أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - قصة الموسيقى الغربية – فيردي وأوبرا عايدة















المزيد.....


قصة الموسيقى الغربية – فيردي وأوبرا عايدة


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4201 - 2013 / 8 / 31 - 15:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



بعد عصر روسيني، مرت الأوبرا الإيطالية بمرحلة سكون وترقب، إلى أن جاء العظيم "فيردي". لكي يبعثها من جديد ويلبسها ثوبا دراماتيكيا جديدا. ويحتل بذلك مكانا مرموقا في عالم الموسيقى الكلاسيكية.

بورتريه ل"جوزيبي فيردي".
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/5/51/Verdi.jpg

بدأ "فيردي"، مثل الكثير غيره من الملحنين العظام، كطفل ريفي بسيط. يملك أبويه متجرا وحانة، في قرية "رونكالي" الفقيرة. هنا ولد "جوزيبي فيردي".

يذكر فيردي، عندما كان طفلا صغيرا يلعب في شوارع القرية، أنه كان لا يستطيع مقاوة تتبع عازف الأورغن المتجول. يذهب من بيت لبيت، طالبا من القلوب الرحيمة، حسنة قليلة تمنع بلاوي كثير، أو رغيفا من الخبز، نظير فنه وألحانه.

يذكر أيضا، عازف الكمان بملابسه الرثة وشعره المنكوش، الذي يقف أمام باب الحانة يعزف وينشد الأناشيد كل يوم. هذا المنكوش، هو أول من تنبأ بمستقبل موسيقي باهر للصبي "جوزيبي"، عندما لاحظ اهتمامه بالموسيقى وحرصه على سماع الألحان.

"فيردي" الأب، ريفي مكافح غير متعلم، لكنه يحب الموسيقى. بالرغم من فقره وضيق ذات اليد، اشترى لولده بيانو أو أورغن صغير. بدأ الصبي في أخذ دروس موسيقية علي البيانو الصغير. "جوزيبي" في ذلك الوقت كان عمره سبع سنوات.

يومان كل أسبوع، يحمل فيهما "فيردي" الأب سلتين، يسير بهما إلى المدينة المجاورة "بوسيتو". يذهب إلى محل تجارة الجملة، لكي يشتري ما يحتاجه من سكر وبن وتبغ ولوازم التدخين وأشياء أخرى، يبيعها في متجره للزبائن.

ثم يعود بالسلتين الممتلئتين إلى قريته. في أحيان كثيرة كان جوزيبي يرافق والده في هذه الرحلة المضنية.

"باريزي"، رئيس الجمعية الفيلهارمونية، وعائلته كانوا شغوفين بالموسيقى. جعلوا منزلهم في "بوسيتو"، مركزا للأنشطة الموسيقية المختلفة.

هذا المنزل يعتبر الأفخم في المدينة. في أي ساعة من النهار أو الليل، تسمع الأنغام تنساب من النوافذ والأبواب. عندما كان الطفل فيردي يمر من أمام المنزل، كان يقف لكي يستمع لما تيسر من الموسيقى.

في أحد الليالي، وقف الصبي يستمع باهتمام بالغ لسوناتا "ضوءالقمر" ل"بيتهوفن"، وهي تنساب من النافذة. "سيجنور باريزي"، صاحب المنزل الكبير، والذي كان يراقب الصبي منذ مدة، خرج من الباب وسأله: "لماذا تأتي باستمرار إلى هنا، وتقف مدة طويلة وأنت لا تفعل شيئا؟".

أجاب الصبي، وكان عمره في ذلك الوقت عشر سنوات: "أنا أعزف على البيانو أيضا. وأحب أن أستمع للموسيقى الراقية التي تعزف في هذا المنزل."

أداء رائع ل"هورويتز" وهو يعزف سوناتا "ضوء القمر" ل"بيتهوفن".
http://www.youtube.com/watch?v=r6YCSeeMN4I

هنا أمسك "باريزي" بيد "فيردي" وقاده إلى داخل المنزل. ثم قدمه إلى ابنته، التي كانت تعزف "ضوء القمر" على آلة البيانو. من هنا بدأت علاقة "فيري" بالموسيقى والحب.

أرسل باريزي، فيردي إلى مدرسة في بوسيتو لمدة سنتين. كانت المصاريف السنوية لا تتعدى 25 دولارا. بعد ذلك، قام باريزي بتوظيفه عنده ككاتب. ثم أبدى استعداده لمساعدته على تنمية حبه وشغفه بالموسيقى.

عازف الأورغن بالكاثيدرائية، بدأ يعطي فيردي دروسا بدون أجر. وكان فردي يتقدم باستمرار في دروسه. ظل يعمل ويدرس إلى أن بلغ سن السابعة عشر.

عندما شعر بأنه قد تعلم ما فيه الكفاية، كان عليه ترك بوسيتو والذهاب إلى مدينة ميلانو. التي كانت في ذلك الوقت، أكبر مركز موسيقي في إيطاليا. لكنه كان خاوي الوفاض، لا يملك شروي نقير. جاءت المساعدة كالعادة من باريزي، ومن منحة متواضعة من مجلس المدينة.

عندما وصل فيردي إلى ميلانو، أخذ معه مؤلفاته. قدمها إلى معهد الكونسيرفاتوار. طلبوا منه العزف على آلتي البيانو والأورغن. لكن الممتحنين لم يعجبهم شكل أو شخصية فيردي. كما أن سنه (17 سنة)، كان قد تعدى شرط السن، وهو الرابعة عشر. لذلك، أعطيت المنحة الدراسية إلى تلميذ آخر.

أصيب فيردي بخيبة أمل، لكن لم يتملكه اليأس. بحث عن مدرس، واستمر معه لمدة سنتين. تعلم أثناءها مبادئ الهارمونية، الطباق، والتأليف الموسيقي. وكان يعيش على فرنك واحد في اليوم.

بعد ذلك، دعي فيردي إلى بوسيتو، لكي يشغل وظيفة قائد الجمعية الفيلهارمونية هناك. لذلك، كان عليه القيام بتأليف المارشات للفرقة العسكرية الخاصة بالمدينة.

في عام 1836م، تزوج من "مارجريتا"، ابنة رجل البر والإحسان وصاحب الفضل عليه، "باريزي". باريزي نفسه، لم يعترض على زواج ابنته من فيردي صاحب الموهبة الموسيقية، بالرغم من فقره الذي لا يخفى على أحد.

جاء حشد كبير لحفل الزفاف، بسبب شهرة العائلة وأفضالها على المدينة. وجاء إلى الحفل أيضا، عازف الكمان، أبو شعر منكوش، الذي كان يقف أمام الحانة يعزف للزبائن، والذي تنبأ لفيردي بمستقبل باهر في عالم الموسيقى.

بعد فترة، قرر فيردي خوض غمار عالم الأوبرا. انتقل إلى ميلانو مع عائلته الصغيرة، المكونة من زوجته وطفلين صغيرين. باكورة أعماله، قوبلت بنجاح معقول. جعل المتعهد يطلب ثلاث أعمال أخرى.

لكن التأليف الموسيقى، عمل يحتاج إلى وقت كاف، لم يكن عمله يسمح به. لذلك كان عليه أن يغير عمله، بالرغم من حالته المالية الصعبة. فقد كان يجد صعوبة كبيرة في سداد القيمة الشهرية لإيجار بيته المتواضع.

ليس هذا فقط، ولكن المصائب بدأت تنهال عليه كالمطر. في عام 1840م، توفيا طفلاه في غضون أيام قليلة. بعد شهر أو شهرين، توفت زوجته الحبيبة ولحقت بطفليها.

كيف يتثنى لإنسان ما، تحمل مثل هذه الصدمات المتلاحقة؟ وكيف يستطيع المسكين فيردي، وهو في هذه الحالة البائسة، أن يقوم بتلحين أوبرا فكاهية؟ لكنه يعلم أن لا مفر من الوفاء بالتزاماته. فأخذ في كتابة الأوبرا.

