أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الحداد - اللغة عند اخوان الصفاء1-3















المزيد.....


اللغة عند اخوان الصفاء1-3


حسام الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 4211 - 2013 / 9 / 10 - 07:17
المحور: الادب والفن
    


تمهيد
يظل الفكر الانسانى دون قيمة إذا بقى حبيسا فى الذهن، وهو لا يستطيع أن يحقق قيمته وأثره الوظيفى إلا حين يصبح مجسدا عبر وسائل تمكن الذهن الآخر من فهمه والتعامل معه، وان اكثر الوسائل انتشارا واهمية هى اللغة . وان الطرق التى يلجأ إليها الذهن للتعبير عن نفسه من خلال اللغة تدخل ضمن نطاق البيان أو البلاغة . اى القدرة على اختيار المفردات وربط بعضها بعضا لتركيب جملة ذات دلالة محددة ، ويجب ان يسعى هذا الاختيار إلى تحقيق أفضل مستوى، ليس من الإفهام عند المستقبل فحسب، وإنما التأثير الجمالى فيه أيضا . (1)
وتتطور اللغة وتزداد غنا بتطور فكر المجتمع الذى ولدت فيه، فتجسد اللغة تاريخ المجتمعات التى يتكلم بها أهلها وحضارتها تراثها . فالإنسان يولد فى بيئة معينة ذات لغة وتاريخ معين، ولا يستطيع ان يأخذ اللغة إلا وهى محملة بكل تراث ومفاهيم التاريخ .
وبما ان اللغة ترتبط ارتباطا وثيقا بالفكر ، فإنهذا الفكر لا يلبث ان يغتنى بالثقافة والخبرات التى يحصلها من خلال تجربته واحتكاكه مع الواقع المادى، وهذا ما يجعله فى حاجة إلى مادة لغوية جديدة تضاف إلى اللغة التى اكتسبها من قبل، وإلى استخدام جديد يستوعب تلك المواد، ويعبر عن التجارب الجديدة، وان تطور هذه العملية يؤدى إلى تطور اللغة والفكر بشكل مواز لتطور المجتمع .
وهناك الكثير من اللغويين والفلاسفة والعلماء فضلوا السكوت عن قضية نشأة اللغة إلا انها قد استهوت اخوان الصفاء فى الحديث عنها ، فقد عقدوا فصلين فى رسائلهم بعنوان " فصل فى معرفة بداية الحروف " وفصل آخر بعنوان " أصل الاصوات " تناولوا فيها نشاة اللغة بشقيها المنطوق والمكتوب .(2)
وكما يقرر اخوان الصفاء بان اللغة ليست إلا أداة لحمل الأفكار وقالب ووسيلة لنقلها وهذا ما يتفق مع النظريات الحديثة التى تقول بان اللغة مجرد قناة لتوصيل رسالة بين مرسل ومستقبل وكذلك يؤكد اخوان الصفاء بان اللغة ايضا ليست مجرد أصوات مجموعة وحروف مكتوبة فيقولون فى رسائلهم " فالألفاظ انما هى سمات دالات على المعانى التى فى أفكار النفوس وضعت بين الناس ليعبر كل إنسان عما فى نفسه من المعانى لغيره من الناس عند الخطاب والسؤال " (3)

