|
عالم جديد في طور التكوين -2-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4208 - 2013 / 9 / 7 - 20:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عالم جديد في طور التكوين -2- ********************** قبل أن يُقتل 1400 شخص بالكيماوي ، كان قد تجاوز عدد القتلى السوريين أكثر بكثير من 100 ألف سوري ، وتهجير أكثر من مليونين ، وجرح مآت الالاف ، وانهيار الاقتصد السوري انهيارا شاملا ، فضلا عن تدمير البنية التحتية تدميرا كارثيا ، كل هذه الفظائع الانسانية الضخمة ، لم تثر وتستثير الا كلاما وتصريحات من هنا وهنالك ، طبعا هناك عرقلة روسية وصينية لاستصدار قرار أممي أكثر من مرة ، لكن العرقلة الرسمية كان يمكن تجاوزها بتكتل دولي يمنحها بعض المصداقية الأخلاقية ، ويوزع المسؤولية بين أكثر من دولة ، لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، بل ان الثورة السورية تحولت الى فوضى سورية ، وهذا التحول كان مقصودا وبأيدي أجنبية . فالهدف الأساس كان هو تدمير سوريا لاعتبارات عديدة أقواها واشدها انها كانت تمثل تهديدا مباشرا لاسرائيل في محور ثلاثي بينها وبين حزب الله وايران ، وان كانت هي الأقل عدوانية تجاه اسرائيل ، لكنها تمثل المحور الأساس الذي يتم به ربط حزب الله بايران جغرافيا . لم يعودنا تاريخ الحلفاء الغربيين على هذا التخبط الاجرائي في أخذ مبادرة الهجوم على أي دولة مارقة في عرف الثلاثي الشهير ، الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا ، كما انه لم يسبق لنا ان تابعنا كل هذه الطرق التسويفية في تمديد أمد الحرب العبثية في بلد من البلدان ، فمن الوعد بدعم المعارضة بالأسلحة والتراجع عن ذلك ، الى التهديد بالتدخل المباشر عبر ضربات خاطفة ، الى التراجع المخجل عن كل ذلك بدعاوي لا تصمد أمام المنطق العسكري والاستخباراتي ، متى اذن قد يتم تصحيح الأمور ؟ وفي أي اتجاه ؟. من حيث الحسابات العسكرية والاستخباراتية فان اللحظة المناسبة لضرب سوريا او النظام السوري تحديدا تكون قد فقدت كل مبرراتها ، بل ان المبرر السياسي نفسه فقد مسوغاته التبريرية ، واذا ما تمت ضربة عسكرية بعيدة المدى ، فانها ستتحول الى غائية مبتذلة ، ترمي الى الضغط على النظام السوري من أجل التنازل عن مغانم سيتم كشفها في المستقبل ، وهي مغانم بترولية بالأساس . هكذا يفقد المبرر الأخلاقي آخر أوراقه ، لأن متكأ نظرية الأخلاق تبدو نظرية مبتذلة ، لايصدقها حتى تلاميذة الأقسام الابتدائي . لكنني سأعود الى ما كنت أشرت اليه في الورقة الأولى ، حول ترتيب البيت الدولي الجديد الذي لا نجد فيه مكانا للعرب ، وان كنا وجدنا فيه موطأ واسعا لايران ، وكما هو معروف فايران دولة مسلمة جغرافيتها تلامس جغرافية الدول العربية ، لكن الدول العربية مجتمعة لا تملك موقعا مهما كايران في العالم الجديد على الرغم من ثرواتها وتعدادها السكاني . لأن الدول العربية هي المستهدفة وليست الهادفة ، هي المفعول بها وليست الفاعلة ، وكل معارك واضطرابات العصر تقوم فوق أراضيها ، وللتذكير فقط ، مصر تعيش قلاقل عويصة ، تونس في حالة ترنح شديد ، ليبيا تتقاذفها أطماع أمراء الأحياء والمناطق ، اليمن يكابد صعوبة الخروج من عنق زجاجة السلم الاجتماعي ، وهي الدول التي شهدت تحولات على صعيد هرمية السلطة ، ولم تستعد بعد الى احداث تحولات أفقية تمس بنيات المجتمع ومؤسسات الدولة . أما باقي الأنظمة العربية فبعضها مرشح لاضطرابات مستقبلية ، وهي منشغلة باطفاء الشرارات الأولى لهذه الاضطرابات ، والأخرى تعتمد على بنيات ثقافية تقليدية لا تسمح بحدوث تغييرات ذات شأن خاصة على المستوى الديمقراطي ، وما يفرضه من حيوية اجتماعية قائمة على التنافسية والدينامية الاجتماعية السلسة . وما يلاحظه المراقب أن لم يبد في يوم من الأيام أن البيت الأمريكي هشا أكثر من هذه الأيام ، فمع تصويت 10 أعضاء من اللجنة المصغرة في الكونغريس الأمريكي وتصويت 7 ضد الهجوم على سوريا وامتناع واحد ، يتبدى الانقسام الكبير داخل الادارة الأمريكية ، هذا دون اغفال معارضة كثير من أعضاء الحزب الديمقراطي الحاكم الذي ينتمي اليه الرئيس أوباما ، كما أوردت ذلك جريدة النيويورك تايمز بتاريخ 5--9--13 . وهذا ما يلمح بكثير من الوضوح الى المخاوف التي تهز