أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - الالتفاتة الأخيرة لخلدون















المزيد.....



الالتفاتة الأخيرة لخلدون


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 4227 - 2013 / 9 / 26 - 00:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لدينا في السُّودان حكمة تقول: (البيباري الجِداد بيوديهُ الكُوشة)، وترجمتها إلى الفُصحى: (مَن يتبع الدَّجاج ينتهي به الأمر في مكب النِّفايات) والمعنى مِن وراء هذه الحكم مفهومٌ طبعًا. مِن خلال مُحاوراتي مع كثيرٍ مِن المُسلمين تولدت لديَّ قناعةٌ بأنَّهم بارعون في المُراوغةِ والالتفاف، ولا يتورعون عن الكذب والتدليس، فالكذب يُصبح مُباحًا إذا كان لنُصرة الدِّين ودفاعًا عن الرَّسول. كُنتُ أعلم أنَّ المدعو خلدون طارق ياسين، لن يتوقف عند حدِّ مقالٍ واحد، وأنَّه سوف يستمر في الالتفاف والمُراوغة، ما يعني عدم الاكتفاء بمقالٍ واحد، بل سلسلةٍ مِن المقالات والرُّدود، ومزيدٍ من المُراوغة والكذب، وأنا لستُ مُتفرغًا لمُجاراته في كُل مرَّة للكشف عن تدليساته، وسوف تكون هذه هي المرَّة الأخيرة التي ألتفتُ إليه فيها، فليس مِن واجبي تلقين المعرفة لأحد في فمه.

تكلَّمَ خلدون في مَقاله الأخير عن حديث جبريل، واستشهدَ مِن كلامي ما يلي: (ألا نعلم أنَّ وظيفة جبريل محصورةٌ في نقل الوحي من الله إلى الرَّسول فقط؟ أم أنَّ له دورًا تعليميًا آخرًا كُنَّا نجهله؟ أعني: هل أرسل الله جبريلًا ذلك اليوم خصيصًا ليطرح تلك الأسئلة على النَّبي فيستفيد منها المُسلمون؟ أم أنَّ هذا الدَّور التثقيفي مُناطٌ بالرَّسول ضمن واجبه التَّبليغي)(انتهى الاقتباس) وعلَّق على هذه الجزئية بالقول إنَّ ذلك يعني تكذيبنا للحديث ونسبته إلى الرَّسول، وبالتالي عدم صحَّة احتجاجنا به! وإنِّي لأتعجبُ لهذه الطريقة في التَّفكير، ولكن فيم العب، والمُراد هو: المُراوغة والتَّدليس وليس المعرفة والكشف عن الحقيقة!

إنِّي لأتساءل: (مَن الذي اهتم بالعِلَّة مِن حديث جبريل ورآها نُقطةً مِفصلية؟) ألم أقل في مقالي حَرفيًا: (وقد ركَّز الكاتب على نقطةٍ رآها جوهرية، وهي أشكال الوحي، وعلاقة ذلك بالحكمة المُترتبة على ذلك)(انتهى الاقتباس) واستشهدتُ من كلامهُ هو ما يدل على ذلك؟ ألم يكن تركيزي على الحديث مِن جانبٍ آخر تمامًا غير موضوع عِلَّة الحديث والحِكمة منه؟ ولنقرأ كلامي حول ذلك مرَّةً أُخرى: (وإنِّي لأتساءل: ما علاقة هذا الأمر بموضوع المقال؟ شاهدي من الحديث يكمن في تعريف الرَّسول للإيمان، وهو التَّعريفُ الذي يُغنينا عن تعريفات الفقهاء التي قد نختلفُ أو نتفقُ حولها، ولا علاقة للعلِّة هنا أبدًا، فسواءٌ كانت العلَّة إفهام الصَّحابة أو اختبار النَّبي أو أي علِّةٍ أُخرى، فالنتيجة النِّهائية المُتحصَّل عليها هي: (تعريفٌ نبويٌ للإيمان) فهل لو اختلفت العلَّة سوف نرفض التّعريف بناءً على ذلك؟ والسَّبب في استشهادي هذا، هو الرَّبطُ بين تعريف الإيمان الذي قدَّمه الرَّسول وبين كلمة الإيمان التي وردت في آية: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ))(انتهى الاقتباس) هذا هو مناط اهتمامي، وسبب استشهادي بهذا الحديث، فلماذا يُصر على إلزامي برؤيته هو، ثمَّ يُحاكمني بها! هل كان محور حديثنا عن صحَّة الحديث مِن عدمه؟ إنَّما كانت تلك نُقطةٌ لدفعه إلى مُراجعة وجهة نظره حول عِلَّة الحديث والحكمة منها، وإلَّا فإنَّ هذه النُّقطة ليست مناط اهتمام، ولا العلَّة في استشهادي، وقد أوضحتُ ذلك بصورةٍ جليةٍ، فقلتُ: (شاهدي من الحديث يكمن في تعريف الرَّسول للإيمان) ومِن الواضح أنَّ لم يفهم، أو لم يٌرد أن يفهم، وعلى أيّ حالٍ فثمَّ تعريفٌ قرآني يتوافق وتعريف الحديث: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(البقرة:285)

