أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم حسين صالح - ذاكرة التاريخ..بين بغداد واسطنبول















المزيد.....

ذاكرة التاريخ..بين بغداد واسطنبول


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 4227 - 2013 / 9 / 26 - 11:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



من غرائب الأمور أنك حين تكون في اسطنبول فان كلّ ما فيها يذّكرك بتاريخ سلاطينهم وبالمعالم الاسلامية المبهرة،وحين تكون في بغداد فكأنك بمدينة لا تاريخ لها مع أنها كانت عاصمة الدولة الاسلامية لخمسمائة سنة، زائدا(384) سنة من تاريخ الحكم العثماني!.
فلماذا هم يحافظون على تاريخهم ويقدسونه فيما نحن نهمله ونلعنه؟!.ولماذا هم حافظوا على مقتنيات سلاطينهم ووضعوها بمتاحف فيما نحن نهبنا ودمرنا مقتنيات خلفائنا ورؤسائنا؟.
لقد زرت اسطنبول الصيف الماضي فوجدتها غير التي كانت قبل عشرين سنة.صارت شوارعها الرئيسة تحف بها الاشجار العالية،تتوسطها تشكيلات من الورود الملونة على بساط اخضر تحسبها باقات معروضة للبيع.
وبحسب صديق تركي،فأن التطور في اسطنبول يجري بأستمرار،اذ يضاف لها مئات الأزقة كل عام،وتنشأ الحدائق والساحات..كل شيء فيها مريح ولهذا يزداد عدد سكانها نصف مليون سنويا.ومع ان نفوسها اكثر من (15) مليون، وفيها اكثر من ثلاثة ملايين سيارة،فأن انسيابية السير فيها تدهشك،لأن الحكومة خدمت المواطن بتوفير مترو تحت الأرض وقطارات فوقها وباصات مصلحة و(كوسترات) و(33) الف سيارة تكسي.
كان عدد زوارها فاق ثلاثة ملايين جاءوا من قارات الدنيا،بينهم الشقراوات بلون الذهب،والسوداوات بلون الفحم،والمستورات من قمة الرأس الى اسفل القدم، والكاشفات الصدور والظهور والافخاذ.وما يدهشك انك تسمع آذان العشاء يأتيك من كل الجهات فتمتليء مساجدها بالمصلّين،وعلى بعد امتار منها نواد تمتليء بشاربي (المنكر). كلّ على هواه،واحترام الآخر هو سيد الموقف. فأسطنبول مدينة تحتضن الحداثة وتقدّس تاريخها. ففيها كأنك بمتحف مفتوح، تقرأ تاريخ الأسلام وتاريخها قبل الميلاد! فحيثما وليت وجهك فيها يواجهك التاريخ في جامع او قصر او اثر تاريخي. تصور ان سورها البحري الذي كان يحيطها في العهد البيزنطي، ما تزال اثاره تحكي لك تاريخ المدينة..وكذا اسوارها البرية. الناس هنا يحترمون احجارها حتى المهدمه! التي لو كانت عندنا لدفرناها بأرجلنا.
كان ملايين السائحين مبهورين باسطنبول لأنها تقدّس تاريخها بفخامة! ففيها سبعة مساجد وخمسة جوامع كبيرة وثمانية قصور فخمة واربعة متاحف ضخمة، كلّ واحد يبهرك بما فيه، فأن زرت المتحف الاسلامي احتجت ساعات لتستكشفه، وان دخلت مسجد سلطان احمد اندهشت بعقل المعماري (محمد اغا) كيف اتى به على هذا التكوين الفريد في سبع سنوات، وان دخلت متحف (ايا صوفيا) صرت امام اكبر واقدس معلم في اسطنبول للدولة البزنطية.
وميزة الاتراك انهم يحبون التضخيم،ويجسّدونه بتعظيم سلاطينهم.ففي جامع السلطان احمد مقبرة لعائلته يتوسطها قبره بارتفاع قامة وحوالي عشرين قبرا عليها عمائم بيض، وخلف الزجاج مقتنياته: قرآن كريم،ختم،ادوات حلاقة..
وحين تكون بميدان هيبودروم بمنطقة سلطان أحمد ترى نصبا عموديا رباعيا بطول 32م يعود تاريخه لما قبل الميلاد،نقشت عليه رسوم راقصات ومسابقات الخيل..ولا ترى في بغداد نصبا من حضارات سومر وبابل وآشور..بل أننا سرقناها وبعناها بأبخس الأثمان؟!.
وحين تكون بميدان (التقسيم)بوسط اسطنبول ترى نصبا تذكاريا بطول 12م يرمز الى تأسيس الجمهورية،وقريب منه متحف عسكري يعود الى عام 1595م يضم الأسلحة والألبسة الرسمية للضباط والدروع،فيما لا ترى في بغداد نصبا يخلّد مؤسس جمهورية العراق محاطا برموز للضباط الأحرار والجنود والشعب،بل أننا دمرنا متاحفنا العسكرية ونهبنا ما فيها وصرنا بلا تاريخ مرئي؟ حتى سيارة الملك فيصل الثاني..سرقت واختفت،وحين عثر عليها استقرت بالمتحف الملكي للسيارات في عمان بالأردن!.