اللغة والفكر عند اخوان الصفاء
رأى اخوان الصفاء ان اللغة ذات شقين : شق عقلى ، وشق لفظى ، والأول هو الفكر أو " النطق الفكرى " والآخر هو الكلام أو " النطق اللفظى " حيث يقول الاخوان موضحين الفرق بين الشقين .(4)
" اعلم يا أخى – أيدك الله وايانا بروح منه- ان المنطق مشتق من نطق ينطق نطقا ، والنطق فعل من أفعال النفس الإنسانية ، وهذا الفعل نوعان : فكرى ولفظى ، فالنطق اللفظى هو أمر جسمانى محسوس، والنطق الفكرى أمر روحانى معقول ، وذلك ان النطق اللفظى انما هو أصوات مسموعة لها هجاء ، وهى تظهر من اللسان الذى هو عضو الجسد وتمر إلى المسامع من الآذان التى هى اعضاء من أجساد أخر ، وان النظر فى هذا المنطق والبحث عنه والكلام على كيفية تصاريفه وما يدل عليه من المعانى يسمى علم المنطق اللغوى . اما المنطق الفكرى الذى هو امر روحانى معقول فهو تصور النفس معانى الأشياء فى ذاتها ، ورؤيتها لرسوم المحسوسات فى جوهرها وتميزها لها فى فكرتها ، وبهذا النطق يجد الإنسان فيقال انه حى ناطق. فنطق الإنسان وحياته من قبل النفس وموته من قبل الجسد، لأن اسم الإنسان إنما هو واقع على النفس والجسد جميعا ، واعلم ان النظر فى هذا المنطق والبحث عنه ومعرفة كيفية ادراك النفس معانى الموجودات فى ذاتها بطريق الحواس وكيفية انتقال المعانى فى فكرها من جهة العقل الذى يسمى الوحى والإلهام وعبارته عنها بالالفاظ بأى لغة كانت يسمى علم المنطق الفلسفى "(5)
ومن خلال هذا الجزء من الرسائل يتضح ان الكلام ادراك عقلى قائم فى النفس أولا ثم يتحول إلى أصوات محسوسة حيث تتم عملية تبادل بين المتكلم باللسان والسامع بالآذان فاللغة من هذه الزاوية التى طرحها اخوان الصفاء تعبير ومعبر عنه وهذا هو ما تصوره ابن جنى حين عرف اللغة بانها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم .(6) ولا يختلف هذا التعريف كثيرا عن تعريف " ادوارد سايبر" حيث يعرف اللغة بأنها" وسيلة انسانية خالصة لتوصيل الافكار والإنفعالات وارغبات عن طريق نظام من الرموز التى تصدر بطريقة إرادية " (7) وهذا ما يؤكد على ان اخوان الصفاء كانوا يطرقون ابوابا للعلوم لم تكن مطرقة فى هذا العصر ويقدمون اسهاما علميا حقيقيا يؤسسون به لعلوم قادمة .

حاجة الفكر إلى اللغة
أكد اخوان الصفاء على حاجة الفكر إلى التعبير فى فصل ضمن الرسائل عنوانه " حاجة الإنسان إلى النطق " قالوا فيه :"واعلم ايها الاخ انه لو امكن الناس ان يفهم بعضهم من بعض المعانى التى هى فى أفكار نفوسهم من غير عبارة اللسان لما احتاجوا إلى الأقاويل التى هى أصوات مسموعة ، لان فى استماعها واستفهامها كلفة على النفوس من تعلم اللغات وتقويم اللسان والإفصاح والبيان ولكن لما كانت نفس كل واحدمن البشر مغمورة فى الجسد مغطاة بظلمات الجسد حتى لا ترى واحدة منها الأخرى إلا الهياكل الظاهرة التى هى الأجساد الطويلة العريضة العميقة، ولا يدرى ما عند كل واحدة منها من العلوم إلا ما عبر كل انسان عما فى نفسه لغيره من أبناء جنسه، ولا يمكنه ذلك إلا بأدوات وآلات مثل اللسان والشفتين واستنشاق الهواء وما شاكلها من الشرائطالتى يحتاج الإنسان إليها في إفهامه غيره من العلوم و إستفهامه منه . فمن أجل هذا احتيج إلى المنطق اللفظى وتعليمه والنظر فى شرائطه التى يطول الخطاب فيها " (8)
هكذا نرى ان اخوان الصفاء لا يفصلون بشكل عام بين التعبير عن المعبر عنه أو اللغة عن الفكر، وان تلك اللغة هى أداة الفكر التى توضحه وتبين عنه ، ومن ثم فكل منها يؤثر فى الآخر ويتأثر به . وهذا الإتجاه الذى أبرزه اخوان الصفاء حول اللغة والفكر هو الغتجاه الاكثر شيوعا وقبولا لدى العلماء المحدثين والمعاصرين إذ يقرر بعض الباحثين أن الفكر مرتبط باللغة ارتباطا وثيقا والعلاقة بينهما علاقة متبادلة من حيث التأثير والتاثر فكل منهما يؤثر فى الىخر ويتاثر به ، ولا نستطيع أن نتكلم بما لا نقدر ان نفكر فيه ، ولا نستطيع ان نفكر بعيدا عن قدرتنا اللغوية . وها هو دى سوسير يرى أنه " بدون اللغة تعد الفكرة سيئا غامضا وسحابة مجهولة ، ولا وجود لما يسبق الأفكار ولا شيئ واضح قبل ظهور اللغة " (9) اما عن لغة الرسائل فيقول طه حسين " ان لرسائل اخوان الصفاء قيمتها الفنية الخالصة فهى من حيث انها تتجه الى جمهرة الناس للتعليم، والتثقيف، قد عدل فيها عن العسر الفلسفى إلى اليسر الأدبى ، وعنى كتابها بألفاظها وأساليبها عناية أدبية خالصة ، ففيها خيال كثير ، وفيها تشبيه متقن ، وفيها ألفاظ متميزة ، ومعان ميسرة، وليس من الغلو ان يقال " انها قاربت المثل الاعلى فى تذليل اللغة العربية وتيسيرها لقبول الوان العلم على إختلافها" وجملة القول " ان هذه الرسائل كنز لم يقدر بعد، لأنه لا يعرف بعد" (10)



