أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم حسين صالح - الفساد في العراق - الأسباب والمعالجات















المزيد.....

الفساد في العراق - الأسباب والمعالجات


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 4206 - 2013 / 9 / 5 - 09:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



شهدت محافظات العراق في 31 آب 2013 تظاهرات تطالب بالغاء الرواتب التقاعدية لأعضاء البرلمان والدرجات الخاصة التي ينفرد بها العراق من حيث ان عضو البرلمان في بلدان العالم،يعود الى سابق وظيفته حين انتهاء عضويته ،وان هذه الرواتب هي الأضخم عالميا اذ ستشكل بعد ثمان سنوات 40% من ميزانية الدولة التي تعادل ميزانيات ست دول عربية مجتمعة.
ان الحكومة وكل القوى السياسية والناس والمرجعية الدينية (التي وصفت الحكومة بان فيها حيتان ولصوص)والتقارير المحلية والعالمية تشير الى ان العراق صار ثاني أفسد دولة عربية ورابعها في العالم. فما الاسباب التي جعلت الفساد يتحول من حالة محصورة الى ظاهرة؟

بدايات هذه الظاهرة تعود الى العام 1980 داخل المؤسسة العسكرية تحديدا، بين ضباط وميسوري الحال من المجندين كانوا يدفعون رشا و «هدايا» الى آمريهم للحفاظ على حياتهم او الحصول على إجازة يمارسون فيها اعمالا تدرّ عليهم رزقا أوفر من رواتبهم. الى جانب «شراء» قادة عسكريين بمنحهم اوسمة شجاعة ومكافآت مالية ضخمة وأراضي، خلقت منهم فئة ثرية جدا ولّدت لدى الضباط الآخرين الشعور بالحيف فأخذوا «حقهم» من الدولة بالرشوة والاختلاس، ما نجم عنه «تطبيع نفسي» مهد للانزلاق الى الفساد.
‎وجاء الحصار الذي اضطر معه اساتذة جامعة لأن يعملوا (سواقي اجرة، ومدرسين الى اقتناء «بسطيات») لبيع السجائر، فدخل الفساد المؤسسات التربوية المسؤولة عن صنع الأخلاق ليلوث الضمائر الفتية ويهيئها لمرحلة القبول حين تصبح شابة، لينتقل «التطبيع» الذي مارس عملية «ترويض الضمير» لثماني سنوات، الى حالة " القبول" المبرر نفسيا لثلاث عشرة سنة.

