أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توماس برنابا - العرب والشعر ... في مقابل ... الغرب والعلم!!!















المزيد.....

العرب والشعر ... في مقابل ... الغرب والعلم!!!


توماس برنابا

الحوار المتمدن-العدد: 4205 - 2013 / 9 / 4 - 01:50
المحور: الادب والفن
    


أود أن أبدأ عزيزي القارئ بأن أشركك في هذا التصور معي؛ فلنفترض بأني وددت أن أكتب عن موضوع علمي وليكن عن البكتيريا مثلاً بطريقتين إحداهما بصورة شعرية والأخرى بطريقة نثرية علمية. فقمت بكتابة عشرة أبيات محكمين العروض والقافية عن البكتيريا، وأيضا على الجانب الأخر قمت بكتابة عشر سطور عن ذات الموضوع بطريقة نثرية علمية. ثم قدمت العملين لك لتختار بينهم ما يناسبك ويناسب ذوقك. فالبعض سيختار الشعر دونما معرفة المحتوى والأخر سيفضل النثر ليعرف عن هذا الموضوع! وإذا شاهدنا الذي أختار المحتوى الشعري ليعرف عن البكتيريا فإنه بعد القراءة سيمتعض من خلو الابيات من الحيوية والصور البيانية والخيال الذي يميز الشعر عن أي كتابات أخرى وبالطبع سيلقى بالقصيدة جانباً دونما أي إعتبار أو تقدير للمحتوي الفكري المحمل على الأبيات!

وأنا هنا أتسائل لماذا أقدم البعض على الشعر؛ بينما البعض الأخر فضل النثر والعلمية في الطرح؟ الشخص الذي أختار الشعر لتقضية وقت فراغه أو تسليته في قراءته أو حتى كتابته، في الحقيقة يبتغي أن ينتقل الى عالم أخر غير الواقع الذي نعيشه ويسبح في عالم الخيال ليحول الجمود الى حركة، والغموض الى وعي شعوري أو لا شعوري يسبغ على النفس البشرية الراحة والتأمل والبعد عن منغصات الواقعية المريرة. وهنا يشبه الشاعر وقارئ الشعر الطفل الصغير الذي يتسم بفرط الخيالات والاوهام الغير واقعية ... ولكنه ينال سعادة متناهية في عيش هذا العالم الموازي للواقع! وهنا أتجرأ وأقول أن كتابة الشعر وقراءته وتذوقه من قبل البعض ، يعتبر نكوص لمرحلة الطفولة حيث يكثر الخيال والهروب من الواقع! فبدلاً من التحكم في مجريات الواقع وتحمل مسئولية تغييره للأفضل تنزح هذه الفئة من الناس لكتابة الشعر أو قراءته؛ ليبعدوا عن الواقع كحيلة دفاعية تخفف من التوتر والعبأ النفسي الذي يرهق نفوسهم عند التعامل مع الواقع. ونجدهم يعبروا عما يجيش في صدورهم بطريقة شعرية بلاغية غير واقعية!

وربما يتهمني البعض من المهتمين بالشعر هنا؛ بأني جامد وأحث على إنتزاع الخيال الممتع من العقول! لا هذا ليس ما أبتغيه، بل أود أن أبرز ما معني إندماج البعض في الشعر بعكس غيرهم الذين يندمجون في التجارب العلمية المعملية! فحتى العلميون نجدهم في فترات ترفيههم يحبون مشاهدة أو قراءة الاعمال الفنية؛ خلال فترات ترفيهية محدودة للرجوع للعمل الجاد مرة أخرى. وهم ليسوا جامدين فنجد في علمهم الخيال بكثرة على هيئة خيال علمي، يضعون فيه تصورات وسيناريوهات مستقبلية معينة، توجه الذهن البشري نحو السير نحوها ومن خلالها منتجين ومخترعين وسائل وتسهيلات جديدة لتحسين حياة البشر في المستقبل! ولكنهم لا ينتكصون لمرحلة الطفولة مثل غيرهم الذين يهربون من الواقع الذي يجهلون كيفية معالجته أو التعامل معه نحو العالم الشعري!!

