أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - -النموذج الروسي-: من -غروزني- إلى ثعالب الليل















المزيد.....

-النموذج الروسي-: من -غروزني- إلى ثعالب الليل


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 18:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أخطر القادة هم اولئك الذين تصيبهم لوثة الشوفينية القومية, وتستبد بهم شهوة إعادة بناء الامجاد الغابرة واستحضار الماضي, باعثين في شعوبهم مشاعر الضحية والفقدان, ومستفزين فيهم غرائز الانتقام من الآخرين. هناك في تاريخ البشر والسياسة قومية حميدة وهناك قومية مدمرة, الاولى تعكس الانتماء الطبيعي والعفوي للوطن والثقافة والهوية, من دون مبالغة وانجرار بإتجاه الإدعاء بالتفوق الإثني والثقافي على الاخرين, ومن دون احتقار القوميات الاخرى. القومية الحميدة تُطلق طاقات الناس الايجابية لخدمة جماعتهم ووطنهم والاعتزاز به والتنافس مع "الاوطان" الاخرى عن طريق الانجازات, وليس عن طريق التباهي ب "نقاء الدم", او امجاد الماضي, او عظمة التاريخ الذي أغلب مراحله تكون متخيلة او مركبة, والخيال الجامح فيها اكثر من الحقائق.
النوع الثاني من القومية, القومية المدمرة, هي تلك الشوفينية التي تختلط مع العنصرية وتنظر للذات القومية بكونها الاعلى والافضل تراتبية, وترى الآخرين وقومياتهم واوطانهم يحتلون دوما مراتب ادنى على السلم القومي وسلم "الاجناس والإثنيات". كثير من الحروب الدموية التي دفعت فيها البشرية ملايين الضحايا نشبت عن جنون القوميات الإثنية او الدينية, حيث يأتي قائد ما مهووس بجنون الافضلية وسيكولوجيا الضحية, ويريد ان يصوب التاريخ, ويضع المستقبل "على الطريق الصحيح" رغما عن كل الحقائق الموضوعية الاخرى. كل ما يقف في وجه مشروع إعادة المجد الغابر وفي وجه تصويب التاريخ وتثبيت بوصلة المستقبل يجب ان يُحارب, ويُزاح, ويُستأصل. من قلب الشرق الصيني والياباني, إلى قلب الغرب الاوروبي مرورا بكل جهات الارض, هناك نماذج وسيرورات قومية من المفترض ان تكون قد وفرت امثلة وتجارب تردع عالمنا من التورط في مساراتها. في اوروبا لا زالت تجربة القومية النازية والرعب والموت الذي جلبته على القارة طازجا, لأن تلك القومية رأت في الجنس الآري العنصر النقي الاعلى والذي يجب بالبداهة ان يحكم اوروبا والعالم كله من ورائها. كل من يعتبر عائقا وحملا ثقيلا يحول دون المضي في طريق ذلك "المشروع الطبيعي", او حتى يبطىء من انطلاقه, فإن مصيره الاستئصال والموت.
القوميات الشرسة لا تدجن بسهولة فضلا عن ان تموت. رأى العالم كيف انبعثت القومية الصربية من تحت ركام عقود طويلة من القيد اليوغسلافي, وانقضت على من جاورها والحلم الذي يقودها بكل عماء هو صربيا الكبرى, صربيا العظيمة والمتسيدة, كما كانت مُتصورة في عقول قادة مهووسيين مثل سلوبودان ميلوسيفتش ورادوفان كارديتش. كانت النتيجة مجازر وإبادة عرقية في قلب اوروبا مرة اخرى, في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو.
الليبرالية والديموقراطية هي الآليات التي اقتحمت فضاء القوميات الشرسة وعملت على تدجينها. الليبرالية الديموقراطية تتجاوز التراتبيات الإثنية والقومية الحادة, وتعلي من قيمة الإنجاز كمعيار تفاضل, وتكرس مبادىء المساواة بين البشر على اساس انسانيتهم. هناك بالطبع اختلالات كبيرة في التطبيق, خاصة عندما نلاحظ خفوت او عدم إنعكاس متلك المبادىء في السياسات الخارجية, لكن الشيء المهم والاساسي في الليبرالية الديموقراطية انها توفر معايير انسانية وعالمية للإحتكام إليها, غير مرتكزة على اية اسس قومية.