وأمام التَّعريف النَّبوي والقرآني للإيمان وربطه بقضية الإيمان بالله بشكلٍ واضحٍ وصريح، وهو مُتكررُ في القرآن بهذا المعنى في أكثر مِن موضع، نراهُ يركن إلى رأي الرَّازي في أنَّ الإيمان يعني الصَّلاة في آية: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) وقول الرَّازي لم يذكر أهل التفاسير الخمسة المُعتمدة، فلم يُذكر في الجلالين، ولم يُذكر في تفسير الطبري، ولم يُذكر في تفسير ابن كثير، ولم يُذكره البَّغوي أو القرطبي إلَّا كرأي مُتفرِّد عن ابن خزيمة. ولقد أبنَّا بُطلان هذا الرآي بمعرفتنا أنَّ الرَّسول شُوهدَ وهو يُصلي عند الكعبة قبل تشريع الصَّلاة أصلًا. وإذا قيل بأنَّه كان يُصلي ولكنه لم يكن يعرف كيفية الصَّلاة الإسلامية، قلنا إنَّ ذلك يقع في خانة (الشَّرائع) كما ذهبَ إلى ذلك كثيرٌ من المُفسِّرين، فالأمر في الإشمال وليس التخصيص، بمعنى أنَّ الصَّلاة (مِن حيث هي صلةٌ بين العبد وربه) داخلةٌ ضمن الإيمان بالله، وليست مُتفرِّدة ولا مخصوصة، وإن كانت مخصوصةً في مواطن أخرى، فالسياقُ هو الذي يُحدد المعنى، ولو نظرنا إلى آية: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) لوجدنا السِّياق سياق تمنُّن مِن الله عليه بمعرفته للإيمان (أي الطريق إلى الله) والصلاةُ جزءٌ من هذا الطريق وليست هي كُل الإيمان. ومَن لا يعرف الطريق إلى الله فهو ضال، ولهذا كان من البديهي أن يقول (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)، وهو تمام المعنى الذي أوردناه في مقالنا (قراءةٌ في سِفر الوثنية) فمُحمد كان يعرف الله قبل بعثته (وكذلك كان يعرفه المُشركون والأحنافٌ من قومه) ولكنه، مثلهم، ضلَّ طريقه إليه، أي سلكَ طريقًا غير صحيحة، فهداه الله بالوحي، فعرف الطريق إليه. هذا هو معنى الآيات كما تدل عليه الشَّواهد، ولهذا، كذلك، نقرأ في القرآن قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)(النساء:136) فقد ربط الضَّلالة بالكُفر بالله وملائكته وكُتبه واليوم الآخر (على الطريقة الإسلامية) وهذا مما لا يُعرف ولا يُهتدى إليه إلَّا بالوحي والتَّشريع، فالآيات والمعاني مُترابطة، ولا تحتملُ التَّدليس والمُراوغة.

