتاب من حوالي 300 صفحة من الحجم المتوسط موزعة الى 13 محورا، بالإضافة الى تمهيد المترجم والمقدمة ثم الخلاصة وبعض الملاحق، التي تضمنت وثائق مهمة عن المجاعات والأوبئة في هذه الفترة. وقد حاول المؤلفان في متن هذا السفر مقاربة الكثير من المجاعات والأوبئة مابين القرنين 16 و17؛ ابرزها الاعوام الاخيرة من القرن 15 والأولى من القرن 16، من خلال تعداد اهم الاوبئة والمجاعات التي عرفتها هذه المرحلة، وأثارها على البنية الديمغرافية، خصوصا ان المؤلفين اشارا في التمهيد الى غياب الدراسات التاريخية التي تناولت الديمغرافية التاريخية للمغرب. وبالتالي من الصعوبة بما كان انجاز دراسة ديمغرافية كمية دقيقة للمغرب، وما يزيد الامر تعقيدا في هذه الدراسة غموض القرنين 16 و17، بحيث لم يصيبهما حظهما من الاهتمام، اذا علمنا "ان الازمات الغذائية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر بلغ عددها ثمان وثلاثين أزمة ، لكن استطاع المؤلفان تجاوز هذه الصعوبة بالارتكان الى كتب المناقب التي حبلت ببعض الاشارات للأوبئة والمجاعات وانعكاساتها على نفسية المجتمع المغربي؛ في شكل ممارسات تعبدية للتكفير عن الذنوب، او الاصابة باليأس والخوف، اعتقادا منهم ان الافات الاجتماعية والطبيعية غضب الهي وعلامة على ابتعادهم عن مضمون الدين الصحيح.
انتقل المؤلفان الى مقاربة اغلب الافات (المجاعات والأوبئة ) التي عرفها المغرب خلال القرنين 16 و17، في شكل "تعداد" كمي تاريخي تسلسلي وتركيبي، ينطلق من ازمات "الاعوام الاخيرة من القرن 15 والأولى من القرن 16" وصولا الى اواخر القرن 17. بالتركيز على ازمة 1521_ 1522، لما لها من دور بارز في تفسير اسس قيام الدولة السعدية من الدرجة الأولى خصوصا ان "تردد المجاعات في المغرب لم يكن ناتجا فقط عن الجفاف وهجمات الجراد، والاكثر من ذلك يلاحظ نيكولا ميشيل ان السرعة التي تتدحرج بها الساكنة نحو الخصاص تشير الى عجز المدخرات عن تأمين القوت لسنة كاملة" . ودون الخوض في حيثيات المجاعات والأوبئة التي عرفها مغرب القرنين 16 و17 تبقى المنهجية المقارنة بين الوباء والمجاعة اهم مواضيع هذا الكتاب، مما اكسبه قوة منهجية ومعرفية تصبو الى تحقيق العلمية، عندما تطرق لانعكاسات هذه الجوائح الاجتماعية على مستوى الذهنية المغربية بصفة عامة، والكيفية التي تمظهرت فيها على شكل تمثلات ومواقف ذهنية عقلية، شكلت ظاهرة الاولياء والزوايا "تيمة" مميزة لها، في البوادي والقرى بشكل كبير، حيث عم الخوف والتشاؤم في نفوس "الرعايا"، مما جعلها تفسر الكوارث الطبيعية بالقدر الالهي او سخطه ؛ فارجع اغلب الناس تلك الجوائح الى اثم القادة السياسيين او الدينين، بالإضافة الى ظاهرة "المهداوية" كأثر نفسي عميق كان يبحث في الخلاص من قفص الهلاك، بأي وسيلة ولو كانت "اسطورية".
تكمن اهمية هذا الكتاب في كشف الستار عن جوانب غامضة ومهمة في تاريخ المغرب، اذ يمكن لهذا الدراسة ان تقدم الجديد في جانب اسباب قيام الدول وانهيارها، خصوصا اذا كنا نعلم ان هذه الفترة موضوع الدراسة تنصرف على الدولة السعدية من قيامها الى افولها ثم بدايات الدولة العلوية. وسيساعد هذا الامر على القيام بمسح ديمغرافي لسكان المغرب في هذه المرحلة، والى اي حد تعتبر الكوارث الطبيعية بصفة عامة عامل فاعل في سيرورات الدول. بالتالي تكمن اهمية تاريخ المجاعات والأوبئة في ازالة الستار عن عوامل مضمرة في المتون التاريخية، ساهمت بطريقة او بأخرى في قيام الدول، بحيث "مع كل وباء كانت سلطة المخزن تهتز اهتزازا؛ فالقحوط تكون سببا في اندلاع اعمال العنف والفوضى... تفضح اوجه العجز التي تدَاخل الدولة". انها مقياس مهم لدراسة فترات قوة السلطة المركزية وفترات ضعفها، والدليل على ذلك؛ الدول المعاصرة الحالية التي تعيش في ازمات المجاعات والأمراض، وما يترتب عنها من صراعات سياسية وأزمات اجتماعية واقتصادية، أهمها: دول افريقيا جنوب الصحراء، بهذا تساهم الازمات في تفسير " الحدث" التاريخي او "بعبارة اخرى، فقد يكون الحدث نقطة ملاحظة ملائمة لإدراك البنية، او مؤشرا لها، او انعكاسا لها، او عامل تحولها، حيث يهدم بنيات تقليدية ويؤسس مكانها بنيات جديدة" .
