أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - -الغوطة-.. دَرْسٌ في السياسة الدولية!















المزيد.....

-الغوطة-.. دَرْسٌ في السياسة الدولية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4202 - 2013 / 9 / 1 - 14:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جواد البشيتي
"المصالح"، مع احترابها وتَصَالُحها، هي "السياسة"؛ وهي وحدها (أيْ المصالح) التي لا "دِيِن" لها، إذا ما جَعَلْنا للدِّيِن معنى "المبدأ (أو المبادئ)"؛ وهي، من ثمَّ، ضِدَّ (ولا تَعْرِف أبداً) ما يسمَّى "الجمود العقائدي"؛ ومع ذلك، هي في حِرْص دائم على أنْ تتزيَّن بالمبادئ، وتتدثَّر بها؛ فـ "الشرعية (المستمدَّة من "مبادئ سامية")" يحتاج إليها، ويبحث عنها، ويسعى في اكتسابها، حتى "المُجْرِم".
المبادئ يُؤْخَذ بها، ويُسْتَذْرَع، ما تَوافَقَت وتَصالحت مع المصلحة؛ فإذا ما نازَعَتْها وخاصَمَتْها نُبِذَت وحُورِبَت، أو فُسِّرَت وأًوِّلَت بما يجعلها خادِماً ذليلاً للمصلحة؛ وذوو المصالح لا شيء يَحُول بينهم وبين تشويه ومَسْخ واغتيال حتى "بديهية هندسية" إذا ما استشعروا تَعارُضها مع مصالحهم.
لا تُصَدِّقوا أنَّ أحداً في العالَم سيَقِف دائماً وأبداً، ومهما كانت الظروف، وبصرف النَّظر عن وجهة نظر مصالحه، ضدَّ "جريمة كيميائية يرتكبها حاكِم مستبد في حقِّ مدنيين أبرياء من أبناء شعبه"؛ فلو كانت هذه الجريمة كالنهار، لجهة وضوحها، لدعاكَ، إذا ما كانت له مصلحة في إنكار وقوعها، أو في تبرئة ساحة مرتكبها، إلى أنْ تأتي له بدليلٍ على وجود النهار!
بوتين، مثلاً، لم يتورَّط، أو لم يُورِّط نفسه، في رَسْم "خطٍّ أحمر"؛ فهو لم يَقُلْ "وَيْلٌ لجبهة النُّصْرة (وأشباهها) في سورية إذا ما ارتكبت مجزرة كيميائية في حقِّ مدنيين أبرياء"؛ ولم يُقَيِّد يديه، من ثمَّ، بلسانه؛ لكنَّه قال إنَّ "إرهابيين" من معارضي بشار الأسد هُمْ الذين ارتكبوا "غوطتي دمشق (الشرقية والغربية)"؛ ولو كان بوتين يقود دولة بحجم الولايات المتحدة (التي هي دولة أكبر من العالَم) لقال، في لهجة سادِن "المبادئ السامية"، إنَّ بلاده لن تسمح أبداً لهؤلاء "الإرهابيين" بانتهاك حرمة مبدأ "عدم جواز ارتكاب جريمة بالغازات السَّامة في حقِّ مدنيين أبرياء عُزَّل"، وبالاعتداء والتطاول عليه، ولَصَوَّر هذه الجريمة على أنَّها تهديد للمصالح القومية لبلاده، ولقرَّر تسديد ضربة عسكرية إليهم، عقاباً لهم على جريمتهم، وردعاً لهم عن تكرار ارتكابها (وردعاً لغيرهم عن ارتكاب أشباهها).
"جريمة الغوطة" الآن هي قصة "عَيِّنات وتحاليل ومختبرات"؛ فـ "العِلْم" لم يَقُلْ بَعْد كلمته (والكلمة الأولى والأخيرة للعِلْم). والعالَم ينبغي له أنْ ينتظر أسبوعين، أو ثلاثة أسابيع، حتى يرى "الحقيقة العلمية خالصةً من شوائب السياسة". وهذه "الحقيقة (التي لا ريب فيها)" ستُعْطِينا إجابة عن سؤال "هل ارْتُكِبَت مجزرة كيميائية (بالغازات السَّامة) في غوطتيِّ دمشق؟"، وعن سؤال "ما هي، على وجه الدِّقَّة العلمية، تفاصيل أداة الجريمة (أنواع الغازات السَّامة مثلاً)؟".
ورُبَّما تستحيل المأساة مهزلةً، فتقول "الحقيقة العلمية" إنَّ آلاف الضحايا (في الغوطتين) لم يكونوا ضحايا مجزرة كيميائية"؛ وعلى "العِلْم"، من ثمَّ، أنْ يُفسِّر لنا، ويُعلِّل، "شكل" هذا الموت الجماعي في الغوطتين، فـ "الجُثَث" سليمة، لا تهشيم فيها، ولا تمزُّق، ولا دماء عليها.