ماهية اللغة والكلام عند اخوان الصفاء

يثير اخوان الصفاء قضايا لغوية هامة تدل على تطور التفكير اللغوى عندهم، والتعمق فى كثير من المسائل اللغوية التى شغلت بال اللغويين المحدثين، وتأتى دراستهم تلك المسائل منسجمة مع مفهوم الإنسان وعلاقته بالمعرفة، يثير اخوان الصفاء قضايا لغوية هامة تدل على تطور التفكير اللغوى عندهم، والتعمق فى كثير من المسائل اللغوية التى شغلت بال اللغويين المحدثين، وتأتى دراستهم تلك المسائل منسجمة مع مفهوم الإنسان وعلاقته بالمعرفة، إذ يشيرون إلى تمييز الإنسان عن سائر المخلوقات بالنطق، الذى هو ناتج التفكير والفهم والإدراك. ويوضحون مستويات اللغة المختلفة الفكرية والمنطوقة كما وضحنا فى السابق وكذلك المكتوبة وآلية حدوثها، وهم بذلك يولون أهمية كبيرة للعلاقة بين اللغة، والتفكير، اى يبينون دور العقل، وبالتالى النفس الناطقة فى تطور اللغة وإنتاج الفكر (11) ويوضح اخوان الصفاء الفرق بين الصوت والكلام ، إذ ان الكلام هو " صوت بحروف مقطعة دالة على معانى مفهومة من مخارج مختلفة ، وابعد مخارج الحروف أقصى الحلق وهو مما يلى أعلى الصدر .. وأصل الأصوات فى الرئة هواء يصعد إلى أن يصير إلى الحلق ، فيديره اللسان على حسب مخارجه ، فإن خرج على حروف مقطعة مؤلفة ، عرف معناه ، وعلم خبره، وإن خرج على غير حروف لم يفهم.. فان رده اللسان إلى مخرجه المعلومفى حروف مفهومه ، يسمى كلاما ونطقا باى لفظة كانت ، على حسب الموافقة ، ومساعدة الطبيعة لكل قوم فى اتساع حروفهم ، وسهولة تعرفهم فى مخارج كلامهم، وخفة لغاتهم بحسب مزاج طبائعهم ، وأهوية بلدانهم وأغذيتهم ، وما أوجبت لهم دلائل مواليدهم " (12) كما يؤكداخوان الصفاء من خلال تفريقهم بين الصوت والكلام ، والبحث فى الآلية التى يتم بها الكلام ان اللغة من مميزات الإنسان وانها أداة العقل للتعبير عن المعانى والأفكار " فالكلام الدال على المعانى مخصوص به عالم الإنسان ، وهو النطق التام باى حروف كتبت، والحيوان لا يشرك الإنسان فيه من الجهات المنطقية ، والعبارات اللفظية، لكن من جهة الحركة الحيوانية ، والآلة الجسمية ، والحاجة فيها إلى ذلك ، لأنك تجد كثيرا من الحيوانات تريد بأصواتها دفع المضار، وجذب المنافع تارة لنفسها ، وتارة لأولاده ، مثل صياح البهائم إذا احتاجت إلى الأكل .. فهذه الاشياء لما يريد الحيوان التطريب والتصويت والصياح لها ومن أجلها .. لا يقال لها معان علمية ، وانما يقال لها إرادات طبيعية "(13)