تجدر الاشارة الى ان الكتاب ارتكن في معطياته الكمية، على جانب بيبليوغرافي مهم ووازن، تأرجح بين المصادر الدفينة وكتب المناقب والمدونات التاريخية، على شكل تقارير وشهادات ثم الدراسات سواء المحلية او الأجنبية، كما لم يغفل الاشارة الى الوضعية العالمية، التي كانت تعرف تحولات عميقة في القرنين 16 و17 اهمها: ضعف الامبراطورية العثمانية، ثم الهيمنة الاوربية على البحار؛ وبالتالي تحول طرق التجارة نحو الساحل بدل الصحراء، كما تم تنظيم شكل البيبليوغرافيا بطريقة علمية وسلسة في الاستعمال. باستثناء بعض النقط التي لم يفصل فيها اكثر أهمها انعكاسات المجاعات والأوبئة على البنية العقلية للمغاربة في الفترة المدروسة، لان التمثلات الذهنية والمواقف العقلية تلعب دورا فاعلا في وصف وتحليل "الحدث التاريخي"، بطريقة تستحضر "اللاوعي الجماعي" ، الذي يعد مرآة عاكسة وحقيقية للواقع التاريخي في اغلب الاحيان. فإذا كانت المصادر التاريخية اوردت جملة من المعطيات الوصفية تبرز بما لا يدع مجالا للشك ازمات نفسية سقط فيها المجتمع المغربي نتيجة "الفعفعة" التي احدثتها نتائج الجوائح الاجتماعية في تفكير وهموم عموم الناس؛ فإنها ظلت حبيسة الوصف والتعريف، دون ان تكلف نفسها عناء في البحث عن المكانيزمات الحقيقية في بروز وانتشار ظواهر اجتماعية نفسية مثل: ظاهرة "المجاديب والبهاليل" التي تشكل علامة واضحة على تأثر الانسان المغربي ب"الميثولوجيا الدينية" ، عند ارجاعه كل الازمات الى قدر الهي لامفر منه، وليس له من رد سوى تقديم "صكوك الغفران" في شكل ممارسات تعبدية متنوعة تمزج بين رموز دينية عديدة، يعود البعض منها الى العصور القديمة، وأحيانا اخرى في البحث عن مشروعية سياسية في انقاض الاموات والقحوط، تقود الى كسب الرهان السياسي، اذ " ليس من الغريب في شيء ان تصير موازين القوة بين الاطراف المتصارعة على السلطة يوجهها المكون الغذائي والكفة تميل لجهة من يستطيع في تلك الظروف ان يوفر للناس الطعام. امر نراه صارخا في التأمل في بداية السعديين وكيف استفادوا من مجاعة 1521_ 1522 الرهيبة". وبالتالي تتجلى اهمية هذه الدراسة في "كشف معيش الناس في مغرب طابعه الندرة في الموارد وتخلف النشاط الاقتصادي عامة والفلاحي خاصة"، مما سيفتح المجال امام "قراءات" وتأويلات جديدة اكثر علمية اعتمادا على البعد السوسيو-اقتصادي؛ اذ يجب الانتقال بالوباء والمجاعات من طبيعتها المحسوسة في شكل مرض فتاك او ازمة مهولة، الى تمثل وموقف ذهني، يفصح عن المستوى المعرفي والطبي للمجتمع المغربي خلال العصر"الحديث"؛ لان هذه الجوائح خلفت جملة من العواقب الاقتصادية والاجتماعية ثم السياسية، تمثلت عموما في اقتصاد الندرة او القلة حسب "احمد توفيق"، والفقر ثم الأموات و"انشطارات" سياسية، بحيث "هلك كثير من الاعيان والأطر الادارية... وأبيدت اسر عن بكرة أبيها".
قصارى القول يشكل هذا الكتاب لبنة اساسية لدارسة الديمغرافية التاريخية، والاقتصاد ثم الحياة اليومية والتمثلات الذهنية... في مغرب ما قبل الاستعمار؛ اذ لامناص للباحث في التاريخ من الاعتماد على المعطيات التي حينها المؤلفان على شكل اجتهادات وتأويلات، تسلحت كثيرا بالمصادر التاريخية المتنوعة.



#محمد_ابرهموش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اجل دولة انسانية !!
- التاريخ والعلوم الاجتماعية: مساهمة في قراءة الكتاب /المجمع،- ...


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد ابرهموش - المجاعات والأوبئة : دراسة في تاريخ العقليات.