في عام 1821 نشر الروائي والناقد الإنجليزي ( توماس لف بيكوك) رسالة عنوانها " عصور الشعر الأربعة " سعى فيها أن يثبت أن الشعر بطبيعته، لا بد أن يضمحل مع تقدم الحضارة. والشعر في عصور التقدم والازدهار يعتبر مظهر نكوصي لعصور الهمجية والتخلف التي عاشها الانسان قديماً، لذلك يصبح مظهر من مظاهر السخف. هذا – طبقاً لتوماس بيكوك – لأن الشعر يضرب بجذوره في أنماط من الفكر تميز المجتمعات البدائية نسبياً، ومن ثم كان نمو الانماط الأكثر عقلانية كفيلة لأن تعتبر الشعر وتجعله من نافلة القول! وتوالت ردود الفعل على هذه الرسالة ما بين مؤيد ومعارض.. ولكن كثر المؤيدين لوجهة النظر هذه حتى أن الشاعر والناقد الفيكتوري ( ماثيو أرنولد) عالج هذه المسألة – خاصة وقد أحدثت نظرية النشوء والارتقاء أصداء كبرى بين العلماء والأدباء والمثقفين، لدرجة أنه تصور أن الارتقاء سيشمل نظم التفكيرأيضاً، بل سينال الشعر والمعتقدات الدينية... فستطور المعتقدات الدينية الى أعمال فنية ليحل محلها الشعر في عقول الناس!!! أو على حد قوله:

" إن الشعر مستقبلاً هائلاً لأن الانسانية ستجد في الشعر الجدير بهذا المستقبل مستقراً لها يتجدد الاطمئنان إليه على مر الأيامز لقد بدأت المعتقدات كلها تتزعزع، وأخذ الشك يتطرق الى المذاهب التى كان الناس يُجمعون على صحتها كلها، كما أخذت التقاليد ت}ذن بالتداعي والإنهيار. حتى الدين الذي كان يعتمد على الوقائع ذاتها وأخذت تتخلى عنه. أما الشعر فإنه يقوم على المعنى، والمعنى بالنسبة اليه هو كل شئ".

وبخصوص العرب الذين ينتشون بالشعر منذ نشأتهم، ويفخرون بأنهم يجيدونه، بل حتى دينهم قائم عليه في كتاب معجزي من الشعر! أود أن أقول أنه كلما زاد هيمان قوم ما بالشعر فهذا دليل على التخلف عن ركب الحضارة في أغلبية مجالات الحياة! والعرب هم أبلغ دليل على ذلك! فهناك علاقة عكسية بين إنتشار الشعر في شعب ما، وبين تحضره وتقدمه! ولقد صدق من قال أن العرب ظاهرة صوتية! فالعرب يبرعون ويعتمدون بصورة أساسية على الشعر لا غير في التعبير عن قدراتهم العقلية! فهم يستغلون جل طاقاتهم في صياغة الجمل والأفكار والتحكم في إختيار الألفاظ للتأثير في السامعين وإمتاعهم وليس فيما تحمله القصائد من محتوى سيمانطيقي Semantic، أي المعنى المحمل على الابيات، وكيف سيكون رد فعل السامعين والقارئين في تأويلاتهم الهيرمنيوطيقية Hermeneutic! بل جل أهتمامهم دائما هو إمتاع السامعين والتأثير فيهم وغالباً ما يكون عندهم أجندة سياسية للتحكم في الجماهير!

فغالباً العرب يختاروا قادتهم الدينين والسياسين من الخطبة المهرة، الذين يستطيعون التحكم في إختيار مصطلحاتهم وعباراتهم وتحويرها لخدمة أجندة دينية على الأغلب! فهم كالسوفوسطائين الذين يعتمدون على الكلام للدفاع عن أمور، قد يحاربونها في مواقف أخرى ، بأسلوب بلاغي أخر على حسب الهدف والفائدة المرجوه! دونما أخذ أي أعتبار لأي مدى سيساهم هذا في تنمية العقل الجمعي العربي، بل جل أهتمامهم هو فائدتهم الشخصية أو الحزبية!

وأبلغ دليل على هذا حينما تجد الشعب المصري يرفض العلماء، وحينما تسأله عن السبب، يجيبونك أنهم لا يجيدون الحديث والخطابة! والمثال على ذلك دكتور محمد البرادعي ذلك العالم المشهور – رغم أني أختلف معه الأن – والحاصل على جائزة نوبل وأيضا حاصل على أكثر من 13 دكتوراة أكاديمية وفخرية من مختلف جامعات العالم! نجد شعب مصر يفضل الدكتور محمد مرسي الخطيب الديني الذي تطول خطاباته الى ساعات، عن دكتور محمد البرادعي! فالشعب المصري وكل العرب يفضل الخطابة Rhetoric عن العلم! ويُسمى منذ القديم البلاغة والكلام ودراسات القرأن والاحاديث علوم وكل من يتبحر فيها يصبح في مصاف العلماء! وحينما تحدثه عن علماء الفيزياء والكيمياء وغيرها نجد إمتعاض وعدم قبول منهم لهم في المناصب العامة!