هنا وبالمتحف الاسلامي تساءلت وبالقلب غصّه:لماذا اسطنبول تقدّس تاريخها وبغداد ليس لها تاريخ مرئي؟ لماذا لسلاطينهم قبور محترمة وليس لخليفة عباسي واحد قبر في بغداد؟ الم يكن هارون الرشيد اضخم مجدا واعظم من اعظم سلاطينهم ومع ذلك لا يعرف له قبر؟ اين الجوامع التي بنوها،اين قصورهم؟أين مقتنياتهم؟. لقد رأيت(الحرم)،أي المكان الذي عاش فيه السلطان والمأخوذ من فكرة الحور العين في جنّة الآخرة ليكون تطبيقا لجنّة في الدنيا،فأين حرم هارون الرشيد الذي كان اضخم وافخم؟
ستقول ان بغداد تعرضت للغزو المغولي وو..،لكن اسطنبول ما كانت بمنأى، فالعرب حاصروها اربع مرات واستولى عليها الفرس ودمرتها اربع حملات صليبية،الى ان فتحها السلطان محمد الفاتح عام 1453 فصارت الآن العاصمة الاعلامية للحضارة الاسلامية، فيما بغداد هي الأصل كونها عاصمة الدولة الاسلامية لقرون!.
فلماذا لا يوجد في بغداد من قصور خلفائنا الفخمة ومساجدهم الكبيرة،ولا توجد لملوكنا ورؤسائنا سوى تمثال الملك فيصل الأول،الذي جاء بطلب من الملك حسين،وتمثال لرأس أبي جعفر المنصور"وأظن انه رجم!"،فيما هم حافظوا على قصور سلاطينهم وجوامع كل واحد منها تحفة فنية،ومقتنيات لا تقدر بثمن؟.
لاشيء يذكّرنا بخلفائنا..بملوكنا..برؤسائنا..بل لا معلم اسلامي بهي يذكّر الناس بأن بغداد كانت عاصمة الدولة الاسلامية مئات السنين،وأنها كانت حاضرة العلوم والفنون وأكبر مدن العالم وأجملها!. هل أن سلاطينهم كانوا عادلين وخلفائنا كانوا ظالمين،أم لأنهم غافرون ونحن لعّانون؟! أم هل لأننا مجبولون على افناء الآخر وممتلئون حقدا على أن نمحو من التاريخ كلّ من نكرهه،أم ان سيكولوجيا من يستلم السلطة تدفعه الى ان يمحو من الوجود تاريخ من سبقه؟.
ولماذا هم يغلّبون فضائل سلاطينهم فيما نحن ننبش في قبائح خلفائنا،وننسب لمعظمهم ارتكاب الموبقات،مع ان الحضارة العباسية هي التي عرّفت العالم بفكر سقراط وآرسطو وأفلاطون،ونقلت الآداب السريانية والفارسية،وطورت الفيزياء الفلكية والتقنية..والطب،وأسست اكبر جامعات عصرها(بيت الحكمة)،فيما الحضارة العثمانية ليست بأصالة الحضارة العباسية أصلا؟!
ان سلاطينهم ليسوا افضل من خلفائنا العباسيين.فمع انهم منحوا انفسهم لقب (خليفة المسلمين)، وبرغم علمهم أن الاسلام يتوعد من يكنز الذهب والفضة بعذاب أليم..فان زمزمية السلطان وأبريقه..من ذهب..و"كاروك"ابنه من ذهب..وحقيبة الخاتون زوجته من ذهب مرصع بالجواهر..وأن في اثمان هذا الذهب الموجود الآن في متاحفهم حصة من الضرائب التي فرضها ولاتهم على العراقيين،وتفننوا في انواعها حتى سخر منها فقراء العراقيين وقالوا:لم يبق لهم سوى ان يفرضوا "ودي خصوة" يدفعها كلّ رجل لديه خصيتان!.
يا لفاجعة بغداد،فمع انها تمتلك اضعاف كنوز اسطنبول للخلفاء العباسيين والسلاطين والولاة العثمانيين والجوامع،فان ما بقي منها مهمل نرمي قرب جدرانه الازبال، ولا اظن احدا سيهتم،فالحكّام بين قلّة مخلصة عاجزة وكثرة مهوسة بالسلطة والثروة ولا علاقة لها بثقافة الجمال والفن والتاريخ لأنها متشبعة بالعنف الذي يشيع في صاحبه ثقافة القبح ودافع النقمة والعظ على السلطة بالاسنان، والناس بين من غسلوا ايديهم من حكام فاسدين استقوّا عليهم بحماية اجنبية، وآخرين مغيّب وعيهم بطائفية تلعن معظم خلفائهم..وتاريخهم ايضا..ناجمة عن نزعات تحكمت بهم حتى في الزمن الديمقراطي..وستظل كذلك ما دامت السلطة لا تجمعهم على مبدأ المواطنة!.
ياحسرتاه على تاريخ بغداد الذي تعيش اسطنبول بربعه فجعلها المدينة الاسلامية السياحية الاولى..للعالم غير الاسلامي!.فيما صار أهل بغداد يهجّون منها..في زمنها الديمقراطي!..فضاع حاضرها مع تاريخها ايضا!



