أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر الدلوي - السادس عشر من أيلول 1986















المزيد.....

السادس عشر من أيلول 1986


عامر الدلوي

الحوار المتمدن-العدد: 4219 - 2013 / 9 / 18 - 09:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لذكرى الشهيد البطل ( عماد الدين الجراح )

ما أروع أن تأتي في إجازة أمدها أسبوع بعد شهر قضيته في جبهات القتال المستعر بين جهتين أنت لا تؤمن بكون كليهما يمثلان الشعبين اللذين يدفعان الثمن الباهض لتلك الحرب القذرة من دماء أبنائهما والتي أستطالت بفعل الأحلام الشيطانية لتلك القيادتين والرامية لأسقاط كل منهما للآخر على حساب الدماء المراقة وخيرات البلاد المهدورة بالمجان إكراما ً لعيون مخرج اللعبة القابع خلف الستارة مبديا ً توجيهاته حول الأداء الجيد لكل طرف لدوره في خراب البلدين .
اليوم هو 16 أيلول 1986 وأنت تضع قدمك أمام باب البيت .. تطرقها آملا ً رؤية البسمة على وجه ولديك الصغيرين , فتحت أمهما الباب , وبعد أستراحة قليلة مرت في إحتضان وقبلات للطفلين ( 5 / 3 سنوات من العمر ) .. تسال أنت أمهما عن أخبار الأهل في بغداد .. لبأتيك الجواب بأن لا تدري هل من جديد لأن آخر إتصال هاتفي كان قبل أربع أيام بسبب كثرة مشاغلها في دوامها الرسمي وهم بخيرعلى حد علمها .
ترفع أنت سماعة الهاتف و تزول رقم بيت العائلة الكبير .. ليجيبك أخاها الأكبر مندهشا ً .. ماذا هل أخبروك أنت أيضا ً و أعطوك الإجازة .. وفي دهشة أكبر تجيبه ..يخبروني عن ماذا أولاد الكلب هؤلاء ..إنها أستحقاقي الشهري و قد تصادف اليوم .. ليجيبك هامسا ً .. إسمع لقد عدت للتو من مديرية أمن القناة حيث أخبروني بالذهاب في الساعة السادسة مساء إلى بوابة سجن أبي غريب المركزي لأستلام جثة ( عماد ) .... ما هذا الذي الذي تقوله ... معقبا ً ذلك بسلسلة من السباب واللعن .. لقد فعلها إذن إبن الكلبة .. ولم تكمل جملتك حتى سمعت صوت إرتطام جسد زوجتك على الأرض مصحوبا ً بصرخة عالية .... أخويييييه راح .
عدت للهاتف بعد رفعها عن الأرض محاولا ً تهدئتها ... إسمع ( صالح ) لا تفعل أي شيء قبل حضورنا .. أغلقت السماعة لتتصل بأحد الأصدقاء من سواق التاكسي العاملين على خط بغداد طالبا ً منه الحضور لإيصالكم إليها... حضر الرجل بعد نصف ساعة كنتم قد جهزتم أموركم فيها ... في الطريق وعندما سأل ذلك الصديق عن أسباب بكاء و عويل الدكتورة ..كان الجواب .. إن إبنة شقيقتها طالبة الكلية فشلت في الإمتحان وقررت الإنتحار وهي الآن في المستشفى .. نوع من الكذب الأبيض .. ومن كان يجرؤ يومها على أن يذكر السبب الحقيقي حتى لأقرب الناس لا لصديق .
ساعة كانت مسافة الطريق , وصلتم لتجدوا باقي أفراد العائلة القاطنين في مناطق متفرقة من بغداد قد وصلوا هناك قبلكم , وعندما جلستم للتداول حول مالعمل , كنت المبادر للحديث لتقص عليهم قصة ( عبد الأمير ) .. ذلك الشاب من كركوك والذي كان يتطوع لأستلام جثث المعدومين من أهالي محلة تسعين .. والذي تعرض للتعنيف من قبل أزلام النظام في الطب العدلي لكونه قد جلب معه الصندوق و الحبل قائلين له .. لماذا جلبتهن معك وهل نحن هنا قوادين ... رغم هذا عليك أن تدفع لنا 40 دينارا ً عن الصندوق و 10 دنانير عن قيمة الحبل الذي يربط به الصندوق على السيارة و طوله 4 متر فقط .
لذا صار القرار أن نذهب بدون صندوق ولا حبل .. في الساعة السادسة مساء ً كنا جميعا ً عند البوابة الرئيسية للسجن ثلاثة من أخوته ونحن إثنان من نسبائه في سيارتين , لتبدأ الحفلة الساهرة التي دعينا لها , في السابعة دعونا للدخول , ذهب إثنان من أخوته بعد أن منعوني من الدخول معهم لأنني كنت عسكريا ً خوفا ً على وضعي الحرج , عادا بعد قليل , الجماعة يقولون نحن نهيء عشاءنا الآن وبعد العشاء ستستلمون ميتكم , في التاسعة أستدعوهما مرة أخرى ليعودا مرة أخرى , الجماعة يشربون الشاي الآن وبعد الشاي سيسلمونا الجثة , وهكذا حتى الواحدة ليلا ً حيث نهروهما وذلك لعدم جلب الصندوق معنا , و أمام حيرتنا من أين سنجلب الصندوق .. قال أحد حراس البوابة , من المسجد الموجود في مقبرة الكرخ القريبة .