المختبرات والتحاليل لن تأتي إلاَّ بما يقيم الدليل (العلمي) على أنَّ جريمة كيميائية قد ارْتُكِبَت؛ لكنَّ "العيِّنات" لا تتضمَّن، ولا يمكنها أنْ تتضمَّن، ما يؤكِّد، أو ينفي، أنَّ بشار (أو غيره) هو مُرْتكبها؛ فـ "أدلة الإثبات (أو النفي)" تأتي من مصادِر أخرى (والفرق بين أوباما وبوتين هو أنَّ أوباما أتى بما يراه دليلاً على أنَّ بشار هو مُرْتَكِب هذه الجريمة؛ أمَّا بوتين فلم يأتِ بما يبرِّئ ساحة بشار، أو يدين "إرهابيين" من معارضيه).
"الجريمة الكيميائية" ارْتُكِبَت؛ وهذا ما سوف يُثْبِته "العِلْم" عمَّا قريب؛ لكنَّ مُرْتَكِبها سيَسْتَدِل عليه بوتين استدلالاً؛ وقد استدلَّ عليه بوحي مِّمَّا يشبه نظرية "البعرة تدلُّ على البعير، والأثر يدلُّ على المسير"؛ فَلِمَ (يتساءل بوتين في استغراب ودهشة) يَرْتَكِب بشار هذه الجريمة الكيميائية وهو "المُنْتَصِر في الميدان"؟!
أمَّا مؤيِّدو بشار (في الحلال والحرام) فيُنزِّهونه عن هذه الفِعْلَة؛ فهو "الخَيْر الذي لا يَصْدُر عنه إلاَّ كل خَيْر"!
بوتين يقول الآن لأوباما وصحبه: هاتوا برهانكم إنْ كنتم صادقين. أوباما يقول (في أدلته) إنَّ صاروخ "سكود" الذي يملكه بشار فحسب هو الذي حَمَل "أداة الجريمة (أيْ الغازات السَّامة). بوتين يقول لأوباما: وهل لكَ أنْ تُثْبِت أنَّ "الإرهابيين" لم يحصلوا على "سكود"؟
أوباما يقول: لكن "سكود" انطلق من مكان يسيطر عليه بشار. بوتين يقول: إنَّ "إرهابين" هُمْ الذين أطلقوه من هذا المكان. أوباما يقول: لكنَّ مُطْلِقه من جيش بشار. بوتين يقول: إذا كان مُطْلِقه من جيش بشار فهذا لا يعني أنَّ بشار هو نفسه مُطْلِقه، ولا يعني أنَّ بشار هو الذي أَمَر بإطلاقه؛ فهل لديك ما يُثْبِت أنَّ بشار هو الذي أَمَر؟
أوباما يقول: نَعَم، لديَّ ما يُثْبِت؛ أليس هذا هو صوت بشار. اسْمَع إنَّ بشار يقول لجنديه (آمِراً) أَطْلقه.
بوتين يقول: كلاَّ؛ هذا ليس صوت بشار الحقيقي؛ هذا تزوير لصوت بشار!
إنَّها "المصالح" التي تُعْيي مجادليها؛ وإيَّاكم أنْ تظنوا أنَّ "المنطق" يمكن أنْ يغلبها، ويهزم حججها.
عالم السياسة الواقعي إنما هو عالَم "نزاع المصالح"؛ وفي عالَم كهذا لا يمكنكَ أنْ تخدم مصلحة لكَ من دون أنْ تضُرَّ بمصلحة شخص ثانٍ، وتخدم مصلحة شخص ثالث. أتمنى أنْ تتذكَّروا هذا قبل أنْ تقولوا إنَّ الولايات المتحدة ستضرب بشار خدمة لمصلحتها هي.
الكارثة الأولى وَقَعَت إذْ ارتكب بشار جريمته الكيميائية الكبرى في حق الآلاف من المدنيين الأبرياء العزَّل من أبناء شعبه في غوطتيِّ دمشق.
وإنِّي لأخشى الآن كارثة من كارثتين اثنتين لم تَقَعا بَعْد.
أخشى أنْ تنتصر "القيم الديمقراطية" في الكونغرس على "القيم الإنسانية (الكامنة الآن في جُثَثَ ضحايا الغازات السَّامة)" كما انتصرت في مجلس العموم البريطاني؛ فيتحوَّل سخطنا على "الانهزاميين (وانهزاميتهم)" إلى إعجاب بالديمقراطية (التي أَرَانا مجلس العموم البريطاني بعضاً من قيمها، وقد يُرينا الكونغرس بعضاً آخر منها).
