أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - هي هجرة أخرى ..فلسطينيون سوريون















المزيد.....

هي هجرة أخرى ..فلسطينيون سوريون


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 4224 - 2013 / 9 / 23 - 09:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عند بوابة التفتيش على الحدود السويدية, سألها حفيدها: قلت لك يا جدتي أن تضعي كل الأشياء المعدنية هنا, ماذا تحملين بعد تحت ثيابك؟. أجابته: هذا مفتاح بيتنا بفلسطين.. يا ستي.
كان المفتاح الذي حملها إياه والدها قبل أن ترتسم أولى التغريبات الفلسطينية إلى أرض الشام, قال لها: سنظل هنا نقاتل و ستعودون بعد أسبوع أو أسبوعين على الأكثر, هذا ما أكده لنا القادة العرب.
كانت آخر النظرات بينها وبين والدها. كان وقت الافطار, عندما أغار الطيران الاسرائيلي على القرية و رماها بالقاظانات المتفجرة, هرعوا للبساتين و باتوا ليلتهم الأولى تحت شجر الزيتون, تمكن عمها الشاب من التسلل للبيت تحت القصف و جلب بطانيات و وسائد لكن والدته أنبته على هذا العمل الأرعن و أعادته للدار بما جلبه منه كي لا يتسخ في البساتين. حتى طعام الآفطار الرمضاني الساخن, لم يتمكنوا من تناوله.
أنها الجدة الفلسطينية التي هجرت من بيتها و أرضها في فلسطين أيام النكبة الأولى سنة 1948 لتتوالى النكبات و النكسات و الهزائم و الوعود بالعودة إلى الدار طالما هناك مفتاح و له قفل بانتظاره.
من مخيم اليرموك, كانت قوافل الشباب المتحمس للتحرير تنطلق, فتعود أو لا يعود, إلا شهداء. على حدود الوطن السليب بما سمى حدود 1948 ثم على مناطق الضفة الغربية أيام حرب 1967 إلى معارك ايلول الأسود في 1970 فالجنوب اللبناني 1978 فمذبحة تل الزعتر 1976 إلى مجازر صبرا و شاتيلا 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي الثاني و حصار بيروت إلى حرب الانتفاضة الفتحاوية على أبو عمار في نهر البارد 1983 ثم لقصف حمامات التونسية 1985 فمعارك مخيم نهر البارد مع الجيش اللبناني 2007 و بينها الكثير من الاغتيالات و الحصارات و الإقامة الطويلة على حدود الدول العربية, العراق و الأردن, ليبيا و مصر , تهجير من الكويت و العراق و مصرو ليبيا.. و اليوم تهجير من عاصمة فلسطين في المهجر, مخيم اليرموك.
من عائلة الجدة الفلسطينية, كانت صور شهدائها لا تتتسع لهم غرف المنزل في مخيم اليرموك, حتى هناك شهداء لهم ماتوا في بيوتهم. زوج الجدة نفسه كان ضابطاً كبيراً في جيش التحرير الفلسطيني و أحد مؤسسيه و بعد عودته و رفاقه من دورة قيادة جيوش في الاتحاد السوفيتي, أصدر حافظ الأسد قراراً بتسريحهم جميعاً. توفي و هو يشاهد أحداث اتفاق أوسلو 1993 قالوا لها في المشفى أنهم وجدوا قلبه متفجراً في أحشائه.
في ثمانينيات القرن الماضي, كان المخيم حاضنة للناشطين السياسيين السوريين و مصدراً لإلهامهم بقيام مجتمع حر و ديمقراطي تقدمي و قد أصاب العديد من الفلسطينيين انواع الأذى و الاعتقال في فروع الاستخبارات السورية و على رأسهم فرع فلسطين المرعب.