مفاصل الادارة الأمريكية ، وهذا ما لم يشهده المراقبون للسياسة الأمريكية منذ حربها ضد الفييتنام ، بعد الخسائر الكارثية التي تكبدتها هناك ، وليس قبل اعلانها الحرب على الفييتنام . أمريكا تتقدم اذن نحو سوريا وهي ترتعش ، وهذا مؤشر واضح على ضبابية الرؤية ، وهو عامل كفيل بتقييد حدود الضربة المرتقبة ، دون اغفال أن تغيير الأهداف من قبل النظام السوري سيجعل الضربة استعراضية ليس الا . كما أن الهدف الرئيس وهو اسقاط النظام يظل جد مستبعدا ، لتبقى أهداف الضربة المرتقبة ،ان تمت ، أهداف دون المستوى المطلوب وبالتالي فان نتائجها ستقوي الطرف الاخر ، بمعنى أن نتائجها ستكون في صالح محور ، روسيا ايران وسوريا وحزب الله ، لأن ضرب مناطق وهمية لايخدم الأهداف المعلنة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، ولعل هذا ما جعل أوباما يعلن أن الضربة ستكون بعد يوم أو اسبوع أو شهر ، بمعنى أن مساحتها الزمنية مرشحة للتمدد الى أكثر من شهر ، وهذا كفيل باخماد الحماسة والاندفاع اللذين يطبعان مثل هذه العمليات العسكرية . لكن وبعد اجتماع قمة العشرين الأخيرة ببترسبورغ بروسيا ، تجلت واضحة عزلة أمريكا ، ليس عطفا او شفقة على سوريا ، بل لتحورت عميقة في المنظومة الدولة ، تحولات أصابت سلم القيم الانسانية والحضارية عند المنتظم الدولي ، حتى ان أكبر المتحمسين لضرب سوريا ، كفرنسا تراجعت خطوات نحو الوراء ، وأوباما نفسه صرح البارحة أنه لا يتطلع الى حملة عسكرية ، وهو في انتظار من يعرض عليه حلا سلميا . انه تقهقر تكتيكي ، على صعيد الخطاب ، أما النوايا والأهداف ستظل قائمة طبعا وثابتة ، كل ما هنالك ان ادوات اللعبة السياسية ووسائلها ستعرف تغييرات جوهرية ، على ضوء المتغيرات الجيوسياسية ، والاقتصادية ، يكفي أن مختلف البورصات الخليجية عرفت انخفاضات مباشرة قبل أسبوعين ، وهذا ما يجعل الشكاوي السرية التي لا نسمعها تنهك سدنة السياسة الأمريكية ، وتفرض عليهم تغييرات فجائية على أجنداتهم الحضارية , معلوم أن الغرب لا يتحرك الا لأبعاد حضارية ، بل ان دولا مثل تركيا وايران تعلمت الدرس جيدا ، وهي لا تتحرك الا لنفس السبب ، تبقى دول العالم الربي وحدها تتحرك بدوافع ذاتية شخصانية لا علاقة لها بالأوطان وبمستقبل الشعوب العربية ، التي فقدت خلال ما يقرب من ثلاث سنوات كثيرا من عنفوان تبدى أنه في طريقه لا سترجاع دور الشعوب في المشاركة في تأثيث بيته الداخلي . ملاحظة ****** يبدو أن الأساس النظري الذي وعدت القراء به في الورقة الأولى قد تم تأجيله الى الورقة الثالثة نظرا لتسارع الأحداث والتحولات غير المنتظرة في مواقف كثير من الدول .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طريق النسيان
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-18-
-
سفر في مقهى -الرايس -
-
عالم جديد في طور التكوين -1-
-
وجع بوجهين
-
لماذا تم تأجيل الهجوم على النظام السوري ؟
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-17
-
انا من هنالك
-
أنا من هنالك
-
بعيدا عن السياسة في قلب السياسة
-
البحث عن الغائب الحاضر -رواية-15-
-
انجازات الملك محمد السادس الغائبة
-
شعرية الانفجار عند ايمان الونطدي
-
عندما يصبح الانسان نفسه كذبة كبيرة
-
المغاربة والسياسة
-
اضاءات حول انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة المغربية
-
اللعبة المصرية واحراق المرجعية
-
مصر والاختيار الأصعب
-
غياب المثقف ، والمثقف الانسان
-
البحث عن الغائب الحاضر -14-رواية
المزيد.....
-
مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق
...
-
فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم
...
-
مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره
...
-
السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية
...
-
جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
-
الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين
...
-
الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر
...
-
كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
-
الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
-
الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|