‎ في العام 2003 أطاح التغيير بالنظام ولم يطح بالفساد، بل توزع المحرومون على فئتين: سياسيون تسلموا السلطة واستولوا على ممتلكات اشخاص ودولة، و«حواسم» نهبوا وفرهدوا ونطوا من الحضيض الى «القمّة» بنوا العمارات (في احدى مناطق بغداد نقطة دالة اسمها عمارة الحواسم!) واشتروا العقارات في بيروت وعمان ودبي وشرم الشيخ ولندن. ولأنهم لم يحاسبوا، فقد ظهرت فئة من الناس أطلقت على نفسها اسم «النوادم» لأن ضميرهم عدّ النهب حراما في لحظته، ثم تبين لهم فيما بعد أنهم اضاعوا الفرصة فصاروا من النادمين! ويعني هذا سيكولوجيا تعطل الضمير الاخلاقي لدى الذين كانوا مترددين في حوادث النهب والفرهود، وزيادة مساحة قبول الفساد المالي اجتماعيا.
وبتعرض العراق لأخطار داخلية وخارجية ظهر عامل نفسي جديد ضاغط هو «قلق المستقبل» أشاع الظاهرة اكثر في زمن البرلمان الأول، وتحكّم بالغالبية المطلقة من المسؤولين فاعتبروا وجودهم في السلطة «فرصة» عليهم ان يستغلوها بما يؤمّن لهم ولأسرهم مستقبلا ماديا مضمونا. وبممارستهم له صار فعل الفساد «شطارة» بل صار حالة لا يختزى منها! فتوقف الضمير عن التأنيب وعن اعتبار الفساد حراما.
وبتعمق المحاصصة والطائفية السياسية شاعت «سيكولوجيا الاحتماء» التي تعني ان ابن الطائفة يحميه حزبه الطائفي، ما دفع بعدد من ابناء هذه الطائفة وتلك الى سرقة المال العام باتفاق ضمني (اسكت عني وأنا اسكت عنك) ما منحهم الشعور بالأمن النفسي. وصار الفساد في حجم أكبر لم يشهده تاريخ العراق والمنطقة و«الفضل» في ذلك يعود الى الأميركيين والاجانب الذين شجعوا عراقيين على «هبرات» كبيرة وأمّنوا لهم الحماية.
وبسكوت الحكومة الحالية عن محاسبة الفاسدين، وتبادل التهم بين معممين سياسيين بشكل خاص،انتهكت قدسية الدين، وافتقد الناس انموذج القدوة وصار الموظف البسيط يردّ على ضميره: «اذا كان قدوتي يرتكب هذا الفعل، فأنا لست بأحسن منه. واذا كان حراما فلأضرب ضربتي...ثم اذهب الى الحج واستغفر ربي..والله غفور رحيم»!
ان تفاعل هذه الآليات على مدى ثلاثين سنة أفرز نتيجة سيكولوجية هي أن الناس حين تضطر الى قبول أو غض الطرف عن سلوك كانت ترفضه وتجد نفسها عاجزة عن تغييره، يرتضون التبريرات والاسقاطات التي تعطّل الضمير ،وبما أن الفساد شاع سيكولوجيا واجتماعيا فان النصائح والمواعظ والتثقيف وخفض الرواتب الكبيرة لن تقضي عليه،لأن الضمير الذي يتوقف فيه نبض الحلال والحرام يصبح مثل قلب توقف.
ان ما حدث في العراق من فساد يقدّم لعلماء النفس والاجتماع ما يمكن عدّه نظرية ( او قانون اجتماعي) ،خلاصتها:
(اذا زاد عدد الأفراد الذين يمارسون تصرّفا يعدّ خزيا،
وغضّ الآخرون الطرف عن أدانته اجتماعيا أو وجدوا له تبريرا،
وتساهل القانون في محاسبة مرتكبيه..تحول الى ظاهرة
ولم يعدّ خزيا كما كان).
ان المعركة ضد الفساد تحتاج إلى"النضال الطويل والمكلف والمؤلم من أجل النجاح"،وفق ما يرى برتراند دو سبيفيل صاحب كتاب "OVERCOMING CORRUPTION" الذي يعد مرجعا أساسيا في مجال محاربة الفساد..بمعنى آنه لا يمكن الحصول على نتائج ذات أهمية دون "تحمّل وصبر" من مختلف المتدخلين خاصة المواطنين الذين يشكلون الضحية الأولى للفساد.ويشبّه (دو سبيفيل) الفساد بالداء المزمن والمستفحل الذي يحتاج علاجه إلى تضحيات جسام ليس أقلها الصبر للعلاج الكيميائي !.ويضيف بأن مكافحة الفساد تحتاج إلى إستراتيجية وطنية ذات أهداف واضحة وقابلة للتحقيق تتأسس على ثلاثة مرتكزات تسند بعضها بعضا هي "التحقيق والملاحقة،والوقاية عبر تطوير المساطر والأنظمة،ثم التربية والتوعية باعتبارهما ضروريين لمحاربة الفساد لدى الأجيال الناشئة،وتغيير النظرة المجتمعية المتسامحة معه أو التي تجعل منه شرا لا بد منه .