روسيا بوتين اليوم هي روسيا المهجوسة بإعادة بعث القومية الروسية وامجادها الغابرة. خطاب بوتين وسياساته الداخلية وبرامجه الانتخابية التي طرحها اثناء ترشحه للرئاسة تنبعث منها روائح الشوفينية. ولتحقيق احلام "روسيا فوق الجميع" فإن ذلك يعني تبني سلسلة من السياسات الداخلية والخارجية التي تقوم القسر والقوة والإزاحة الإجبارية. داخلياً, تبنى بوتين مفهوم "الديموقراطية السيادية" وهو مفهوم فضفاض وغامض, المقصود المُعلن منه هو عدم السماح لأية اطراف اجنبية في التدخل في "سيادة" روسيا من خلال التدخل في ديموقراطيتها واحزابها وجمعيات المجتمع المدني فيها. التطبيق المباشر ل "الديموقراطية السيادية" كان تشديد القبضة البوليسية على الحريات العامة, والجمعيات, والاعلام, وقولبة كل ما هو موجود في المجتمع والسياسة والثقافة وفق رؤية بوتين. وكأحد الأمثلة المُدهشة الآن ليحاول القارىء ان يتذكر إن سمع رأياً حول الشأن السوري من اي سياسي او صحفي او مثقف او ناشط او اكاديمي روسي يخالف الرأي الرسمي؟ في اي بلد آخر على الجهة الاخرى من "الديموقراطية السيادية", وبدءا من الولايات المتحدة وحتى تركيا ومرورا بكل البلدان الاوروبية هناك طيف واسع من الآراء يشمل السياسيين والاعلاميين والكتاب والاكاديميين.
في السياسة الخارجية ينطلق بوتين من شوفينية روسية إزاء الجوار الاقليميي تذكر بسياسة هتلر. فبوتين يرى في الجمهوريات الآسيوية "الحيز الحيوي" لروسيا, والذي يفرض على موسكو ان يبقي تلك الجمهوريات تحت النفوذ الروسي وتابعة له, سواء أكان ذلك تحت ظل الإتحاد السوفياتي وعبر الشيوعية الاممية, او عن طريق مباشر ومن دون التخفي وراء أية مشروعات ايديولوجية. ولم يترك بوتين أي مجال لأي متشكك في سياسته إزاء الجوار الاقليمي, وهي السياسة التي قامت على القسر والبطش والتركيع, من الشيشان وتسوية عاصمتها غروزني بالارض, إلى جورجيا وتركيعها وتنصيب نظام موال لموسكو فيها. بوتين الذي يتشدق بضرورة إلتزام الدول الكبرى بالقانون الدولي عند طرح افكار التدخل الخارجي في سوريا, داس على ذلك القانون وتبختر عليه جئية وذهابا في الجوار الاقليمي, ثم لفظه بعيداً.
قيصر موسكو الذي يريد ان يدخل التاريخ بكونه من اعاد بعث المجد الروسي بعد الإذلال الذي تعرضت له روسيا إثر إنهيار الامبرطورية السوفياتية, وبكونه من اعاد توحيد الاراضي السلافية. ولأنه مهجووس بشوفينية روسية عابرة للحدود وخطيرة فإنه لا يخجل من رعاية ما يُعرف ب "نادي ثعالب الليل" وهم مجموعات من راكبي الدراجات النارية, والمعروفون بشعور رؤوسهم ولحاهم الكثة, والاوشام والسلاسل التي تملأ سواعدهم وصدورهم, ويعتبرون من اشد مؤيدي بوتين ونظرته القومية الشوفينية. وهم يطوفون في رحلات طويلة سواء في روسيا او البلدان المجاورة لها, واحيانا تستهوي بوتين ان يرافقهم في بعض جولاتهم. وفي حادثة مشهودة تناقلتها وسائل الاعلام العام الماضي توقف بوتين مع "ثعالب الليل" في احدى جولاتهم في اوكرانيا خلال زيارة رسمية له للبلاد وتجول معهم وابقى الرئيس الاوكراني منتظرا له اكثر من اربع ساعات. وفي نفس تلك الزيارة نقلت اقوال وعهود اخذها "ثعالب الليل" على انفسهم امام بوتين بأنهم سيبقوا إلى جانبه كي يساعدوه في توحيد الاراضي السلافية التي قسمها الاعداء!
الذي يصفقون لبوتين وروسيا على "القوة" و"العظمة" التي يبديها في السياسة الدولية عليهم ان يراجعوا انفسهم. روسيا بلد عظيم وتاريخها غني ولا تحتاج إلى سياسة شوفينية كي تثبت نفسها. القومية الشوفينية تقضي على الذات قبل ان تقضي على الآخرين, هذا هو درس التاريخ الذي لا يمل من تعليمنا.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤرخ المستقبل والكتابة عن عرب اليوم!
- الغرائزية الانتقامية واللاعقلانية: -برادايم- التسيس العربي
- بعد الكيماوي, ردع الاسد خارج مجلس الامن
- مقارنة بمصر، مطلوب موقف خليجي أصلب في سورية
- ليبراليا وديموقراطيا: الجيش لا يقتل الناس
- استبداد الاردوغانية ينهي -النموذج التركي-
- الديموقراطية هي تنظيم الكراهيات في المجتمع ... وهنا عبقريتها
- إنقلاب اعاد شحن الاسلام السياسي في المنطقة
- المراهقة الليبرالية وإعادة شحن الإسلام السياسي
- الديموقراطية الليبرالية أو الحروب الدينية
- إنقاذ الشيعة العرب من «حزب الله»
- هل تبرز إيران الصديقة؟
- من مؤتمر باريس العربي 1913 إلى «عرب آيدول» 2013
- أين أصبح «مؤتمر باريس» العربي 1913؟
- «مصانع الفتاوى»: كهنوت إسلاموي وتدمير مجتمعي
- «أبوية الثورات» في الخطاب القومي
- -مصانع- الفتاوى الطائرة
- المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (2-2 ...
- «حماس» وطلبنة غزة
- فيضان المستنقع الأسدي


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - -النموذج الروسي-: من -غروزني- إلى ثعالب الليل