مع انطلاقة الثورة السورية, كان المخيم حاضناً لناشطيها و جرحاها و مصدراً لدعم المنكوبين من بطش النظام الهمجي. كان يكفي أن تعبر شاحنة صغيرة لجمع التبرعات للثورة السورية لتمتلئ خلال وقت قصير بالبطانيات و الأدوية و الأطعمة و حتى النقود دعماً لشعبهم السوري الذي لم يبخل عليهم بالضيافة و الدعم خلال عقود صراعهم التحريري. كانوا يعرفون معنى المعاناة و الظلم فكانوا السباقين للتخفيف منها على الثوار السوريين.
حاول النظام أن يقحم المخيم و أهله في الصراع, فأصدر الأوامر لقادته في جيش التحرير الفلسطيني بالتوجه إلى مناطق الاقتتال مع بداية تحول الثورة السورية إلى الصراع المسلح. العديد من ضباط جيش التحرير رفضوا, فتوالت حوادث اغتيالهم و تفخيخ شوارع المخيم و قنص من يرفض المشاركة في قتل السوريين.
دخول عناصر من بعض كتائب الجيش الحر يثير الكثير من علامات الاستفهام عن هدفها, فمن يخوض حرباً شعبية بمعنى حرب العصابات يحتاج لمناطق تكون جبهة خلفية للدعم و المساندة و لحماية المهجرين من أهالي المناطق الثائرة و لكن قد تكون بقصد أو بدون قصد دخلت شوارع المخيم في أتون الصراع و هذا بالتأكيد ليس في صالح الثورة و لو أني أعتقد أن النظام هو من ساهم بذلك بكل قواه المخابراتية في داخل المخيم و من خارجه و استقطابه لعناصر من القيادة العامة من لبنان بعد امتناع العناصر المحلية منه عن المشاركة في الاقتتال.
اسرائيل ذاتها, لم تضرب مخيم اليرموك يوماً رغم تهديد شارون الدائم له. لكن النظام مارس ما كان الاسرائيلي يمارسه و بكل قسوة و جبروت و حقد. من أبنية منطقة القاعة المشرفة على المخيم كان القناصة لا يفرون امرأة أو شيخاً أو طفلاً و لا حتى قطة عابرة. ربطة الخبز الوحيدة المسموح بها لا يمكن أن تتجاوز عدداً محدداً و إلا نال حاملها الضرب و الاهانات. القصف العشوائي لم ينقطع عن شوارع المخيم بالراجمات و المدفعية و الأكثر سخرية بالبراميل المتفجرة التي أنعشت ذاكرة الجدة الفلسطينية بالقاظانات الاسرائيلية.
عندما غادرت الجدة مع حفيدها من مطار دمشق الدولي إلى مصر, نظر إليهما ضابط الأمن و قال لهما: هذه البلد بلد الأسد و لن تعودوا إليها أبداً أيها الخونة الذين بعتم ارضكم لليهود في فلسطين.
سألها حفيدها: هل صحيح أنكم بعتم أرضكم و بيوتكم لليهود قبل أن تهاجروا, يا جدتي؟ سالت الدمعة من عينيها و قالت له: و هل بعنا بيتنا في مخيم اليرموك يا حبيبي قبل أن نغادره تحت القاظانات المتفجرة؟ كانت هذه زريعة الأنظمة العربية لخيانتهم و جبنهم و تآمرهم على القضية الفلسطينية, يطلقونها إشاعات و أكاذيب كي يبرروا المشاركة في قتلنا بدم بارد كما يقتلون أبناء بلادهم اليوم, بحجة الخيانة و العمالة, فقط لأن شعوبهم ثارت عليهم و على ظلمهم. عندما قطعنا حدود فلسطين في ال48 كان اليهود يقدمون لنا قوارير الماء و الشطائر بينما خرجنا من مخيم اليرموك من بين براثن الموت و الذل و الإهانات.