أمَّا عن قصَّة الغرانيق، وإصراره على رفضها، فأنا أُطالبه بتفسير آية: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) حتى ننتهي من هذه المُراوغة. هل بإمكان الكاتب الموسوعي تفسير هذه الآية أو الإفتاء حول سبب نزولها بعيدًا عن حادثة الغرانيق؟ علمًا بأنَّي ذكرتُ أحد عشر تفسيرًا مُعتمدًا يُؤيد وقوع هذه القصة، إضافةً إلى ورودها في كتاب أسباب نزول القرآن. الآن المحك هنا هو إمكانية تفسير هذه الآية دون الاعتماد على قصة الغرانيق، فهل بإمكانه ذلك؟ علمًا بأنَّه أعاد وكرر ضحكته السَّاخرة مِن الآيات القرآنية مع إضافة جُملة (تلك الغرانيق العلى وإنَّ شفاعتهن ترتجى) مُتجاوزًا عن كلامنا الذي قلناه حرفيًا: (هل ألغى الكاتبُ جُزئية النَّسخ والإحكام؟ هذا يعني أنَّ الآيات لم تكن بنفس هيئتها قبل الإحكام، وبعد الإحكام تغيَّرت الآيات لتُصبح على ما هي عليه الآن، وهو أمرٌ لا يحتاجُ إلى كبير ذكاء)(انتهى الاقتباس) فالآيات لمتكن كما أوردها قبل النَّسخ والإحكام لأنَّ آيات مثل: (لْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى) و (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) جاءت بعد النَّسخ وليس قبل، والنَّسخ على أنواع، فمنها ما يُنسخ حرفه ويبقى حُكمه كآية الرجم، ومنها ما يُنسخ حُكمه ويبقى حرفه مثل: آية التخفيف في القتال، ومنها ما يُنسخ حكمه وحرفه وفي ذلك حديثٌ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن قوماً من الصحابة رضي الله عنهم قاموا ليلة ليقرؤوا سورة فلم يذكروا منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فغدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال صلى الله عليه وسلم : "تلك سورة رفعت تلاوتها وأحكامها"، وعلى هذا فنحن لا نعرف على وجه التدقيق كيف كانت آيات الغرانيق قبل النَّسخ لأنَّها مما نُسخ حرفها وحكمها، ولكن الإصرار على تريد الآيات قبل النسخ وبعده ينم عن جهلٍ واستخفافٍ بالعقول، وربما كانت الآيات على النحو التالي:
(لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى{18} أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى {20} فتلك الغرانيق العلى {20} وإنَّ شفاعتهن لترتجى {21} أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى{22} فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى{23} وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى{24}

وإن كان لابُد لنا من الوقوف على شيءٍ من الآيات بعد النسخ، فإنَّنا سنتوقف عن قوله: (أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى) التي من الممكن ربطها بآية (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) فيكون المعنى هو التأكيد على أنَّ أُمنية الرَّسول ليست مُلزمةً لله، ولهذا ينسخها إذا ألقى الشيطان فيها، ومِن ثمَّ يُحكم الله آياته، وهو قريبٌ من قوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فمُجرَّد أن يتمنى الرَّسول شيئًا لا يعني حدوثه على الإلزام، وهذه الآية مما يُمكن الاستدلال بها على صحَّة قصة الغرانيق ووقوع الأُمنية، إضافةً إلى آية: (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى) والتي يُمكن الاستدلال بها أيضًا على صحَّة قصة الغرانيق، ووقوع النسخ لآية (وإنَّ شفاعتهن لترتجى) فتأتي هذه الآية لتنفي إمكانية اللات والعزى ومناة، وإلَّا فإنَّ موضوع الشَّفاعة لم يرد ذكره في الآية حتى تنفي هذه الآية وقوع الشَّفاعة، فيُصبح من المنطقي بالقول أنَّ هذه الآية جاءت بعد النسخ والإحكام.

ويقول العلامة الموسوعي في مسألة النسخ والإحكام هذه: (يقول ان اية الغرانيق لم تكن كما اوردتها ولكن الله نسخها واتى بها بعد ان احكمها بهذه الصورة ولكن هل هذا رأي من نقل عنهم كلا يا سادة انهم اوردوها في مكانها الذي بيناه ولكن للاسف استغباء النا عادتهم والان تعالوا لننظر الى دليله في هذه الاية يا صديقي المغوار انظر الى ما ينسخ الله هو ينسخ ما يلقي الشيطان واين يلقي الشيطان يا هشام؟ في امنية النبي او الرسول وهذه واضحة ؟ وهل أمنية النبي هي الوحي؟)(انتهى الاقتباس) فأين ومتى قلتُ إنَّ الأُمنية في الوحي؟ دعونا نعود لى مقال (قراءة في سفر الوثنية) لنقف على ما قلتهُ حرفيًا بهذا الشأن، لنعرف مدى التدليس الذي يُمارسه هذا الرجل: (أمَّا لماذا أرفض شطط المُفسِّرين، فهذا مردُّه إلى أنَّ الأُمة الإسلامية مُجمعةٌ على حفظ الله للقرآن بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(سورة الحِجر: 9) والقول بإلقاء الشيطان في القرآن والزيادة عليه يطعن في هذا الحفظ الإلهي، حتى وإن تم نسخه. ونعلم من التراث الإسلامي أنَّ الله شدد الحِراسة على السَّماء قبل بعثة محمَّد، وما ذلك إلَّا حفظًا للوحي قبل نزوله، أفلا يحفظه بعد نزوله؟ أمَّا الأخرى فإنَّ الآية تقول، وتمعنوا في قراءتها جيِّدًا: (إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) فإن نحن صدّقنا أنَّ عبارتي: (تِلْكَ الْغَرَانِقَة الْعُلَى, وَإِنَّ شَفَاعَتهنَّ لَتُرْجَى) نطق بهما الشيطان على لسان محمدٍ أو بصوته، فوفقًا للآية تكون هاتين العبارتين مما تمنى الرَّسول قوله ولم يقله، فالأمر هنا ليس وقفًا على ما قاله الشَّيطان، وإنَّما على ما تمنَّاه الرَّسول)(انتهى الاقتباس) هذه هو كلامي لم يقرأ ويفهم، لا من يقرأ ويُدلس، ويقول العلامة الموسوعي مُتسائلًا: (والان قل ارو لي حادثة عن نبي قال والقى الشيطان في وحيه)(انتهى الاقتباس) ولو أنَّه قرأ مقلي جيدًا لوجدني أطرح ذات السؤال، بل وأكثر منه مما تجاوزه ولم يُجب عليه: (ومن الغريب أنَّ القرآن كلُّه لم يشهد حادثة إلقاء الشيطان في أُمنية الرَّسول إلَّا في حادثة الغرانيق، فهل لم تكن للرَّسول أُمنياتٌ أخرى بعد تلك الحادثة؟ ولم نسمع بنبي تمنى أُمنيةً فألقى الشَّيطان فيها، هل سمع أحدكم بشيءٍ من هذا، ولو في الإسرائيليات غير الموثوقة؟)(انتهى الاقتباس)