وأخشى أنْ يَرْكَب أوباما رأسه؛ فيَنْتَصِر للضحية؛ لكن بما يجعل الضحايا الجُدُد يحسدون الضحايا القدامى. أخشى أنْ يَضْرِب بشار؛ لكن بما يُقوِّيه، ويغريه بمزيدٍ من الوحشية والفاشية في تقتيل شعبه، وبما يقصم ظهر معارضيه وشعبه.
أوباما التزم أﻻ-;- يكون إسقاط بشار هدف الضربة؛ وأحسب أن أوباما مدعو اﻵ-;-ن إلى أن يضمن أﻻ-;- تؤدي الضربة إلى ما يسمح للأسد بافتراس المعارضة.
بشار رَجُلٌ مُغْتَصِب (بالوراثة) للسلطة؛ وكل ما من شأنه أنْ يُديم ويحمي اغتصابه للسلطة يفعله؛ وهذا هو وحده مفتاح التفسير لسيره في هذا الاتِّجاه، أو ذاك، لتقدُّمه، أو تراجعه، لتشدُّده، أو مرونته، لعصيانه، أو استخذائه، لتحالفه مع "حزب الله"، أو مع "حزب الشيطان". لا خيار لديه محظوراً، إلاَّ "الديمقراطية"؛ فإنَّ جرعة صغيرة من "الإصلاح السياسي والديمقراطي" يتناولها، مُخْتاراً أو مضطَّراً، تكفي للقضاء عليه.
بشار يُصادِق شعبه، ويحبه، ما ارتضى العيش غَنَمَاً أبدياً في حظيرته؛ ويعاديه، ويتطرَّف في عدائه له، إذا ما نزل إلى الشارع طَلَبَاً للحرية؛ و"الحرية" ليست بالشيء الذي يمكن أنْ يتنازَل عنه الشعب لحاكمه ولو في مقابِل أنْ يُدْخِله جنَّات عدن تجري من تحتها الأنهار. بشار يكفي أنْ يَسْلب شعبه حريته حتى يَعْجَز عن الحصول على أي شرعيه. حتى انتسابه إلى "السماء"، وزعمه تمثيل "إرادة إلهية"، وتحريره بيت المقدس، لا يكسبه أي شرعية.
ألاَّ يُضْرَب بشار، فهذا أمْرٌ لفَرْط سوئه لا أستطيع حتى تخيله؛ والأسوأ منه أنْ يُضْرَب ضربة أقرب إلى "الأدبية (أو إلى مباراة ودِّية)" منها إلى "التأديبية". الضربة التي لا تقصم ظهر بشار ستقوِّيه؛ فماذا سيفعل الرئيس أوباما إذا ما ارتكب بشار "غوطة ثانية" بعد أيام أو أسابيع من انتهاء الضربة التأديبية؟!
إنَّ ما يستأثر باهتمامي ليس أنْ تضرب الولايات المتحدة بشار، وإنَّما التداعيات والمضاعفات غير المتوقعة، وغير المحسوبة؛ فالتاريخ يُعلِّمنا أنَّ 99 في المئة من النتائج المتحققة لم يكن لها من وجود في أهداف وغايات ونيَّات ودوافع وخطط صانعيها.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخطر ما تمخَّض عنه -جَدَل الضَّرْبة-!
- قبل ساعات من الضربة!
- -الفقر- و-وعي الفقر-.. -الطاغية- و-شيخ الطاغية-!
- تفجير طرابلس!
- -الثورة المصرية-.. ظواهر ميدانية تطلب تفسيراً
- الثورة المصرية.. نتائج وتوقُّغات
- التناقُض المُدمِّر لثورات -الربيع العربي-!
- في -الإشكالية الدستورية- المصرية
- في -الفاشية- و-البلطجة-!
- -مفاوضات- في -لحظة تاريخية فريدة-!
- هذا ما بقي لإنقاذ مصر!
- كيف تُؤسَّس -النَّظريات-؟
- الجدل الذي تخيَّله ماركس بين عامِل ورب عمل!
- وما -الرَّوح- إلاَّ من أساطير الأوَّلين!
- النسور يَطْلُب مزيداً من الضرائب!
- النمري الذي يُسِيءُ فهم ماركس دائماً!
- لماذا الماركسي لا يمكن أنْ يكون -ملحداً-؟
- -الإسلام السياسي-.. -حقيقة- تَعرَّت من -الأوهام-!
- طريقكَ إلى الثراء في الأردن.. جريسات مثالاً!
- عندما أَغْمَض كيري عَيْنَيْه حتى يرى السيسي!


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - -الغوطة-.. دَرْسٌ في السياسة الدولية!