أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - قلت لابنى سامح















المزيد.....

قلت لابنى سامح


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 1206 - 2005 / 5 / 23 - 11:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بسم الله الرحمن الرحيم
مصر هى وجعى الدائم أحمله داخلى اينما سرت وانقل عدواه الى ابنائى فى منفانا حيث يدور الحديث دائما عنها.
قال لى ابنى الصغير سامح – وهو رقم خمسة بين اشقائه الذكورالستة- ": لو كان معى بليون دولار لأمكننى حل مشكلات مصر." وافقته أمه سريعا ، فقلت : لو كان معكم كل اموال الدنيا وذهبتم بها الى مصر ما أمكن حل مشكلاتها. لأن الفقر ليس مشكلة مصر ، انه الاستبداد.
قلت لسامح : ان الاستبداد المصرى أعرق استبداد فى العالم . بدأ قبل الملك الفرعونى مينا واستمر الى عهد حسنى مبارك. ما من شعب قاسى من الاستبداد مثل الشعب المصرى، وما من شعب تصالح معه وانتج وابدع من خلاله مثل الشعب المصرى. حين كان الاستبداد منطق العصر فى العصور القديمة والوسطى لا اعتراض عليه ولا احتجاج ضده ابدع المصريون حضارتهم ، وعمل فى هذا الابداع الثروة البشرية المصرية - من عقول مبدعة وسواعد فتية - وهى عماد ثروتها الحقيقية.
قلت لابنى سامح: مصر ليست هبة النيل فالنيل يجرى فى بلاد معظمها لم تنتج حضارة وبعضها ليس له تاريخ. ولكن تاريخ البشر والحضارة الانسانية بدأ فى مصر بسواعد المصريين وبرعاية الملوك المستبدين حين كان الاستبداد شرعيا بمنطق العصروقتها. فى ذلك الحين كان المصرى يتغنى وهو يعمل تحت لهيب الشمس بحب الفرعون المعبود لينتج حضارة حارت فى فهمها عقول الاجيال اللاحقة حتى عصرنا.
قلت له: انتهى الفراعنة المصريون ودخلت مصر تحت احتلال اجنبى وحكام أجانب من يونانيين ورومان وعرب ومماليك وعثمانيين. وخلال الفى عام من الحكم الأجنبى تقلصت الحضارة المصرية والعطاء المصرى شيئا فشيئا الى أن أصبح صفرا كبيرا فى نهاية العصر العثمانى. السبب هنا أن المستبد لم يكن مصريا بل حاكما غريبا بجيش غريب وربما يتكلم لغة غريبة أحدثت انفصاما بين الحكم والشعب. اكتفت العقول المصرية والسواعد المصرية بأداء العمل دون الابداع فيه، أى مجرد تقليد فاتر، ثم ما لبث التقليد ان تحول الى جمود وتخلف وضياع فى وقت تتقدم فيه أوربا وتبدع الحضارة الحديثة القائمة على منهج فكرى جديد هو الديمقراطية وحقوق الانسان. دخلت البشرية بالحضارة الغربية الى هذا العصر الجديد : جناحه المادى التقدم العلمى الذى أفضى الى ثورة المعلومات والاتصالات ، وجناحه الفكرى هو ثقافة حقوق الانسان والديمقراطية والتسامح الدينى.
هذا العصر الجديد أدخل مصر الحديثة فى أزمة. تراثها السياسى مرتبط باستبداد عريق فى الحكم لم يعد مستساغا فى العصر الجديد ، حتى مع كون الفراعنة الجدد من ابناء مصر.
ثروتها الحقيقية - فى العقول العفية والسواعد الفتية - عجزت عن التفاعل مع الفراعنة الجدد الذين جاء بهم الجيش المصرى للحكم. عبد الناصر تمتع بحب المصريين ولكن استبداده المخالف لثقافة عصرنا الحديث اوصله الى هزيمة يونية 1967 وأحدث صدمة وجرحا فى الضمير المصرى لايزال نابضا حتى الآن. الفرعون الثانى – السادات – حقق بعض الانجازات فى الحرب والسلام لكنه أضاع كل ذلك بالدستور الذى الذى جعل فيه الرئيس المصرى فرعونا يحكم طيلة عمره منفردا يملك كل شىء وليس مسئولا امام أحد كما لو كان رب العزة جل وعلا. ثم شجع التطرف الدينى وجعله يتحكم فى التعليم والحياة الدينية فأوقع مصر بين نار الاستبداد العسكرى ولهيب الاستبداد الدينى السياسى، ثم ختم السادات الفواجع باختياره حسنى مبارك نائبا له ليحكم بعده مصر ربع قرن حتى الآن وهى أسوأ ما مر بمصر من العصور، وعانت الثروة البشرية المصرية فى عهده ما لم تتخيله من اذلال داخل مصر وخارجها.
ثروة مصر الحقيقية أصابتها الصدمة من هزيمة عبد الناصر وتطلعت الى الحرية فى عصر السادات فأصابتها صدمة أخرى فى ثورته المضحكة يوم 5 سبتمبر حين اعتقل أعيان الثروة الحقيقية لمصر فلقى مصرعه بعدها بشهر. لم يتعظ حسنى مبارك بما رأى بعينيه عند اغتيال السادات فى المنصة. رفض الفرصة فى أن يدخل التاريخ المصرى ليكون أول فرعون يستجيب لمعطيات العصر ويعطى أمه – أم الدنيا مصر - ما تستحقه من ديمقراطية.
فى بداية عهده ظل الكاتب المصرى الراحل خالد محمد خالد يحث مبارك على الديمقراطية فلما يأس منه قال للمصريين: "تمتعوا بالسىء فان الأسوأ قادم " وتحققت نبوءته يرحمه الله تعالى، فنحن نعيش آلآن الأسوأ فى عهد ديكتانور من الدرجة الثالثة يقف فى نهاية عمره وفى نهاية حكمه معاندا لعصره وقومه ودينه ووطنه و أمته، فى سبيل أن يحمى نفسه من المساءلة عما ارتكب فى حق مصروثروتها وشعبها. سيكون بعون الله تعالى آخر ديكتاتورفى التاريخ المصرى يظل متمسكا بالسلطة الى أن يأتيه مصرعه اما سريعا على طريقة السادات واما ببطء وتمهل على الطريقة التى سينالها صدام حسين.