أمَّا فيما يخص ابن الكلبي، فمرَّةً أُخرى يلزمني الرَّجل بفهمه الخاص، فهو الذي أورد رأي أئمة الشيعة عنه، فلماذا يُلزمني بذلك؟ الآن دعونا نبسِّط له الأمر حتى يستوعبه على النحو الذي يليق بموسوعي مثله: لدينا شخص شيعي اسمه ابن الكلبي اشتهر بالأنساب والأخبار. هذا الرجل طعن فيه الشيعة أنفسهم، وفي الوقت ذاته مدحه أهل السنة. السؤال: لماذا يأخذ عليَّ خلدونٌ في النقل عن ابن الكلبي بحجة أنَّ أئمة الشيعة طعنوا فيه؟ هل خلدونٌ هذا شيعي ويعتبر كلام ورأي علماء الشيعة ملزمًا لهُ ولي أيضًا؟ ألم يكن مِن الأجدى أن يسأل: (لماذا مدح علماء السُّنة ابن الكلبي في حين قدح فيه علماء الشيعة؟) ثمَّ ألم نُؤكد على أنَّ ابن الكلبي كان حريصًا ودقيقًا في نقل الأخبار، وهذا ليس رأينا وإنَّما رأي مُحقق كتاب الأصنام الذي قال حرفيًا: (هذا وأنا لا أدري كيف أجمع أهل الحديث على تجريح هشام مع أنه كثير الاحتياط في نقل الأخبار)(انتهى الاقتباس) ماذا يعني أنَّه كان كثير الاحتياط في نقل الأخبار؟ ألا يعني أنَّه لا يعتمد في أخباره على أسانيد شهريار، بل كان يتأكد من الخبر قبل روايته، تمامًا كما فعل الصَّحابي مخرمة فيما رواه عنه ابنه مسورة، الذي لم يكتف بسماع النبأ، بل ذهبَ وتأكد بنفسه، فمن أين لخلدونٍ أن يتأكد من أنَّ ابن الكلبي لم يتحقق مما بلغه وهو الذي كان كثير الاحتياط في نقل الأخبار؟ ولماذا الإصرار على تطبيق قواعد الحديث على السيرة والآثار؟ ومِن أصل سبعة أحاديث جاء إسنادها ببلغني انتقى ثلاثة أحاديث، وقال عن حديث يزيد بن أبي حبيب: (اما حديثه عن يزيد بن ابي حبيب اليس هذا بتابعي ربما سمع وهو قريب العد بالرسول)(انتهى الاقتباس) ولكني لا أدري كانت كلمة (ربما) التي استخدمها في تعليله مُلزمةً لأحدٍ غيره! أفليس بإمكاني أن أضع عشرات (الربمات) لتعليل قصة ابن الكلبي؟ ثمَّ نَّه لمَّا وجد حجته ضعيفةً أفلت حبل الإسناد والتفتَ إلى التخريج، فيقول: (فالعبرة ليست بانه قد بلغني فقط بل العبرة في تخريج العلماء له)(انتهى الاقتباس) فبحق كٍلِّ مُقدس لديكَ أسألك: ما هو المُهم لديك؟ الإسناد أم المتن أم تخريج علماء الحديث؟ كفاكم مُراوغة.