في مصر السيسي, لم يحتاجوا لتأشيرات دخول بعكس السوريين الذين أعيدوا بعد وصولهم بحجة عدم وجود تأشيرات دخول لمصر أو سيقوا إلى معتقلات لاآدمية دون طعام أو شراب أو كرامة. على باب المطار كان السماسرة و وكلاء المهربين في انتظارهم لترتيب تغريبتهم الأخيرة. إلى مدينة الاسكندرية, ثم إلى قوارب صغيرة تحمل فلسطينيين و سوريين قدlوا منذ مصر مرسي إلى عرض البحر حيث تنتظرهم سفن ضخمة يقبعون في بطونها كما قبع عبيد أفريقيا إلى متاهات القارة الأمريكية. عند الاقتراب من الحدود الايطالية ينتقلون إلى قوارب صغيرة مرة أخرى في رحلة من العذاب بين أمواج البحر و دوريات الحدود الايطالية ثم رميهم على شواطئ أوربة لتفتح لهم الطرق إلى ألمانيا ثم إلى السويد التي فتحت أبوابها لقدومهم إليها.
ترتسم خيوط المؤامرة الجديدة على فلسطينيي سورية, من همجية النظام في التعامل معهم بالقصف و الحصار و التجويع وقتل ناشطيه و اعتقال شبابه و إعادتهم جثثاً بعد ايام من فنون التعذيب, إلى تحالف السلطة الفلسطينية بقيادة عباسها أبو مازن مع النظام و اكتساب مواقع له على الساحة الفلسطينية في سورية على حساب حماس و غيرها إلى فتح أبواب التهجير إلى مصر بدون تأشيرات دخول إلى مكاتب استقبال العابرين للبحر المتوسط في أوربة كمكاتب في النمسا و ألمانيا و السويد ليجد الفلسطينون السوريون دولاً تحترمهم و تستقبلهم بعد عقود من ذل دول عربية عاملتهم كما عاملت شعوبها في القهر و التخويف و الرعب.
قالها لي صديقي الفلسطيني هنا: السوريون المهجرين سيعودون لسورية و لكن الفلسطينيين السوريين لن يعودوا لسورية أبداً و هنا جوهر المؤامرة على القضية الفلسطينية.
نعم, أنه تحالف نظام الأسد الممانع مع الكيان الصهيوني لتهجير الفلسطنيين الأخير و تضييع حق العودة لفلسطين مع ضياع أهلها في بلاد العالم, بمشاركة قوية و فاضحة من عباس الذي استغنى عن بيته في صفد لأصدقائه الاسرائيليين و بمساهمة دولية من العديد من دول العالم.
على باب استقبال اللاجئين في السويد, نظرت الجدة الفلسطينية لحفيدها طويلاً و هي تمسك بمفتاح بيتها بفلسطين, كان يعرف أنها ستسأله كما كانت تسأل جده و أبيه: (قولك منرجع عالبلاد, يمى?) لكنها صدمته عندما لملمت دموع عينيها و قالت: (قولك منرجع عاليرموك, يمى؟؟).



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريون..و لا نخجل
- التصويتات على تأديب الأسد
- الضربة التأديبية, فأين المفر؟
- الخمسين, بين ماضي الهزائم و حقيقة الانتصار
- في حضرة الموت السوري, ستولد الحرية
- التاج يسقط في الشام
- حصار الشعب الذي يريد
- من أين جاؤوا هؤلاء؟؟
- تقاطعات بين استراتيجيتين على حساب ثورة السوريين
- عيد ميلاد كندا و الولادة العسيرة لسورية الجميلة
- الرحمة للمناضل و الإمام المغيب الشهيد موسى الصدر.
- القصير.. الثورة لا تسقط
- إعادة هيكلة و ليس مهزلة
- شعار الثورة (الموت و لا المذلة) كهدف استراتيجي
- كلاب مسعورة في ريف بانياس
- مصر و العراق..دروس هامة للثورة السورية.
- تصحيح المسار لا يعني الفشل.
- جبهة النصرة..لنا أم علينا؟
- مآلات الثورة السورية 4
- الثورة السورية على مدار عامين (المقالة 3) – الجزء الثاني


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - هي هجرة أخرى ..فلسطينيون سوريون