أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (1)















المزيد.....


محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (1)


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4219 - 2013 / 9 / 18 - 23:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (1)
===================
بقلم علي سينا
ترجمة: إبراهيم جركس
الجزء الأول من كتاب ((فهم محمد: السيرة السيكولوجية الذاتية لمحمد: بقلم علي سينا 2007-2008))
۞-;- من كان محمد؟
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 3- 8] [1]

دعونا نبدأ بقصّة محمد. لندخل حياته. من كان وبماذا كان يفكّر؟ في هذا الفصل سنعبر باختصار خلال النقاط البارزة في حياة رجل، يعبده أكثر من مليار شخص حرفياً. في الواقع إنّ الإسلام ليس سوى مذهب محمدي Muhammadianism. حيث يدّعي المسلمون أنهم لا يعبدون أحداً غير الله. وبما أنّ الله لم يكن سوى ذات محمد الثانية، اسمه المستعار، ولعبته الخفية، فعملياً، هم يعبدون محمد. إنّ الإسلام ليس إلا مذهب شخصي لمحمد. سنقرأ كلماته كما وردت في القرآن، والتي زعم أنها كلام الله، وسنراه من خلال عيون أصحابه وزوجاته. سنلقي نظرة على الطريقة التي ظهر بها وتحوّل من واعظ أو مبشّر مغمور ليصبح حاكماً قوياً لكل بلاد العرب خلال عقد واحد من الزمن، وكيف فرّق الناس وقسّمهم من أجل أن يسهل عليه حكمهم، كيف غرس قيم الحقد والعصيان وأيقظ مشاعر البغض لدى الناس لشنّ حروب طاحنة ضدّ الآخرين وكيف لجأ إلى الغزو، الاغتصاب، والاغتيال ليزرع الرّعب في قلوب ضحاياه وإخضاعهم. سنتعلّم الكثير عن إباداته الجماعية وميله للمكر والخداع كاستراتيجية، وهي نفس الاستراتيجية التي يتبعها المسلمون الإرهابيون في الوقت الحاضر. وبعد فهم الشخصية المحمدية سنرى أن الإرهابيين يفعلون بالضبط ما فعله نبيّهم ويقلّدونه في أفعاله وأقواله.

●-;- ولادة محمد وطفولته
في عام 570 للميلاد، وفي منطقة صحراوية تسمّى مكّة في شبه الجزيرة العربية، أرملة ما زالت في سنّ الشباب _آمنة_ تضع مولوداً يعرف فيما بعد باسم "محمد" [2]. وبالرغم من أنّ محمد كان طفلها الوحيد، إلا أنها سلّمته لامرأة بدوية كي ترضعه وتربيه في الصحراء، وذلك عندما كان يبلغ من العمر ستة أشهر فقط.
كانت هناك عادة منتشرة بين النساء العربيات الثريات وهي أن يستأجرن بعض المربيات أو المرضعات من أجل أطفالهنّ. وقد خلّصهن هذا الأمر من عبء الإرضاع والتربية وسمح لهنّ بأن ينجبوا أطفال آخرين مباشرةً. فالأولاد الكثر يعني مكانةً أرفع. لكن لم تكن تلك هي حالة آمنة التي كانت أرملة وأم لطفل وحيد تعتني به وفقيرة. فعبد الله، والد محمد، مات قبل ستة أشهر من ولادة محمد. كما أنّ هذه الممارسات لم تكن شائعة حقاً. في الواقع خديجة، زوجة محمد الأولى، والمرأة الأغنى في مكّة كلّها، كان لها ثلاثة أولاد من زيجتان سابقتان وحملت أكثر من ستة أطفال بالإضافة إلى محمد. وقد ربّتهم جميعهم بنفسها من دون مساعدة أحد [3].
لماذا ترسل آمنة ابنها الوحيد لتربّيه امرأة أخرى بعيداً عنها؟ هناك معلومات قليلة جداً عن والدة محمد والتي تساعدنا على فهمها وفهم قرارها الذي اتخذته من أجل إبعاد محمد.