وللمرة الثانية أقول: ما نقله ابن الكلبي ليس حديثًا لنُطبِّق عليه شروط صحة الحديث، وحتى إن كُنَّا سنقول بضرورة التخريج، فما الذي يُلزمنا بتخريج علماء السُّنة وليس الشيعة مثلًا. وإذا كُنتَ تأخذ بالحديث فقط لتخريج علماء السُّنة له، فهل تُراك توافقُ على هذا الحديث: (حدثني أبو بكر بن حفص قال سمعت أبا سلمة يقول دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم فدعت بإناء نحوا من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب)(حديث صحيح. كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري) هل تأخذ بهذا الحديث؟ هذا الحديث يقول إنَّ رجلين دخلا على عائشة وسألاها عن طريقة الغٌسل ففضلت أن تشرح لهما الغُسل عمليًا فطلبت صاعًا، واغتسلت. ثم استدرك الراوي وأضاف: (وبيننا وبينها حجاب) فإذا كان هنالك حجاب فما هي فائدة الشرح العملي؟ وإذا لم يكن هنالك حجاب، فهل تعرت عائشةٌ أمام الرجلين؟ وللمعلومية فإنَّ أخو عائشة المذكور هنا ليس مُتفقًا عليه، فبعضهم يقول إنَّه أخوها من الرِّضاعة، وبعضهم يقول إنَّما هو أخوها من جهة الأم فقط، ويقول ابن حجر العسقلاني مُؤلف الكتاب: (قوله : ( وبيننا وبينها حجاب ) قال القاضي عياض : ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل نظره للمحرم -;- لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع أرضعته أختها أم كلثوم وإنما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم النظر إليه قال : وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنى . وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل -;- لأنه أوقع في النفس ولما كان السؤال محتملا للكيفية والكمية ثبت لهما ما يدل على الأمرين معا : أما الكيفية فبالاقتصار على إفاضة الماء وأما الكمية فبالاكتفاء بالصاع)(انتهى الاقتباس) وهنا يقول القاضي ابن عياض أنَّ أُخت عائشة أرضعت أبا سلمة، فأصبحت خالته من الرِّضاعة (وجهٌ مُبتسمٌ ومُندهش) هذا ليُبرر فعلة عائشة، لأنَّه إن كان وجد تبريرًا لأخيها (الذي لا يُعرف من هو) فكان لابُد أن يجد تبريرًا لأبي سلمة ولن يستطيع أحدٌ أن يتأكد ما إذا كانت أخت عائشة قد أرضعتُه فعلًا أم لا، ولى أي حال فإنَّ الرجلين قد رأيا شعر عائشة ووجهها (وأعالي جسدها) مما يجوز للمحرم أن يراه، ولكنهما لم يعرفا كيفية الغسل لأنَّ الحجاب الذي كان بينهما حال دون ذلك، وإن كان الأمر كما فسَّر ابن عياض لاكتفت عائشة بقول: (بشيءٍ من صاعٍ أو نحوه بأن تفيض الماء على جسمك) هكذا بكل بساطة، لأنَّ الأمر لا يحتاج إلى شرحٍ عملي. أم تُراك توافق على أنَّ محمدًا مات مسمومًا كما جاء في الأحاديث الصحيحة: (يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت إنقطاع أبهري من ذلك السم)(خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح) علمًا بأنَّ وفاته كانت بعد أربع سنواتٍ من خيبر! عن أي منهجٍ علي تتكلَّم؟ إنَّ كُتب الصِّحاح مليئةٌ بعبارات: بلغني، وبلغنا، وحدثي، وسمعتُ ... إلخ، من عبارات الحواديت الشهريارية، وربما لم تسمع بالحديث المرفوع، ولكن عندما ترتبط لديك صحَّة الحديث مِن عدمه بتخريخ العلماء للحديث، فأنتَ تُعطِّل عقلك وتُقدِّم النقل عليه، وعندها فقط لا أتمكنُ من مُجاراتك.