ماهية النطق

يعد اخوان الصفاء النطق من أفضل الصنائع البشرية ، وبه ينفصل الإنسان عن سائر الحيوانات ، اذ يقال فى حده أنه حى ناطق مائت لأن الحيوانات كلها أحياء مائتون غير ناطقين ، وان النطق من الصنائع الروحانية ، لان الموضوع فيه جواهر النفس الجزئية الحية ، وتأثيراته فيها روحانية مثل الوعد والوعيد والترغيب والمدح والهجاء (14) والنطق فى النص السابق يقصد به أصلا العقل ، وهو مصدر الكلام والأقاويل ذات المعانى المؤثرة والتى قد تستخدم للإصلاح والإفساد . والظاهرة اللغوية التى أدرك اخوان الصفاء طبيعتها ، وفهموا أسرارها ، تقوم على أساسين : نطقى وعقلى ، أو لفظى وفكرى – كما أوضحنا سابقا – والأساس اللفظى يعتمد على مجموعة من العناصر ، مثل السماع والمرور والعضوية ، وكلها ألفاظ تدل فى وضوح على ما للحسية من دور وأثر فى عملية الأداء اللغوى ، الذى يوافق عند المحدثين ما سمى " بالكلام" . وان اطلق عليه اخوان الصفاء مصطلحا آخر هو علم المنطق اللغوى .
أما الأساس الثانى للظاهرة اللغوية عند اخوان الصفاء ، فهو فكرى روحانى معقول، ذهنى ، يقوم على تصور النفس معانى الأشياء فى ذاتها ، ورؤيتها رسوم المحسوسات فى جوهرها ، وبذلك التصور ، وتلك الرؤية يتمثل مفهوم التجرد الذى يعد عند المحدثين مع التعميم شرطين ضروريين لسلامة الدراسة اللغوية العلمية (15)

نشأة اللغة المنطوقة
يقول اخوان الصفاء بصدد قضية نشأة اللغة والتى تجنب كثير من العلماء القدامى والمحدثين مناقشتها " اعلم ان الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام الذى هو أبو البشر ومبدؤه جعله ناطقا متكلما فصيحا متميزا بالقوة الناطقة والروح الشريفة والقوة العاقلة القدسية ، وجعل صورته أحسن الصور ، وشكله أفضل الأشكال ، وطبيعته أصفى الطبائع الأرضية ، ومزاجه أعدل الأمزجة مما هو خارج عنه، وجعله سيد الحيوانات كلها، ومليكا عليها، وأميرا ورئيسا فيها، وملكه اياها والزامها طاعته ، والسجود له طوعا وكرها، كما قال الله تعالى للملائكة " انى جاعل فى الأرض خليفة" فلما جعله بهذا المثال فليسمن الحكمة أن يكون صامتا كالجماد، ولا مسكونا كالحيوان الذى لا ينطق . بل قائما متكلما ، معلما، مفهما، عاقلا حكيما، لانه سبحانه وتعالى نفخ فيه من روح قدسه وأيده بكلمته وعلمه الأسماء كلها ، وصفات الأشياء كلها ، وجعل له العقل العاقل لها والمحيط بمعرفتها ، وأخرج سائر الموجودات من المعادن والنباتات إليه، ليديرها ويسوقه إليه منافعها ، ويدلها على ما يكون به صلاحها وبقاؤها وتزايدها ... وسلامتها من الآفات ، ويضع كل شيئ منها فى موضعه ويوفيه من حفظ النظام وبلوغ التمام ، وجمع هذه الاشياء كلها صغيرها وكبيرها ، جليلها وحقيرها فى تسع علامات باشكال مختلفة مسماه بأسماء قد جمعت اسماء جميع الموجودات ، وانعقدت بها المعانى كلها ، كما اجتمعت أجزاء الحساب كلها والأعداد بأسرها فى التسعة الأعداد التى من واحد إلى تسعة ، وكذلك وجودها فى العالم العلوى على هذه النسبة وهذه الحروف هى التى علمها الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام ، وهى التى يستعملها أهل الهند على هذه الصفة ( 1،2،3،4،5،6،7،8،9،10) وقد كان بهذه الحروف يعرف أسماء الأشياء كلها وصفاتها على ماهى عليه وبه موجودة من أشكالها وهيئاتها ، ولم يزل كذلك إلى ان كثر أولاده وتكلم بالسريانية "(16)
ومن الملاحظات المهمة على هذا النص من رسائل اخوان الصفاء انهم :
أولا يعتقدون ان الله تعالى هو الذى ألهم آدم عليه السلام اللغة ولقنه إياها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى زعمهم ان الحروف الهندية ( الارقام) هى التى عرف آدم بها أسماء الاشياء وصفاتها إلى ان تكلم بالسريانية وكأنهم هنا يردون على أصحاب تلك النظريات الحديثة الخاصة بتطور الكائنات الحية جسمانيا وفكريا وعقليا حيث يرون ان الإنسان لا يعد وان يكون تطورا لرقى الأجناس من الحيوانات ، وان لغة هذا الإنسان بدأت فى صورة شهقات وتأوهات صدرت عنه بشكل غريزى ليعبر عن فرح او دهشة أو غضب ونحو ذلك من الإنفعالات القوية
وهم بذلك – اصحاب النظريات الحديثة – يربطون بين النشأة اللغوية للإنسان وبين تلك الأصوات الغريزية والإنفعالية ، وجعلها الأساس الأول الذى منه استمدت اللغة الإنسانية نشأتها . وقد فات على هؤلاءالمنادين بهذه النظرية ان تلك الأصوات أصوات فجائية منعزلة عن الكلام الذى يصدر عن المرء بصورة ارادية، فليست تصدر عن المرء إلا حين يصبه القول أو يأبى الكلام ، بالإضافة إلى أنها تشتمل على عناصر صوتية لا تكاد تسمع فى لغات البشر (17)
رغم هذا نجد ان مذهب الإلهام هذا فى نشأة اللغة لم يسلم به علماء كثيرون " اذ نرى بعضهم يدلل على ان الإنسان هو مصدر اللغة وهو واضعها وصانعها ووصل إليها بالأصطلاح والمواضعة ، ونرى بعضهم يدلل على ان الإنسان هو صانع اللغة ووصل إليها بالمحاكاة والتقليد لكل ما وقع على سمعه من أصوات الطبيعة والحيوانات والطيور والأحداث، ونرى بعضهم يدلل على ان الإنسان الأول خلق مزودا بغريزة صار بواسطتها قادرا على التعبير عن المدركات الحسية والمعنوية .. إلى غير ذلك من الأراء والمذاهب (18)