هناك معلومة صغيرة مثيرة للاهتمام تسلّط بعض الضوء على تركيبتها النفسية وعلاقتها بطفلها، وهي أنّ آمنة لم ترضع ولدها من صدرها. فبعد ولادته، أعطي الطفل الحديث الولادة إلى ثويبة، جارية عمّه أبو لهب (وهو نفس الرجل الذي لعنه محمد هو وزوجته في سورة المسد) لتهتمّ به. لماذا لم تهتمّ آمنة بابنها ولم ترضعه من صدرها، ولماذا لم يذكر هذا من قبل. جلّ ما يمكننا فعله هو التخمين. هل كانت مكتئبة من واقع أنها أصبحت أرملة في تلك السّنّ المبكّرة؟! هل فكّرت أنّ الطفل كان عائقاً أمام إمكانية الزواج مرّةً أخرى؟
إن حادث وفاة أي شخص في العائلة سيسبب تغيّرات كيميائية في الدماغ يمكن أن تؤدّي إلى الاكتئاب. وهناك عوامل أخرى قد تزيد فرص النساء في المعاناة من الاكتئاب مثل: أن تعيش وحيدة، القلق حول الجنين، المشاكل الزوجية أو المالية والعمر الصغير للأم. كانت آمنة قد فقدت زوجها للتوّ، كانت وحيدة، فقيرة، وصغيرة السّنّ. واعتماداً على ما نعرفه عنها، كانت مرشحاً مثالياً للوقوع في الاكتئاب. قد يتداخل الاكتئاب مع قدرة الأم على توثيق العلاقة مع طفلها. كما أنّ الاكتئاب خلال فترة الحمل يضع الأم في حالة خطر من معاناة حالة عميقة ومستعصية من الاكتئاب بعد الإنجاب (كآبة ما بعد الولادة) [4].
يقول بعض الباحثين أنّ الاكتئاب عند النساء الحوامل قد يكون له تأثيرات مباشرة على الأجنّة. وعادةً ما يصبح الأطفال عصبيين وخمولين. هؤلاء المواليد الجدد قد يكبرون ليصبحوا أولاداً بطيئين في التعلّم، وغير متجاوبين عاطفياً، مع مشاكل في السلوك، كالتصرّفات العدوانية على سبيل المثال [5].
تلقى محمد تربية ونما بين الأغراب. ومع نموّه، أصبح مدركاً أنه لا ينتمي لتلك العائلة التي يعيش في كنفها. ولا بدّ أنه قد تساءل عن السبب الذي دفع أمّه التي أنجبته، والتي كان يزورها مرّتين في العام، بالتخلّي عنه.
حليمة، مرضعة محمد ومربّيته، بعد بضعة عقود روت أنّه في بادئ الأمر في ترغب بأخذ محمد لأنه كان يتيماً ومن أمّ فقيرة لا تملك شيئاً. في النهاية قبلته لأنها لم تجد أي طفل آخر من عائلة غنية. فعائلتها كانت بحاجة ماسّة إلى دخل إضافي حتى وإنّ كان ضئيلاً. هل يعكس هذا الكلام الطريقة التي اعتنت فيها حليمة بالطفل؟ هل شعر محمد بانعدام الحب والعاطفة في منزل العائلة التي ترعاه خلال تلك السنوات الحاسمة من التكوين النفسي للإنسان؟
أخبرتنا حليمة أنّ محمد كان طفلاً انطوائياً. حيث أن كان ينسحب دائماً إلى عالم خيالي ويتحدّث مع أصدقاء غير مرئيين. هل كان ذلك ردّة فعل لطفل لم يشعر بالحب قط في العالم الحقيقي وخلق عالماً آخر في عقله يستطيع أن يجد فيه الملجأ والحب؟