أمَّا عن حديث: (عن نافع بن جبير بن مطعم قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على دين قومه، وهو يقف على بعير له بعرفات، من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقاً من الله عز وجل له) فنراهُ يُنكر الاستنتاج فيقول: (انا لم اهرب ولم استنتج بل تعالوا لنرى رواية نافع عن حج النبي فهو يقول رأيت النبي وهو حقيقي وكان على بعير وهو حقيقي وكان على دين قومه !!! كيف!!!ذ هل كان محمدا يلبس لافتة مكتوب عليها انا على دين قريش)(انتهى الاقتباس) ولنا هنا وقفةٌ مُطوَّلة، إذ أنَّه برفضه لقول الصَّحابي نافع بن جبير أنَّ الرَّسول كان على دين قومه، بأنَّه كاذب! فنافعٌ قال بأنَّ الرَّسول كان على دين قومه، وليس بالضرورة أن يكون ذلك مكتوبًا على لافتة، فأي شخصٌ عاصره مِن الممكن أن يعرف ذلك، وهو مما لا يحتاج إلى كبير ذكاء! فما كان دين قومه؟ هل كان قومه على الحنفية؟ أم على الشِّرك؟ وإذا كان على الحنفية، فيف يقولُ نافعٌ بأنّه كان على دين قومه؟ لقد أثتبتَ لنا حديث ابن الكلبي بأنَّه كان على الشِّرك بإهدائه شاةً عفراء للعُزى، وكذلك قصةُ محمد مع زيدٍ بن عمر بن نفيل التي أثبتت أنَّه كان يذبح على النُّصُب، في الوقت الذي كان يرفض فيه بن نفيلٍ أن يأكل مما ذُبح على النُّصب وهو مما تجاهله تمامًا للمرَّة الثانية!

ودعونا نوثقُ الحبل عُنقه جيِّدًا، إذ نحن أمام قولين: قول الصَّحابي نافع بن جبير أنَّ الرَّسول كان على دين قومه (وهو ما ثبته محمد بنفسه عندما قال: أهديتُ للعزى شاةً عفراء وأنا على دين قومي) والقول الآخر للعلامة الموسعي خلدون: (ان دين النبي كان الحنفية وانه كان على غير رأي قومه)(انتهى الاقتباس) فقبل أن نتكلَّم حول ديانة قوم محمد، دعونا نُثبِّت تكذيب خلدونٍ للصحابي الذي يُؤكد أنَّ محمدًا كان على دين قومه، فالصحابي يقول عن محمد: (وهو على دين قومه) وخلدون يقول: (انه كان على غير رأي قومه) فبأي الرأيين نأخذ: هل برأي الصَّحابي الذي عاصره أم برأي العلامة الموسوعي الذي يُنفح عن عقيدته دون هُدى ولا كتابٍ مُنير؟ ولكن دعونا نُحسن به الظَّن، فليكن إنكارهُ ليس مُوجهَا لقول الصَّحابي، وإنَّما لفهمنا نحن، فهل الحنفية كانت ديانة قريش؟ لقد رأيناهُ يُكرر أنَّ الرَّسول كان على دين الحنفية، فيقول: (وما رويناه عن اعتناق النبي للحنفية وادلتها هو اقطع عند العلماء من غيرها)(انتهى الاقتباس) ويقول كذلك: (ان دين النبي كان الحنفية)(انتهى الاقتباس)

حسنًا، محمدٌ كان على دين الحنفية، فهل الحنفية ديانةٌ صحيحةٌ أم دانةٌ ضالة؟ ولماذا كان زيدٌ بن عمرو بن نفيل (الحنفي) لا يأكل مما ذُبح على النُّصُب ومما لم يُذكر اسم الله عليه وفقًا لتعاليم الحنفية، بينما اختلف عنه محمدٌ في ذلك؟ والأهم من كل ذلك: ما هي الحنفية أصلًا؟

نقرأ في مُقدمة ديوان أُميَّة بن أبي الصَّلت الذي جمعه وحققه وشرحه الدُّكتور سجيع جميل الجبيلي عن دار صادر ببيروت في ترجمة الشَّاعر وبيان ديانته: (كان أُميَّةٌ من الحنفاء والحنفية في الجاهلية يُراد بها النَّصرانية أو شيعةٌ مِن شيعها)(ص9) ويقول أُميَّة عن ديانته:
كل دينٍ يوم القيامةِ عند
الله إلَّا دين الحنيفية زورُ

فهذه الأبيات تدل على حنفيته، فمِن غير المعقول أن يمتدح ديانةً ويكون على غيرها! ورغم أنَّ البعض ينفي أن تكون الحنفية هي النصرانية أو شيعةً من أشياعها إلَّا أنَّنا نجد من أشعار أُميَّة ما يُؤكد نصرانيته وبالتالي، كون الحنفية شيعة من أشياع النصرانية في الجاهلية، إذ نجده في إحدى قصائده التي يذكر فيها قصة طوفان نوح، يذكرها بنسختها التوراتية، فيقول:
جزى اللهُ الأجلُّ المرءَ نوحًا
جزاءَ الخير ليس له كِذابُ
بما حملت سفينتُه وأنجتْ
غداة أتاهم الموتُ القُلابُ
وفيها من أرومتناعِيالٌ
لديه لا الظَّماءُ ولا السَّغابُ
عشيةَ أُرسل الطَّوفانُ تجري
وفاض الماءُ ليس له جرابُ
على أمواج أخضرَ ذي حبيكٍ
كأنَّ سُعار زاخرهُ الهضابُ
على أبوابها طبقٌ كثيفٌ
مُلبْسة الحديد لها ضِبابُ
بآية قام ينطق كل شيءٍ
وخان أمانة الديك الغراب
وأُرسلت الحمامةُ بعد سبعٍ
تدل على المهالك لا تهابُ
تلَّمس هل ترى في الأرض عينًا
وغبتها من الماء العبابُ
فجاءت بعدما ركضت بقطفٍ
عليه الثاط والطينُ الكُباب