فشلت الأوبرا، عند عرضها، فشلا ذريعا. وقابلها الجمهور بالصراخ والهمس. مما جعله يعتقد أنه لن يستطيع كتابة لحن موسيقي آخر. بعد ذلك بسنة ونصف، كان يعيش في غرفة صغيرة في ضواحي ميلانو. في حالة من الضنك يرثى لها.

في هذه الأثناء، قابله المتعهد الذي يقوم بإنتاج الأوبرات . أخرج من جيبه نص غنائي (ليبرتو) لأوبرا بعنوان "نابوكو"، ورجاه أن يقوم بتلحينها. عندما عاد فيردي إلى منزله، قام بقراءة القصة، فوجدها قصة تاريخية عن "نبوخذ نصر"، أحد ملوك الدولة البابلية الحديثة، ابن الإله مردوخ، وصاحب الحدائق المعلقة. وهو الذي قضى على مملكة يهوذا وسبى سكانها عام587 ق م.

بعد قراءة النص الغنائي للأوبرا، ألقاها فيردي على كومة أوراق قديمة. بعد ذلك بعدة شهور، وجدها بالصدفة. فأعاد قراءتها وأخذ يدندن ببعض الألحان أثناء قراءتها. أعادت إليه شغفه وحبه للموسيقى. في خلال ثلاثة شهور، أنهى تلحينها بالكامل.

كورس العبيد العبرانيين من أوبرا "نابوكو" لفيردي.
http://www.youtube.com/watch?v=rUUVnJjkcAM

الأوبرا مليئة بالألحان العذبة الميلودي. كان عمال المسرح يستمتعون بأنغامها أثناء عمل البروفات. وكانوا يتوقفون عن العمل ويجلسون علي السلالم أو السقالات، يستمعون. في نهاية البروفة، كانوا يضجون بالتصفيق والدق بآلاتهم على الخشب، صائحين: "برافو برافو، عاش الماسترو".

انشرح قلب فيردي لأول مرة بعد حزن عميق. يعترف بأنه يُرجع الفضل لهؤلاء النجارين البسطاء، الذين أمدوه بالثقة، وبشروه بنجاح مرتقب.

بينما كانت أوبرا "نابوكو" تنال التصفيق الحاد عند عرضها، بدأ فيردي يُعرف، وأصبح يشغل فكر المنتجين. روسيني في ذلك الوقت، كان قد توقف عن تلحين الأوبرات، اكتفى بما قدمه من أعمال. بيليني لم يعش طويلا بسبب عدوى في الأمعاء، ومات في ريعان شبابه. المسكين "دونيزيتي" كان يصارع الجنون ويهيم على وجهه في الشوارع يدعي أنه قد مات.

ظل فيردي لفترة، يلحن أوبرا جديدة كل عام. الأوبرات ال 16 الأوائل، كلها فيما عدا أوبرا واحدة هي "إيرناني"، تمثل المدرسة الروسينية، التي تعتمد على أصوات المغنيين والألحان البراقة.

في عام 1850م، تزوج فيردي للمرة الثانية من "مدام ستريبوني". التي كانت تغني أوبراته. عاشا سويا سعداء. وكانت زوجته تساعده في التلحين. بعد الزواج، لحن فيردي ثلاث أوبرات: "ريجوليتو"، "إل تروفاتور"، "لا ترافيتا".

لحن من أوبرا "ريجوليتو" بأداء يقترب من حد الإعجاز ل"جوان ساذر لاند". لن تجد صوتا مثل هذا في عالم الغناء.
http://www.youtube.com/watch?v=PuRaj-1SUbk

غناء الكورس من "ال تروفاتور" لفيردي.
http://www.youtube.com/watch?v=QZN01_pAxro

أغنية الشراب من أوبرا "لا ترافياتا" لفيردي، غناء "ساذر لاند" و"بافاروتي".

http://www.youtube.com/watch?v=LTrUnwILuu0

الأوبرات الثلاثة هي الأخرى مليئات بالألحان العذبة والميلودي، لكن في نفس الوقت، تمتاز ببناء درامي قوي. ومن ثم تختلف عن المدرسة الروسينية.