أصبحت صحّة محمد العقلية والنفسية مصدر قلق بالنسبة لمرضعته التي _عندما بلغ محمد سنّ الخامسة_ أعادته إلى آمنة. لم تكن قد وجدت زوجاً بعد، وكانت تمانع إعادة الطفل إليها، إلى أن أخبرتها حليمة عن سلوك محمد الغريب وأحلامه وخيالاته. يورد ابن إسحاق حديث حليمة مع آمنة ((قال أبن اسحق .. كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية أم رسول الله التي أرضعته تحدث .... فلم يبلغ سنتيه (محمد) حتى كان غلاما جعفراً (غليظاً) فكلمنا أمه وقلت لها لو تركت بنيّ عندي حتى يغلظ ... فردته معنا (ثم حدث له شق بطنه فأرجعته حليمة إلى أمه) قالت أمه (آمنة) أفتخوفت عليه الشيطان قالت قلت نعم قالت كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل ... فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف علىّ ولا أيسر منه ...)) [السيرة النبوية لأبن هشام باب ولادة رسول الله صلعم ورضاعته.] [6]
من الطبيعي جداً بالنسبة للأطفال أن يروا وحوشاً تحت أسرّتهم والتحدّث إلى أصدقاء خياليين. لكنّ حالة محمد قد تكون متفاقمة ومنذرة بالخطر. صرّح زوج حليمة أمام زوجته إحدى المرّات من تخوّفه على الطفل من أن يكون قد لحقه بعض الأذى. وهذه معلومة هامّة جداً. فبعد عدّة سنوات، تحدّث محمّد عن تجربته الغريبة عندما كان طفلاً ((... إذ أتاني رجلان عليهما ثيابٌ بيضٌ بُسِطَت من ذهب مملوءة ثلجاً، فأخذاني فشقّا بطني واستخرجا قلبي فشقّاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثمّ غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه...)) [7]
الشيء المؤكّد هو أنّ شوائب العقل لا تظهر كعلقة سوداء في القلب. باستثناء حقيقة أنّ الأطفال خالين تماماً من الذنب، لا يمكن للذنوب أن تزال بعملية جراحية كما أنّ الثلج ليس مادّة معقّمة جيّدة. فالقصّة بكاملها محض خيال أو هلوسة.
اجتمع محمد الآن بأمّه، لكنّ هذا الاجتماع لم يستمرّ طويلاً. فبعد سنة واحدة ماتت آمنة. كما أنه لم يتحدّث معها كثيراً. وعندما غزا محمد مكّة، بعد خمس وخمسين عاماً من وفاتها، زار قبر والدته على الأبواء، مكان بين مكّة والمدينة حيث دُفِنَت وبكى عليها. ثمّ أخبر أصحابه بالتالي ((هذا قبر أمي سألت ربي الزيارة فأذن لي وسألته الاستغفار فلم يأذن لي فذكرتها فرققت فبكيت)) [8]
لماذا لم يسمح الله لمحمد بالصلاة على والدته؟ ما الذي فعلته حتى لا تستحقّ المغفرة؟ إلا إذا كنا نؤمن أنّ الله ظالم وغير عادل، فهذا غير معقول ولا منطقي. من الواضح أنّ الله ليس له علاقة بذلك. إنه محمد هو الذي لم يستطع مسامحة أمه، حتى بعد مرور نصف قرن على وفاتها. على الأرجح كانت ذكراها الرّاسخة في ذهنه بأنها امرأة باردة غير قادرة على الحب، لقد كان مستاءً منها وكان يعاني من جروح عاطفية عميقة لم تشفى طوال حياته.