اللغة المكتوبة ونشأتها

يقول اخوان الصفاء فى هذا الموضوع " .. ثم ذهب السلف وبقى الخلف ، وتفرقوا فى الأقاليم وتقطعوا فى الأرض وذهبوا فى الاطراف ، فأوجبت الحكمة الإلهية والعناية الربانية تقييد تلك الأسماء والألفاظ والحروف بصناعة الكتابة ولولا ذلكلبعد من الخلف ما كان يستعمل السلف من التى كانت صاحبتهم إليها ، ولما كان اللسان يحيل بينهم وبين ما يحتاجون إليه من ذلك بالكذب ، وكانوا لا يعلمون أخبار من كان معهم في الأرض إذا غابوا عنهم بالمكان ، لأن الرسول لا يمكنه حفظ جميع ما فى قلب مرسله، فلما كان ذلك أظهر الله تعالى صناعة الكتابة فزادوا فيها وعرفوها ومهروا فيها وألفوها واعتادوها ، وبعث الله فيهم الأنبياء عليهم السلام وأقام فيهم من الحكماء من أظهر فيهم الصنائع ، وكثرت بينهم الصناع والمتعلمون والعلماء والأستاذون ، وعمرت الأرض وانتقلت أخبار بعضهم إلى بعض "(19)
ومن خلا نص اخوان الصفاء الذى قدم يتضح لنا بعض الملاحظات حيث يذكر اخوان الصفاء اسباب كتابة اللغة فيما ياتى :
1- حاجة بنى آدم إلى ذلك بعدكثرتهم فى الأرض وتفرقهم فيها وذهابهم فى أطرافها ، فأوجبت الحكمة الإلهية تسجيل اللغة بالكتابة حتى تتواصل الأجيال ، السابق فيها باللاحق وحتى يتواصل أبناء الجيل الواحد فى الأرض الواسعة ، وتنتقل أخبار بعضهم إلى بعض . وهذا العامل له ما يؤيده فى الدراسة الحديثة ، اذ الإنسان " قضى قرونا متطاولة يأكل ويشرب ويلبس وينام ويتكلم لكنه لا يكتب، فما لبث ان تكاثر وتآلف واتسعت علاقاته وعكف على الأسفار التماسا للرزق حتى اضطر إلى الكتابة لمخابرة جاره أو تدوين حوادث أمسه أو تقييد ملاحظاته وأثاره"(20)
2- قصر اللغة المنطوقة وعدم دوامها . " لان الأصوات لا تمكث فى الهواء زمانا طويلا الا ريثما تأخذ المسامع حظها من الطنين ، ثم تضمحل تلك الأصوات من الهواء الحامل لها المؤدى إلى المسامع " واذا صرفنا النظر عما يثار الأن فى الدراسة الفيزيائية الصوتية من الذبذبات الصوتية لا تفنى أو ان الصوت لا يضمحل ، فإن اللغة المكتوبة تميزت عن اللغة المنطوقة فترة طويلة من الزمن إلى بداية القرن الحالى بإمكان انتقالها من مكان إلى آخر وعبر مسافات بعيدة ، وبثباتها حيث لا تتعرض للتغيير المستمر الذي يصيب اللغة المنطوقة ومن ثم أمكن تسجيلها ونقلها عبر أجيال متعاقبة من البشر (21)
3- السبب الثالث فى ظهور الكتابة عند اخوان الصفاء سبب فلكى وهو نابع من اعتقاد الاخوان فى الكواكب والأفلاك وانها سبب الكائنات بإذن الله حيث يقول الاخوان " ان آدم عليه السلام يعلم بنيه تلك الأسماء تلقينا وتعريفا ، كما يعلم الأشياء ويعرف من لا علم له بالكتابة والهجاء .. وكان الخلق يحفظون تلك الأسماء والصفات عن السلف ، إلى ان سلم الدور الثور إلى الجوزاء ، وظهرت الكتابة من أجل انه يبيت عطارد وشرف الرأس وهبوط الذنب ..." (22)