"ريجوليتو"، أوبرا من ثلاثة فصول. بني النص الغنائي على أساس مسرحية بعنوان "الملك يمرح"، للأديب الفرنسي فيكتور هيجو، مؤلف رواية البؤساء.

لأن المسرحية منعت بأمر الرقيب في فرنسا، بسبب سخريتها من ملك فرنسا في ذلك الوقت (فرانسيس الأول)، كان فيردي حريصا على أداء بروفات ريجوليتو في سرية تامة، خوفا من الرقابة. لأن شمال إيطاليا، كان لا يزال تحت السيطرة الفرنسية.

أوبرا ريجوليتو تمتاز بتسلسل الأحداث. الموسيقى في الفصل الأخير قوية متدفقة. الألحان ساحرة خلابة. العمل يعتبر نقطة فاصلة في تاريخ موسيقى فيردي، تقسم أعماله إلى ما قبل ريجوليتو، وما بعدها.

أوبرا "ال تروفاتور" جاءت بعد ريجوليتو بسنتين. تصور حكاية إسبانية من القرن الخامس عشر. امرأة من الغجر يتهمها أحد النبلاء بممارسة السحر والشعوذة، فيحكم عليها بالموت حرقا.

لكي تنتقم ابنتها من النبيل الذي تسبب في وفاة أمها، قامت باختطاف أحد أطفاله، وقامت بتربيته. عندما بلغ سن الشباب، تنافس مع أخيه النبيل، وهو لا يدري أنه أخوه، على حب فتاة. وعندما يقتل الأخ أخاه، تبوح بالسر، وتموت بتجرع السم.

القصة تراجيديا معقدة ومتفرعة، لكن الموسيقى رائعة. قوبلت في روما، حيث عرضت أول مرة، بحفاوة كبيرة.

ثم ظهرت بعد ذلك أوبرا "لا ترافياتا". ألحانها وأغانيها أكثر عذوبة من التي في أوبرا "ال تروفاتور"، جزء من الفصل الأخير، به أجمل ألحان فيردي الأوبرالية على الإطلاق.

أوبرا "لا ترافياتا" كاملة بترجمة إنجليزية.
http://www.youtube.com/watch?v=9cidp2O1Qlk

قصص الأوبرات الثلاث السابقة، هي قصص تراجيديا وغيرة ومؤامرات وظلم وعنف ودماء، إلخ. تدل على أن الألحان الجميلة، ليست مقصورة على القصص السعيدة.

نجاح أعمال فيردي هذه، ساعدته على جمع ثروة طائلة، جعلته يعيش باقي عمره، حياة مريحة رغدة، تتناقض مع حياته السابقة.

بعد ذلك، جاءت بعض الأوبرات والأعمال الناجحة، تلاها فترة صمت أوبرالي. كان فيردي فيها يستجمع قواه لكي يفاجئ العالم مرة ثانية.

في هذه الأثناء، كانت إيطاليا تمر بثورة استقلال رهيبة. وكان فيردي يتبرع بأمواله للثورة. كانت ألحانه في طول البلاد وعرضها. يغنيها، جماعة ذوي القمصان الحمراء، أتباع بطل الوحدة والاستقلال الإيطالي "غاريبالدي".

بعد الاستقلال والوحد الإيطالية، "فيكتور عمانويل" أصبح ملك إيطاليا الحرة. طلب من فيردي أن يعمل بالسياسة. أنتخب مرة أو مرتين عضوا بالبرلمان. لكنه استقال، بحجة أن الموسيقى لا تترك له وقتا لممارسة السياسة.

انتهت فترة صمت فيري الأوبرالية في عام 1871م، عندما ظهرت أوبرا "عايدة".

بمناسبة افتتاح قناة السويس، أمر الخديوي اسماعيل ببناء دار أوبرا بالقاهرة فاخرة على النمط الأوروبي، دار الأوبرا الخديوية. قام المهندسان "بيترو أفوسكاني" و "روتسي" بتصميم المبنى على نمط دار أوبرا لاسكالا بميلانو، لكي يسع 850 مقعدا.