عندها أمضى محمد سنتان في منزل جدّه، الذي رعاه لكونه يتيماً، والذي أغدق على حفيده، الذكرى الوحيدة التي تحمل رائحة ابنه عبد الله، بالحب والحنان غير المشروطين. يكتب ابن سعد أنّ عبد المطّلب منح الولد الكثير من الاهتمام الذي لم يعره لأي أحدٍ من أبنائه [9]. يكتب موير في سيرته المحمدية ((كان الجد يعامل حفيده بالولع المتفرّد. كان هناك بساط يُنشَر في ظلّ الكعبة، وعليه، كان يتّكئ شيخ المسنّين ملتجأً من حرارة الشمس. وحول البساط، لكن على مسافة منه احتراماً ومهابةً، كان يتحلّق حوله أولاده. كان محمد متعوّداً على الركض واللعب قرب الجد، وكان يحاول الاستيلاء على مقعده بشكل غير لائق. كان أولاده يحاولون إبعاد الصغير، لكنّ عبد المطّلب يتدخّل قائلاً: "دعوا صغيري وشأنه". ثمّ كان يمسّد له على ظهره، وهو مبتهج في مراقبة ثرثرته الطفولية. كان الولد لا يزال في رعاية مربّيته، بركة، لكنّه كان يتركها أحياناً، ويركض مسرعاً إلى منزل جدّه، حتى عندما يكون وحيداً أو نائماً)) [10]
تذكّر محمد المعاملة التفضيلية الجيّدة التي تلقّاها من جدّة عبد المطّلب. ثم عن طريق رشّ المزيد من التوابل عليه في خياله، قال لاحقاً أنّ جدّه كان يقول: "دعوه وشأنه فله قدر عظيم، وسيرث مملكة" كما أنه كان يقول لبركة "حذار أن تدعيه يقع بين أيدي اليهود والنصاري، فهم يسعون وراءه، وسيؤذونه!" [11] على أيّة حال، لم يذكر أحد هذه التعليقات، إذ لا أحد من أعمامه كان قد تقبّله عندما بدأ بمزاعمه، ما عدا حمزة، التي كان يبلغ من العمر مثله تماماً. عبّاس أيضاً انضمّ إلى جانبه، ولكن فقط بعد أن ظهر محمد وسطع نجمه وكان على أبواب مكّة يتجهّز لغزوها.
للأسف، لم يكن القدر رحيماً مع محمد. فبعد سنتين فقط من انتقاله للعيش في كنف جدّه، مات البطريرك الكبير عن عمرٍ ناهز 82 عاماً وأصبح الولد في رعاية عمّه أبو طالب.
شعر الطفل اليتيم بمرارة شديدة جرّاء خسارته لجدّه. وعندما خرج في جنازة جدّه الذي دفن في منطقة الحجون، كان يبكي طوال الطريق، وبعد عدّة سنوات، احتفظ بذكرى غالية جداً له.
أدّى أبو طالب الأمانة بصدق. ((كان ولعه بالفتى يساوي ولع عبد المطّلب)) يكتب موير ((فقد جعله ينام في سريره، ويأكل بجانبه، وكان يأخذه برفقه أينما ذهب. وهذه استمرّ بهذه المعاملة اللطيفة حتى خرج محمد من عهد العجز الطفولية)) [12] يقتبس ابن سعد عن أستاذه الواقدي الذي روى لنا أنّ أبو طالب، بالرغم من فقره، اعتنى بالفتى اليتيم وأحبّه أكثر من أبناءه هو.
بسبب هذه الصّدمات النفسية القاسية والمدمّرة التي تعرّض لها محمد أثناء طفولته، كان محمد يخشى فيها أن يترك وحيداً ولا بدّ أنه قد عانى من جروح ورضوض نفسية. وهذا واضحٌ جداً من حادثة حصلت له عندما كان بعمر الثانية عشرة. في أحد الأيام، قرّر أبو طالب أن يذهب فيها إلى سوريا برحلة عمل. وكان ينوي أن يترك الولد في المنزل ((لكن عندما كانت القافلة تتجهّز للرحيل، وأبو طالب يكاد يمتطي ناقته، كان ابن أخيه متعلّقاً به جداً وحزيناً على فراقه الطويل. تحرّك أبو طالب، وأخذ الولد معه)) [13]. هذه الدّرجة من التعلّق بعمّه هي إشارة إلى أنّ محمد كان في حالة خوف مستمرّ من خسارة أحبّائه.