(الديوان ص23 و24)

وهذا مما نجدهُ في التَّوراة (العهد القديم في الكتاب المُقدس للنصارى)، ونقرأ ما جاء في ذلك مطابقًا لقول أُميَّة بن أبي الصلت: (6حَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَنَّ نُوحًا فَتَحَ طَاقَةَ الْفُلْكِ الَّتِي كَانَ قَدْ عَمِلَهَا 7وَأَرْسَلَ الْغُرَابَ، فَخَرَجَ مُتَرَدِّدًا حَتَّى نَشِفَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ. 8ثُمَّ أَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنْ عِنْدِهِ لِيَرَى هَلْ قَلَّتِ الْمِيَاهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، 9فَلَمْ تَجِدِ الْحَمَامَةُ مَقَرًّا لِرِجْلِهَا، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ إِلَى الْفُلْكِ لأَنَّ مِيَاهًا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا وَأَدْخَلَهَا عِنْدَهُ إِلَى الْفُلْكِ. 10فَلَبِثَ أَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَادَ فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنَ الْفُلْكِ، 11فَأَتَتْ إِلَيْهِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَإِذَا وَرَقَةُ زَيْتُونٍ خَضْرَاءُ فِي فَمِهَا. فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ قَلَّتْ عَنِ الأَرْضِ. 12فَلَبِثَ أَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ فَلَمْ تَعُدْ تَرْجعُ إِلَيْهِ أَيْضًا.)(سفر التكوين، الإصحاح الثامن)

وعلى أيَّة، حال فسواءٌ كانت الحنفية شيعة من النَّصرانية أو ملة إبراهيم، فالثابت أنَّ محمدًا لم يكن حنفيًا، وكذلك يُكننا الرُّجوع إلى كتاب (الأحناف: دراسة في الفكر الديني التوحيدي في المنطقة العربية قبل الإسلام) لعماد الصَّباغ، لنفهم قضية التوحيد وجذورها ومنابعها، ولنعرف أو نتعرَّف على الديانة الإيليَّة التَّوحيدية التي اتخذت من (إيل) إلهًا واحد، كان هو مصدر وسر تسمية الملائكة مثل: جبرائيل ومكائيل وغيرهما من الملائكة نسبةً إليه، كما أورد ذلك ابن الكلبي أيضًا. وقد جمع كثير من الإخباريين أسماء الحُنفاء ولم يُورد أحدهم اسم محمدٍ قبل البعثة، بل إنَّه يُذكر عن زيد بن عمرو بن نفيل قوله مما روته أسماء بنت أبي بكر: (يا معشر قريش، والذي نفسي بيده ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري)(سيرة أعلام النبلاء للذهبي، ص80) فلم يأتِ على ذكر محمد، وهذه القصة تُؤكد أنَّ زيد بن عمرو بن نفيل كان الحنفي الوحيد في قريش. والذهبي يذكر قصة محمد مع زيد بن عمرو بن نفيل والذبح على النُّصب، وهو ما تعامى عنه ابن خلدون، بل يُضيف الذهبي: (قال عبد الوهاب الثقفي: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حارا وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب، وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل، فحيا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا زيد ما لي أرى قومك قد شنفوا لك؟ قال: والله يا محمد إن ذلك لبغير نائلة ترة لي فيهم، ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى أقدم على أحبار فدك فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي، فقدمت الشام فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فخرجت فقال لي شيخ منهم: إنك تسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالجزيرة، فأتيته، فلما رآني قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل بيت الله، قال: من أهل الشوك والقرظ؟ إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك، قد بعث نبي قد طلع نجمه، وجميع من رأيتهم في ضلال. قال: فلم أحس بشيء، قال: فقرب إليه السفرة فقال: ما هذا يا محمد؟ قال: شاة ذبحت للنصب. قال: ما كنت لآكل مما لم يذكر اسم الله عليه قال: فتفرقا)(نفس المصدر، ص77) ولاحظوا لقول زيد وهو يتحدث إلى محمد شخصيًا: (وجميع من رأيتهم في ضلال) فذلك الشيخ الذي لقيه زيد أخبره أنَّ هنالك نبي بُعث، وزيدٌ كان يبحث عنه ولم يجده، بل وجد القوم (كلهم) في (ضلال) بمن فيهم محمد الذي كان يأكل شاةً ذُبحت على النُّصُب! أضف إلى ذلكَ أن قريشًا كانت تصف محمدًا وأتباعه بأنهم (صابئ) والصَّابئ هو الخارج عن دين قومه التَّارك له، فهل كان محمد على دين قومه ليصبأ عنه؟ نقرأ في لسان العرب لابن منظور في باب الجذر (ص ب أ): (وكان يقال للرجلِ إِذا أَسْلمَ في زمن النبي صلى اللّه عليه وسلم: قد صَبَأَ، عَنَوْا أَنه خرج من دين إِلى دين. وقد صَبَأَ يَصْبَأُ صَبْأً وصُبُوءاً، وصَبُؤَ يَصْبُؤُ صَبْأً وصُبُوءاً كلاهما: خرج من دين إِلى دين آخر، كما تَصْبَأُ النُّجوم أَي تَخْرُجُ من مَطالِعها. وفي التهذيب: صَبَأَ الرَّجُلُ في دينه يَصْبَأُ صُبُوءاً إِذا كان صابِئاً. أَبو إِسحق الزجَّاج في قوله تعالى والصَّابِئين: معناه الخارِجِين من دينٍ إِلى دين. يقال: صَبَأَ فلان يَصْبَأُ إِذا خرج من دينه)(انتهى الاقتباس) لاحظوا قولههم: (خرج من دين إِلى دين آخر)، فالمعنى هو الخروج عن الدين سواءٌ اتبع دينًا جديدًا أم لا، فأي دينٍ كان يتبع محمد قبل البعثة حتى يُقال بأنَّه صابئ؟