هي أول دار أوبرا في أفريقيا والشرق الأوسط. كانت تحفة فنية، قام الرسامون والمصورون بتجميلها برسوم وصور لكبار الفنانين والموسيقيين والشعراء. فضلا عن كونها تراث تاريخي لا يقدر بثمن.

افتتحت عام 1869م، وتم حرقها بالكامل عام 1971م. بني مكانها جراج متعدد الطوابق قبيح المنظر. دار الأوبرا الجديدة في أرض الجزيرة، بنيت بمنحة من الحكومة اليابانية عام 1988م.

قصة أوبرا عايدة ونصها الغنائي (ليبرتو)، كتبها عام 1870م، مارييت باشا، عالم المصريات، ومؤسس المتحف المصري في القاهرة، الموجود الآن بميدان التحرير. بناء على بردية اكتشفها عالم الآثار الفرنسي "أوجست ماريتا" في وادي النيل.

بعد ترجمة النص الغنائي إلى اللغة الإيطالية، سلمت إلى فيردي لكي يقوم بتلحينها مقابل 150 ألف فرنك ذهب. الملابس والديكورات بكلفة 250 ألف فرنك أخرى.

بسبب تأخر وصول الملابس والديكورات من باريس، لدواعي الحرب الفرنسية-البروسية، لم يكن في إمكان فرقة الأوبرا العالمية، التي حضرت خصيصا لهذا الغرض، من عرض أوبرا عايدة يوم افتتاح القناة. فقامت بعرض أوبرا "ريجوليتو" لفيري عوضا عنها.

في عام 1871م، تم عرض أوبرا عايدة على مسرح الأوبرا الخديوية بالقاهرة، ولم يتمكن فيردي من حضور العرض، لأنه كان يخشى ركوب البحر. ثم عرضت في أوروبا أول مرة على مسرح "لاسكالا" في إيطاليا عام 1872م.

تدور أحداث القصة أيام الفراعنة العظام في العاصمة منف، أثناء الثورة الإثيوبية. عندما كانت تنتشر ديانة إيزيس وأوزوريس. راداميس القائد المختار من الآلهة، ذهب بجيشه لإخماد الثورة، وعاد منتصرا.

أثاء هذه الأحداث، وقع في غرام "عايدة" الأميرة الإثيوبية. هي الآن أسيرة، صارت وصيفة لأميرة مصرية متعالية. ولسوء الحظ، الأميرة المصرية هي الأخرى تحب القائد الشاب راداميس. بدلا من الزواج من الأميرة المصرية، حاول راداميس الهرب مع حبيبته عايدة. تنكشف الخطة، ويحكم عليه بالإعدام عندما تثبت خيانته لوطنه، ويموت في النهاية هو وحبيبته عايدة.

الأوبرا رائعة، بها مناظر خلابة تبهر الأنظار. تأخذنا إلى عالم الفراعنة، حيث السماء الصافية والشمس الساطعة والمعابد والأهرامات وطريق الكباش، وشاطئي النيل المقدس وقاعة العدالة الرسمية.

يظهر جلالة الفرعون نفسه بملابسه البراقة المطعمة بالجواهر، وكذلك كبير الكهنة وصفوف الكهان بملابسهم البيضاء محلقون رؤوسهم، وفرق الجيش. نسمع الموسيقى المقدسة، ونشاهد الصبايا يعزفن الألحان على القيثارات والطبول، بينما الجواري يقمن بالرقص ونثر الزهور.

وضعت الموسيقى لهذا الحلم الرومانسي العظيم، حلم الحب والمجد، مع صبغة شرقية. مزجت فيها الموسيقى القديمة بالحديثة. التراتيل وأنغام القيثارات وصيحات الحرب والترانيم للإلهة إيزيس، وأغاني الحب والمجد والانتقام والرثاء واليأس. كل ذلك موجود في ألحان أوبرا عايدة.