بالرغم من هذه المودّة العظيمة، وبالرغم من أنّ أبو طالب ظلّ مدافعاً عنه خلال حياته _كان يدافع عنه أكثر من أولاده_ أثبت محمد أنه شخص ناكر للمعروف في النهاية. عندما كان عمّه العجوز على فراش الموت، زاره محمد وجلس بجانبه. كان جميع أبناء أبو طالب حاضرين. كان أبو طالب دائم التفكير بحالة ابن أخيه، لذلك كان طلب أبو طالب الأخير من إخوته هو حماية محمد ورعايته الذي كان في ذلك الوقت قد بلغ من العمر 50 عاماً. وقد وعدوه بأن يقوموا بذلك، ومن ضمنهم أبو لهب، الذي لعنه محمد. وبعد ذلك طلب محمد من عمّه التحوّل إلى الإسلام.
أدرك محمد أنّ أتباعه كانوا ودعاء أغلب الأحيان ومتواضعين. ولرفع سمعته احتاج إلى شخص ما من القوم يعتنق دينه. يروي ابن إسحاق أنّه كلّما جاءت مجموعة من الرجال لزيارة مكّة، أو أنّ النبي قد سمع بمجيء أيّ أحد ذو شأن وأهمية إلى مكّة، كان يذهب إليهم ويعرض عليهم رسالته [14]. ويخبرنا المؤرّخون أيضاً أنّ محمد ابتهج جداَ عندما أسلم أبو بكر وعمر وانضمّوا في صفّه. إنّ تحوّل أبو طالب إلى الإسلام كان سيرفع من مكانة محمد بين أعمامه وبين أبناء قريش، القبيلة التي استقرّت في مكّة وحماة الكعبة، وسيمنحه ذلك مصداقية ومنزلة رفيعة كان يتوق للحصول عليها. إلا أنّ الرجل المحتضر ابتسم وقال بأنه يفضّل الموت على دين آبائه وأجداده. وبهذا، ومع تلاشي آماله وأحلامه، خرج محمد من غرفة عمّه يدمدم ((كنت أريد الصلاة من أجله، لكنّ الله منعني عن ذلك)) [15].
من الصعب جداً التصديق أنّ الله سيمنع نبيّه من طلب الرحمة والمغفرة للرجل الذي ربّاه وحماه طوال حياته، وضحّى بالكثير من أجله. إنّ هذا الأمر سينزل الله إلى المستوى الذي يجعله غير جدير بالعبادة. إنّ التضحيات التي قام بها أبو طالب وعائلته من أجل محمد كبيرةٌ جداً. هذا الرجل، بينما كان مرتاباً من ادّعاءات محمد، وقف كالصخرة في وجه المعارضين، وحماه من أي أذى محتمل، ولمدّة 38 عاماً بقي مؤيّداً مخلصاً لابن أخيه. وبالرغم من أنّ أبو طالب رفض التحوّل إلى الإسلام، إلا أنّ محمد شعر بأنه مرفوض لدرجة أنه لم يستطع أن يسمح لنفسه بالصلاة على عمّه وهو على فراش موته. يخبرنا البخاري ((عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه أم دماغه).)) [16]
كانت فترة شباب محمد فترة خالية من الأحداث نسبياً وليس فيها شيئاً يذكر، ولم ينقل كتّاب السيرة الكثير عن تلك الفترة. كان خجولاً، هادئاً ومنعزلاً اجتماعياً. وبالرغم من حقيقة أنّ عمّه قد بالغ في حمايته وإفساده، ظلّ محمد حسّاساً تجاه وضعه كيتيم. ذكريات طفولته الوحيدة والخالية من الحب والحنان طاردته لبقية حياته.
