أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد البشيتي - طاغوت















المزيد.....

طاغوت


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4213 - 2013 / 9 / 12 - 22:51
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
طاغوت
قصة
هاني أبو انعيم
توقف..توقف
تجرأ شخص،لحق بي وصاح توقف،وأنا أحث الخطى،والناس تطل من أماكنها بفضول وريبة وهلع،تلتفت يمنة وشمالا،تتردد في أمرها ثم تنضم الى من يتبعني،تبدأ بالمناداة عليَ وتدعوني للتوقف.أسيربخطى تتسارع ولا تتباطأ،أشق طريقي وسط الساحة الوحيدة في ذروة اكتظاظها بمن جمعتهم الصدفة والحظ العاثرمن فرادى وثنائيات في قلبها وجوانبها هذا اليوم ليكونوا الطليعة وأكباش فداء،تكتسي الوجوه ملامح متباينة ما بين الغرابة والذهول والدهشة والتشكيك،يتساءل كل من أقترب منه بخطواتي بعد أن تجاهله الهاتفون، يُخمن آخر،يبتسم غيره،قبل أن تتلاشى ابتسامته وتذوي،فالموقف لا يحتاج سؤالا ولا تخمينا،ولا يدعو للبسمة أو الفرجة.
الموضوع خطير قد يكون وعليه اللحاق بالحشد الذي بدأ يتشكل،والناس يتقاطرون من الشوارع الفرعية والأزقة وينضمون الى ركب السائرين خلفي والمنادين..
توقف..
يخرج الباعة من محلاتهم،يسبقهم الزبائن فهم أقرب الى الأبواب،يلقون نظرات متسائلة، يعدمون أجوبة،يرمون ما بأيديهم ويلحقون بي،شرطة السير،السواقون،وركاب الحافلات، المارة والباعة المتجولون منهم والقابعون في الزوايا والأكشاك،يركضون خلفي للحاق بمن سبقهم ويصيحون
توقف.
يلقي الزوار والسواح،بألات التصوير والأجهزة وما بأيدييهم من متطلبات السفر ويلتحقون بالركب،الخصوم وطلاب الثأر أجًلوا أو تغاضوا عن تصفية حساباتهم وساروا جنبا الى جنب،خلفي،العشاق ومن كان على موعد مع حبيب أو فريسة،ترك مكانه وتخلى عن لقاء أعد له باقتدار،العاطلون ما عاد يهمهم البحث والانتظار،فالموت مع الجماعة رحمة. والعاملون تركوا مكاتبهم ومصانعهم وغادروا أبواب رزقهم الضيقة وتركوها مشرعة، ولحقوا يهتفون
توقف
وأنا أشق طريقي ولا أحفل،وسط جموع تتجدد دوما وتزداد عددا،يداهم الموكب غفلتهم ويصرع سهوهم ويلجم النداء الالسنة،فترى عيونا جاحظة،وأفواه فاغرة،وشفاه متنافرة، وملامح ولت من الوجوه وأدبرت.تتحفز السيقان،وتبحث الأقدام عن موطء بين الآخرين، والعاصفة هوجاء تخلط حابلهم بالنابل،تتلاعب بهم جميعا وترصد العابرون على الأرصفة والمحشورون في الأسواق المغلقة ممن أُخذوا على حين غفلة،بعد أن تلكأ النداء في الوصول الى الآذان،وأبطأ دفق شلال الحشد الهادر قبل أن يصب في بحر العيون المذهولة،تتلوى العاصفة وتتكور وتدور،تلملمهم تجمع بقاياهم،تحملهم في ثناياها،تجرجرهم وتدفع بهم بين الجموع،خلفي،ويعلو الصوت ويتواصل الهتاف
توقف..توقف
انضم طلاب المداس والجامعات بعد أن سبقهم الاساتذة والمشرفون،الاطباء والممرضون بلباسهم الابيض اخترقوا الصفوف،لحق بهم المرضى،بعد أن نزعوا أوعية المصل و(الكلوكوز)من أذرعهم،المدير والخفير والأذنة والمراسلون،عمال النظافة القوا بالمكانس والمجاريف وانخرطوا بين الجموع،أصحاب الاحتياجات الخاصة،شاهدوا الموقف،أداروا عجلات عرباتهم والتحقوا هم أيضا.
خلت الساحة تماما من اهلها وضيوفها ومرتاديها،خرج الناس جميعا في أثري بعد أن انضمت ربات البيوت والرضع وصغار السن والشيوخ والعجزة والسجناء والمحكومون، الأبواب بقيت مشرعة،واللصوص وأصحاب السوابق تابوا وثابوا وأتوا مهرولين مستغفرين،والحافلات في أماكنها خالية،المصانع توقف ضجيجها،والمقاهي هجرها الزبائن،العصافير لم تجد من يناكفها أو يكشها،فتوقفت عن الغناء والتغريد،وقد تكون هاجرت،أواعتلت الفضاء ترقب من بعيد.
تتسارع خطواتي أكثر،وأتزود بطاقة اقوى،تعينني وتشد من أزري،تتباعد المسافة ما بيني وبينهم،ويشتد عزمي ويترسخ اصراري فأمعن بالمضي وأتقدم،كلما ازداد عددهم وعلا صوتهم .