طرقت باب منزل إمام المسجد , فتحها الرجل , ألقيت تحية الصباح عليه , قائلا ً نحن بحاجة لصندوق لأستلام جثة , وهذا مبلغ التأمينات , رفض الرجل أن يأخذ المبلغ بعد أن عرف مصدر الجثة , ونصحني قائلا ً , أبلغ أخوتك بأن لا يتصرفوا بحماقة أمام أي استفزاز سيتعرضون له لأنه يكفي فقدانكم لواحد , ويجب أن تحافظوا على الآخرين , إذهبوا وسأهيء نفسي مع الحفارين لإتمام مراسيم الدفن .
عندما قص علي شقيقه الأوسط رواية الأستلام , و أنا أسأل عن سبب تجمد ذراعه الأيمن بما هو أشبه بزاوية قائمة الأمر الذي تسبب في خروجها من تحت غطاء الصندوق ذهلت , قال أولا ً إنه أعدم حسب شهادة الوفاة التي لم يعثروا عليها بين الآلاف منها المنضّدة فوق المنضدة إلا بعد نصف ساعة , في الساعة الرابعة عصرا ً من يوم 10 أيلول وقد كان محفوظا ً في مخزن كبير مبرد حوى مئات الجثث المرمية بشكل أشبه بصناديق السمك البحري المجمد التي كانت توزعها مصلحة المبايعات الحكومية على أصحاب المحلات .. ولم يسمحوا لنا بالدخول إلى المخزن .. إذ أستدعوا إثنان من كبار السن من قسم الأحكام الثقيلة ليخرجوا الجثة لنا , وقد هالني المنظر عندما أخرجوها ملتصقة بجثة أخرى بسبب من وضع التكديس في الداخل , وأخذا يرفعانهما إلى الأعلى وتركانهما للسقوط الحر على الأرض ولعدة مرات حتى أنفكت الجثتان أحداهما عن الأخرى , و هذا سبب خروج يده اليمنى عن الصندوق .
كان على أحد منا مساعدة ذلك الرجل المصري الجنسية الذي يتولى تغسيل الجنازة وتكفينها , بعد أن كان القبر جاهزا ً , دخلت معه مانعا ً الآخرين لأني كنت أعرف بأن هناك قانون صدر في عهد البكر أسمه قانون بنك العيون , و أحد مصادر التمويل لهذا البنك حسب فقرة في القانون هي جثث المحكومين بالإعدام , وكنت أخشى عليهم هول الصدمة , أمضيت قرابة النصف ساعة أدلق المياه الساخنة على الذراع الأيمن حتى أستجاب لوضع الإنبساط على طول الجسد , و كانت الصدمة كبيرة لنا , أنا والمصري , عندما شاهدنا آثار الحرق في أماكن متعددة من الجسد , وتهشما ً واضحا في الجمجمة من الخلف , الأمر الذي دفع بالمصري ليهمس لي : إن صاحبكم قتل تحت التعذيب وإجراء إعدامه شنقا ً جرى للتمويه ... والصدمة الأخرى التي أذهلتنا هي وضع عدسات زجاجية مختلفة الألوان في محاجر العينين , تساءلت مع نفسي كم من شهيد إذن مضى في تلك الساعة لدرجة حتى إن الأطباء أو المضمدين الذين قاموا بأقتلاع العيون لم يتقنوا عمليتهم التجميلية بعد القلع .
الساعة الآن هي الثالثة والنصف صباحا ً , ونحن نودعه منزلين أياه القبر , سحبني الرجل , إمام المسجد جانبا ً قائلا ً : قلت لي إنه كان شيوعيا ُ , ولكن صدقني إن كنت مؤمنا ً بأن الله سيحشره مع الشهداء والصديقين لأنه ذهب على طريق خلاص الوطن من هذه الطغمة وما عليكم إلا التحلي بالصبر وعدم التهور لأنهم سيمنعونكم من من إقامة مجلس العزاء , قلت له لقد أبلغونا بذلك وشكرت الرجل على النصائح و طمأنته بإننا سنسيطر على الموقف , عدنا إلى البيت في الساعة الرابعة والنصف صباحا ً , لتبدأ رحلة الأنكسار الذاتي , كل نصف ساعة يرن جهاز الهاتف ولا أحد يتكلم , يريدون الإستماع إلينا , هل أقمنا مجلس عزاء أم لا , هل نبكي عليه أم لا , وعندما حاولنا الإتصال بالأقارب لنقل الخبر لهم كان جهاز التلفون لا يستجيب , لماذا ؟ قالت أحدى النساء ... لقد جاءوا بعدكم وفتحوا الجهاز و قطعوا أسلاكا ً فيه وطلبوا منا إبلاغكم بعدم إصلاحه إلا بعد ثلاثة ايام .