***
1- حسين الصديق، المناظرة فى الأدب العربى الإسلامى، ط1 200بيروت ص 202، 210
2- د. ابو السعود أحمد الفخرانى ، البحث اللغوى عند اخوان الصفاء ط1 1991ص36
3- رسائل اخوان الصفا ج1 ص 398
4- البحث اللغوي عند اخوان الصفاء ص 22
5- رسائل اخوان الصفاء ج 1 ص 391،392
6- ابن جنى ، الخصائص ، تحقيق الشيخ محمد على النجار ج 1 ص33
7- د. عبد الفتاح ربيع ، ود. عبد العزيز علام ، فى فقه اللغة ص 26
8- الرسائل ج1 ص 402
9- دى سوسير ، فصول فى علم اللغة العام ، ترجمة أحمد نعيم 1985 ص195
10- طه حسين ، مقدمة الطبعة المصرية للرسائل ج1 ص 15،16
11- الإنسان والأدب فى رسائل اخوان الصفاء ، منال اسماعيل عجوب، الهيئة العامة السورية للكتاب 2010 ص264
12- الرسائل ج 3 ص 125
13- الرسائل ج 3 ص 126
14- الرسائل ج 1 ص309
15- الإنسان والأدب فى رسائل اخوان الصفاء ص 268
16- رسائل اخوان الصفاء ج3 ص 141، 142
17- دلالات الألفاظ ، ابراهيم أنيس ص 33
18- ابن جنى ، الخصائص، ج1 ص40،47
19- رسائل اخوان الصفاء ج 3 ص 142، 143
20- جورجى زيدان ، الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية ، ص 160
21- البحث اللغوى عند اخوان الصفاء ، ص 45
22- نفسه ص 45




#حسام_الحداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زين العابدين فؤاد ملخصا المشهد
- شعارات الاخوان فى الثورة المصرية
- اعتصام رابعة واليسار المصرى
- فى الميدان
- ذاهب الى الميدان
- أمام باب القصر
- يمكن أحصًلك قريب، ل..أحمد الفلو *
- الحضور الصحراوى فى شهوة قتيل لأسامة البنا
- نصر حامد ابو زيد قراءة فى المنهج 1-3
- الثورة .. المطالب والاهداف ..وما بينهما من خلاف
- القصاص .. او الفوضى
- فريضة التحرش الجنسى
- قراءة فى الاقتصاد السياسى للبطالة
- مكتبة الاسكندرية القديمة وتأسيس العلم الحديث
- رسالة الى السيد الرئيس
- جامعة الاسكندرية القديمة وعلمائها
- ذكريات
- -المعرفة كانت هنا - مكتبة الاسكندرية القديمة
- ازمة المعارضة المصرية
- اليسار المصرى والثورة ..2


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الحداد - اللغة عند اخوان الصفاء1-3