ولدينا مثال عملي نقدمه للمعالجة هو سنغافورة التي تعد انموذج الدولة الخالية من الفساد باعتمادها اجراءات بدأتها باستهداف قيادة الدولة حدد اهمها "سوه كيى هيين" مدير مكتب التحقيق السنغافوري لحالات الفساد،نورد اهمها في الاتي:
1 .عدم االسماح للمفسدين بالتمتع بما حصلوا عليه من مكاسب غير مشروعة،وفضحهم بجعل الناس تنظر لهم بوصفهم عارا على المجتمع.
2 .يفضي التعامل بجدية مع التقارير الخاصة بحالات الفساد الى جعل الناس يرصدونه ويكشفون عنه،ويفتح الطريق الى نجاحات متتالية في القضاء على الفساد.
3. لا توجد ممارسات الفساد معزولة عن غيرها،انما تتداخل مع نشاطات وممارسات اخرى.
4. ان الهدف من الاجراءات والوسائل الخاصة بمنع الفساد هو النظر اليه بانه ممارسة تحف بها مخاطر كبيرة ومكسب ضئيل.
5. تهدف محاربة الفساد في الحكومة الى المحافظة على ان تكون نظيفة تماما من الفساد .
6. تعدّ محاربة الفساد في القطاع الخاص ضرورة كبرى لتأمين نظافة النشاطات الاقتصادية في الدولة.
ونضيف اليها: الاسراع بتشكيل محكمة من قضاة مستقلين تبدأ بمحاسبة الحيتان الكبيرة، ويأخذ فيها كل فاسد ومفسد جزاءه بالعدل، وتسترد ليس أمــوال الناس والوطن.
ان اعتماد ما ورد في التجربة السنغافورية وما تقدمنا بها من معالجات سابقة يمكن صياغتها في برنامج عمل تتفق عليه القوى السياسية وممثلو المتظاهرين ومنظمات المجتمع المدني..وبدونها تبقى التظاهرات لا تجدي نفعا،لأن الحكومة والبرلمان لن يستجيبا لمطالب المتظاهرين لسببين:لشعورهم بالامان في منطقة محصنة ومحمية بأكبر قوة في العالم،ولأن الغاء الرواتب التقاعدية لا يتم الا بتشريع..هم اصحابه!..فضلا عن حالة سيكولوجية هي :أن الفقير اذا استغنى واستمكن..انعدم ضميره.



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة نفسية(90):تفسير الألوان
- العراق..بلد مخبول!
- الشاعر حين يكون عبقريا..وسلطويا!.عبد الرزاق عبد الواحد أنموذ ...
- زواج القاصرات ..في الزمن الديمقراطي!
- الأخوان..بعد واقعة 15 آب - تحليل سيكوبولتك
- الموسيقى..في الزمن الديمقراطي!
- ثقافة نفسية (85): الاعجاب.. حين يكون مرضا نفسيا
- ايها المصريون..العالم يحيكم!
- بين امراض الاسلام السياسي واخطاء العلمانيين..أين الحل؟
- لماذا حقق المصريون ما عجز عنه العراقيون؟
- علي الوردي..الساخر الفكه
- لماذا نجح المصريون في تحقيق ما عجز عنه العراقيون-تحليل سيكوب ...
- ثقافة نفسية(82):المرأة..والضغوط النفسية
- سيكولوجيا المنطقة الخضراء!
- ثقافة تربوية(81):الامتحانات بين قلق الأبناء وحرص الآباء
- مبادرة أكاديمية لحلّ الأزمة العراقية
- زيارة..لقصر الملك غازي في الدغارة!
- نتائج انتخابات مجال المحافظات ..من سيكولوجيا السطوة الى سيكو ...
- اللاوعي الجمعي العراقي..مخدّر وخالق أوهام ومثير فتنة (3-3)
- اللاوعي الجمعي العراقي..مخدّر وخالق أوهام ومثير فتنة (2-3)


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قاسم حسين صالح - الفساد في العراق - الأسباب والمعالجات