العراق و بوادر الثورة الاجتماعية

رمضان سيد

الحوار المتمدن-العدد: 4203 - 2013 / 9 / 2 - 02:06
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    

منذ ايام اندلعت احداث ثورية واسعة شملت جميع محافظات العراق في الوسط و الجنوب. هذه التظاهرات تشكل نقلة نوعية من حيث مضمونها و طبيعتنا, دعتنا لذلك الى التوقف عندها.
ثورة الوعي البشري ليست حدثا طارئا يحدث بين ليلة وضحاها و لا هي ابداعات مكتبية لمثقفين غارقين في التفكير. ثورة الوعي هي عملية اجتماعية مادية تتمخض عن التجربة و تراكم الخبرة لدى الجماهير في نضالهم اليومي لتحسين حياتهم و توفير شروط بقائهم و رفاهيتهم. حركة زايتجايست وقفت دائما الى جانب تحرر البشر من اوهامهم السياسية و دعت الى تغيير اجتماعي جذري باعتبارها الوسيلة الوحيدة الممكنة لحل مشاكلنا. ولكننا نعلم ايضا ان ثورة الوعي للتوصل الى هذه الحلول لا تمر عبر القراءة و الطروحات النظرية بقدر ما تمر عبر التجربة العملية اليومية لهذه الجماهير. وبرغم اننا نعبر دائما عن الاهداف النهائية لثورة باعادة تصميم عالمنا و اقامة حضارة عالمية جديدة فاننا نساند النضال الجماهيري اليومي لتحسين حياتهم. نحن نرى ان هذه النضالات المطلبية لن تستطيع تحقيق اية اصلاحات او تغييرات حقيقية و ثابته في المدى الطويل ولكنها ستقدم دروسا للجماهير لاكتشاف قدرتهم و تنظيم انفسهم و تجعلهم يرون ضرورات التغيير الاجتماعي الجذري عبر التجربة العملية, حيث تتعلم الجماهير في ايام و شهور ما لم تكن قادرة على تعلمه في سنوات طويلة.
في جميع الثورات في الماضي كان هنالك طرفين, السلطة و المعارضة. فاتسمت الثورات بطابع سياسي اصلاحي, ولكن التطورات الاخيرة في تحول اقتصاد السوق الى اقتصاد عالمي و التطور التكنولوجي الهائل و تأزم هذا النظام و توقف الياته وانتهاء عمله و صلاحيته, هذه التغييرات ادت الى انتهاء عصر السياسة و حولت الحلول السياسة و القوى السياسية الى جزء من العالم القديم الذي يغرق في الفساد و الأزمات. فكان لابد من ظهور الخط الثالث في الثورة هي القوة الاجتماعية المستقلة عن السياسيين و حلولهم و التي ليست لديها الاوهام السياسية و التي ترى ان وحدتها هي طريقتها في تحقيق التغيير بدءا من الاصلاحات و انتهاء بالثورة الاجتماعية لتغيير النظام الاجتماعي تغييرا جذريا.
لقد كانت نظرتنا نحن في حركة زايتجايست لجميع الثورات السياسية وما زالت بانها ثورات تؤدي الى اعادة انتاج مشاكل عالمنا و كنا و ما نزال نرى بان السياسيين في المعارضة هم مشاريع مستقبلية للفساد الموجود بغض النظر عن نواياهم النبيلة و غير النبيلة. فلا اليسار السياسي و لا الاسلام السياسي و لا العلمانية السياسية و لا اي نوع من الحلول السياسية بمقدورها انهاء ازمة سببها نظام اجتماعي في طريقه الى الانهيار. قلنا دائما بان الفساد السياسي ليس سببا في فساد نظامنا الاجتماعي بل على العكس فان فساد نظامنا الاجتماعي هو سبب فساد السياسيين وحلولهم. لذلك لم يعد من الممكن تغيير اي شئ دون اعادة تصميم عالمنا و اقامة نظام اجتماعي جديد عبر ثورة الوعي البشري الذي سيمهد للثورة الاجتماعية.
و كانت رؤيتنا في جميع الانتفاضات و الاحداث الثورية في مصر و سوريا و تونس و العراق وغيرها, الموقف نفسه برفضنا لجميع الاوهام السياسية التي تخيم عليها و دعونا الى نبذ الشعارات السياسية لكونها لا تتجاوز الاعيب الفساد في عالمنا الايل الى السقوط اقتصاديا و اجتماعيا و بيئيا. كما دعونا دائما الى التفاف الجماهير حول مطالبها الاجتماعية لتحسين حياتها.
ان الاحداث الثورية الجارية في العراق هذه الايام في بغداد و محافظات الجنوب تمخضت عن تجربة عملية مر بها المجتمع العراقي في العقد المنصرم حيث اكتشفت هذه الجماهير عبثية الحلول السياسية و خبرت الاحزاب و شاهدت فسادهم وتخلصت جراء ذلك من جميع اوهامها حولهم. و هو ما يمكن رؤيته بشكل واضح في مطالب هذه الجماهير هذه الايام.
نحن نرى ان تطور الحركات الجماهيرية في العراق بهذا الاتجاه سوف يؤدي الى تراجع الاوهام الطائفية و السياسية و سيعزز رؤية البشر في هذه الرقعة الجغرافية من الارض بوحدة معاناتهم و مصيرهم مع بعضهم و مع باقي ابناء جنسهم في جميع اصقاع الارض, و هو ما سيزيل تدريجيا جميع اشكال الاحتقان و الكراهية بينهم. سيتقوى نسيج هذا المجتمع بسبب ذلك و ينقذه من الانقسامات و سيكون بمقدوره تحقيق مكاسب كبيرة وهو في طريقه نحو التغيير الاجتماعي الجذري.
ان ثورات الربيع العربي لم تؤدي الى اقامة اية تغييرات حقيقية سوى في وعي المجتمعات العربية حول عبثية الحلول السياسية لذلك فاننا نرى ان السنوات القليلة القادمة ستشهد تحولات كبيرة في التوجهات الثورية العامة في منطقة الشرق الاوسط باتجاه ظهور و بروز الخط الثالث الا وهو خط التغيير الاجتماعي في وجه عالم ينهار فيه الاقتصاد و السياسة ويفسد اكثر فاكثر ليخبر الجميع بان اقامة نظام اجتماعي جديد ليس حلم جميل بل أمر لم يعد لنا منه مفر بعد الان.

#رمضان_سيد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات