أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الجوهرى - وليم بليك: للحرية والإنسانية والتعايش















المزيد.....

وليم بليك: للحرية والإنسانية والتعايش


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 4215 - 2013 / 9 / 14 - 23:17
المحور: الادب والفن
    


نشرت هذه الدراسة كجزء من دراسة أكبر لديوان وليم بليك "أغنيات البراءة والتجربة" الذى ترجمته ونشر فى وقت سابق هذا العام






حين ننظر إلى ناحية البناء في قيم "وليم بليك" وطرحه- على اعتبار أن هناك هدمًا لقيم وبناءً لقيم في آن واحد، داخل العمل الأدبي- نجد أنه حين يدعو، يقوم بالدعوة إلى الحرية، التي يتطرف فيها أحيانًا- كنوع من رد الفعل تجاه الاستبداد والقهر باسم الدين والسياسية- خاصةً حرية العاطفة والجنس المرتبط بحالة الحب، وإطلاق العنان لرغبات الإنسان الجامحة؛ وإن لم نلمح في الديوان لفظة جنسية كاشفة مباشرة. كما نلمح هنا رفضًا لفكرة "التمييز" على الأساس العرقي أو الديني أو الجغرافي. ونلمح تمردًا على التركيبة الاجتماعية النمطية، التي تخلق الفقراء وتتركهم فقراء، حتى يمكن للناس أن يتوجهوا نحوهم بالشفقة والعطف، في نوع من التمرد الراديكالي المتشدد تجاه آليات وقوانين المجتمع المستقرة التقليدية.


ففى قصيدة "الطفل الأسود الصغير" يرفض "بليك" التمييز الإنساني العنصري القائم على العرق (السواد) وعلى الجغرافيا (الجنوب) أبضًا:

ولدتني أمى في جنوب البرية،
وأنا أسود، لكن آآه روحي بيضاء !
أبيض كالملاك هو الطفل الإنجليزي،
لكنني أسود، كأنني محرومٌ من الضياء

كما نلمح عنده ميلاً وحبًّا تجاه الشرق وعالمه السحري وأساطيره، عندما ربطه بالمطلق (الخالق)، ومكان وجوده وحياته، وذلك في نفس القصيدة "الطفل الأسود الصغير":

انظر إلى الشمس التي تشرق : هناك يعيش الله،
يمنح ضوءه، ويهب حرارته،
تستقبل الزهور و الأشجار والحيوانات والإنسان
الراحة في الصباح، والسعادة في الظهيرة.

وفى قصيدة "الصورة الإلهية"، يبحث الشاعر عن المشترك الإنساني الإلهي في كل المعتقدات الأخرى غير معتقده الشخصي (المسيحي)؛ في الإسلام (التركية) أو اليهودية أو حتى الوثنية. فهو يرى أن الإنسانية- بقيمها العليا- هي الألوهية، وما الألوهية إلا دعوة لتلك القيم:

ولابد للجيمع أن يحب الشكل الإنساني،
في الوثنية، أو التركية أو اليهودية.
فأينما تكمن الرحمة، الحب، والشفقة،
يكمن إلههم أيضًا.

وفى قصيدة "في محنة الآخر"، يستمر الشاعر في فكرة الإنسانية، والتواصل مع الآخر والشعور بما يشعر به، وضرورة التعاطف معه، وتقديم العون له:

أيمكننى أن أرى كرب الغير،
ولا أكون في حزن بالمثل ؟
أيمكنني أن أرى أسى الآخر،
ولا أبحث عن إغاثة مريحة ؟

فى قصيدة "ضياع البنت الصغيرة"، استمر الشاعر في رفضه للتمييز، وقدم الجنوب في نفس صورته المثالية، رغم أن الجنوب في الفكر الأوربي النمطي يرمز للآخر الدوني (النظرة الاستعمارية). فقد حول الشاعر الجنوب إلى مأوًى آمن للبنت الضائعة:

في جَوِّ الجنوب،
حيث الشمس في أوجها
لا تذوي أبدًا،
تستلقي "لايكا" الجميلة.

