|
أفضل لحظات استرجاع الذكريات .
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4206 - 2013 / 9 / 5 - 03:12
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
ارتأى طببي المعالج ، أنه من الحكمة أن اتفرغ للاهتمام بشؤون صحتي المنهكة ، والمحافظة على ما تبقى منها ، وذلك بالركون للراحة الكاملة خلال فترة نقاهة هادئة ، والتي اخترت لها مكانا قصيا عن كل مشاغل الحياة اليومية المعتادة ، وبعدا عن منغصاتها الروتينية المعادة ، وقررت خلالها ، التخلى عن مجاهداتي الماضية المكرورة ، والكف عن فروسياتي "الدون كيشوتية" المتهورة ، التي افنيت ثلثي عمري مدمنا عليها ، بدأً بالسعار النقابي ، والنباح السياسي ، وشراهة الكتابة والقراءة ، إلى تعاطي السجارة اللعينة والتهام القهوة السوداء ، وأشياء أخرى ، لم أجن من ورائها سوى ارتفاع ضغط الدم ، وزيادة نسبة الكولسترول ، والسكري ، وعلل أخرى شكلت خطرا وتهديدا على حياتي ، استدعى خضوعي لعملية جراحية مستعصية ، خرجت منها بفضل الله الشافي المعافي القدير ، وبلاء الجراح المقتدر البروفيسور زكريا بلحنش ، سالما متفتح العنين على حقائق لا يراها الأصحاء ، لكن يعيشها من ابتلوا بالعلة والمرض .. التحقت بالمكان الذي اخترت لقضاء فترة النقاهة ، وكلي يقين ، أني سأضرب عن السياسة وسمومها ، اضرابا عاما ، وأصوم عن متابعة أخبار الحوادث والجرائم ومنغصلتها ، صياما ما بعده إفطار ، وأتكاسل عن القراءة وهمومها ، تكاسل "الكوالا Kaila " أو أكثر ، وأتقاعس عن الكتابة وأوجاعها ، تقاعس البخيل في اخراج الدرهم . لكن وكما يقال "أنه بإمكان السائس أن يأخذ الحصان الجامح إلى الماء ، لكنه لن يستطيع أن يفرض عليه أن يشربه"، حيث ان المشاعر والعواطف والذكريات الإنسانية المستوطنة للنفوس لا تفارقها ، والتي يظن الإنسان أنه متحكم فيها ، وأنه غير ملاقيها ، لأن النسيان قد ضمها أو غيبها في مجاهله ، لكن تمر على المرء لحظات وأوقات ، يكون فيها أكثر تهيؤا من غيرها استرجاعا لتلك المشاعر والعواطف والعادات ، بكل تراكماتها ، ما كان منها أنيسا ومحببا إلى النفس، أو ما كان شديد الوقع والحزن ، حيث تطفوا على سطح الذاكرة - مهما بلغت من البعد والقدم والتواري - وتتحول إلى مسرات وأفراح ، أو إلى آهات ودموع .. بفرط قوة تأثير الأجواء الصاخبة المزعجة ،أو اللحظات الهادئة الحالمة ، كتلك اللحظات الروحانية التعبدية التي توفرت في تلك البقعة من جنان الله على أرضه ، التي قضيت فيها فترة نقاهتي ، والتي كانت أكثر من أي اللحظات والأجواء التي عرفتها في حياتي ، دفعا وتحفيزا للتذكر والذكرى. فما راودني خلالها ، وإنهمر من ذاكرتي أثناءها ، وجادت به قريحتي بفعل واقع الحال حولي ، من مشاهد ماضية ضاربة في القدم وأخرى حديثة العهد ، أنستني منطق الأمور ، وألهتني عن وجوب التقيد بنصائحة الطبيب ، وأيقظت ،لحظاتها المقدسة في نفسي كل ميولات الانغماس الجامحة في تتبع ركام الأحداث الاجتماعية ، والوقائع السياسية والتضاربات الاقتصادية التي يمر بها العالم (القرية الصغيرة) من حولي ، والتي تفاعلت مع معظمها ، وتأثرت بتفاصيل جلها ، فرحا و سرورا ، انزعاجا و قلقا، ما فجر في دواخلي شهوة الانخراط في كل مجرياتها ، وعلى الخصوص تلك التي لم تجب في حد ذاتها على الأسئلة الحياتية الملحة ، والتي انغمست مرغما في الإجابة عنها عبر الكتابة التي لم أتمكن من التمرّد على إلحاحيتها ، ولم أقوى على مغالبة جبروت إغراءاتها ، ولم استطع الترجل من على صهوتها ، رغم كبدها ومشقتها المعروفة ، التي يتعرق منها الجبين ، ومعاناتها الكبيرة ، وإنهاكها الشديد الذي ترتعد له الفرائص ، ورغم يقيني بأن مقالاتي -ويا بؤس مقالاتي ومصيرمقالاتي - والكثير من إنتاجات غيري من الكتاب والصحفيين ، التي تبقى ،مهما كانت قوة صداها وصواب حججها ، غير حروف خطت بحبر على ورق ، ومجرد صيحة في واد فسيح ، أو زغردة في بئر عميقة ، بلا قيمة ولا تأثير ، لا تستطيع نصرة حق أو ازهاق باطل ، لا تقدر على تقويم فساد أو تقديم مصلحة ، كما أنها لا تقدر على الاطاحة بظلم او إحباط خيانة وتزوبر ، ولا تقوى على اطلاق مظلوما من حبسه ، او تحرير محروم من بؤسه ، ومع ذلك اعتاد البعض قراءتها أو تصفحها ادمانا او لملئ فراغ ، او ليقال عنه متابع او مهتم أو مثقف . حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ردا على أصوات ناشزة !
-
النصر الناتج عن العنف مكافىء للهزيمة !
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات! الجزء الثاني .
-
ثقافة السير بين الواقع والمأمول !
-
لماذا لا يأتي المهدي وجودو أبدا ؟؟
-
الإسلاميون والعفو الملكي عن مغتصب البراءة !؟
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات!
-
كلام غير مقبول من وزير سابق !
-
الجدارن فضاء مثالي لتصريف المكبوتات.الجدارن فضاء مثالي لتصري
...
-
من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
-
الديمقراطية والإسلام السياسي
-
هل الدين هو السبب فيما يحدث من صراع بين الناس ؟؟
-
قمة الخداع والنفاق !
-
توحيد الصيام بين الشعوب العربية والإسلامية
-
مذاقُ لحمِ الخيل خير أم لحم الحمير؟؟؟
-
الخرافات الإخوانية !!
-
الصحة ليست ترفا ينعم به الأغنياء ، ويستجديه الفقراء !!
-
أفول نجم إخوان مصر يزلزل باقي الأنظمة الاستبدادية الاستعبادي
...
-
سقط وهم الخلافة، و لم يسقط الإسلام ؟
-
تجربة الإقتراب من الموت !؟
المزيد.....
-
بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير
...
-
تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو
...
-
11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف
...
-
لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
-
-كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
-
هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
-
عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
-
أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
-
أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود
...
-
عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|