الجميع يسير خلفي،وقد تقطعت الأنفاس واستنفذ هواؤها،جفت الأجساد وتسرب ماؤها، وأُنهكت السيقان من الجري فتراخى بنيانها وتعثرت،وتشققت الشفاه من العطش والهتاف وبان ذبلها فذوت.والعيون غارت والآذان صُمًت،والعقول طَبعت كلمة يتيمة على الألسن وانزوت في اجازة طوعية.
وأنا وحدي،أضرب الأرض بقدميً،أختال بمشيتي على ايقاع خطواتي،فلم يبق بالساحة غيري،ولن يكون بها أحد سواي،لا أحد أمامي أو على مقربة،وان ما زلت أسمع لهاثهم وحروف هتافهم المتقاطعة،لا أنظر الى الوراء أبدا،فهم خلفي..وهم دوني..في القاع هم..وفي القمة أنا،مكاني في الصف الأول
..لا..
في أول ألصف
..أبدا
..مرفوض
أنا الصف،أنا الصفوف كلها
أنا..
ما أروع ألأنا..
ما أعظم أن أكون وحدي في القمة وكلهم في القاع،سوى ان أكون متخما وهم جياع،فلا يبرحون عتباتي،ويتوسلون رضاي وبركاتي،ويحمدون ويشكرون،فأنا السد وأنا السيد وهم بقايا بشر وأشلاء رعاع، يتمغطون ويشخرون،ثم يفيقون فجأة من غفلة طال أمدها وامتد أثرها في النواحي والبقاع،يصحون متأخرين،من غفوة أنا من كَحًل عيونهم بنعاسها واحتفظ بالمرود،وطبع على قلوبهم التيه والضياع .
يهمسون خلسة باني كنت مثلهم ومن بينهم نَبتْ،وقدوتهم ومثلهم الأعلى في ما بعد أصبحت، الى ما غدوت عليه من عزوسلطان وجاه،ويعزون الفضل بعد الله لهم وسر بقائي،دون تمعن في ما اصطفاني عليهم من رفعة يفتقدونها في تكويني ودوام تفوقي وعلو ارتقائي، ويجحدون نعمته عليهم بي وما أوتيته مذ كنت في المهد صبيا،يمسحون عبثا عن العيون غشاوة استكانوا لمرتعها بين الجفون،ويسعون لنزع وثاق أحكمتُه على عنق الروح وأتبعته بقفل وقيد،بعد أن أتخذوا الزاوية كهفا ومكثوا فيها طوعا،عقدا يتلوه عقد،وما برحوها وان شبه لهم وهم في حشرهم ينعمون.
وتنتابهم بغتة،كوابيس صحوة،بفعل رجفة،مادت بها الأرض وانفطرت جبال،وغَيبتِ الجميل والمبارك والصالح،واطاحت بمن اشاد العمران زورا وبهتانا،فاختلط الأمرعليهم وتجاهلوا سر نبوغي ومنابع قوة لم تتح من قبل لغيري،وهم يعلمون بأني حبستُ سبع الغابة في مكان تغوطي،واطلقتُ للريح كل عنان.تململت الأجساد وانتصبت السيقان،والأقدام تبحث عن موطء في ساحة خلت منهم وفاضت بي،والألسن تلجلج بحروف مبهمة وكلمات مشعوذ وطلاسم.
ح...ر..ي..ه
تنبسُ بها الشفاه خلسة،وتصير قصيدة وموالا،ينشدونها ويتمنون،بانتظار تكرمي وفتات موائدي.حفنة دقيق يحسبونها،أو لفافة تبغ وصُرة ليرات؟وهم يدرون بأن انعدام روحي يكمن في ثناياها،وفي الاستجابة،مصرعي وهلاكي،أكاد أسمع هلوستهم وأرى دركا الى غياهبه ينزلقون،وأنا مذهول من جنس يبحث في المعجم عن مبررات فنائه،ويندفع للحاق بي،ليقول كفى ويدعوني للتوقف،بعد أن اعتادت قدماي دروبا مزينة بالجماجم ومرصوفة بالأعناق،وعيناي تتمايلان طربا قبل جذعي على رقصات مطعون يترنح في صالات أقبية ومسارح حارات.
أبحث حولي عن أحد،شبح أسأله،انس،جان،أبحث عن خيال،أجنح للحلم،وأعهد لنسمات الشام أن تحمله بعدُ جوابا في صيغة سؤال،وتنثره في مختلف الأماكن ولحظات الزمان.
ولماذا أتوقف؟
فما أعترض أحد دربي من قبل،وما أطبقت للساهرين على نعل حذائي أجفان،وعَشعشْتُ قلائد في أعناق نسائهم،وفي عيون امهاتهم ما زلت غزال.
ويقولون توقف
وأ..نا
ل..ن
أ..ت..وقف
وان اصبحت أسمع جلبة..وارى في ما يراه النائم المحموم..كوابيس عذاب..حسبتها أضغاث أحلام..زاغ لها بصري..وارتعدت أوصالي..نعال مهترئة تلوح بها الايادي.. وحشرجات حناجر يتلوها تفتفة وبصاق..سيقان رجال منفرجة وسيلان دافق بات يغمرني، وأنا أغوص في مجرى أصبح آسن،أمرتُ بحفره قبل سنين،تحسبا لطوفان رباني طاريء، وشَيدتُ عند مَصَبه سدا،عهدتُ به للتاريخ،ولم أكن أعلم بأن بوابته سُدت بمزبلة وأكوام نفايات.