وفى قصيدة "الخلاصة الإنسانية" أظهر بليك تمرده واعتراضه على القوانين المجتمعية التي تصنع الفقر والفقراء، ثم تدعو للشفقة والرحمة، مطالبا بمنع الفقر واقتلاعه من أساسه، حينها لن يكون هناك حاجة لوجود الشفقة والتعاطف، وستكون السعادة مشتركة ومتوافرة للجميع:

لن يكون هناك المزيد من الشفقة
إذا لم نجعل من شخص ما فقيرا،
ولن تكون هناك حاجة للمزيد من الرحمة
إذا كان الجميع في مثل سعادتنا.

و في قصيدة "منظف المدخنة" التي تنتمي- بالطبع- إلى مجموعة "البراءة"، نلمح فكرة البراءة المثالية التي تفترض العدالة في قوانين الحياة وطبائعها، وتفترض أن العدل والحق يطبقان من تلقاء نفسهما، وأن القيام بالواجب يستتبعه الشعور بالأمن والأمان:

وهكذا استيقظ "توم"، وقمنا في الظلام،
وذهبنا بحقائبنا وفرشاتنا للعمل.
رغم أن الصباح كان باردا، كان "توم" سعيدا ودافئا ؛
لذا، إذا قام الجميع بواجبه، فلا حاجة بهم للخوف من الأذى.

وفى قصيدة "الخميس المقدس"نلاحظ رفض الشاعر لفكرة الفقر، وفكرة سيطرة المجتمع الربوى (الرأسمالى) وانفرداه بكافة الثمار الاقتصادية للحياة، في حين يترك الأطفال للفقر والبرد، والظروف القاسية تحت صبغة دينية (مقدسة):

هل هذا شئ مقدس لنراه
فى أرض غنية وخصبة،
يُكرهُ الرضع على البؤس،
يُطعمونَ من البرد ويد الربا ؟

وفى قصيدة "حزن طفل" صرح "بليك" باعتراضه على قوانين العالم وقسوتها، وضعف الإنسان وعجزه الوجودى أمامها حين يأتى لهذه الدنيا:

تأوهت أمى، وبكى أبى :
لقد قفزت نحو العالم المحفوف بالمخاطر،
عاجزا، عاريا، أصرخ عاليا،
مثل شيطان مختبئ في سحابة.

فى قصيدة " زهرة السوسن" قارن الشاعر بين حالة البراءة وحالة التجربة، مستخدما رمزيه الأكثر استخداما على مر الديوان ( الخروف- الوردة)، مبينا أن الطيب قد ينقلب، وأن الوديع قد يتغير، وإن لم ينس أن يضع في المشهد القدرة على الصمود والامساك بالذات، في ظل قيم العالم ومبادئه الطاغية (حالة السوسنة)، وكأنه يقول ان خيار الامساك بالذت مازال ممكنا رغم كل شئ:

الوردة المتواضعة تضع من الآن فصاعدا تاجا،
الخروف المستكين هو قرن قد يهدد :
بينما السوسنة البيضاء ستسطع بالحب،
لا تاج أو تهديد سيلطخ بريقها الجميل.

وفى قصيدة " الذبابة " تأتى لحظة من لحظات القوة، والتصميم على الاختيار الشخصى، وعدم الاكتراث لآلية العالم وقوانينه في الديوان، حين يقول الشاعر إن اختياره الشخصى (التفكير الذي هو اختيارات مغايرة للسائد والمستقر عليه في المجتمع) يكفى لتحقيق ذاته، وشعوره بالقوة أو الانتصار، سواء أدى ذلك لنتيجة أو لم يؤد، إنتهى بالحياة أو الموت:

إذا كان التفكير هو الحياة
والقوة والتنفس،
والرغبة
فى التفكير هى الموت ؛
إذن أنا
ذبابة سعيدة.
إذا عشت،
أو إذا مت.

وفى قصيدة "أغنية مربية" نرى لحظة من لحظات الضعف النادرة، والاستسلام والاعتراف بالهزيمة أمام العالم، نجد الشاعر يقول أن شبابه وبراءته ضاعت في اللعب، أما كبره وخبرته فقد اكتفت بالتنكر والاختباء، وعدم المواجهة والانسحاق أمام العالم وقوانينه :

من ثم عودوا للمنزل، يا أطفالى، لقد غابت الشمس،
و ظهرت قطرات ندى المساء ؛
لقد ضاع ربيعك ونهارك في اللعب،
وشتاءك وليلك في التنكر.

