أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - معلولا ... والدونية الإنسانية المتطرفة















المزيد.....

معلولا ... والدونية الإنسانية المتطرفة


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4208 - 2013 / 9 / 7 - 20:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




عندما قرأت صحف اليوم (الجمعة، 6 سبتمبر) التي تحمل في صفحاتها الأولى خبر اقتحام وسيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة على مدينة معلولا السورية، ومهاجمة الأديرة والكنائس وإتلاف بعض محتوياتها وسرقة إيقوناتها وصلبانها أو إتلافهما، لم أتمالك نفسي من الوجوم والصمت. فهذه المدينة العتيقة الرائعة الجميلة التي تقبع داخل صدع في جبل التصقت بذاكرتي لا تغادرها، تماماً كما التصقت صور كنائسها وومعالمها واحتفالاتها في ألبومات الصور الشخصية لعائلتي لا تغادرها. فكيف لي أن أنسى عيد الصليب التي تواجدت فيه في تلك المدينة في نفس هذا الشهر من سنة 2003، لم تنم فيه المدينة لثلاثة أيام متواصلة، ولم أنم فيه أنا في تلك الأيام إلا سويعات متقطعة في فندق معلولا الذي تطل فيه غرفتي على دير مار تقلا وصلواته، والشوارع التي امتلأت بالرقص والغناء، وقاعة الفندق الذي أقام الاحتفال بعد الاحتفال؟ كيف لي أن أنسى راهب دير مار سركيس، الذي دخلته أول مرة في بداية سنة 2002، الذي أحدّ النظر لي مبتسماً عند دخولي وليخبرني بأنني، على حسب ذاكرته، أول كويتي يدخل هذا الدير، ويطلب مني كتابة سطر أو سطرين في دفتر الزائرين في الدير بعد أن يخبرني بفخر لا يخفى بأن خشب الأرز في سقف الدير عمره ألفي سنة؟ كيف لي أن أنسى إصراره على أن يعرف سبب زيارتي لهذا الدير الصغير، ولأعترف له مبتسماً بأن الحقيقة هي بأنني قرأت في مكان ما أن هناك إيقونة قديمة وثمينة جداً قد تم سرقتها من هذا الدير، وأن الانتربول قد استعادها من مكان ما في تركيا وأرجعها إلى الدير، وإنني هنا فقط لأتفرج على الإيقونة، فانفجر ضاحكاً ليقول لي بلهجته السورية: "إيه قول هيك!!"، ثم ليصر بعد مشاهدتي للإيقونة أن يعزمني وصديقي الذي يرافقني على "نبيذ من صنع الدير"، وعندما اعتذرت له ضاحكاً بأنني لا أشرب الكحول وقلت له مازحاً بأنني من الممكن جداً أن أشرب عصير البرتقال أو الليمون، قال ضاحكاً هو بدوره "انزل تحت [يقصد المدينة] وأشرب على حسابي ما تريد"، كيف لي أن أنسى هذا؟ كيف لي أن أنسى وجه الراهبة الحاجة مريم في دير مار سركيس. ذلك الوجه الصارم التقي الحازم الذي منعني شخصياً من سؤالها إلى أين هي حجّت بالضبط حتى تستحق هذا اللقب؟ كيف لي أن أنسى الصلوات والبيوت والشوارع وتلك الكهوف التي نُحتت في الجبل؟ كيف لي ذلك؟

مدينة معلولا، المدينة المسالمة الجميلة، هي ضحية مباشرة للمنهج الإسلامي السلفي بكافة إشكالياته وتطرفه وجموده. تلك المدينة وقعت ضحية بريئة للنظرة الدونية لـ (أكثر الخلق)، كما تتبناها الرؤية السلفية، والتي تعكس تلك الفردية السلفية المتعالية على الواقع والفكر والعقل والمنطق، وتدعي امتلاك الحق والحقيقة جبراً ومن دون حق، وما ينتج عن هذه القناعة من ممارسات وحشية مع ما يرافقها من مآسي إنسانية وحضارية. فلا وجود حقيقي لـ (إنسان) في المنهج السلفي خارج إطار حدود التزامه بـ (النص) وما يفهمه شيوخ الدين السلفيين من هذا النص. فعندما يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: "أكثر الخَلق مع الضلالة (...) وأغلب الخَلق مع أهواءهم ومع شهواتهم ليسوا مع الحق (...) أكثر الخلق مثل ما قال الله جل وعلا ﴿-;-أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إنْ هُمْ إلا كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلا﴾-;- [سورة الفرقان: 44]، جعلهم أضل من الأنعام. بعض البهائم أهدى من بعض البشر، تنفع الناس ولا تؤذيهم. أما أكثر الخلق فهم شر من الأنعام، لا ينفع بل يضر" [انظر: الغزو الفكري، الشيخ عبد العزيز بن باز، مكتبة الرضوان، الطبعة الأولى، البحيرة – جمهورية مصر العربية 2006، ص22]. عندما يجزم الشيخ ابن باز بأن (أكثر الخلق فهم شر من الأنعام) أمام مستمعيه، ثم تُطبع كلمته هذه ويتم تداولها ودراستها وحفظها، فإن الضحية الأولى في أذهان هؤلاء السلفيين هي (القيمة الإنسانية) لأكثر هذا الخلق. القيمة الإنسانية، كحضور في ضمير الفرد بغض النظر تماماً عن دينه أو أصله أو عرقه أو معتقده، والتي قد تردعه عن ما يراد منه أن يمارسه من اعتداء باسم الدين أو باسم الرب. هذه القيمة الإنسانية للمخالف، التي ستسقط في عيون أتباع المنهج السلفي إلى قيمة لا تساوي حتى قيمة الحيوان، هي التي تم استهدافها. هذا التكرار على أن (أكثر الخلق هم شر من الأنعام) الذي يستهدف ضمير مستمعيه هو الذي خلق أفراداً سلفيين في محيط شبه معزول إلا من مثل هذه "القيم" والتي يكون أول ضحاياهم هم المخالفين الأبرياء العُزّل لفكر ومنهج وعقيدة هؤلاء الأفراد في داخل دولهم ومجتمعاتهم. "أكثر هذا الخلق" هم "كل" من يخالف الشيخ في معتقده أو مذهبه أو دينه أو آراءه أو فقهه، فإذا خرج خارج عليهم ليقتلهم تحت وهم وخديعة أنهم (شر من الأنعام)، فمن على الحقيقة يجب أن يُلامَ أولاً؟ المنهج أم الفرد؟ الدول التي ترعى وتموّل وتروّج لهذا المنهج أم تلك الفرد؟