تلفت ابنى سامح حوله باحثا عن اجابة لسؤاله . قلت له : تخيل انك ذهبت الى مصر ومعك كل هذه الأموال لكى تستثمرها الآن ، ماذا سيحدث لك؟ ربما يلفقون لك تهمة فى المطار ويصادرون ما معك ، كما حدث مع المصرى الذى جاء بدولارات من العراق فسلبوها منه برغم أنف القانون.
قال سامح : سأحولها من هنا الى البنوك المصرية وأذهب لها هناك. قلت : هل نسيت قوائم ترقب الوصول وما سيحدث لك باعتبارك ابنى. قال . لنفرض اننى شخص آخر ومعى هذه الاموال واريد استثمارها لأنفع بلدى وأنقذها من الفقر. قلت " اذا قمت بتوزيع الاموال سيقبضون عليك بأى تهمة أو بدون تهمة طبقا لقانون الطوارىء وسيصادرون أموالك ليقتسموها فيما بينهم.
قال سامح : سأقول لهم اننى أريد عمل مشروعات تفيد البلد. قلت : أذا قمت بعمل مشروعات ستجد اللوائح الحكومية تتدخل فى كل شىء بالمنع وبالاباحة فى نفس الوقت والذى يملك زمام المنح والمنع موظف بسيط يقع تحت هيمنة بعض كبار صغار الموظفين أو بعض صغار كبار الموظفين فى كل هيئة وادارة، من التموين الى الصحة الى البوليس الى الموانى والزراعة والاستثمار والآثار والأدارة المحلية الخ الخ .سيجعلونك تكره مصر وتهرب منها. هذا اذا كان المشروع صغيرا فى داخل كردون المدينة. أما أذا أردت استصلاح الصحراء فالروتين سيلاحقك ولكن الفساد سيصبر عليك حتى اذا قمت بتخضير الصحراء ستفاجأ بأن مجموعة من كبار صغار الضباط فى الجيش أو الشرطة قد كونوا جمعية تعاونية تستولى على ارضك وتنزع ملكيتك عنها. وربما يجتمع بعض صغار كبار الموظفين فى الزراعة أو ألآثار أو الضباط ليرسموا خريطة معتمدة رسميا تؤكد ان المنطقة التى استصلحتها تتبع الجيش او الآثار. أذا كان مشروعك ضخما فلا بد من شريك من أبناء المسئولين. والشريك هنا على قدر المشروع وعلى قدر التسعيرة ، فللفساد فى مصر تسعيرة. أذا كان مشروعا بالملايين فعليك بابن وزير ، ان زاد على ذلك فليس امامك سوى الباب الملكى ومقابلة سماسرة البيت الفرعونى نفسه. على أن ذلك كله لن يضمن لك شيئا، لأن المنافسة شديدة ، يدخل فيها الجميع ومعظمهم ممن يلعب بأموال البنوك المملوكة أصلا للمصريين فاذا دارت عليه الدائرة هرب بما معه.
المهم يابنى – والكلام لا يزال لسامح – ان المصريين الغلابة الذين تحلم من أجلهم لن يحصلوا على شىء من تلك الأموال كما لم يحصلوا من قبل على شىء من بلايين المنح التى اتت من أجلهم ، أو حتى من بلايين القطاع العام المباع والذى يملكونه اسما ..ولن تحصل انت على شىء الا الحسرة و السجن أو الفرار بجلدك .
قال سامح : اذن ما الذى تحتاجه مصر؟ قلت : اصلاح حقيقى يحميه الجيش المصرى و تقيمه حكومة مؤقتة يرأسها أحد رجالات القضاء فى مصر. تقوم باصلاح تشريعى كامل فى الدستور وبقية التشريعات بحيث يقام على هذا الاصلاح التشريعى أول دولة مصرية لامركزية ديمقراطية تستمد شريعتها من مواثيق حقوق الانسان – وهى عندى نفس مبادىء الشريعة الاسلامية الحقة. فى هذه الدولة الديمقراطية يتم الفصل بين السلطات الثلاث – التنفيذية الحكومية والتشريعية والقضائية – ويراقب بعضها بعضا فى ظل اعلام حر لا تتحكم فيه الدولة، وفى ظل مجتمع مدنى قوى بمنظماته الأهلية التى تنظم الثروة البشرية المصرية لتبدع فى حرية وأمان ، ومع وجود أحزاب حقيقية تجعل السلطات الثلاث تتنافس فى خدمة المواطن العادى الذى يملك حق الاختيار والتصويت فى صناديق زجاجية مكشوفة وانتخابات حرة ندعو العالم كله لمراقبتها فخورين بها وبنزاهتها ومصداقيتها وطهارتها ، وعلى أساسها يتم تداول السلطة بيسر ومرونة بحيث لا يتم انتخاب رئيس الجمهورية أومحافظ الاقليم أو نائب مجلس الشعب أو المجلس المحلى أكثر من مرتين لاتاحة الفرصة المتكافئة لكل مصري مسلما كان أم قبطيا , ذكرا كان أم أنثى ،الاعتبار الوحيد هو الكفاءة واصوات الناخبين.
اذا حدث هذا – والكلام لا يزال لابنى سامح – فلن تكون مصر محتاجة لبلايين تتمناها لها انت وأمك ، بل أن قوتها البشرية الثمينة ستعود من المهجر العربى والغربى لتنتج حضارة حديثة تفاخر بها الأمم كما فعل الأجداد.. كل شىء سيتغير الى الأحسن بزوال أهل الثقة أى أعوان الاستبداد – ومجىء أهل الكفاءة- أى الصناع الحقيقيون للحضارة . المهم أن يزول الاستبداد، عندها سيصحب معه شقيقه الفساد وبقية عائلته من الفقر والعجز والتطرف والتعذيب والظلم والهوان .
أخيرا قال سامح :هل كل ذلك مرتبط بزوال شخص واحد ؟ قلت : هذه نصف الاجابة. النصف الآخر هو الاصلاح الحقيقى تشريعيا و سياسيا ودينيا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. والا اذا جاء مستبد آخر – نصف كم –" فكأنك يا ابو زيد ما غزيت " على رأى المثل الشعبى المصرى.. وستحتاج يابنى الى احلام أخرى لن تتحقق !!