وربما النظام الحاكم الحالي لمصر أبتدأ في إصلاح هذا الأمر! فأنت بإستطاعاتك أن تجد أن المستشار العلمي لرئيس الجمهورية المصري المؤقت ( عدلي منصور) ألدغ ويصعب عليه الكلام أمام الجماهير، وكلامه مقتضب، ولكن إن بحثت عنه تجده رغم صغر سنه يحمل شهادات ودرجات علمية وخبرات يصعب حصرها من كثرتها! ولكن الشعب المصري كما هو يعلق على رجل العلم هذا بأنه لا يجيد الكلام لذلك لا ينفع أن يكون في منصب قيادي!!!

يا سيدي الفاضل لأمثل لك الامر بصورة بسيطة فالعرب يشبهون صناع قوالب الطوب فقد يبرعون في صناعات الطوب وكيفية إختيار مكونات وخامات هذا الطوب. ويبرعون في تنويع قوالب الطوب فبعضها مربع والأخر مستطيل وغيرها! ولكن تقف مهاراته وقدراته العقلية عند هذا الحد! وقد أكتفوا الى هنا معتبرين أنفسهم عباقرة العالم وخير أمة أُخرجت للناس! و أود أن أخبرالقارئ هنا يكمن الفرق بين العرب والغرب، فالغرب لا يهمه شكل قوالب الطوب بل جل أهتمامهم هو كيفية إستخدام هذه الوسائل والخامات المتاحة لبناء القصور بفن هندسي ماهر يعتمد على كثرة من العلوم!

تجول بين دول العرب وخاصة دول الخليج، وأنظر الى كيف يقضون أوقاتهم وماذا يمتعهم! ستجد دائما البلاغة والشعر هو ما يثيرهم ويمتعهم حتى بغض النظر على المحتوى المحمل على الابيات، فموسيقى الكلمات والسجع والاطناب لهو كافي لأذانهم ولا تعيرهم الأفكار أي أهتمام! أما الغرب فقد تطور من الهيمان في الشعر وصياغة الكلام الى كيف يصيغ الادوات والمخترعات لرفعة البشر! ولا يقيمون للبلاغة وزن بين قادة الدول، فحينما يتعاملون مع أي كان، جُل أهتمامهم هو فهم محتوى كلامه ولا يهمهم أبداً تهتهة أو لجلجة أو رداءة إختيار الكلمات... الخ، ببساطة لا ينظرون الى البلاغة Rhetoric ، بل الى الدلالة Semantics!!!



#توماس_برنابا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهلاً أيها العلمانيون... فلم نتهيأ بعد!!!
- فلسفة إنكار الجميل المسيحية!!!
- مواجهة مشاعر الفقدان والحرمان ( من ضياع ويتم و ثُكل و ترمل و ...
- علاقة بولس ( الرسول) بأستاذه برنابا... هل هي علاقة عرفان أم ...
- يا ليت داروين يكون على حق؛ فسأحزن جداً إن كان على باطل!!!
- ( باراباس أم يسوع؟)... سؤال أولوياتي يميز الخائن من الوطني!! ...
- حينما تتبع الراعي بثقة عمياء، فلن تعلم أبداً هل سيقودك نحو ا ...
- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 20 – الإيمان ...
- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 19 – الإيمان ...
- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 18 – الإيمان ...
- دعاء وصلاة مسيحيي الأمس ومسلمي اليوم للإله الأمريكي لضرب أوط ...
- هل فعلاً ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً؟!!
- إنسانية الحيوان... أم... حيوانية الإنسان!!!
- السلفية المسيحية في الطريق!!!
- مغضوب عليهم من الله بلا ذنب أقترفوه – 9 – الأرض!
- اللغة حينما تكون سماً أو دواءاً للفكر !!!
- المسئولية والمساءلة داخل وخارج إطار عقيدة القضاء والقدر!!!
- رد فعل أخلاقي على إنتشار الإلحاد في الشرق الأوسط !!!
- لماذا ينتشر الالحاد بين فئات من الناس دون غيرها؟
- سلسلة ظواهر الباراسيكولوجي بين العلم والإيمان – 17 – الإيمان ...


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توماس برنابا - العرب والشعر ... في مقابل ... الغرب والعلم!!!