#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -عناقيد المجرَّات-.. لماذا لا تغادِر أماكنها؟
- معنى -الضَّرْبة-.. ومعنى -المبادرة-
- -مبادرة- تقول لبشار: سَلِّمْ تَسْلَمْ!
- أوباما.. ما بين -الذرائعية- و-السببية-!
- المدافعون عن -هولوكوست الغوطة-!
- -الغوطة-.. دَرْسٌ في السياسة الدولية!
- أخطر ما تمخَّض عنه -جَدَل الضَّرْبة-!
- قبل ساعات من الضربة!
- -الفقر- و-وعي الفقر-.. -الطاغية- و-شيخ الطاغية-!
- تفجير طرابلس!
- -الثورة المصرية-.. ظواهر ميدانية تطلب تفسيراً
- الثورة المصرية.. نتائج وتوقُّغات
- التناقُض المُدمِّر لثورات -الربيع العربي-!
- في -الإشكالية الدستورية- المصرية
- في -الفاشية- و-البلطجة-!
- -مفاوضات- في -لحظة تاريخية فريدة-!
- هذا ما بقي لإنقاذ مصر!
- كيف تُؤسَّس -النَّظريات-؟
- الجدل الذي تخيَّله ماركس بين عامِل ورب عمل!
- وما -الرَّوح- إلاَّ من أساطير الأوَّلين!


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد البشيتي - طاغوت