لا تقف الدونية للقيمة الإنسانية للفرد المخالف في المنهج السلفي وحدها عند المسؤولية عن هذا التوحش الذي تتبناه الجماعات المتطرفة السلفية المسلحة. بل أيضاً العقلانية التي تنحدر عندهم إلى مجرد التزام حرفي بالنص أو الفتوى، فلا عقلانية حقيقية في ذلك المناهج. وماذا يُتَوقع أن ينتج عن فكرة دونية (أكثر الخلق) وانعدام العقلانية إلا الفضائع والتوحش والتدمير؟ وهذا نراه واضحاً في منطقية إجابات أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة المتطرف [انظر: الكلمة الممنوعة، نص لقاء أجراه كميل الطويل مع أيمن الظواهري]. إذ أجاب الظواهري على سؤال فيما إذا كان قتل المسيحيين من الممكن أن يتم اتخاذه كذريعة عند المسيحيين بدورهم لقتل المسلمين والفتك بهم، بأن قال: "بأي مستند من المسيحية يقتلون المسلمين؟ فلو قامت جماعة تدعي الانتساب للمسيحية فقتلت المسلمين في الغرب تكون خارجة على الأسس الدستورية للنظام العلماني الغربي وعلى الديانة المسيحية التي لا تتضمن شريعة اصلاً، فضلاً عن أن يكون فيها شريعة تلزم غير المسيحين بطلب الأمان من أي جهة مسيحية أو علمانية. فالسؤال يتجاهل مبدأ الشرعية في الدولة الإسلامية والدول الغربية العلمانية فضلاً عن تجاهله لطبيعة الديانة المسيحية". فمن الواضح هنا أن أيمن الظواهري يدور مبدأ (لا حكم للعقل بعد أن جاء الشرع، وإن تحكيم العقل من أعظم أسباب البدع في الدين) الذي نرى معناه مكرراً في الكتابات السلفية. فالظواهري يرى، من وجهة نظر منطقه، بما أنه قد غاب أي نص يبيح قتل المسلمين من جانب الشريعة المسيحية فإنهم يجب عليهم الالتزام بهذا المنع وعدم مخالفته، ولكن، ومن جهة مقابلة، فإن وجود نص يبيح قتل المسيحيين بواسطة المسلمين على حسب رأيه، فإنه لا غضاضة في أن يقتل المسلم المسيحي إذا لم يستأمن من أمير جماعة القاعدة أو جماعة الجهاد أو أي جماعة سلفية أخرى عاملة في هذا البلد أو ذاك. أو ببساطة، من وجهة نظر الظواهري، يجب علينا أن نقتلهم ويجب عليهم السكوت والرضا والإذعان والكف عن إيذاء أي مسلم، بسبب وجود (النص) عند جماعة السلفيين وغيابه عند المسيحيين. هل رأيتم مأساة للعقل أكثر من هذه؟

معلولا، أيتها المدينة العتيقة الجميلة، لا بأس، سترجعين أجمل.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مبدأ احترام النفس البشرية
- في مشكلة الفشل الحضاري العربي
- إعادة اكتشاف الغباء الجماعي
- في الأزمة الأخلاقية العربية
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 6
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 5
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 4
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 3
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 2
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس - 1
- مشكلة نقد النصوص المقدسة
- مشكلة الآخر المختلف في الإسلام
- مصطلح الثوابت الإسلامية
- يسوع والمسيحية والمرأة – 2
- يسوع والمسيحية والمرأة - 1
- من تاريخ التوحش المسيحي – 2
- من تاريخ التوحش المسيحي
- الازدواجية في الذهنية الدينية ... الموقف من نوال السعداوي
- في الاستعباد كنزعة إنسانية متأصلة
- الأحاديث الموضوعة كأداة لتصحيح التاريخ


المزيد.....




- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - معلولا ... والدونية الإنسانية المتطرفة