إذا قلنا ترك الحنيفية وأسلم، فهذا يعني أنَّ الحنيفية كانت ديانةً باطلةً، وإذا قلنا أنَّه ترك عبادة الأصنام وتحنَّف أو تحنَّث فما سمعنا قريشًا تعيب عليه تحنثه قط، بل ولم تصف قريشٌ الأحناف بأنَّهم صابئون، إذًا فلابُد أنَّ قريشًا لم تكن ترى الأحناف صابئن، وبالتالي فلابُد أنَّ محمدًا كان على عبادة الأوثان حتى يستقيم وصف قريش له بالصابئ!

أقولُ بعد أن تأكد لي كذب وتدليس هذا الرَّجل أكثر مِن مرة، أنَّني لا ملكُ مِن الوقت ما أُضيعه لتعقب أكاذيبك، والكشف عن تدليسك ولكن أمامكَ ثلاثة مسائل لستَ في حِلٍ من الإجابة عليها، بدون مُراوغة، وهي:
(1) كيف تُفسِّر آية: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) دون قصة الغرانيق؟
(2) ماذا تقول في الحديث الصحيح الوارد في صحيح البخاري والذي يُؤكد أنَّ الرَّسول ذبح على النُّصُب وكان يأكل مما ذُبح لغير الله ولم يُذكر اسم الله عليه؟ علمًا أنَّ هذه القصة تنفي أنَّه كان من الأحناف.
(3) لماذا أطلقت قريش على محمد لقب (صابئ) إن لم يكن عليها دينها يومًا؟ لقد رأينا في قواميس ومعاجم اللغة أنَّ الصابئ هو من خرج من دينٍ إلى دينٍ آخر.



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رَمَدُ العُيون في مقالة المدعو خلدون
- قراءةٌ في سِفر الوثنية
- محاولة لقراءة التاريخ الإسلامي بعينين
- زواج عتريس من فؤادة باطل
- هكذا تكلَّم يهوه 1
- يا فتيات العالم المختونات .. افتحوا
- لماذا الله غير موجود 2
- ما الغاية من حياتنا وما الهدف منها بلا دين؟
- هولي بايبل يحرق مراكب العودة - 2
- بين محمَّد ومُسيلمة الكذاب
- هولي بايبل يحرق مراكب العودة
- دردشة فقهية: حدّ الرِّدة في الإسلام
- عن العلمانية مرَّة أخرى
- الحواس التوأمية للإنسان
- انفجار .. فجأة .. صدفة .. تطوّر
- السَّببية مقبرةُ الإله
- فنتازيا التطوُّر
- دردشه فقهية: تعدد الزوجات
- خرافة التكليف الإلهي للإنسان
- كوانتم الشفاء


المزيد.....




- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - الالتفاتة الأخيرة لخلدون