موكب النصر من أوبرا عايدة لفيردي.
http://www.youtube.com/watch?v=saN4QbcB1Ug

جزء من موسيقى عايدة لفيردي، مع مناظر للنيل والأثار وبعض المشاهد من أفلام قديمة، تبين عظمة مصر القديمة.
http://www.youtube.com/watch?v=QnjY6nl7_zg

إلى عشاق الموسيقى الراقية في أسمى درجاتها، أهدي هذا التسجيل النادر لأوبرا عايدة. هنا "أرتورو تسكانيني" يتجلى في قيادة الأركسترا، العزف إعجاز والغناء أصوات ملائكية لا تتكرر كثيرا.

الأوبرا في 4 فصول، الفصل الثاني في جزئين، التسجيل قديم من عام 1949م، لكن الصوت جيد. غناء أكثر من رائع ل"هيرفا نيللي" و"ريتشارد توكر". كل ما تحتاجه، هو ترك الهموم، وليلة هادئة وفنجان قهوة.
الفصل الأول:
http://www.youtube.com/watch?v=OOxSKfqBgXo
الفصل الثاني الجزء الأول:
http://www.youtube.com/watch?v=o9fT52BPN0U
الفصل الثاني الجزء الثاني:
http://www.youtube.com/watch?v=CnkDyYDCkF4
الفصل الثالث:
http://www.youtube.com/watch?v=R5xCVEKWPf4
الفصل الرابع والأخير:
http://www.youtube.com/watch?v=myKmGygtPcM

أخيرا وصلت الملابس والديكورات. الأماكن كانت تحجز لشهور مقدما. شاهد العرض الأول، الحكام والأمراء والنبلاء وعلية القوم وكبار الأعيان، من كل أنحاء البلاد.

المشاهد الرائعة والألحان والأغاني العذبة الميلودي، أظهرت للمصريين عظمة جدودهم القدماء وجلال حضارتهم القديمة. الخديوي إسماعيل، كان مبتهجا بالعرض فخورا به. منح فيردي إلى جانب أجره، لقبا وأهداه صولجانا من العاج مرصعا بفصوص الياقوت، التي تكتب كلمة "عايدة"، بينما اسمه "فيردي"، يظهر مرصعا بالأحجار الكريمة وسط إكليل غار.

بعد موت روسيني، أراد الموسيقيون تكريم ذكراه. طُلب من 13 منهم الاشتراك في تأليف لحن قداس، يقوم كل منهم بتأليف جزء. على أن يعزف القداس في ذكرى روسيني مرة كل مئة عام. جاءت كل الألحان في غير المستوى المطلوب، فصرف النظر عن هذه الفكرة.

لكن الجزء الخاص بفيردي، هو الوحيد الذي نال الإعجاب. بعد موت الموسيقار "مازيني"، طلب من فيردي كتابة لحن جنائزي لهذه المناسبة.

عزف فيردي جزء القداس الذي ألفه سابقا لإحياء ذكري روسيني. وقد جاء رائعا مثل قداس روسيني نفسه، "ستابات ماتر"، مليئ بالعذوبة والجلال.

مرة ثانية، يمر فيردي بفترة صمت أوبرالي. ولا نسمع عن تلحينه لعمل جديد إلى أن يصل إلى سن 74 سنة، ويفاجئنا بأوبرا "عطيل". وهي أوبرا تراجيدية مبنية على أحداث مسرحية شيكسبير بنفس الإسم. روسيني له أيضا أوبرا بعنوان "عطيل"، ولكن عمل فيردي ألصق إلى الأصل من عمل روسيني.

"ديدمونة" و"إياجو" يأتيا إلى الصدارة من البداية إلى النهاية. لا ندري على أي لحن نركز، لحن الحب، أم لحن الكورس، أم أنغام المهرجانات أم أغنية ديدمونة وهي تبتهل، المرافقة لأنغام الهورن والباسون، التي بلغت شهرتها الآفاق.