#عامر_الدلوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من مزيد من السكوت و المجاملة ياقيادتي حشك وحشع
- المجد للذكرى العطرة لثورة الرابع عشر من تموز المجيدة
- سلام خذ لهيبة جيش و دولة الحجي
- ليبرتي وروح الإنتقام الفارسية القائمة
- مرة أخرى معك يا موسى الكاظم في حوار مفتوح
- بين المركز والأقليم .. كيف تبنى مؤسسات الدولة ؟
- خدمات ما بعد البيع
- مزارب المشاية في أطراف الولاية
- لماذا عيد الحب وليس الحدث الحقيقي
- بالونات السيد المالكي الإختبارية
- الطريق السريع محمد القاسم
- ولاية السفيه .. محاولة جس نبض أم مخطط متكامل مسبق
- لقلب الشجاع
- إبتكار عراقي بإمتياز .. الحسينيات المتحركة
- الرابع عشر من تموز .. نقطة مضيئة في تاريخ وطن ..
- في ذكراها التاسعة والأربعين.. الخلود لشهدائها والمجد للأحياء ...
- أنْتَ شَمْسٌ و المِلُوكِ كَواكِبٌ
- ما لا يعرفه عنك أحد أيها الأمير
- هل هناك تغيير قادم في قيادة الحزب الشيوعي العراقي
- بين - ويكيبيديا - وقيادة حشع ..هوة لا بد من ردمها !!!!


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر الدلوي - السادس عشر من أيلول 1986