وفى قصيدة "كتلة الصلصال والحصوة" قدم الشاعر مقارنة واضحة بين وجهتى نظر العالم عن الحب، وجهة نظر التضحية والفداء (تمثلها كتلة الطين التي تدوسها الأقدام رمزا للتضحية)، ووجهة نظر الأنانية والاستمتاع والذاتية (تمثلها الحصاة داخل ماء النهر العذب). ونلاحظ هنا أن الشاعر لم ينتصر لوجهة نظر منهما، فربما الخبرة والتجربة تعلم الإنسان أن الخير والشر يعيشان كل منهما جوار الآخر، وغالبا ما يمكن للإنسان ان يختار جانبه ويدافع عنه، ولكن ذلك لا يعنى أنه سيستطيع القضاء على الآخر:

حين تقول الأولى :
"لا يبحث الحب عن ذاته لإسعادها،
ولا يعطى ذاته أى اهتمام،
لكن يعطى سكينته للغير،
ويشيد جنة في يأس الجحيم ".
وتقول الثانية :
" يبحث الحب عن سعادته الذاتية فقط
كى يحول بين الغير وسعادته،
يفرح لخسارة الآخر سكينته،
ويشيد جحيما في الجنة. "

وفى قصيدة "إجابة الأرض" نلمح روح التمرد المطلق، والرغبة في تحطيم كل القيود أيا كانت، وكان للشاعر أفكار تقاطعت مع مجموعات نادت بحرية الجنس والحب، وتحريره من قيود وفرضيات الزواج، فكيف تحرر الإنسان جنسيا وعاطفيا- من وجهة نظر الشاعر- بقيد وتبعيات أخرى، وعل الأمر هنا يكون بدافع فكرة "الرد فعل"، فحين يتعرض الإنسان للقهر والاستبداد النفسى والروحى، يصبح معاديا بشكل قد يكون مرضى، أو مجاوز للحدود تجاه كافة القيود والقواعد، يصبح الإنسان مصابا بهوس عدوه (القاهر المستبد) الذي قد يراه في أى شئ:

" حطم هذه السلسلة الثقيلة،
التى تصيب عظامى بالصقيع !
أنانية، فاسدة،
مصيبة أبدية،
أن تحرر الحب برباط عبودية."

وفى قصيدة "صوت الشاعر القديم" آخر قصائد الديوان، سخر "بليك" من أدعياء المعرفة وأصحاب النظريات والمجادلات الوهمية- الذين لن يخل منهم عصر أومجال -، والصراع على التاريخ والماضى، قائلا أن هؤلاء يبحثون عن قيادة الناس وهدايتهم لطريق ما، في حين أن مثل هؤلاء يجب عليهم أن يبحثوا عمن يقودهم ويرشدهم للطريق:

لحظة الميلاد الجديد للحقيقة.
انقشع الشك، وغمام العقل،
المجادلات المظلمة و الكيد المصطنع.
الحماقة هى متاهة بلا نهاية ؛
يتلعثمون طوال الليل حول عظام الموتى ؛
ويتمنون قيادة الآخرين، مع أنه يجب قيادتهم.



#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وليم بليك: سيد الرومانتيكية
- وليم بليك: بين الإلهي والأرضي
- البدائل السياسية لمسار الثورات العربية
- دوافع وأشكال الثورة عند المصريين
- نظرية الثورة وتمرد 30/6/2013
- مراحل الثورة وسيناريوهات ما بعد الإخوان
- الثورة المصرية والنخب التاريخية
- معادلة الاغتراب في شعر المنجى سرحان
- ثالوث الصراع الثوري: المستبد- الثوار والمتكيفون
- جدلية الانسحاق والصمود فى أدب التسعينيات
- الثورة وصراع الأنماط البشرية: التصعيد والإزاحة
- انتصار الثورة القيمية ومجموعات المصالح
- حكايات غريب الثورة: عصام
- الدافع السياسي لأحداث بورسعيد الأولى والثانية
- الطريق إلى الاتحادية: دماء الثوار ومليشيا الوهم
- من ديوان: الطازجون مهما حدث
- طرق مطاردة الذات فى قصيدة النثر المصرية
- 25يناير2013 : سجال الأطراف الأربعة
- -الحوار المتمدن- و-أنا علماني-
- ذكروهم: التجمع الصهيونى فى فلسطين ومنظومة قيم - الطفرة - (mu ...


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الجوهرى - وليم بليك: للحرية والإنسانية والتعايش