مرّت السنوات. ظلّ محمد فيها وحيداً، منعزلاً في عالمه الخاص، بعيداً عن أصحابه. يقول البخاري [17] أنّ محمداً كان ((أشدّ حياءً من العذراء في خدرها)) [18] وقد ظلّ على حاله هذه لبقية حياته، خجول وغير آمن، وهذا شيء حاول التعويض عنه برفع نفسه عالياً، وبالتفاخر والتفخيم الذاتي.
محمد لم ينخرط في أي مناسبة هامّة. وفي الوقت الذي كان فيه يرعى الأغنام، كانت تلك المهنة تعتبر مهنة الضعفاء وأقل الناس مكانةً. كان الأجر ضئيلاً وكان يعتمد على عمّه الفقير لإعالته. -;-

يتبع...

*************************
ملاحظة: الهوامش الواردة هنا هي من أصل الكتاب.
[1] عملي هنا ليس حول النصوص المقدّسة في الإسلام، بل قائمة بشكلٍ مباشر عليها. الآية لتي أوردتها هنا مأخوذة من القرآن والحديث. يفترض أنّ القرآن ليس من عمل أيّ إنسان، بل هو كلمة الله المطلقة، من البداية حتى النهاية. الأحاديث قصيرة، حكايات وأقوال مجموعة تتعلّق بمحمد ويعتبرها المسلمون ضرورية جداً من أجل فهم وممارسة دينهم بشكل صحيح. ليس مهمّاً بالنسبة لي هنا مناقشة الأسئلة الكثيرة التي يثيرها القرآن والحديث، أو ترجمتهما إلى لغات أخرى، أو الجدالات القائمة حول الفروقات الدقيقة وغير الملاحظة في تلك النصوص. فبالنسبة لهذا الكتاب، إنّ الآيات التي سأضعها هنا ستتكلّم عن نفسها. وقد أخذتها من أكثر المصادر المتفق على صحّتها بين المسلمين.
[2] حسب ما جاء في بعض المصادر التاريخية (التي لم أقدر على التحقق من أصالتها وصحّتها) أنّ اسم محمّد الأصلي كان "قثم" كما أنه كان يعرف أيضاً باسم
"حلبي". إلا أنه قد غيّر اسمه فيما بعد إلى "محمّد = الشخص المحمود" حينما بلغ سنّ الخامسة والثلاثين أثناء هجرته إلى المدينة.
[3] كان لمحمد أربعة بنات وولدان. أمّا أولاده الذكور، فهما القاسم وعبد مِناف (وقد سمّي باسم الإله مِناف) ماتا وهما صغيرا السّنّ. أمّا بناته فقد بلغن سنّ الرشد وتزوّجن، لكنّهنّ جميعهنّ متن وهنّ ما زلن شابات. أمّا ابنته الأهم، فاطمة، كان لها ولدان. وماتت بعد وفاة محمد بستة أشهر.
[4] أظهرت الدراسات أنّ المواليد الجدد الذين جاؤوا من أمّهات يعانين من كآبة ما قبل وما بعد الولادة اللواتي كانت نسبة مستويات الكورتيسول والنوربينفرين عندهنّ، ونسبة الدوبامين منخفضة. فأطفال المجموعة تلك أيضاً كانت لديهم نسبة مرتفعة من النوربينفرين، ونسبة منخفضة من الدوبامين. وتقترح هذه المعطيات أنّ التأثيرات على نفسية المواليد الجدد تعتمد على حالة الكآبة ما قبل الولادة أكثر منها على ما بعد الولادة، لكنّها أيضاً قد تعتمد على مدّة أعراض الاكتئاب.
ncbi. nlm. nih. gov.