ديدمونة بصوت "ريني فليمنج" في دعاء للسيدة العذراء، من أوبرا عطيل لفيردي.
http://www.youtube.com/watch?v=YIUAW2Fg6Zk

اكتظت دار أوبرا "لا سكالا" بمدينة ميلانو بالجمهور. اسم فيردي تردد أكثر من 20 مرة أثناء العرض. في الختام، اندفع الجمهور إلى عربة فيردي، وحملوه في الشوارع إلى الفندق وهم يهتفون "عاش فيردي".

فيردي الآن في الثمانين من العمر. قضى عمره يلحن الأوبرات التراجيدية. فماذا يستطيع أن يفاجئنا به غير الأوبرات الكوميدية؟ ومن ثم، جاءت أوبرا "فالستاف".

أوبرا "فالستاف" مليئة بالألحان المرحة البراقة. جعلت الجمهور يغرق في الضحك والسعادة. ومرة أخرى عاد فيردي إلى بيته محمولا على الأعناق. الملك "هوبيرت" لم يستطع حضور العرض الأول، فأرسل رسالة تهنئة إلى فيردي بهذه المناسبة، مليئة بالحب والتقدير.

لحن من "فالستاف" لفيردي غناء رائع ل"أنّا موفو".
http://www.youtube.com/watch?v=Uzwh1WJ0sfU

عندما عرضت في باريس، قوبل فيردي بحفاوة بالغة. وكان يقول: "هذه آخر أعمالي. لحنتها لمتعتي الشخصية. ولكن "بويتو" مؤلف النص الغنائي، أخرجها للجمهور".

أوبرات فيردي الثلاث: "عايدة"، "عطيل"، "فالستاف"، تمثل نقلة كبيرة من الناحية الفنة بالنسبة لفيردي. أثرى فيها، مثل فاجنر، دور الكورس، وجعل العمل الأركسترالي غني مليئ بالهارموني. في الواقع، هذه الأوبرات الثلاث، تمثل عبقرية دراماتيكية لا مثيل لها.

لم يكن فيردي بوهيمي مثل روسيني. كان يسكن في ميلانو وجنوة، ولكن يقضي معظم وقته في بيته الريفي في ضواحي بوسيتو، حيث يتلقى وحي الإلهام غالبا، أو في بعض الأحيان من موسيقى الكون أو صدى ألحان الفلاحين.

رجل منظم، يستيقظ باكرا. يعتني بحديقته وزهوره، ويستمتع برياضة المشي في المساء. الألقاب والنياشين تمنح له بغير حساب. لا من إيطاليا وحدها، ولكن أيضا من فرنسا والنمسا، وأيضا من خديوي مصر. في شكل أشرطة ونجوم تكفي لتغطية صدره بالكامل.

رفض لقب "ماركيز بوسيتو" من الملك "هومبيرت"، وفضل أن يبقى فيردي. كان يتبرع بمئات آلاف الدولارات للفقراء. تبرع لبناء مستشفي في "فيلينوفا"، افتتح عام 1888م. وأقام بالقرب من ميلانو، دارا للمسنين والمحتاجين من الموسيقيين.

في عام 1901م، توفي فيردي ودفن في ميلانو.

ولقصة الموسيقى الغربية بقية، فإلى اللقاء إن شاء الله.
[email protected]



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة الموسيقى الغربية – بيليني-دونيزيتي
- قصة الموسيقى الغربية – روسيني
- قصة الموسيقى الغربية – سيبونتيني
- قصة الموسيقى الغربية – كيروبيني
- لماذا المصالحة على الدستور؟
- قصة الموسيقى الغربية - الأوبرا
- الفن – الحديث
- الفن - الرمزي
- الفن - جوجان – سيزان
- الفن - ما بعد التأثيرية(فان جوخ)
- الفن التأثيري
- الفن الفرنسي – القرن 19
- الفن الفرنسي – القرن 18
- الفن الفرنسي – البداية
- الإخوان وحكم مصر
- الفن الإنجليزي – القرن 19
- الفن الإنجليزي – كونستابل - تيرنر
- الفن الإنجليزي – جينزبورو
- الفن الإنجليزي – رينولدز
- الفن الألماني – هانس هولباين


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - قصة الموسيقى الغربية – فيردي وأوبرا عايدة