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس دفاعا عن العفيف الأخضر بل دفاعا عن علمانية الاسلام
- الإسلام دين السلام
- مسجد لله يا مسلمين
- خسر الدنيا والآخرة ذلك الذى يفجر نفسه ليقتل الأبرياء
- كل هذا الهلع من التنصير
- بعدها .. هل يمكن أن يتوب علنا شيخ الأزهر ؟!!
- انفجار الأزهر الأخير: نرجو من الله تعالى أن يكون الأخير
- تمكين فهمى هويدى
- تفكيك فهمى هويدى
- من حق المرأة المؤهلة للامامة أن تؤم الذكورفى الصلاة
- ردا على سجن الدكتور أحمد البغدادى فى الكويت
- حتى ولد الزنا يلحق بأبيه فى تشريع الاسلام أدعوهم لآبائهم
- لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم
- اصلاح الدستور المصرى لا يكفى . لا بد من حكومة انتقالية لتوطي ...
- لا زلنا نعيش فى عصر الخليفةالعباسى الناصر لدين الله بسبب توا ...
- العملية الانتحارية الأخيرة فى اسرائيل ودلالاتها
- حد الردة .. المزعوم
- مرض الحسبة
- ابو بكر الصديق
- الاسناد فى الحديث


المزيد.....




- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - قلت لابنى سامح