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استذكار..عن ليلى العطار
- الضمير العراقي..الى أين؟
- العراقيون..وكراهة الحاكم - تحليل سيكوبولتك
- روح فهمه للديج!
- كيد النساء..و..جواد سليم
- الفساد في العراق - الأسباب والمعالجات
- ثقافة نفسية(90):تفسير الألوان
- العراق..بلد مخبول!
- الشاعر حين يكون عبقريا..وسلطويا!.عبد الرزاق عبد الواحد أنموذ ...
- زواج القاصرات ..في الزمن الديمقراطي!
- الأخوان..بعد واقعة 15 آب - تحليل سيكوبولتك
- الموسيقى..في الزمن الديمقراطي!
- ثقافة نفسية (85): الاعجاب.. حين يكون مرضا نفسيا
- ايها المصريون..العالم يحيكم!
- بين امراض الاسلام السياسي واخطاء العلمانيين..أين الحل؟
- لماذا حقق المصريون ما عجز عنه العراقيون؟
- علي الوردي..الساخر الفكه
- لماذا نجح المصريون في تحقيق ما عجز عنه العراقيون-تحليل سيكوب ...
- ثقافة نفسية(82):المرأة..والضغوط النفسية
- سيكولوجيا المنطقة الخضراء!


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم حسين صالح - ذاكرة التاريخ..بين بغداد واسطنبول