[5]www.gaelth.harvard.edu/newsweek/Depression_during_Pregnancy_and_after_0405.htm
[6] ابن إسحاق (704- 768) مؤرّخ إسلامي، من مواليد المدينة حوالي 85 عاماً بعد الهجرة. من أوائل المؤرّخين الذين دوّنوا سيرة محمد وحملاته وحروبه. فمجموعته من القصص المتعلّقة بمحمد أطلق عليها اسم "سيرة النبي". هذا الكتاب مفقود. إلاّ أنّ الكثير من المؤرّخين نقلوا مادة ابن إسحاق مع التعليق عليها ومن أهمّهم ابن هشام على شكل نصّ منقّح ووافر. ابن هشام، اعترف بأنه حذف بعض القصص عن سابق إصرار والتي كانت تشكّل إحراجاً بالغاً للمسلمين. جزء من تلك القصص المحرجة تمّ إنقاذه من قبل الطبري (838- 923) أحد أهم وأشهر المؤرّخين الفارسيين والمعلّقين على القرآن.
[7] سيرة ابن هشام، 1/166- 167.
[8] طبقات ابن سعد، ص 21. ابن سعد (784- 845) كان مؤرّخاً، وتلميذاً للواقدي. صنّف قصصه في ثمانِ مصنّفات، ومن هنا جاء اسم "طبقات= مصنّفات". الطبقة الأولى يتناول في حيلة محمد (المجلّد الأول)، ثمّ حروبه (المجلّد الثاني)، ثمّ أصحابه من مكّة (المجلّد الثالث)، أصحابه من المدينة (المجلّد الرابع)، أحفاده: الحسن والحسين، ومسلمون بارزون آخرون (المجلّد الخامس)، أتباع وأصحاب محمّد (المجلّد السادس)، أصحابه اللاحقون الهامّون (المجلّد السابع)، وبعض النساء المسلمات في مرحلة مبكّرة (المجلّد الثامن).
[9] طبقات، المجلّد الأول، ص 107.
[10] حياة محمد، سير وليام موير.
The Life Of Muhammad. By Sir. William Muir. London, 1861. Volume II Ch. 1. P. XXVIII
[11] الواقدي، ص 22.
[12] طبقات، المجلّد الأوّل، ص 108.
[13] حياة محمد، سير وليام موير. المجلّد الثاني، الفصل الأول، ص IIIXXX.
[14] سيرة ابن إسحاق، ص 195.
[15] حياة محمد، موير. المجلّد الثاني، ص 195.
[16] صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنّة والنار، 6196.
[17] أبو عبد الله البخاري (810- 870) جامع للأحاديث وما يعرف أيضاً بالسُنّة (مجموعة أقوال وأفعال محمد). كتابه (الصحيح) يعتبر ثاني أهم كتاب إسلامي. فقد أمضي ست عشر عاماً في جمعه وتصنيفه، وانتهى إلى تصنيف 2602 حديث صحيح. إنّ معاييره للقبول بمجموعة الأحاديث كانت من بين المعايير الأكثر صرامةً بين علماء الأحاديث، ولهذا يطلق على كتابه عنوان "صحيح البخاري". وكان هناك باحث آخر هو أبو الحسين كسلم وأبو داؤود الذي قام بعمل شبيه بعمل البخاري وجمع عدداً من الأحاديث التي تعتبر أنها صحيحة وأصيلة. صحيح البخاري، صحيح مسلم، وسُنَن أبو داؤود معترف بها من غالبية المسلمين، وخصوصاً السُنّة، كمكمّل للقرآن.
[18] صحيح البخاري، كتاب الأدب،5751.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياة حرّة من قيود الدين...[3]... تنوّع... تعدّد... وخصوصية
- طبيعة الإله في الإسلام... الدكتور وفاء سلطان
- تفنيد منطقي لمفهوم العذاب الإلهي
- إله الفجوات: هل يظهر الكون أي دليل على التصميم؟.
- حياة حرة من قيود الدين [2]... المعنى، السعادة، والحقيقة
- حياة حرة من قيود الدين [1]... المعنى من الحياة
- مأزق المؤمن: الكوارث الطبيعية
- خمسون وهماً للإيمان بالله [13]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [12]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [11]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [10]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [9]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [8]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [7]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [6]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [5]
- الفرق ما بين الثرى والثريا (الإمّعات والآلهة)
- خمسون وهماً للإيمان بالله [4]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [3]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [2]


المزيد.....




- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (1)